عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 13 محرم 1440هـ/23-09-2018م, 03:12 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قالوا حرّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين (68) قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم (69) وأرادوا به كيدًا فجعلناهم الأخسرين (70)}.
لـمّا دحضت حجّتهم، وبان عجزهم، وظهر الحقّ، واندفع الباطل، عدلوا إلى استعمال جاه ملكهم، فقالوا: {حرّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين} فجمعوا حطبًا كثيرًا جدًّا -قال السّدّيّ: حتّى إن كانت المرأة تمرض، فتنذر إن عوفيت أن تحمل حطبًا لحريق إبراهيم- ثمّ جعلوه في جوبة من الأرض، وأضرموها نارًا، فكان لها شررٌ عظيمٌ ولهبٌ مرتفعٌ، لم توقد قطّ نارٌ مثلها، وجعلوا إبراهيم، عليه السّلام، في كفّة المنجنيق بإشارة رجلٍ من أعراب فارس من الأكراد -قال شعيب الجبائيّ: اسمه هيزن- فخسف اللّه به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، فلمّا ألقوه قال: "حسبي اللّه ونعم الوكيل"، كما رواه البخاريّ، عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: "حسبي اللّه ونعم الوكيل" قالها إبراهيم حين ألقي في النّار، وقالها محمّدٌ حين قالوا: {إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل} [آل عمران: 173].
وقال الحافظ أبو يعلى: حدّثنا ابن هشامٍ، حدّثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي جعفرٍ، عن عاصمٍ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم "لما ألقي إبراهيم، عليه السّلام، في النّار قال: اللّهمّ، إنّك في السّماء واحدٌ، وأنا في الأرض واحدٌ أعبدك".
ويروى أنّه لـمّا جعلوا يوثقونه قال: لا إله إلّا أنت سبحانك لك الحمد، ولك الملك، لا شريك لك.
وقال شعيبٌ الجبائيّ: كان عمره ستّ عشرة سنةً. فاللّه أعلم.
وذكر بعض السّلف أنّه عرض له جبريل وهو في الهواء، فقال: ألك حاجةٌ؟ فقال: أمّا إليك فلا [وأمّا من الله فبلى].
وقال سعيد بن جبيرٍ -ويروى عن ابن عبّاسٍ أيضًا- قال: لـمّا ألقي إبراهيم جعل خازن المطر يقول: متى أومر بالمطر فأرسله؟ قال: فكان أمر اللّه أسرع من أمره، قال اللّه: [عزّ وجلّ] {يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم} قال: لم يبق نارٌ في الأرض إلّا طفئت.
وقال كعب الأحبار: لم ينتفع [أحدٌ] يومئذٍ بنارٍ، ولم تحرق النّار من إبراهيم سوى وثاقه.
وقال الثّوريّ، عن الأعمش، عن شيخٍ، عن عليّ بن أبي طالبٍ: {قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم} [قال: بردت عليه حتّى كادت تقتله، حتّى قيل: {وسلامًا}]، قال: لا تضرّيه.
وقال ابن عبّاسٍ، وأبو العالية: لولا أنّ اللّه عزّ وجلّ قال: {وسلامًا} لآذى إبراهيم بردها.
وقال جويبر، عن الضّحّاك: {كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم} قال: صنعوا له حظيرةً من حطب جزل، وأشعلوا فيه النّار من كلّ جانبٍ، فأصبح ولم يصبه منها شيءٌ حتّى أخمدها اللّه -قال: ويذكرون أنّ جبريل كان معه يمسح وجهه من العرق، فلم يصبه منها شيءٌ غير ذلك.
وقال السّدّيّ: كان معه فيها ملك الظّلّ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا يوسف بن موسى، حدّثنا مهران، حدّثنا إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن المنهال بن عمرٍو قال: أخبرت أنّ إبراهيم ألقي في النّار، فقال: كان فيها إمّا خمسين وإمّا أربعين، قال: ما كنت أيامًا وليالي قطّ أطيب عيشًا إذ كنت فيها، وددت أنّ عيشي وحياتي كلّها مثل عيشي إذ كنت فيها.
وقال أبو زرعة بن عمرو بن جريرٍ، عن أبي هريرة قال: إنّ أحسن [شيءٍ] قال أبو إبراهيم –لـمّا رفع عنه الطبق وهو في النار، وجده يرش جبينه- قال عند ذلك: نعم الرّبّ ربّك يا إبراهيم.
وقال قتادة: لم يأت يومئذٍ دابّةٌ إلّا أطفأت عنه النّار، إلّا الوزغ -وقال الزّهريّ: أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: بقتله وسمّاه فويسقًا.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو عبيد اللّه ابن أخي ابن وهبٍ، حدّثني عمّي، حدّثنا جرير بن حازمٍ، أنّ نافعًا حدّثه قال: حدّثتني مولاة الفاكه بن المغيرة المخزوميّ قالت: دخلت على عائشة فرأيت في بيتها رمحًا. فقلت: يا أمّ المؤمنين، ما تصنعين بهذا الرّمح؟ فقالت: نقتل به هذه الأوزاغ، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ إبراهيم حين ألقي في النّار، لم يكن في الأرض دابّةٌ إلّا تطفئ النّار، غير الوزغ، فإنّه كان ينفخ على إبراهيم"، فأمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقتله). [تفسير ابن كثير: 5/ 351-352]

