عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 2 محرم 1432هـ/8-12-2010م, 02:23 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 44 إلى 64]

(وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51) وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58) لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64) )

تفسير قوله تعالى: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ونادى أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم...}
وذلك أنهم على سور بين الجنة والنار يقال له الأعراف، يرون أهل الجنة فيعرفونهم ببياض وجوههم، ويعرفون أهل النار بسواد وجوههم، فذلك قوله:
{يعرفون كلا بسيماهم}. وأصحاب الأعراف أقوام اعتدلت حسناتهم وسيئاتهم فقصّرت بهم الحسنات عن الجنّة، ولم تبلغ بهم سيئاتهم النار، كانوا موقوفين ثم أدخلهم الله الجنة بفضل رحمته). [معاني القرآن: 1/380-381]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ونادى أصحاب النّار أصحاب الجنّة أن أفيضوا علينا من الماء أو ممّا رزقكم اللّه قالوا إنّ اللّه حرّمهما على الكافرين}
وقوله: {أن أفيضوا علينا من الماء} تكون "أي أفيضوا" وتكون على "أن" التي تعمل في الأفعال لأنك تقول: "غاظني أن قام" و"غاظني أن ذهب" فتقع على الأفعال وإن كانت لا تعمل فيها وفي كتاب الله {وانطلق الملأ منهم أن امشوا} معناها: أي امشوا). [معاني القرآن: 2/7]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فأذّن مؤذّنٌ بينهم} أي نادى مناد بينهم: {أن لعنة اللّه على الظّالمين}). [تفسير غريب القرآن: 168]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ونادى أصحاب الجنّة أصحاب النّار أن قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّا فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقّا قالوا نعم فأذّن مؤذّن بينهم أن لعنة اللّه على الظّالمين (44)
معنى " أن " ههنا إن شئت كان مفسرا لما نادى به أصحاب الجنة.
والمعنى أي قد وجدنا، ويجوز أن تكون أن الشديدة وخففت، المعنى أنه قد وجدنا.
قال الشاعر:

في فتية كسيوف الهند قد علموا.=.. أن هالك كل من يحفى وينتعل
وقوله: (قالوا نعم).
وفي بعض اللغات قالوا نعم في معنى نعم - موقوفة الآخر - لأنها حرف جاء لمعنى.
وقوله: (فأذّن مؤذّن بينهم أن لعنة اللّه على الظّالمين).
ويجوز أنّ لعنة اللّه على الظّالمين، وقد قرئ بهما جميعا والمخففة مخففة من الشديدة، ويجوز أن تكون المخففة في معنى أي الخفيفة التي هي تفسير، كأنّها تفسير لما أّذّنوا فيه). [معاني القرآن: 2/340-341]

تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ (45) )
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (الذين يصدون) قال: يصدون: يعرضون، ويصدون، أي: يضجون). [ياقوتة الصراط: 229]

تفسير قوله تعالى: (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وعلى الأعراف رجالٌ يعرفون) (45) مجازها: على بناء سورٍ لأن كل مرتفع من الأرض عند العرب أعراف، قال:

كل كناز لحمه نياف.=.. كالعلم الموفى على الأعراف
وقال الشّمّاخ:
وظلّت بأعرافٍ تفالى كأنها..=. رماحٌ نحاها وجهة الرّيح راكز
). [مجاز القرآن: 1/215]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (أي على نشزٍ: (بسيماهم) (45) منقوصة، والمعنى: بعلاماتهم). [مجاز القرآن: 1/215]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {بسيماهم}: علاماتهم). [غريب القرآن وتفسيره: 146]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( و(الأعراف) سور بين الجنة والنار، سمي بذلك لارتفاعه، وكل مرتفع عند العرب: أعراف. قال الشاعر:
كلّ كنار لحمه نياف كالعلم الموفي على الأعراف
و(السّيماء): العلامة). [تفسير غريب القرآن: 168]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يعرفون كلا بسيماهم} [آية: 46]
قال قتادة يعرف أهل الجنة ببياض وجوههم وأهل النار
بسواد وجوههم
ثم قال جل وعز: {لم يدخلوها وهم يطعمون} [آية: 46]
قال أكثر أهل التفسير يعني أصحاب الأعراف). [معاني القرآن: 3/38-39]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ):{الأَعْرَافِ} سور بين الجنة والنار، يسمى بذلك لارتفاعه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 84]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بِسِيمَاهُمْ}: بعلاماتهم). [العمدة في غريب القرآن: 135]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النّار) (46) أي حيال أصحاب النار، وفي آية أخرى (تلقاء مدين) (28/22) أي حيال مدين وتجاهه). [مجاز القرآن: 1/215]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {تلقاء أصحاب النار}: جذاة). [غريب القرآن وتفسيره: 146]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تِلْقَاء}: حذاء). [العمدة في غريب القرآن: 135]

