عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 24 شوال 1435هـ/20-08-2014م, 06:56 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

ذكر الإمالة وأن من وجوه القراءة الصحيحة الإمالة المحضة والمتوسطة والتفخيم وكل ذلك لسانه صلى الله عليه وسلم

كلام السخاوى: {
والإمالة والتفخيم لغتان، وبجميع ذلك نزل القرآن، وليس بعض القراءة بذلك أولى من بعض، ولم يزل نقل ذلك متواترا من زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وصل إلينا...}
قَالَ عَلَمُ الدِّينِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت: 643هـ): (والإمالة والتفخيم لغتان، وبجميع ذلك نزل القرآن، وليس بعض القراءة بذلك أولى من بعض، ولم يزل نقل ذلك متواترا من زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وصل إلينا.
وقد روي في الإمالة آثار أنا ذاكرها: من ذلك ما روى صفوان بن عسال أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: {يا يحيى} فقيل له: يا رسول الله، تميل وليس هي لغة قريش؟ فقال: ((هي لغة الأخوال بني سعد)) وحدثنا أبو البركات البغدادي، حدثنا المبارك بن الحسن بن أحمد بن علي الشهرزوري، أنا أبو الحسن علي بن الحسين بن أيوب البزاز، ثنا عبد الغفار بن محمد بن جعفر المؤذن، ثنا أبو علي محمد بن أحمد ابن الحسن بن إسحق الصواف، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا محمد بن سعدان الضرير، ثنا أبو عاصم الكوفي الضرير عن محمد بن عبد الله، عن عاصم، عن زر بن حبيش قال: قرأ رجل على عبد الله بن مسعود {طه} ولم يكسر، فقال عبد الله بن مسعود: {طه} وكسر الطاء والهاء، فقال الرجل: {طه} ولم يكسر، فقال عبد الله {طه} وكسر، ثم قال عبد الله: "والله لهكذا علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقال أبو عبد الرحمن السلمي: أقرأني علي بن أبي طالب: {رأى كوكبا } بالإمالة.
****وحدثنا أبو القاسم بن فيزه الشاطبي شيخنا رحمه الله، ثنا أبو الحسن بن هذيل، ثنا أبو داود عن أبي عمرو الداني قال: الفتح والإمالة فيما اختلف القراء فيه لغتان مشهورتان مستعملتان فاشيتان على ألسنة القراء والفصحاء من العرب الذين نزل القرآن بلغتهم. قال: والفتح لغة أهل الحجاز، والإمالة لغة عامة أهل نجد من تميم وأسد وقيس. قال: والفتح عند علمائنا الأصل والإمالة فرع داخل عليه،
ودليل ذلك خمسة أوجه:
أحدها: أن كل حرف يمال فجائز أن يفتح ابتداء، ولا يجوز أن يمال إلا عند وجود سبب يدعو إلى إمالته كالياء والكسرة ونحوهما.
والثاني: أن الإمالة تجعل الحرف بين حرفين، وليس الأصل أن يكون الحرف بين حرفين، وإنما الأصل أن يخرج كل حرف من موضعه خالصا غير مختلط بغيره.
الثالث: إطلاق النحويين القول بجواز رسم ما كان من ذوات الياء بالألف التي الفتح منها وإن لم يقع فيه إشكال.
والرابع: أن الكاتب إذا أشكل عليه الحرف فلم يدر أمن ذوات الياء هو أو من ذوات الواو رسمه بالألف لا غير.
والخامس: أن الصحابة رضوان الله عليهم رسموا في المصاحف كلها {الصلاة} و{الزكاة} و{الحياة} و{النجاة} و{مشكاة} و{مناة الثالثة} بالواو.
وقال النحاة: رسموها كذلك على لغة أهل الحجاز لشدة تفخيمهم، فتوهموا لشدة الفخامة أنها واو فرسموها على ذلك.
