عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م, 10:14 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإما تعرضن} الآية. الضمير في "عنهم" عائد على من تقدم ذكره من المساكين وبني السبيل، فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية -إذا سأله منهم أحد فلم يجد عنده ما يعطيه، فقابله رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإعراض تأدبا منه في أن لا يرده تصريحا، وانتظارا لرزق من الله تعالى يأتي فيعطي منه -أن يكون يؤنسه بالقول الميسور، وهو الذي فيه الترجية بفضل الله، والتأنيس بالميعاد الحسن، والدعاء في توسعة الله تعالى وعطائه. وروي أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول بعد نزول هذه الآية -إذا لم يكن عنده ما يعطي-: "يرزقنا الله وإياكم من فضله"، فالرحمة -على هذا التأويل- الرزق المنتظر، وهذا قول ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وقال ابن زيد: الرحمة: الأجر والثواب، وإنما نزلت الآية في قوم كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأبى أن يعطيهم، لأنه كان يعلم منهم نفقة المال في فساد، فكان يعرض عنهم رغبة الأجر في منعهم، لئلا يعينهم على فسادهم، فأمره الله تبارك وتعالى بأن يقول لهم قولا ميسورا يتضمن الدعاء في الفتح لهم والإصلاح.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وقال بعض أهل التأويل الأول: نزلت الآية في عمار بن ياسر وصنفه، و"الميسور" مفعول من لفظة اليسر، تقول: يسرت لك كذا إذا أعددته). [المحرر الوجيز: 5/466]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة} الآية. روي عن قالون: "كل البصط" بالصاد، ورواه الأعشى عن أبي بكر، واستعير لليد المقبوضة جملة عن الإنفاق المتصفة بالبخل الغل إلى العنق، واستعير لليد التي تستنفد جميع ما عندها غاية البسط، ضد الغل، وكل هذا في إنفاق الخير، وأما إنفاق الفساد فقليله وكثيره حرام.
وهذه الآية ينظر إليها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل البخيل والمتصدق.." الحديث بكماله. والملامة هنا لاحقة ممن يطلب من المستحقين فلا يجد ما يعطي. و"المسحور": المقعد الذي قد استنفدت قوته، تقول: حسرت البعير إذا أتعبته حتى لم تبق له قوة، فهو حسير، ومنه قول الشاعر:
لهن الوجا لم كن عونا على السرى ... ولا زال منها طالع وحسير
ومنه: البصر الحسير، وهو الكال. وقال ابن جريج وغيره في معنى هذه الآية: لا تمسك عن النفقة فيما أمرتك به من الحق، ولا تبسطها كل البسط فيما نهيتك عنه. وقال قتادة: التبذير: النفقة في معصية، وقال مجاهد: لو أنفق إنسان ماله كله في حق لم يكن تبذيرا، ولو أنفق مدا في باطل كان تبذيرا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا فيه نظر، ولا يعطي البسط معنى لم يبح فيما نهي عنه، ولا يقال في المعصية:
[المحرر الوجيز: 5/467]
"ولا تبذر"، وإنما يقال: "ولا تنفق ولو باقتصاد وقوام"، ولله در ابن عباس، وابن مسعود رضي الله عنهما فإنهما قالا: "التبذير: الإنفاق في غير حق"، فهذه عبارة تعم المعصية والسرف المباح، وإنما نبهت هذه الآية على استفراغ الجهد فيما يطرأ أولا من سؤال المؤمنين; لئلا يبقى من يأتي بعد ذلك لا شيء له، ولئلا يضيع المنفق عيالا، ونحوه ومن كلام الحكمة: "ما رأيت قط سرفا إلا ومعه حق مضيع"، وهذه من آيات فقه الحال، ولا يبين حكمها إلا باعتبار شخص من الناس). [المحرر الوجيز: 5/468]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله: {إن ربك يبسط الرزق}، المعنى: كن أنت يا محمد على ما رسم لك من الاقتصاد وإنفاق القوام، ولا يهمنك فقر من تراه كذلك، فإنه بمرأى من الله وبمسمع، وبمشيئة. و"يقدر" معناه: يضيق.
