عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 08:06 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا}
الضمير في قوله تعالى: "أنزلناه" عائد على القرآن المذكور في قوله سبحانه: {ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل}، ويجوز أن يكون الكلام آنفا، وأشار
[المحرر الوجيز: 5/554]
بالضمير إلى القرآن على ذكر متقدم لشهرته، كما قال تعالى: {حتى توارت بالحجاب}، وهذا كثير.
قال الزهراوي: معناه: بالواجب الذي هو المصلحة والسداد للناس بالحق في نفسه، وقوله سبحانه: {وبالحق نزل} يريد: بالحق في أوامره ونواهيه وأخباره، فبهذا التأويل يكون تكرار اللفظ لمعنى غير الأول، وذهب الطبري إلى أنهما بمعنى واحد، أي: بأخباره وأوامره، وبذلك نزل). [المحرر الوجيز: 5/555]

تفسير قوله تعالى: {وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "وقرآنا". مذهب سيبويه أن نصبه بفعل مضمر يفسره الظاهر بعد، أي: وفرقنا قرآنا، ويصح أن يكون معطوفا على الكاف في "أرسلناك"، من حيث كان إرسال هذا وإنزال هذا لمعنى واحد.
وقرأ جمهور الناس: "فرقناه" بتخفيف الراء، ومعناه: بيناه وأوضحناه وجعلناه فرقانا. وقرأ ابن عباس، وقتادة، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وابن مسعود، وأبي بن كعب، والشعبي، والحسن بخلاف - وحميد، وعمرو بن فائد: "فرقناه" بتشديد الراء، إلا أن في قراءة ابن مسعود، وأبي بن كعب: "فرقناه عليه لتقرأه"، أي: أنزلناه شيئا بعد شيء، لا جملة واحدة، ويتناسق هذا المعنى مع قوله تعالى: {لتقرأه على الناس على مكث}، وهذا كان مما أراد الله من نزوله بأسباب تقع في الأرض من أقوال وأفعال في أزمان محدودة معينة.
واختلف أهل العلم، في كم القرآن من المدة؟ فقيل: في خمس وعشرين سنة، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: في ثلاث وعشرين، وقال قتادة: في عشرين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا بحسب الخلاف في سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن الوحي جاء وهو ابن أربعين سنة، وتم بموته. وحكى الطبري عن الحسن البصري أنه قال: نزل القرآن في ثماني عشرة سنة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قول مختل: لا يصح عن الحسن، والله أعلم.
[المحرر الوجيز: 5/555]
وتأول فرقة قوله تعالى: {على مكث}، أي: على ترسل في التلاوة وترتيل، هذا قول مجاهد وابن عباس، وابن جريج، وابن زيد. والتأويل الآخر، أي: على مكث وتطاول في المدة شيئا بعد شيء. وقوله تعالى: {ونزلناه تنزيلا} مبالغة وتأكيد بالمصدر للمعنى المتقدم ذكره في ألفاظ الآية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وأجمع القراء على ضم الميم من "مكث"، ويقال: "مكث" و"مكث" بضم الميم، ومكث بكسرها). [المحرر الوجيز: 5/556]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قل آمنوا به} الآية. هذه آية تحقير للكفار، وفي ضمنه ضرب من التوعد، والمعنى: إنكم لستم بحجة، فسواء علينا آمنتم أم كفرتم، وإنما ضرر ذلك على أنفسكم، وإنما الحجة أهل العلم من قبله، هم بالصفة المذكورة.
واختلف الناس في المراد بـ الذين أوتوا العلم من قبله -فقالت فرقة: هم مؤمنو أهل الكتاب. وقالت فرقة: هم ورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو بن نفيل، ومن جرى مجراهما، وقيل: إن جماعة من أهل الكتاب جلسوا وهم على دينهم فتذاكروا أمر النبي عليه الصلاة والسلام وما أنزل عليه، وقرئ عليهم منه شيء فخشعوا وسبحوا لله وسجدوا له، وقالوا: هذا وقت نبوة المذكور في التوراة، وهذه صفته، ووعد الله به واقع لا محالة، وجنحوا إلى الإسلام هذا الجنوح، فنزلت الآية فيهم، وقالت فرقة: المراد بـ الذين أوتوا العلم من قبله محمد صلى الله عليه وسلم، والضمير في "قبله" عائد على القرآن، حسب الضمير في "به"، ويبين ذلك قوله: {إذا يتلى عليهم}. وقيل: الضميران لمحمد صلى الله عليه وسلم، واستأنف ذكر القرآن في قوله: {إذا يتلى عليهم}.
وقوله تعالى: {يخرون للأذقان}، أي: لناحيتها، وهذا كما تقول: ساقط لليد والفم، أي: لناحيتهما وعليهما، قال ابن عباس رضي الله عنهما: المعنى: للوجوه، وقال الحسن: للحى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والأذقان أسافل الوجوه حيث يجتمع اللحيان، وهي أقرب ما في رأس الإنسان إلى الأرض لا سيما عند سجوده، وقال الشاعر:
[المحرر الوجيز: 5/556]
فخروا لأذقان الوجوه تنوشهم ... سباع من الطير العوادي وتنتف). [المحرر الوجيز: 5/557]

تفسير قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"إن" في قوله تعالى: {إن كان وعد ربنا} هي عند سيبويه المخففة من الثقيلة. واللام بعدها لام التوكيد، وهي عند الفراء النافية واللام بمعنى: إلا. ويتوجه في هذه الآية معنى آخر، وهو أن يكون قوله: {قل آمنوا به أو لا تؤمنوا} مخلصا للوعيد دون التحقير. والمعنى: فسترون ما تجازون به، ثم ضرب لهم المثل -على جهة التقريع- بمن تقدم من أهل الكتاب، أي: إن الناس لم يكونوا كما أنتم في الكفر، بل كان الذين أوتوا التوراة والإنجيل والزبور والكتب المنزلة في الجملة إذا يتلى عليهم ما نزل عليهم خشعوا وآمنوا). [المحرر الوجيز: 5/557]

