عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 29 ذو الحجة 1439هـ/9-09-2018م, 04:53 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أفأصفاكم ربّكم بالبنين واتّخذ من الملائكة إناثًا إنّكم لتقولون قولا عظيمًا (40)}.
يقول تعالى رادًّا على المشركين الكاذبين الزّاعمين -عليهم لعائن اللّه -أنّ الملائكة بنات اللّه، فجعلوا الملائكة الّذين هم عباد الرّحمن إناثًا، ثمّ ادّعوا أنّهم بنات اللّه، ثمّ عبدوهم فأخطئوا في كلٍّ من المقامات الثّلاث خطأً عظيمًا، قال تعالى منكرًا عليهم: {أفأصفاكم ربّكم بالبنين} أي: خصّصكم بالذّكور {واتّخذ من الملائكة إناثًا} أي: اختار لنفسه على زعمكم البنات؟ ثمّ شدّد الإنكار عليهم فقال: {إنّكم لتقولون قولا عظيمًا} أي: في زعمكم للّه ولدًا، ثمّ جعلكم ولده الإناث الّتي تأنفون أن يكنّ لكم، وربّما قتلتموهن بالوأد، فتلك إذًا قسمة ضيزى. وقال [اللّه] تعالى: {وقالوا اتّخذ الرّحمن ولدًا * لقد جئتم شيئًا إدًّا* تكاد السّماوات يتفطّرن منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدًّا* أن دعوا للرّحمن ولدًا* وما ينبغي للرّحمن أن يتّخذ ولدًا* إن كلّ من في السّماوات والأرض إلا آتي الرّحمن عبدًا* لقد أحصاهم وعدّهم عدًّا* وكلّهم آتيه يوم القيامة فردًا} [مريم: 88 -95]). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 77]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولقد صرّفنا في هذا القرآن ليذّكّروا وما يزيدهم إلا نفورًا (41)}.
يقول تعالى: {ولقد صرّفنا في هذا القرآن ليذّكّروا} أي: صرّفنا فيه من الوعيد لعلّهم يذّكّرون ما فيه من الحجج والبيّنات والمواعظ، فينزجروا عمّا هم فيه من الشّرك والظّلم والإفك، {وما يزيدهم} أي: الظّالمين منهم {إلا نفورًا} أي: عن الحقّ، وبعدًا منه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 78]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل لو كان معه آلهةٌ كما يقولون إذًا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا (42) سبحانه وتعالى عمّا يقولون علوًّا كبيرًا (43)}.
يقول تعالى: قل يا محمّد لهؤلاء المشركين الزّاعمين أنّ للّه شريكًا من خلقه، العابدين معه غيره ليقرّبهم إليه زلفى: لو كان الأمر كما تقولون، وأنّ معه آلهةً تعبد لتقرّب إليه وتشفّع لديه -لكان أولئك المعبودون يعبدونه ويتقرّبون إليه ويبتغون إليه الوسيلة والقربة، فاعبدوه أنتم وحده كما يعبده من تدعونه من دونه، ولا حاجة لكم إلى معبودٍ يكون واسطةً بينكم وبينه، فإنّه لا يحبّ ذلك ولا يرضاه، بل يكرهه ويأباه. وقد نهى عن ذلك على ألسنة جميع رسله وأنبيائه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 78]

تفسير قوله تعالى: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ نزّه نفسه الكريمة وقدّسها فقال: {سبحانه وتعالى عمّا يقولون} أي: هؤلاء المشركون المعتدون الظّالمون في زعمهم أنّ معه آلهةً أخرى {علوًّا كبيرًا} أي: تعاليًا كبيرًا، بل هو اللّه الأحد الصّمد، الّذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 78]

تفسير قوله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({تسبّح له السّماوات السّبع والأرض ومن فيهنّ وإن من شيءٍ إلا يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنّه كان حليمًا غفورًا (44)}.
يقول تعالى: تقدّسه السّموات السّبع والأرض ومن فيهنّ، أي: من المخلوقات، وتنزّهه وتعظّمه وتجّلّه وتكبّره عمّا يقول هؤلاء المشركون، وتشهد له بالوحدانيّة في ربوبيّته وإلهيّته:
ففي كلّ شيءٍ له آيةٌ = تدلّ على أنّه واحدٌ
كما قال: تعالى: {تكاد السّماوات يتفطّرن منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدًّا * أن دعوا للرّحمن ولدًا * [وما ينبغي للرّحمن أن يتّخذ ولدًا]} [مريم: 90 -92].