فهذا كله يدل على أن الأصل الفتح، وإنما عدل عنه من اختار الإمالة من القراء والعرب رغبة في أن يتناسب الصوت بمكانها ولا يختلف فيخف على اللسان ويسهل في النطق.
قلت: أما القراء فما قرأ أحد منهم بالإمالة لما ذكره، وإنما قرأ بها من قرأ لما رواه ونقله، ألا ترى أنهم يميلون الشيء في موضع ويفتحونه بعينه في موضع آخر.
قال أبو عمرو: فلذلك نحا بالفتحة نحو الكسرة فمالت الألف التي بعدها نحو الياء، ولا بد في الألف الممالة من هذا، وذلك أنها صوت لا معتمد لها في الفم، فلا تكون أبدا إلا تابعة للحركة التي قبلها تدبرها، فلذلك إذا أريد تقريبها من الياء بالإمالة تخفيفا وتسهيلا لزم أن تقرب الفتحة التي قبلها من الكسرة، إذ الكسرة من الياء فتقوى بذلك على إمالة الألف بعدها.
قال: والفتح على ضربين:
فتح شديد، وفتح متوسط:
فالفتح الشديد: هو نهاية فتح القارئ لفيه بلفظ الحرف الذي يأتي بعد ألف، ويسمى أيضا التفحيم، والقراء يعدلون عنه ولا يستعملونه، وأكثر ما يوجد في ألفاظ أهل خراسان ومن قرب منهم، لأن طباعهم في العجمة جرت عليه، فاستعملوه كذلك في اللغة العربية، وهو في القراءة مكروه معيب. قلت: قوله: هو نهاية فتح القارئ لفيه بلفظ الحرف الذي يأتي بعده ألف – لو أبدل لفظه القارئ بالمتكلم كان أشد.
والفتح المتوسط: هو ما بين الفتح الشديد والإمالة المتوسطة، وهو الذي يستعمله أصحاب الفتح من القراء كابن كثير وعاصم وغيرهما.
قال: والإمالة أيضا على ضربين:
متوسطة وشديدة: القراء يستعملونهما معا.
فالإمالة المتوسطة: هي أن يؤتى بالحرف بين الفتح المتوسط وبين الإمالة الشديدة.
والإمالة الشديدة: هي أن تقرب الفتحة من الكسرة، والألف من الياء من غير قلب خالص ولا إشباع مبالغ، والمصنفون من القراء المتقدمين قد يعبرون عن هذين الضربين من الممال بالكسر مجازا واتساعا كما يعبرون عن الفتح بالتفخيم، ويعبرون أيضا عنها بالبطح والإضجاع.
قلت: وقد عبر عنها سيبويه بالإجناح.
قال أبو عمرو: وذلك كله حسن مستعمل، بدليل تسمية العرب الشيء باسم ما هو منه، وما قاربه وجاوره، وكان بسبب منه وتعلق به ضربا من التعلق، قال: ولهذا يعبر عن الإشمام بالضم في نظائر لذلك.
ثم قال: وعلماؤنا مختلفون في أي هذه الأوجه الثلاثة أوجه من طريق النظر وأولى من جهة القياس:
فقال بعضهم: أوجهها وأولاها الفتح إذ هو الأصل، وممن ذهب إلى ذلك أبو عبيد القاسم بن سلام، واحتج بالحديث المروي عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما حدثنا محمد بن أحمد بن علي، قال: ثنا محمد بن القاسم، ثنا بشر بن موسى، ثنا محمد بن مقاتل، أخبرنا عمار بن عبد الملك قال: حدثني محمد بن عبد العزيز القرشي قاضي المدينة، حدثنا أبو الزناد عن خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نزل القرآن بالتفخيم)).