تفسير قوله تعالى: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم} [آية: 48]
قال حذيفة أصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فهم بين الجنة والنار ثم إن الله اطلع عليهم فرحمهم فقالوا ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون
وروى عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس أنه قال الأعراف الشيء المشرف
وروى مجاهد عن ابن عباس أنه قال الأعراف سور له عرف كعرف الديك
والأعراف في اللغة المكان المشرف جمع عرف
وقال أبو مجلز هم من الملائكة
قال والذين صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار أهل الجنة
حدثنا أبو جعفر قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار الصوفي قال حدثنا داود الضبي قال حدثنا مسلم بن خالد قال عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في أصحاب الأعراف قال هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم وهم على سور بين الجنة والنار وهم على طمع في دخول الجنة وهم داخلون
وقيل إن أصحاب الأعراف ملائكة بين الجنة والنار
قال أبو جعفر والقول الأول أشهر وأعرف
قال ابن عباس فقال الله جل وعز لهم: {ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون}
قال عبد الله بن الحارث وهم يدعون مساكين أهل الجنة). [معاني القرآن: 3/39-41]

تفسير قوله تعالى: (أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) )

تفسير قوله تعالى: (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) )
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (أو مما رزقكم الله) قال: يعني الخبز والطعام، قال أبو عبد الله: فلم يصرح الله - عز وجل - بذكر الخبز والطعام، لقلته عنده، وصرح بذكر الماء، لأنه شرفه، لأن كل شيء خلقه - من الحيوان والفاكهة وغير ذلك - حياته بالماء، وهو قوله - جل
وعز: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ) ). [ياقوتة الصراط: 229-230]

تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فاليوم ننساهم) (50) مجازه: نؤخرهم ونتركهم، (كما نسوا لقاء يومهم هذا) (50) أي كما تركوا أمر ربهم وجحدوا يوم القيامة). [مجاز القرآن: 1/215]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فاليوم ننساهم} أي نتركهم). [تفسير غريب القرآن: 168]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (الّذين اتّخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرّتهم الحياة الدّنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون (51)
(فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا).
أي نتركهم في عذابهم كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا.
ومعنى: (وما كانوا بآياتنا يجحدون).
و " كجحدهم " و " ما " نسق على " كما، في موضع جر). [معاني القرآن: 2/341]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا} [آية: 51]
قال مجاهد أي نتركهم في النار كما تركوا لقاء يومهم هذا
والمعنى فاليوم نتركهم في العذاب كما تركوا العمل لقاء يومهم هذا
وما كانوا بآياتنا يجحدون أي بجحودهم لآياتنا). [معاني القرآن: 3/41]

تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولقد جئناهم بكتابٍ فصّلناه على علمٍ هدًى ورحمةً...}
تنصب الهدى والرحمة على القطع من الهاء في فصّلناه. وقد تنصبهما على الفعل. ولو خفضته على الإتباع للكتاب كان صوابا؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك} فجعله رفعا بإتباعه للكتاب). [معاني القرآن: 1/381]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ولقد جئناهم بكتاب فصّلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون (52)
هدى في موضع نصب، أي فصلناه هاديا وذا رحمة.
ويجوز هدى ورحمة لقوم يؤمنون على الاستئناف، المعنى هو هدى ورحمة لقوم يؤمنون). [معاني القرآن: 2/341]