تفسير قوله تعالى: {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وأرادوا به كيدًا فجعلناهم الأخسرين} أي: المغلوبين الأسفلين؛ لأنّهم أرادوا بنبيّ اللّه كيدًا، فكادهم اللّه ونجّاه من النّار، فغلبوا هنالك.
وقال عطيّة العوفيّ: لـمّا ألقي إبراهيم في النّار، جاء ملكهم لينظر إليه فطارت شرارةٌ فوقعت على إبهامه، فأحرقته مثل الصّوفة). [تفسير ابن كثير: 5/ 353]

تفسير قوله تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ونجّيناه ولوطًا إلى الأرض الّتي باركنا فيها للعالمين (71) ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلةً وكلا جعلنا صالحين (72) وجعلناهم أئمّةً يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة وكانوا لنا عابدين (73) ولوطًا آتيناه حكمًا وعلمًا ونجّيناه من القرية الّتي كانت تعمل الخبائث إنّهم كانوا قوم سوءٍ فاسقين (74) وأدخلناه في رحمتنا إنّه من الصّالحين (75)}.
يقول تعالى مخبرًا عن إبراهيم، أنّه سلّمه اللّه من نار قومه، وأخرجه من بين أظهرهم مهاجرًا إلى بلاد الشّام، إلى الأرض المقدّسة منها، كما قال الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبي بن كعبٍ في قوله: {إلى الأرض الّتي باركنا فيها للعالمين} قال: الشّام، وما من ماءٍ عذبٍ إلّا يخرج من تحت الصّخرة.
وكذا قال أبو العالية أيضًا.
وقال قتادة: كان بأرض العراق، فأنجاه اللّه إلى الشّام، [وكان يقال للشّام: عماد دار الهجرة، وما نقص من الأرض زيد في الشّام] وما نقص من الشّام زيد في فلسطين. وكان يقال: هي أرض المحشر والمنشر، وبها ينزل عيسى ابن مريم، عليه السّلام، وبها يهلك المسيح الدّجّال.
وقال كعب الأحبار في قوله: {إلى الأرض الّتي باركنا فيها للعالمين} إلى حرّان.
وقال السّدّيّ: انطلق إبراهيم ولوطٌ قبل الشّام، فلقي إبراهيم سارة، وهي ابنة ملك حرّان، وقد طعنت على قومها في دينهم، فتزوّجها على ألّا يغيّرها.
رواه ابن جريرٍ، وهو غريبٌ [والمشهور أنّها ابنة عمّه، وأنّه خرج بها مهاجرًا من بلاده].
وقال العوفي، عن ابن عبّاسٍ: إلى مكّة؛ ألا تسمع قوله: {إنّ أوّل بيتٍ وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركًا وهدًى للعالمين} [آل عمران:96]). [تفسير ابن كثير: 5/ 353]

تفسير قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلةً} قال عطاءٌ، ومجاهدٌ: عطيّةً.
وقال ابن عبّاسٍ، وقتادة، والحكم بن عيينة: النّافلة ولد الولد، يعني: أنّ يعقوب ولد إسحاق، كما قال: {فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} [هودٍ:71].
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: سأل واحدًا فقال: {ربّ هب لي من الصّالحين} [الصّافّات:100]، فأعطاه اللّه إسحاق وزاده يعقوب نافلةً.
{وكلا جعلنا صالحين} أي: الجميع أهل خيرٍ وصلاحٍ). [تفسير ابن كثير: 5/ 353-354]

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وجعلناهم أئمّةً} أي: يقتدى بهم، {يهدون بأمرنا} أي: يدعون إلى اللّه بإذنه؛ ولهذا قال: {وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة} من باب عطف الخاصّ على العامّ، {وكانوا لنا عابدين} أي: فاعلين لما يأمرون النّاس به).[تفسير ابن كثير: 5/ 354]

رد مع اقتباس