عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 29 ذو الحجة 1439هـ/9-09-2018م, 05:27 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطّيّبات وفضّلناهم على كثيرٍ ممّن خلقنا تفضيلا (70)}.
يخبر تعالى عن تشريفه لبني آدم، وتكريمه إيّاهم، في خلقه لهم على أحسن الهيئات وأكملها كما قال: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويمٍ} [التّين: 4] أي: يمشي قائمًا منتصبًا على رجليه، ويأكل بيديه -وغيره من الحيوانات يمشي على أربعٍ ويأكل بفمه -وجعل له سمعًا وبصرًا وفؤادًا، يفقه بذلك كلّه وينتفع به، ويفرّق بين الأشياء، ويعرف منافعها وخواصّها ومضارّها في الأمور الدّنيويّة والدّينيّة.
{وحملناهم في البرّ} أي: على الدّوابّ من الأنعام والخيل والبغال، وفي "البحر" أيضًا على السّفن الكبار والصّغار.
{ورزقناهم من الطّيّبات} أي: من زروعٍ وثمارٍ، ولحومٍ وألبانٍ، من سائر أنواع الطّعوم والألوان، المشتهاة اللّذيذة، والمناظر الحسنة، والملابس الرّفيعة من سائر الأنواع، على اختلاف أصنافها وألوانها وأشكالها، ممّا يصنعونه لأنفسهم، ويجلبه إليهم غيرهم من أقطار الأقاليم والنّواحي.
{وفضّلناهم على كثيرٍ ممّن خلقنا تفضيلا} أي: من سائر الحيوانات وأصناف المخلوقات.
وقد استدل بهذه الآية على أفضليّة جنس البشر على جنس الملائكة، قال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم قال: قالت الملائكة: يا ربّنا، إنّك أعطيت بني آدم الدّنيا، يأكلون منها ويتنعّمون، ولم تعطنا ذلك فأعطناه في الآخرة. فقال اللّه: "وعزّتي وجلالي لا أجعل صالح ذرّيّة من خلقت بيدي، كمن قلت له: كن فكان".
وهذا الحديث مرسلٌ من هذا الوجه، وقد روي من وجهٍ آخر متّصلًا.
وقال الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا أحمد بن محمد بن صدقة البغدادي، حدثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن خالدٍ المصّيصيّ، حدّثنا حجّاج بن محمّدٍ، حدّثنا أبو غسّان محمّد بن مطرّفٍ، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسارٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ الملائكة قالت: يا ربّنا، أعطيت بني آدم الدّنيا، يأكلون فيها ويشربون ويلبسون، ونحن نسبّح بحمدك ولا نأكل ولا نشرب ولا نلهو، فكما جعلت لهم الدّنيا فاجعل لنا الآخرة. قال: لا أجعل صالح ذرّيّة من خلقت بيدي، كمن قلت له: كن، فكان".
وقد روى ابن عساكر من طريق محمّد بن أيّوب الرّازيّ، حدّثنا الحسن بن عليّ بن خلفٍ الصّيدلانيّ، حدّثنا سليمان بن عبد الرّحمن، حدّثني عثمان بن حصن بن عبيدة بن علاق، سمعت عروة بن رويم اللّخميّ، حدّثني أنس بن مالكٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ الملائكة قالوا: ربّنا، خلقتنا وخلقت بني آدم، فجعلتهم يأكلون الطّعام، ويشربون الشّراب، ويلبسون الثّياب، ويتزوّجون النّساء، ويركبون الدّوابّ، ينامون ويستريحون، ولم تجعل لنا من ذلك شيئًا، فاجعل لهم الدّنيا ولنا الآخرة. فقال اللّه عزّ وجلّ: لا أجعل من خلقته بيدي، ونفخت فيه من روحي، كمن قلت له: كن، فكان".
وقال الطّبرانيّ: حدّثنا عبدان بن أحمد، حدّثنا عمر بن سهلٍ، حدّثنا عبيد اللّه بن تمّامٍ، عن خالدٍ الحذاء، عن بشر بن شغاف عن أبيه، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما شيءٌ أكرم على اللّه يوم القيامة من ابن آدم". قيل: يا رسول اللّه ولا الملائكة؟ قال: "ولا الملائكة، الملائكة مجبورون بمنزلة الشّمس والقمر". وهذا حديثٌ غريبٌ جدًّا). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 97-98]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يوم ندعوا كلّ أناسٍ بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا (71) ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا (72)}.