تفسير قوله تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هل ينظرون إلاّ تأويله...}
الهاء في تأويله للكتاب. يريد عاقبته وما وعد الله فيه.
وقوله: {فهل لّنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نردّ} ليس بمعطوف على (فيشفعوا)، إنما المعنى - والله أعلم -: أو هل نردّ فنعمل غير الذي كنا نعمل. ولو نصبت (نردّ) على أن تجعل (أو) بمنزلة حتّى، كأنه قال: فيشفعوا لنا أبدا حتى نرد فنعمل، ولا نعلم قارئا قرأ به). [معاني القرآن: 1/381]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (هل ينظرون إلاّ تأويله) (52) أي هل ينظرون إلاّ بيانه ومعانيه وتفسيره.
(خسروا أنفسهم) (52) مجازه: غبنوا أنفسهم وأهلكوا قال الأعشى:
لا يأخذ الرّشوة في حكمه... ولا يبالي غبن الخاسر). [مجاز القرآن: 1/216]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {هل ينظرون إلاّ تأويله يوم يأتي تأويله يقول الّذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربّنا بالحقّ فهل لّنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نردّ فنعمل غير الّذي كنّا نعمل قد خسروا أنفسهم وضلّ عنهم مّا كانوا يفترون}
وقال: {فهل لّنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نردّ فنعمل غير الّذي كنّا نعمل} فنصب ما بعد الفاء لأنه جواب استفهام). [معاني القرآن: 2/7-8]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {هل ينظرون إلّا تأويله} أي هل ينتظرون إلّا عاقبته. يريد ما وعدهم اللّه من أنه كائن {يوم يأتي تأويله} في القيامة {يقول الّذين نسوه من قبل} أي تركوه وأعرضوا عنه). [تفسير غريب القرآن: 168]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (هل: تكون للاستفهام...، ويجعلونها أيضا بمعنى: (ما) في قوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ
تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ} [الأنعام: 158] و: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة: 210]، و: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ} [الزخرف: 66]، و: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ}؟ [الأعراف: 53]، و: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}؟ [النحل: 35].
هذا كله عندهم بمعنى: (ما).
وهو والأوّل عند أهل اللغة تقرير). [تأويل مشكل القرآن:538- 539] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {هل ينظرون إلّا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الّذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربّنا بالحقّ فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نردّ فنعمل غير الّذي كنّا نعمل قد خسروا أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون (53)}
{هل ينظرون إلّا تأويله}.
معناه هل ينظرون إلا ما يؤول إليه أمرهم من البعث، وهذا التأويل والله أعلم - هو قوله (وما يعلم تأويله إلا اللّه)، أي ما يعلم متى يكون البعث.
وما يؤول إليه إلا اللّه: (والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به)
بالبعث - واللّه أعلم -.
وقوله: (يوم يأتي تأويله يقول الّذين نسوه من قبل).
(يوم) منصوب بقوله: (يقول) و (الذين نسوه) على ضربين:
جائز أن يكون صاروا في الإعراض عنه بمنزلة من نسي وجائز أن يكونوا نسوه وتركوا العمل له والإيمان به.
وقوله:. (أو نردّ فنعمل غير الّذي كنّا نعمل).
(أو) نسق على قوله (من شفعاء)، " كأنهم قالوا: هل يشفع لنا شافع أو هل نرد.
وقوله عزّ وجلّ (فنعمل) منصوب على جواب الفاء للاستفهام.
ويجوز أن تنصب (أو نردّ فنعمل)، أي إن رددنا استغنينا عن الشفاعة). [معاني القرآن: 2/341-342]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {هل ينظرون إلا تأويله} [آية: 53]
قال مجاهد أي جزاءه
وقال قتادة أي عاقبته
وهذا قول حسن ومعناه ما وعدوا فيه أنه كائن
ثم قال جل وعز: {يوم يأتي تأويله} [آية: 53]
يعني يوم القيامة
يقول الذين نسوه من قبل
قال مجاهد أي أعرضوا عنه). [معاني القرآن: 3/41-42]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {إِلاَّ تَأْوِيلَهُ} أي عاقبته.