قال أبو عمرو: قال أبو عبيد: ولو نظر في مثل هذا – يعني فيما أميل لانقلاب ألفه من ياء إلى الأصل للزم من رد الياء إلى الياء أن يرد الواو إلى الواو، وهم إنما يرجعون الواو إلى الألف، فيقولون عفا ودنا بالألف لأنهما من عفوت ودنوت. قال أبو عبيد: واحتجوا في الإضجاع بالخط، فقالوا: رأينا المصاحف كلها بالياء في هذه الحروف، ثم قال: والذي عندنا في ذلك أنه يلزم من أضجع اتباعا للخط أن يضجع "على" و"إلى" و"لدى": لأنهن جميعا كتبن بالياء، وليس أحد يتكلم بهن بالإضجاع.
قال أبو عمرو: وقال آخرون: أوجهها الإمالة لموافقتها المرسوم المجتمع عليه.
وقال غيرهم: بل أوجهها الإمالة المتوسطة التي هي بين بين، وإلى ذلك ذهب الفراء وجماعة من العلماء، وهو القول عندي، وذلك لأمور ثلاثة:
أحدها: أن في ذلك إعلاما بأن أصل الألف الياء، وتنبيها على انقلاب الألف إلى الياء كما هو في الإمالة المحضة، إذ ذلك ضرب منها.
قلت: إنما يصح هذا الذي ذكره أبو عمرو لو كانت الإمالة تختص بذوات الياء، فقد أميل جملة مما هو من ذوات الواو.
قال أبو عمرو: والثاني موافقة رسم الإمام الذي ألزم أهل الإسلام اتباعه بإجماع من الصحابة الذين هم الحجة، وذلك أن عامة الحروف المختلف فيها مرسومة فيه يالياء والإمالة منها.
قلت: إنما قرأ القراء بما نقلوه ولم يعتمدوا على الخط، وإن كانوا مجمعين على القراءة بما في المصحف لا بما يخالفه، فأما الكتابة فما اعتمدوا في القراءة عليها دون النقل، ألا ترى أنهم لم يتبعوا في القراءة رسم {الحياة} و{الزكاة} و{الصلاة}، ورسم {ولأوضعوا} و{لإلى الجحيم} و{لأذبحنه}، وإذا كان الأمر على هذا لم يلزم من قرأ بالتفخيم معتمدا على النقل ما ذكره أبو عمرو.
قال أبو عمرو: والثالث: أن المعنى لا يتغير بذلك، بل هو باق على توفره مع زيادة الأمرين اللذين ذكرناهما. قلت: وهذا الذي ذكره أبو عمرو رحمه الله لا يقتضي اختيار الإمالة المتوسطة على الإمالة المحضة ولا على التفخيم، أما الإمالة المحضة فلا يتغير فيها أيضا المعنى كما لا يتغير في المتوسطة، وأما التفخيم فكيف يلزم من نقله عن أئمته أن يتركه إلى الإمالة المتوسطة، لأنها لا تغير المعنى، والذي ذكره هؤلاء الأئمة من الاختلاف في اختيار أحد المذاهب الثلاثة سهو منهم، لأنهم معترفون بأن الإمالة من وجوه القراءات السبعة التي نزل بها، وكذلك التفخيم.
وإمالة التوسط، فكيف يصح مع هذا أن يقال: هذا أولى من هذا، وقد دلت الأخبار الصحيحة على أن الإمالة قد نطق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي حديث الغامدية: ((إما لا فاذهبي حتى تضعيه)) فرووا عنه صلى الله عليه وسلم (إمالا) بالإمالة وقد قال الله تعالى: {فإنما يسرناه بلسانك} فالإمالة المحضة والمتوسطة والتفخيم كل ذلك لسانه صلى الله عليه وسلم.