يخبر تبارك وتعالى عن يوم القيامة: أنّه يحاسب كلّ أمّةٍ بإمامهم.
وقد اختلفوا في ذلك، فقال مجاهدٌ وقتادة: أي بنبيّهم. وهذا كقوله: {ولكلّ أمّةٍ رسولٌ فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون} [يونس: 47].
وقال بعض السّلف: هذا أكبر شرفٍ لأصحاب الحديث؛ لأنّ إمامهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال ابن زيدٍ: بكتابهم الّذي أنزل على نبيّهم، من التّشريع.
واختاره ابن جريرٍ، وروي عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ أنّه قال: بكتبهم. فيحتمل أن يكون أراد هذا، وأن يكون أراد ما رواه العوفيّ عن ابن عبّاسٍ في قوله: {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} أي: بكتاب أعمالهم، وكذا قال أبو العالية، والحسن، والضّحّاك. وهذا القول هو الأرجح؛ لقوله تعالى: {وكلّ شيءٍ أحصيناه في إمامٍ مبينٍ} [يس: 12]. وقال تعالى: {ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين ممّا فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرًا ولا يظلم ربّك أحدًا} [الكهف: 49].
وقال تعالى: {وترى كلّ أمّةٍ جاثيةً كلّ أمّةٍ تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحقّ إنّا كنّا نستنسخ ما كنتم تعملون} [الجاثية: 28، 29].
وهذا لا ينافي أن يجاء بالنّبيّ إذا حكم اللّه بين أمّته، فإنّه لا بدّ أن يكون شاهدًا عليها بأعمالها، كما قال: {وأشرقت الأرض بنور ربّها ووضع الكتاب وجيء بالنّبيّين والشّهداء} [الزّمر: 69]، وقال {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} [النّساء: 41]..
ولكنّ المراد هاهنا بالإمام هو كتاب الأعمال؛ ولهذا قال تعالى: {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم} أي: من فرحته وسروره بما فيه من العمل الصّالح، يقرؤه ويحبّ قراءته، كما قال تعالى: {فأمّا من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إنّي ظننت أنّي ملاقٍ حسابيه} إلى أن قال: {وأمّا من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه} [الحاقّة: 19 -26]..
وقوله: {ولا يظلمون فتيلا} قد تقدّم أنّ "الفتيل" هو الخيط المستطيل في شقّ النّواة.
وقد روى الحافظ أبو بكرٍ البزّار حديثًا في هذا فقال: حدّثنا محمّد بن يعمر ومحمّد بن عثمان بن كرامة قالا حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبيه، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قول الله: {يوم ندعو كلّ أناسٍ بإمامهم} قال: "يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه، ويمدّ له في جسمه، ويبيّض وجهه، ويجعل على رأسه تاجٌ من لؤلؤة تتلألأ فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيدٍ، فيقولون: اللّهمّ ائتنا بهذا، وبارك لنا في هذا. فيأتيهم فيقول لهم: أبشروا، فإنّ لكلّ رجلٍ منكم مثل هذا. وأمّا الكافر فيسود وجهه، ويمدّ له في جسمه، ويراه أصحابه فيقولون: نعوذ باللّه من هذا -أو: من شرّ هذا -اللّهمّ لا تأتنا به. فيأتيهم فيقولون: اللّهمّ أخزه فيقول: أبعدكم اللّه، فإنّ لكل رجل منكم مثل هذا".
ثمّ قال البزّار: لا يروى إلّا من هذا الوجه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 98-100]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا} قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وقتادة، وابن زيدٍ: {ومن كان في هذه} أي: في الحياة الدّنيا {أعمى} عن حجج اللّه وآياته وبيّناته {فهو في الآخرة أعمى} أي: كذلك يكون {وأضلّ سبيلا} أي: وأضلّ منه كما كان في الدّنيا، عياذًا باللّه من ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 100]

رد مع اقتباس