وقال أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا عليّ بن عبد العزيز، حدّثنا سعيد بن منصورٍ، حدثنا مسكين ابن ميمونٍ مؤذّن مسجد الرّملة، حدّثنا عروة بن رويم، عن عبد الرّحمن بن قرطٍ؛ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري إلى المسجد الأقصى، كان بين المقام وزمزم، جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فطار به حتّى بلغ السّماوات السّبع، فلمّا رجع قال: سمعت تسبيحًا في السّماوات العلى مع تسبيحٍ كثيرٍ: سبّحت السّماوات العلى من ذي المهابة مشفقاتٍ لذي العلوّ بما علا سبحان العليّ الأعلى، سبحانه وتعالى.
وقوله: {وإن من شيءٍ إلا يسبّح بحمده} أي: وما من شيءٍ من المخلوقات إلّا يسبّح بحمد اللّه {ولكن لا تفقهون تسبيحهم} أي: لا تفقهون تسبيحهم أيّها النّاس؛ لأنّها بخلاف لغتكم. وهذا عامٌّ في الحيوانات والنّبات والجماد، وهذا أشهر القولين، كما ثبت في صحيح البخاريّ، عن ابن مسعودٍ أنّه قال: كنّا نسمع تسبيح الطّعام وهو يؤكل.
وفي حديث أبي ذرٍّ: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أخذ في يده حصياتٍ، فسمع لهنّ تسبيحٌ كحنين النّحل، وكذا يد أبي بكرٍ وعمر وعثمان، رضي اللّه عنهم [أجمعين]، وهو حديثٌ مشهورٌ في المسانيد.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا ابن لهيعة، حدّثنا زبّان، عن سهل بن معاذ بن أنسٍ، عن أبيه رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه مرّ على قومٍ وهم وقوفٌ على دوابٍّ لهم ورواحل، فقال لهم: "اركبوها سالمةً، ودعوها سالمةً، ولا تتّخذوها كراسيّ لأحاديثكم في الطّرق والأسواق، فربّ مركوبةٍ خيرٌ من راكبها، وأكثر ذكرًا للّه منه".
وفي سنن النّسائيّ عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن قتل الضّفدع، وقال: "نقيقها تسبيحٌ".
وقال قتادة، عن عبد اللّه بن بابي، عن عبد اللّه بن عمرٍو: أنّ الرّجل إذا قال: "لا إله إلّا اللّه"، فهي كلمة الإخلاص الّتي لا يقبل اللّه من أحدٍ عملًا حتّى يقولها. وإذا قال: "الحمد للّه" فهي كلمة الشّكر الّتي لم يشكر اللّه عبدٌ قطّ حتّى يقولها، وإذا قال: "اللّه أكبر" فهي تملأ ما بين السّماء والأرض، وإذا قال: "سبحان اللّه"، فهي صلاة الخلائق التي لم يدع الله أحدًا من خلقه إلّا قرّره بالصّلاة والتّسبيح. وإذا قال: "لا حول ولا قوّة إلّا باللّه "، قال: أسلم عبدي واستسلم.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا وهب بن جريرٍ، حدّثنا أبي، سمعت الصّقعب بن زهير [يحدّث] عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلم أعرابيّ عليه جبة من طيالسةٍ مكفوفةٌ بديباجٍ -أو: مزوّرةٌ بديباجٍ -فقال: إنّ صاحبكم هذا يريد أن يرفع كلّ راعٍ ابن راعٍ، ويضع كلّ رأسٍ ابن رأسٍ. فقام إليه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مغضبًا، فأخذ بمجامع جبّته فاجتذبه، فقال: "لا أرى عليك ثياب من لا يعقل". ثمّ رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فجلس فقال: "إنّ نوحًا، عليه السّلام، لمّا حضرته الوفاة، دعا ابنيه فقال: إنّي قاصٌّ عليكما الوصيّة: آمركما باثنتين وأنهاكما عن اثنتين: أنهاكما عن الشّرك باللّه والكبر، وآمركما بلا إله إلّا اللّه، فإنّ السّماوات والأرض وما بينهما لو وضعت في كفّة الميزان، ووضعت "لا إله إلّا اللّه" في الكفّة الأخرى، كانت أرجح، ولو أنّ السّماوات والأرض كانتا حلقةً، فوضعت "لا إله إلّا اللّه" عليهما لفصمتهما أو لقصمتهما. وآمركما بسبحان اللّه وبحمده، فإنّها صلاة كلّ شيءٍ، وبها يرزق كلّ شيءٍ".