ثم قال أبو عمرو رحمه الله مجيبا لأبي عبيد: فأما ما احتج به أبو عبيد رحمه الله في اختيار الفتح وتغليبه بذلك على الإمالة، فلا يلزم من خالفه، إذليس بدليل قاطع لاحتماله من وجوه، الصواب ما هو أولى من الوجه الذي وجهه إليه وذلك أن الحديث المسند الذي فيه ((نزل القرآن بالتفخيم)) لا يدل ظاهره على أن التفخيم أحسن الوجوه كما ذهب إليه، وإنما يدل على أن القرآن نزل بذلك ليعلم صحته وجوازه وإباحة القراءة به، والكل قائل بذلك ومستعمل له غير مخالف فيه، ولا راد له، كما يقول بالإمالة ويستعملها لورود الخبر بها أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثنا علي بن محمد بن خلف المالكي قراءة عليه، حدثنا عبد الله بن أبي هاشم ثنا عيسى بن مسكين وأحمد بن سليمان قالا: حدثنا سحنون بن سعيد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري، عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه)). قال: وكما حدثنا علي بن محمد بن عبد الله قراءة عليه، حدثنا عبد الله بن مسرور، ثنا يوسف بن يحيى المغامي، ثنا عبد الملك بن حبيب حدثني طلق بن السمح وأسد بن موسى قال: وحدثنا خلف بن إبراهيم المقرئ، ثنا أحمد بن محمد المكي، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو عبيد، ثنا نعيم بن حماد، قال أبو عمرو: وحدثنا عبد الرحمن بن عثمان قراءة عليه، ثنا أحمد بن ثابت التغلبي، ثنا سعيد بن عثمان الأعناقي، ثنا نصر بن مرزوق، ثنا علي بن معبد، قالوا: أخبرنا بقية بن الوليد، عن حصين بن مالك الفزاري، عن حذيفة بن اليمان أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اقرءوا القرآن بألحان العرب))، وقال علي بن معبد ونعيم: ((بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابين)).
وقال أبو عمرو: فالإمالة لا شك من الأحرف السبعة ومن لحون العرب وأصواتها، فإن لحونها وأصواتها مذاهبها وطباعها، فقد ثبت بها الخبر، وصحت بها القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ثبت الخبر بالفتح، وصحت به القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا لم يكن كذلك، ولم يكن في ذلك الخبر دلالة على أن التفخيم أحسن الوجوه لا لفظا ولا معنى لم يلزم احتجاج أبي عبيد به من خالفه.
قلت: وكذلك ما أورده أبو عمرو رحمه الله من الحديث يمنع ما صار إليه من اختيار الإمالة المتوسطة إذا كان معنى السبعة الأحرف ما ذكره.
ثم قال أبو عمرو: على أن هذا الخبر يحتمل وجهين من الصواب سوى ما ذكره، وهما أولى به لصحة دليلهما: أحدهما أن يكون معنى ((نزل القرآن بالتفخيم)) أي بالغلظة والشدة على المشركين كما قال عز من قائل: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد}.
وقال عز وجل: {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلوكم كافة}، وقال الله عز وجل: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله..} الآية، وقال: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم}.
وقال: {فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان} في نظائر لذلك من الآي المنزل بالغلظة والشدة عليهم.
قلت: هذا القول في تفسير الخبر بعيد، لأنه إن كان معنى التفخيم الشدة، فقد نزل بالرحمة والرأفة، قال الله عز وجل: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} وقال عز وجل: {فاصفح عنهم وقل سلام}، وقال تعالى: {فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا}، وإنما يقال منطق فخم: إذا كان جزل الألفاظ.
قال أبو عمرو: والوجه الثاني: أن يكون معنى ((نزل بالتفخيم)) أي بالتعظيم والتبجيل: أي: عظموه وبجلوه، فحض بذلك على تعظيم القرآن وتبجيله.
قال: وهذان الوجهان أن أظهر من الوجه الذي ذكره في هذا الخبر وأولى أن يحمل معناه عليهما. على أن بعض المتقدمين قد فسر معنى التفخيم في الخبر نفسه بأنه تحريك أوساط الكلم بالضم والكسر في المواضع المختلف فيها دون إسكانها، لأنه أشبع لها وأفخم. قال: وكذا جاء مفسرا عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: حدثنا ابن خاقان المقرئ، ثنا أحمد بن محمد، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا القاسم قال: سمعت الكسائي يخبر عن سليمان عن الزهري قال: قال ابن عباس: نزل القرآن بالتثقيل والتفخيم، نحو قوله: {الجمعة} وأشباه ذلك من التثقيل، وهذا من رواية أبي عبيد في كتابه.