{الَّذِينَ نَسُوهُ} أي تركوه وأعرضوا عنه). [تفسير المشكل من غريب القرآن:84 -85]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السماوات والأرض في ستّة أيّامٍ ثمّ استوى على العرش يغشي اللّيل النّهار يطلبه حثيثاً والشّمس والقمر والنّجوم مسخّراتٍ بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك اللّه ربّ العالمين}
وقال: {والشّمس والقمر والنّجوم مسخّراتٍ بأمره} عطف على قوله: {خلق السماوات والأرض} وخلق {الشمس والقمر}). [معاني القرآن: 2/8]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الأمر: القضاء، قال الله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} [السجدة: 5]، أي يقضي القضاء. وقال تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54] أي القضاء). [تأويل مشكل القرآن: 515]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السّماوات والأرض في ستّة أيّام ثمّ استوى على العرش يغشي اللّيل النّهار يطلبه حثيثا والشّمس والقمر والنّجوم مسخّرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك اللّه ربّ العالمين (54)
(يغشي اللّيل النّهار).
و (يغشّي اللّيل النّهار)، جميعا يقرأ بهما.
والمعنى أن الليل يأتي على النهار فيغطيه، ولم يقل يغشى النهار الليل.
لأن في الكلام دليلا عليه، وقد جاء في موضع آخر: (يكوّر اللّيل على النّهار ويكوّر النّهار على اللّيل).
وقوله تعالى: (والنّجوم مسخّرات بأمره).
أي خلق النجوم جاريات مجاريهنّ بأمره.
وقوله: (وعلى الأعراف رجال).
وقوله: (ونادى أصحاب الأعراف)
اختلف الناس في أصحاب الأعراف، فقال قوم: هم قوم استوت
حسناتهم وسيئاتهم، فلم يستحقوا الجنة بالحسنات، ولا النار بالسيئات.
فكانوا على الحجاب الذي بين الجنة والنار.
والأعراف أعالي السّور، ويقال لكل عال عرف وجمعه أعراف.
ويجوز أن يكون - واللّه أعلم - على الأعراف على معرفة - أهل الجنة
وأهل النار هؤلاء الرجال، فقال قوم ما ذكرنا، وإن اللّه يدخلهم الجنة، وقال قوم أصحاب الأعراف أنبياء وقال قوم ملائكة.
ومعرفتهم كلّا بسيماهم يعرفون أصحاب الجنة بأن سيماهم إسفار الوجوه والضحك والاستبشار كما قال عزّ وجل: (وجوه يومئذ مسفرة (38) ضاحكة مستبشرة (39).
ويعرفون أصحاب النار بسيماهم وسيماهم اسوداد الوجوه وغبرتها - كما قال جلّ وعزّ: (يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه).
و (ووجوه يومئذ عليها غبرة (40) ترهقها قترة (41)
والقترة كالدّخان.
وقوله: (ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون).
هذا - واللّه أعلم - خطاب أصحاب الأعراف لأهل النار، وقرئت تستكثرون بالثاء.
وأما تجوله: (أهؤلاء الّذين أقسمتم).
يعني أهل الجنة كأنه قيل لهم: يا أهل النار أهؤلاء الذين حلفتم لا ينالهم الله برحمة).
(ادخلوا الجنّة لا خوف عليكم).
وإن شئت بالفتح لا خوف عليكم.
فجائز أن يكون (ادخلوا الجنّة) خطابا من أصحاب الأعراف لأهل
الجنة، لأن كل ما يقوله أصحاب الأعراف فعن اللّه تعالى. وجائز أن يكون خطابا من اللّه عزّ وجلّ لأهل الجنة.
وقوله: (ونادى أصحاب النّار أصحاب الجنّة أن أفيضوا علينا من الماء أو ممّا رزقكم اللّه).
فأعلم اللّه عز وجل: أن ابن آدم غير مستغن عن الطعام والشراب وإن كان معذبا.
فأعلمهم أهل الجنة أن اللّه حرمها على الكافرين، يعنون أن اللّه حرم طعام أهل الجنة وشرابهم على أهل النار، لأنهم إنما يشربون الحميم الذي يصهر به ما في بطونهم). [معاني القرآن: 2/342-344]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إن ربكم الله الذي خلق السموات ولأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار}[آية: 54]
المعنى يغشي الليل النهار ويغشي النهار الليل ثم حذف لعلم السامع
أي يدخل هذا في هذا وهذا في هذا
وقوله جل وعز: {ألا له الخلق والأمر} [آية: 54]
ففرق بين الشيء المخلوق وبين الأمر وهو كلامه فدل على
أن كلامه غير مخلوق وهو قوله كن وقيل هو مثل قوله جل ثناؤه: {فيهما فاكهة ونخل ورمان}
وقيل المعنى وتصرف الأمر ثم حذف). [معاني القرآن: 3/42-43]

