عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 08:00 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات}. اتفق المتأولون والرواة أن الآيات الخمس التي في سورة الأعراف هي من هذه التسع، وهي: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم. واختلفوا في الأربع -فقال ابن عباس رضي الله عنهما: هي يده، ولسانه حين انحلت عقدته، وعصاه، والبحر. وقال محمد بن كعب القرظي: هي: البحر، والعصا، والطمسة، والحجر، وقال: سألني عن ذلك عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فأخبرته، فقال: وما الطمسة؟ فقلت: دعا موسى وأمن هارون عليهما السلام، فطمس الله أموالهم وردها حجارة. فقال عمر: وهل يكون الفقه إلا هكذا؟ ثم دعا بخريطة فيها غرائب كانت لعبد العزيز بن مروان جمعها بمصر، فاستخرج منها الحوزة والبيضة والعدسة، وهي كلها أحجار كانت من بقايا أموال فرعون، وقال الضحاك: هي إلقاء العصا مرتين، واليد، وعقدة لسانه. وقال عكرمة، ومطر الوراق، والشعبي: هي العصا، واليد، والسنون، ونقص الثمرات. وقال الحسن: هي العصا في كونها ثعبانا، واليد، والسنون، وتلقف العصا ما يأفكون. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هي السنون في بواديهم، ونقص الثمرات في قراهم،
[المحرر الوجيز: 5/550]
واليد، والعصا. وروى مصرف عن مالك أنها العصا، واليد، والجبل إذ نتق، والبحر. وروى ابن وهب عنه مكان البحر الحجر، والذي يلزم من الآية أن الله تعالى خص من آيات موسى -إذ هي كثيرة جدا تنيف على أربع وعشرين- تسعا بالذكر، ووصفها بالبيان ولم يعينها، واختلف العلماء في تعيينها بحسب اجتهادهم في بيانها، أو رواياتهم التوقيفية في ذلك. وقالت فرقة: آيات موسى عليه السلام إنما أريد بها آيات التوراة التي هي أوامر ونواه، وروى في هذا صفوان بن عسال أن يهوديا من يهود المدينة قال لآخر: سر بنا إلى هذا النبي نسأله عن آيات موسى عليه السلام-، فقال له الآخر: لا تقل إنه نبي، فإنه لو سمعك صار له أربعة أعين، قال: فسارا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فسألوه، فقال: هي ألا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان ليقتله، ولا تسخروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا المحصنة، ولا تفروا يوم الزحف، وعليكم خاصة يهود: ولا تعدوا في السبت.
وقرأ الجمهور: "فاسأل بني إسرائيل، وروي عن الكسائي: "فسل" على لغة من قال: "سأل يسأل"، وهذا كله على معنى الأمر لمحمد صلى الله عليه وسلم، أي: اسأل معاصريك عما أعلمناك به من غيب القصة، ثم قال: {إذ جاءهم}، يريد: آباءهم، وأدخلهم في الضمير إذ هم منهم، ويحتمل أن يريد: "فاسأل بني إسرائيل الأولين الذين جاءهم موسى عليه السلام، وتكون إحالته إياه على سؤالهم بطلب إخبارهم والنظر في أحوالهم وما في كتبهم، نحو قوله تعالى: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا}، وهذا كما تقول لمن تعظه: سل الأمم الخالية هل بقي منها مخلد؟ ونحو هذا مما يجعل النظر فيه
[المحرر الوجيز: 5/551]
مكان السؤال. قال الحسن: سؤالك نظرك في القرآن.
وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما: "فسأل بني إسرائيل، أي: سأل موسى فرعون بني إسرائيل أي طلبهم لينجيهم من العذاب.
وقوله تعالى: "مسحورا"، اختلف فيه المتأولون -فقالت فرقة: هو مفعول على بابه، أي: إنك قد سحرت فكلامك مختل وما تأتي به غير مستقيم. وقال الطبري: هو مفعول بمعنى فاعل، كما قال تعالى: {حجابا مستورا}، وكما قالوا: مشؤوم وميمون، وإنما هو: شايم ويامن.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا لا يتخرج إلا على النسب، أي: ذا سحر ملكته وعلمته، فأنت تأتي بهذه الغرائب لذلك. وهذه مخاطبة تنقص، فيستقيم أن يكون "مسحورا" مفعولا على ظاهره، وعلى أن يكون بمعنى: ساحر يعارضنا، "أما" ما حكي عنهم أنهم قالوا له -على جهة المدح-: يا أيه الساحر ادع لنا ربك فإما أن يكون القائلون هنالك ليس فيهم فرعون، وإما أن يكون فيهم لكنه تنقل من تنقصه إلى تعظيمه. وفي هذا نظر). [المحرر الوجيز: 5/552]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا}
روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وغيره، أنه قرأ: "علمت" بتاء المتكلم مضمومة، وقال: "وما علم عدو الله قط، وإنما علمموسى ".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وتتقوى هذه القراءة لمن تأول "مسحورا" على بابه، فلما رماه فرعون بأنه قد سحر
[المحرر الوجيز: 5/552]
ففسد نظره وعقله وكلامه، رد هو عليه بأنه يعلم آيات الله تعالى، وأنه ليس بمسحور، بل محرر لما يأتي به. وهي قراءة الكسائي. وقرأ الجمهور: "لقد علمت" بتاء المخاطب مفتوحة، فكأن موسى عليه السلام رماه بأنه يكفر عنادا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ومن قال بوقوع الكفر عنادا فله تعلق بهذه الآية، وجعلها كقوله عز وجل: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم}، وقد حكى الطبري ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، ونحا إليه الزجاج وهي، بعد معرضة للاحتمال على أن يكون قول موسى عليه السلام إبلاغا على فرعون في التوبيخ، أي: أنت بحال من يعلم هذا، وهي من الوضوح بحيث تعلمها، ولم يكن ذلك على جهة الخبر عن علم فرعون.
وقوله تعالى: "بصائر" جمع بصيرة، وهي الطريقة، أي طرائق يهتدى بها، وكذلك غلب على البصيرة أنها تستعمل في طريقة النفس في نظرها واعتقادها، ونصب "بصائر" على الحال.
و "المثبور": المهلك، قاله مجاهد، وقال ابن عباس، والضحاك: هو المغلوب، وقال ابن زيد: هو المخبول، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فسره بالملعون. وقال بعض العلماء: كان موسى عليه السلام في أول أمره يجزع، ويؤمر بالقول اللين، ويطلب الوزير، فلما تقوت نفسه بقوى النبوة وتجلد قابل فرعون بأكثر مما أمره به، بحسب اجتهاده الجائز له. قال ابن زيد: اجترأ موسى أن يقول له فوق ما أمره الله به. وقالت فرقة: بل المثبور: المغلوب المخرع، وما كان موسى عليه السلام ليكون لعانا، ومن اللفظة قول عبد الله بن الزبعرى:
إذ أجاري الشيطان في سنن الـ ... ـغي، ومن مال ميله مثبور). [المحرر الوجيز: 5/553]