قال: وحدثنا محمد بن علي، ثنا محمد بن القاسم، ثنا بشر بن موسى، ثنا محمد بن مقاتل، أخبرنا عمار بن عبد الملك، أخبرني محمد بن عبد العزيز، ثنا أبو الزناد عن خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نزل القرآن بالتفخيم)).
قال محمد بن مقاتل: سمعت عمارا يقول: عذرا نذرا.
قال أبو عمرو: ومما يبين صحة هذا ما رواه أبو عبيد أيضا في كتابه عن معمر بن المثنى عن العرب، كما حدثنا ابن خاقان، قال: حدثنا أحمد قال: ثنا أبو عبيد قال: قال لي أبو عبيدة: أهل الحجاز يفخمون الكلام كله إلا حرفا واحدا "عشرة"، فإنهم يجزمونه، قال: وأهل نجد يتركون التفخيم في الكلام إلا هذا الحرف فإنهم يقولون عشرة بالكسر. قال أبو عمرو: فما فسره ابن عباس ونقله الخبر، وما رواه أبو عبيد دال على خلاف ما حكاه من أن معنى التفخيم إشباع الفتح.
قال أبو عمرو: وأخبرنا الخاقاني أن محمد بن عبد الله حدثهم قال: أخبرنا أبو القاسم الرازي قال: حدثني عمي أبو زرعة قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: ثنا وكيع قال: ثنا الأعمش عن إبراهيم قال: كانوا يرون أن الألف والياء في القراءة سواء، يعني بالألف والياء التفخيم والإمالة. فدل ذلك دلالة قاطعة على تساوي اللغتين وأنهما عند كل الصحابة رضوان الله عليهم في الفشو والاستعمال سواء.
قلت: هذا هو الصحيح، ولا وجه لاختيار شيء من ذلك وتفضيله على الآخر.
قال أبو عمرو: وأما ما حكاه من أنه لو نظر في مثل هذا إلى الأصل للزم من رد الياء إلى الياء أن يرد الواو إلى الواو، وهم إنما يرجعون الواو إلى الألف، فإنه لا يلزم أيضا، وذلك أن من أمال ما كان من ذوات الياء لم يرد الياء إلى الياء، وإنما يقرب الحرف الممال من الياء بالإمالة، وليس المقرب من الشيء هو إياه ولا مردود إلى جملته.
قلت: أبو عبيد رحمه الله لا يجهل ذلك، ولا من هو دونه فضلا عنه، وإنما أراد: للزم من رد ذوات الياء إلى الياء أن يرد ذوات الواو إلى الواو.
قال أبو عمرو: وقد نحت العرب بالألف نحو الواو التي هي أصلها بشدة تفخيمهم إياها في نحو (الصلاة)، و(الزكاة)، ألا ترى أنك إذا جمعت قلت: صلوات وزكوات، فظهرت الواو التي هي الأصل. قال الفراء: ويقال: إنها كانت لغة الفصحاء من أهل اليمن، يشيرون إلى الرفع في (الصلاة) و(الزكاة) قال: ونرى أنها كتبت بالواو لهذه اللغة.
قال أبو عمرو: فقد قرب هؤلاء الألف من الياء التي هي أصلها بأن أمالوها وكتبوها بالياء من أجل ذلك وإن كان لا إمام لتلك اللغة من أئمة القراء، فقد صحت عن العرب وفشت عن الفصحاء، واستعملت في الكتابة، وحكاية أبي عبيد إنما هي عنهم.
قلت: ليس هذا وجه الجواب لأبي عبيد، إنما الجواب أن يقال: إنما لم يرد ذوات الواو إلى الواو، من رد ذوات الياء إلى الياء أنه لم ينقله ولم يقرأ به أحد من الصحابة، الذين أخذوا القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد ممن أخذ عنهم، ولو كانت القراءة بالقياس لكان ذلك، وإنما القراءة بالأثر المنقول.