وقوله تعالى: {إنه كان بعباده خبيرا بصيرا}، أي: يعلم مصلحة قوم في الفقر، ويعلم مصلحة آخرين في الغنى. وقال بعض المفسرين -وحكاه الطبري -: إن الآية إشارة إلى حال العرب التي كانت يصلحها الفقر، وكانت إذا شبعت طغت وقتلت غيرها وأغارت، وإذا كان الجوع والقحط شغلهم). [المحرر الوجيز: 5/468]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا}
قرأ الأعمش، وابن وثاب: "ولا تقتلوا" بتضعيف الفعل.
وهذه الآية نهي عن الوأد الذي كانت العرب تفعله، وهو قوله تعالى: {وإذا الموءودة سئلت}، ويقال: كان جهلهم يبلغ إلى أن يغز واحد منهم كلبه ويقتل ولده، و"خشية" نصب على المفعول من أجله، و"الإملاق": الفقر وعدم المال، أملق الرجل: لم يبق له إلا الملقات، وهي الحجارة العظام الملس السود. وقرأ الجمهور: "خطئا" بكسر الخاء وسكون الطاء، وبالهمز والقصر، وقرأ ابن عامر: "خطأ" بفتح
[المحرر الوجيز: 5/468]
الخاء والطاء والهمزة مقصورة، وهي قراءة أبي جعفر، وهاتان قراءتان مأخوذتان من: خطئ إذا أتى الذنب على عمد، فهي: كحذر وحذر ومثل ومثل وشبه وشبه اسم ومصدر، ومنه قول الشاعر:
الخطء فاحشة والبر نافلة ... كعجوة غرست في الأرض تؤتبر
قال الزجاج: خطئ الرجل يخطأ خطئا، مثل: أثم يأثم إثما، فهذا هو المصدر، وخطأ اسم منه، وقال بعض العلماء: خطئ معناه واقع الذنب مع التعمد، وأخطأ إذا واقعة من غير تعمد، ومنه قوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}، وقال أبو علي الفارسي: وقد يقع هذا موضع هذا وهذا موضع هذا، فأخطأ بمعنى تعمد في قول الشاعر:
عبادك يخطئون وأنت رب ... كريم لا يليق بك الذموم
وخطئ بمعنى لم يتعمد في قول الآخر:
والناس يلحون الأمير إذا هم ... خطئوا الصواب ولا يلام المرشد
[المحرر الوجيز: 5/469]
وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: "خطأ" بفتح الخاء وسكون الطاء وهمزه، وقرأ ابن كثير: "خطاء" بكسر الخاء وفتح الطاء ومد الهمزة، وهي قراءة الأعرج بخلاف- وطلحة، وشبل، والأعمش، وعيسى، وخالد بن إلياس، وقتادة، والحسن بخلاف-، قال النحاس: ولا أعرف لهذه القراءة وجها، وكذلك جعلها أبو حاتم غلطا، قال أبو علي الفارسي: هي مصدر من خاطأ يخاطئ وإن كنا لم نجد خاطأ، ولكن وجدنا تخاطأ، وهو مطاوع خاطأ، فدلنا عليه، ومنه قول الشاعر:
تخطأت النبل أحشاءه ... وأخر يومي فلم أعجل
وقول الآخر في صفة كمأة:
تخاطأه القناص حتى وجدته ... وخرطومه في منقع الماء راسب
فكأن هؤلاء الذين يقتلون أولادهم يخاطئون الحق والعدل. وقرأ الحسن -فيما روي عنه-: "خطاء" بفتح الخاء والطاء والمد في الهمزة. قال أبو حاتم: لا يعرف هذا
[المحرر الوجيز: 5/470]
في اللغة، وهو غلط غير جائز، وليس كما قال أبو حاتم، قال أبو الفتح: الخطاء من "أخطأت" بمنزلة العطاء من "أعطيت"، هو اسم بمعنى المصدر. وقرأ الحسن بخلاف-: "خطأ" بفتح الخاء والطاء منونة من غير همز. وقرأ أبو رجاء، والزهري: "خطا" بكسر الخاء وفتح الطاء كالتي قبلها، وهاتان مخففتان من: خطأ وخطأ). [المحرر الوجيز: 5/471]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولا تقربوا الزنا} تحريم، والزني يمد ويقصر، فمن قصره الآية، وهي لغة جميع كتاب الله، ومن مده قول الفرزدق:
أبا حازم من يزن يعرف زناؤه ... ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرا
ويروى: أبا خالد، و"الفاحشة": ما يستتر به من المعاصي لقبحه.