ورواه الإمام أحمد، أيضًا، عن سليمان بن حربٍ، عن حمّاد بن زيدٍ، عن الصّقعب بن زهيرٍ، به أطول من هذا. تفرّد به.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني نصر بن عبد الرّحمن الأوديّ، حدّثنا محمّد بن يعلى، عن موسى بن عبيدة، عن زيد بن أسلم، عن جابر بن عبد اللّه، رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ألا أخبركم بشيءٍ أمر به نوحٌ ابنه؟ إنّ نوحًا، عليه السّلام، قال لابنه: يا بنيّ، آمرك أن تقول: "سبحان اللّه"، فإنّها صلاة الخلق وتسبيح الخلق، وبها يرزق الخلق، قال اللّه تعالى: {وإن من شيءٍ إلا يسبّح بحمده} إسناده فيه ضعفٌ، فإنّ الرّبذيّ ضعيفٌ عند الأكثرين.
وقال عكرمة في قوله تعالى: {وإن من شيءٍ إلا يسبّح بحمده} قال: الأسطوانة تسبّح، والشّجرة تسبّح -الأسطوانة: السّارية.
وقال بعض السّلف: إنّ صرير الباب تسبيحه، وخرير الماء تسبيحه، قال اللّه تعالى: {وإن من شيءٍ إلا يسبّح بحمده}
وقال سفيان الثّوريّ، عن منصورٍ، عن إبراهيم قال: الطّعام يسبّح.
ويشهد لهذا القول آية السّجدة أوّل [سورة] الحجّ.
وقال آخرون: إنّما يسبّح ما كان فيه روحٌ. يعنون من حيوانٍ أو نباتٍ.
وقال قتادة في قوله: {وإن من شيءٍ إلا يسبّح بحمده} قال: كلّ شيءٍ فيه الرّوح يسبّح من شجرٍ أو شيءٍ فيه.
وقال الحسن، والضّحّاك في قوله: {وإن من شيءٍ إلا يسبّح بحمده} قالا كلّ شيءٍ فيه الرّوح.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا محمّد بن حميدٍ، حدّثنا يحيى بن واضحٍ وزيد بن حبابٍ قالا حدّثنا جريرٌ أبو الخطّاب قال: كنّا مع يزيد الرّقاشي، ومعه الحسن في طعامٍ، فقدّموا الخوان، فقال يزيد الرّقاشيّ: يا أبا سعيدٍ، يسبّح هذا الخوان؟ فقال: كان يسبّح مرّةً.
قلت: الخوان هو المائدة من الخشب. فكأنّ الحسن، رحمه اللّه، ذهب إلى أنّه لمّا كان حيًّا فيه خضرةٌ، كان يسبّح، فلمّا قطع وصار خشبةً يابسةً انقطع تسبيحه. وقد يستأنس لهذا القول بحديث ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مرّ بقبرين فقال: "إنّهما ليعذّبان، وما يعذّبان في كبيرٍ، أمّا أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأمّا الآخر فكان يمشي بالنّميمة". ثمّ أخذ جريدةً رطبةً، فشقّها نصفين، ثمّ غرز في كلّ قبرٍ واحدةً، ثمّ قال: "لعلّه يخفّف عنهما ما لم ييبسا". أخرجاه في الصّحيحين.
قال بعض من تكلّم على هذا الحديث من العلماء: إنّما قال: "ما لم ييبسا" لأنّهما يسبّحان ما دام فيهما خضرةٌ، فإذا يبسا انقطع تسبيحهما، واللّه أعلم.
وقوله [تعالى] {إنّه كان حليمًا غفورًا} أي: إنّه [تعالى] لا يعاجل من عصاه بالعقوبة، بل يؤجّله وينظره، فإن استمرّ على كفره وعناده أخذه أخذ عزيزٍ مقتدرٍ، كما جاء في الصّحيحين: "إنّ اللّه ليملي للظّالم، حتّى إذا أخذه لم يفلته". ثمّ قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وكذلك أخذ ربّك إذا أخذ القرى وهي ظالمةٌ إنّ أخذه أليمٌ شديدٌ} [هود: 102] الآية، وقال [اللّه] تعالى: {وكأيّن من قريةٍ أمليت لها وهي ظالمةٌ ثمّ أخذتها وإليّ المصير} [الحجّ: 48]. ومن أقلع عمّا هو فيه من كفرٍ أو عصيانٍ، ورجع إلى اللّه وتاب إليه، تاب عليه، كما قال تعالى: {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورًا رحيمًا} [النّساء: 110].
وقال هاهنا: {إنّه كان حليمًا غفورًا} كما قال في آخر فاطرٍ: {إنّ اللّه يمسك السّماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحدٍ من بعده إنّه كان حليمًا غفورًا} إلى أن قال: {ولو يؤاخذ اللّه النّاس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابّةٍ ولكن يؤخّرهم إلى أجلٍ مسمًّى فإذا جاء أجلهم فإنّ اللّه كان بعباده بصيرًا} [فاطرٍ: 41 -45]). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 78-81]

رد مع اقتباس