تفسير قوله تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا}
هذه مبالغة في صفتهم، ومدح لهم، وحض لكل من ترسم بالعلم وحصل منه شيئا أن يجري إلى هذه الرتبة. وحكى الطبري عن التيمي أنه قال: إن من أوتي من العلم ما لم يبكه لخليق ألا يكون أوتي علما ينفعه; لأن الله تعالى نعت العلماء فقال: {إن الذين أوتوا العلم من قبله} إلى آخر الآيتين). [المحرر الوجيز: 5/557]

تفسير قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} الآية.
سبب نزول هذه الآية أن المشركين سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو: يا الله، يا الرحمن، فقالوا: كان محمد يأمرنا بدعاء إله واحد، وهو يدعو إلهين. قاله ابن عباس رضي الله عنهما. وقال مكي: تهجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فقال في دعائه: يا رحمن يا رحيم،
[المحرر الوجيز: 5/557]
فسمعه رجل من المشركين -وكان باليمامة رجل يسمى الرحمان- فقال ذلك السامع: ما بال محمد يدعو رحمن اليمامة، فنزلت الآية مبينة أنها أسماء لشيء واحد، فإن دعوتموه بالله فهو ذلك، وإن دعوتموه بالرحمن فهو ذلك.
وقرأ طلحة بن مصرف: "أيا من تدعو فله الأسماء الحسنى"، أي: وله سائر الأسماء الحسنى، أي التي تقتضي أفضل الأوصاف.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهي بتوقيف، لا يصح وضع اسم الله تعالى إلا بتوقيف من القرآن أو الحديث. وقد روي: "إن لله تسعة وتسعين اسما" ... الحديث، ونصها كلها الترمذي وغيره بسند صحيح. وتقدير الآية: أي الأسماء تدعو به فأنت مصيب، له الأسماء الحسنى.
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يجهر بصلاته، وألا يخافت بها، وهو الإسرار الذي يسمعه المتكلم به، هذه هي حقيقته، ولكنه في الآية عبارة عن خفض الصوت وإن لم ينته إلى ما ذكرناه. واختلف المتأولون في "الصلاة"، ما هي؟ فقال ابن عباس، وعائشة رضي الله عنهما، وجماعة: هي الدعاء. وقال ابن عباس أيضا: هي قراءة القرآن في الصلاة، فهذا على حذف مضاف، التقدير: ولا تجهر بقراءة صلاتك، قال: والسبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جهر بالقرآن فسمعه المشركون فسبوا القرآن ومن أنزله، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوسط، ليسمع أصحابه المصلون معه ويذهب عنه أذى المشركين. وقال ابن سيرين: كان الأعراب يجهرون بتشهدهم فنزلت الآية في ذلك، وكان أبو بكر رضي الله عنه يسر قراءته، وكان عمر رضي الله عنه يجهر بها، فقيل لهما في ذلك، فقال
[المحرر الوجيز: 5/558]
أبو بكر: إنما أناجي ربي وهو يعلم حاجتي، وقال عمر: أنا أطرح الشيطان وأوقظ الوسنان، فلما نزلت هذه الآية قيل لأبي بكر رضي الله عنه: ارفع أنت قليلا، وقيل لعمر رضي الله عنه: اخفض أنت قليلا. وقالت عائشة أيضا رضي الله عنها: الصلاة يراد بها في هذه الآية التشهد، وقال ابن عباس، والحسن: المراد: لا تحسن صلاتك في الجهر، ولا تسئها في السر، بل اتبع طريقا وسطا يكون دائما في كل حالة. وقال ابن زيد: معنى الآية النهي عما يفعله أهل الإنجيل والتوراة من رفع الصوت أحيانا فيرفع الناس معه، ويخفض أحيانا فيسكت من خلفه. وقال ابن عباس رضي الله عنهما في الآية: إن معناها: ولا تجهر بصلاة النهار، ولا تخافت بصلاة الليل، وابتغ سبيلا من امتثال الأمر كما رسم لك، ذكره يحيى بن سلام، والزهراوي. وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لم يخافت من أسمع أذنه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وما روي من أنه قيل لأبي بكر رضي الله عنه: "ارفع أنت قليلا" يرد هذا، ولكن الذي قال ابن مسعود رضي الله عنه هو أصل اللغة، ويستعمل الخفوت بعد ذلك في أرفع من ذلك). [المحرر الوجيز: 5/559]

تفسير قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا}. هذه الآية رادة على اليهود والنصارى والعرب في قولهم أفذاذا: "عزير وعيسى والملائكة ذرية لله"، سبحانه وتعالى عن أقوالهم ورادة على العرب في قولهم: "لولا أولياء الله لذل"، وقيد لفظ الآية نفي الولاية لله عز وجل بطريق الذل، وعلى جهة الانتصار; إذ ولايته موجودة بتفضله ورحمته لمن والى من صالح عباده. قال مجاهد: المعنى: لم يحالف أحدا، ولا ابتغ نصر أحد.
وقوله: {وكبره تكبيرا} أبلغ لفظة للعرب في معنى التعظيم والإجلال، ثم أكدها بالمصدر تحقيقا لها، وإبلاغا في معناها.
[المحرر الوجيز: 5/559]
وروى مطرف عن عبد الله بن كعب قال: "افتتحت التوراة بفاتحة سورة الأنعام، وختمت بخاتمة هذه السورة"). [المحرر الوجيز: 5/560]

رد مع اقتباس