و"سبيلا" نصب على التمييز، التقدير: وساء سبيله سبيلا، أي لأنه يؤدي إلى النار). [المحرر الوجيز: 5/471]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولا تقتلوا} وما تقدم قبله من الأفعال جزم بالنهي.
وذهب الطبري إلى أنها عطف على قوله: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه}، والأول أصوب وأبرع للمعنى.
والألف واللام التي في "النفس" هي للجنس، و"الحق" الذي تقتل به النفس هو ما فسره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "لا يحل دم المسلم إلا إحدى ثلاث خصال: كفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس أخرى".
[المحرر الوجيز: 5/471]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وتتصل بها أشياء هي راجعة إليها، فمنها قطع الطريق لأنه في معنى قتل النفس، وهي الحرابة، ومن ذلك الزندقة، ومسألة ترك الصلاة لأنها في معنى الكفر بعد الإيمان، ومنه قتل أبي بكر رضي الله عنه منعة الزكاة، وقتل من امتنع في المدن من فروض الكفاية.
وقوله تعالى: "مظلوما" نصب على الحال، ومعناه: بغير هذه الوجوه المذكورة.
و "الولي: القائم بالدم وهو من ولد الميت، أو ولده الميت، أو جمعه وإياه أب، ولا مدخل للنساء في ولاية الدم عند جماعة من العلماء، ولهن ذلك عند أخرين. و"السلطان": الحجة والملك الذي جعل إليه من التخيير في قبول الدية أو العفو، قاله ابن عباس والضحاك. وقال قتادة: "السلطان": القود.
وقرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم: "فلا يسرف" بالياء، وهي قراءة الجمهور، أي الولي، لا يتعدى أمر الله، والتعدي هو أن يقتل غير قاتل وليه من سائر القبيلة، أو يقتل اثنين بواحد، وغير وذلك من وجوه التعدي، وهذا كله كانت العرب تفعله، فلذلك وقع التحذير منه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أعتى الناس على الله ثلاثة: رجل قتل غير قاتل وليه، أو قتل بدحن الجاهلية، أو قتل في حرم الله"، وقالت فرقة: المراد بقوله تعالى: {فلا يسرف} القاتل الذي يتضمنه الكلام، والمعنى: فلا يكن أحد من المسرفين بأن يقتل نفسا، فإنه يحصل في سياق هذا الحكم. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي: "فلا تسرف" بالتاء من فوق، وهي قراءة حذيفة، ويحيى بن وثاب، ومجاهد -بخلاف والأعمش، وجماعة. قال الطبري: على معنى الخطاب للنبي عليه السلام ولأمته بعده، أي: فلا تقتلوا غير القاتل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويصح أن يراد به الولي، أي: فلا تسرف أيها الولي في قتل أحد متحصل في هذا
[المحرر الوجيز: 5/472]
الحكم. وقرأ أبو مسلم السراج صاحب الدعوة العباسية: "فلا يسرف" بضم الفاء، على معنى الخبر لا على معنى النهي. والمراد على هذا التأويل- الولي فقط.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي الاحتجاج بأبي مسلم في القراءة نظر. وفي قراءة أبي بن كعب "فلا تسرفوا في القتل إن ولي المقتول كان منصورا". والضمير في قوله تعالى: "إنه" عائد على الولي، وقيل: على المقتول، وهو عندي أرجح الأقوال; لأنه المظلوم، ولفظة النصر تقابل أبدا الظلم، كقوله عليه الصلاة والسلام: "ونصر المظلوم وإبرار القسم"، وكقوله صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، إلى كثير من الأمثلة. وقيل: على القتل، وقال أبو عبيد: على القاتل; لأنه إذا قتل في الدنيا وخلص بذلك من عذاب الآخرة فقد نصر.
[المحرر الوجيز: 5/473]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا ضعيف بعيد المقصد.
وقال الضحاك: هذه أول ما نزل من القرآن بشأن القتل، وهي مكية). [المحرر الوجيز: 5/474]

رد مع اقتباس