قال أبو عمرو: وأما قوله في: على، وإلى، ولدى: إن من أمال من أجل الخط لزمه أن يميلهن لرسمهن بالياء فلا يلزم أيضا، لأن من خالفه يقول: لم تكتب ألفاتهن ياءات للدلالة على أن ذلك أصلهن، ولا على أن الإمالة جائزة فيهن كما كتبن فيما عداهن من أجل ذلك، بل إنما كتبوهن كذلك خشية الالتباس بما قد يشركهن في الصورة، فكتبوا "على" التي تخفص وهي حرف بالياء للفرق بذلك بينها وبين "علا" التي هي فعل، نحو قوله تعالى: {علا في الأرض} و{لعلا بعضهم على بعض} وشبهه، وكتبوا "إلى" بالياء للفرق بينها وبين "إلا" المشددة اللام، وقد قرئ: {إلا أن تقطع} و{إلى أن تقطع} والفرق بينهما في الصورة الياء والألف، وكتبوا "لدى" بالياء للفرق بينها وبين اسم الإشارة الذي دخلت عليه لام التوكيد إذا قيل: لذا زيد، على أنه قد كتب في المصاحب {لدا الباب} في يوسف بالألف، و{لدى الحناجر} في "المؤمن" بالياء، وحكى أبو عبيد أنه رأى {حتى} في بعض المصاحف بالألف. قال أبو عمرو: وقد رأيناها نحن في بعضها كذلك. قال: والعرب لم تكن أهل شكل ونقط، وإنما كانت تفرق بين ما يشتبه ويشكل مما تتفق صورته ويختلف لفظه أو معناه بالحروف، ألا تراهم كتبوا: هذا عمرو بالواو للفرق بينه وبين عمر، وكتبوا أولئك، وأولي بالواو للفرق بينه وبين إليك وإلى، وكتبوا مائة بالألف للفرق بينها وبين منه في نظائر لذلك، وهم مع ذلك لا يلفظون بتلك الحروف التي أدخلوها للفرق، فدل ذلك على صحة ما قلناه. قال: ومما يدل على أنهم رسموا "على" و"إلى" للفرق لا غير إجماعهم على ترك إمالتهن، على أن أئمة القراءة لم تمل ما كان من ذوات الياء للرسم فقط، بل إنما أمالته من حيث صحت الرواية بإمالته عندهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دلت على حسنها وجوازها وتأكدها وقوتها برسم تلك الحروف بالياء، إذ الإمالة من الياء، والياء من الأسباب الجالبة لها.) [جمال القراء:2/498 -520](م)
كلام السخاوى: {...وبين الإمالة المحضة التي يستعملها القراء، التي هي دون الكسر الصحيح...}
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): ( الكتاب التاسع منهاج التوفيق إلى معرفة التجويد والتحقيق
قال أبو عمرو: وأما المفتوح فحقه أن يؤتى به بين التفخيم الشديد الذي يستعمله أهل الحجاز في نحو (الصلاة) و(الزكاة) فينحون بالألف نحو الواو من شدة التفخيم، قال: وهذه اللغة لا تستعمل في القرآن لأنه لا إمام لها – وبين الإمالة المحضة التي يستعملها القراء، التي هي دون الكسر الصحيح.
قال أبو عمرو: وأما الممال فعلى ضربين: مشبع وغير مشبع:
فالمشبع حقه أن يؤتى به بين الكسر الشديد الذي يوجب القلب لشدته، وليس له إمام، وبين الفتح الوسط الذي ذكرناه ووصفنا حقيقته.
وغير المشبع حقه أن يؤتى به بين الفتح الوسط وبين الإمالة التي دون الكسر، ويسميه القراء: بين اللفظين.
انتهى كلامه.) [جمال القراء:2/525- 543]

رد مع اقتباس