تفسير قوله تعالى: {فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فأراد أن يستفزهم من الأرض} الآية. "يستفزهم" معناه: يستخفهم ويقلقهم، إما بقتل أو بإجلاء، و"الأرض" هي أرض مصر، وقد تقدم أنه متى ذكرت "الأرض" عموما فإنما يراد بها ما يناسب القصة المتكلم فيها، وقد يحسن عمومها في بعض القصص.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
واقتضبت هذه الآية قصص بني إسرائيل مع فرعون، وإنما ذكرت عظم الأمر وخطيره، وذلك طرفاه: أراد فرعون غلبتهم وقتلهم، وهذا كان بدء الأمر، "فأغرقه" الله تبارك وتعالى وأغرق جنوده، وهذا كان نهاية الأمر). [المحرر الوجيز: 5/554]

تفسير قوله تعالى: {وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم ذكر الله تعالى أمر بني إسرائيل بعد إغراق فرعون بسكنى أرض الشام.
و{وعد الآخرة} هو يوم القيامة. و"اللفيف": الجمع المختلط الذي قد لف بعضه ببعض، فليس ثم قبائل ولا انحياز. قال بعض اللغويين: هو من أسماء الجموع، ولا واحد له من لفظه، وقال الطبري: هو بمعنى المصدر كقول القائل: لففته لفا ولفيفا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي هذا نظر فتأمله). [المحرر الوجيز: 5/554]

رد مع اقتباس