تفسير قوله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ادعوا ربّكم تضرّعا وخفية إنّه لا يحبّ المعتدين (55)
قال قوم: تضرعوا تملقا، وحقيقته - واللّه أعلم - أن يدعوه خاضعين متعبدين.
و(خفية) أي اعتقدوا عبادته في أنفسكم، لأن الدعاء معناه العبادة.
وقوله: (إنّه لا يحبّ المعتدين).
والمعتدون المجاوزون ما أمروا به، وهم الظالمون). [معاني القرآن: 2/344]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ادعوا ربكم تضرعا} [آية: 55]
أي مستكينين متعبدين وخفية أي وأخفوا العبادة لأن الدعاء عبادة
ثم قال تعالى: {إنه لا يحب المعتدين} [آية: 55]
قال قتادة فدل هذا على أن من الدعاء ما فيه اعتداء أي فلا تعتدوا في الدعاء). [معاني القرآن: 3/43]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّ رحمت اللّه قريبٌ مّن المحسنين...}
ذكرت قريبا لأنه ليس بقرابة في النسب. قال: ورأيت العرب تؤنث القريبة في النسب لا يختلفون فيها، فإذا قالوا: دارك منّا قريب، أو فلانة منك قريب
في القرب والبعد ذكّروا وأنّثوا. وذلك أن القريب في المعنى وإن كان مرفوعا فكأنه في تأويل: هي من مكان قريب. فجعل القريب خلفا من المكان؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {وما هي من الظالمين ببعيد} وقال: {وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا} ولو أنّث ذلك فبنى على بعدت منك فهي بعيدة وقربت فهي قريبة كان صوابا حسنا. وقال عروة:

عشيّة لا عفراء منك قريبة = فتدنو ولا عفراء منك بعيد
ومن قال بالرفع وذكّر لم يجمع قريبا [ولم] يثنّه. ومن قال: إنّ عفراء منك قريبة أو بعيدة ثنّى وجمع). [معاني القرآن: 1/381-382]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (إنّ رحمة الله قريبٌ من المحسنين) (55) هذا موضع يكون في المؤنثة والثنتين والجميع منها بلفظ واحد ولا يدخلون فيها الهاء لأنه ليس بصفة ولكنه ظرف لهن وموضع، والعرب تفعل ذلك في قريب وبعيد قال:

فإن تمس ابنة السّهمىّ منا..=. بعيداً لا نكلّمها كلاما
وقال الشّنفري:

تؤرقني وقد أمست بعيداً..=. وأصحابي بعيهم أو تباله
فإذا جعلوها صفة في معنى مقتربة قالوا: هي قريبة وهما قريبتان وهن قريبات). [مجاز القرآن: 1/216-217]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفاً وطمعاً إنّ رحمت اللّه قريبٌ مّن المحسنين}
وقال: {إنّ رحمت اللّه قريبٌ مّن المحسنين} فذكّر {قريب} وهي صفة "الرحمة" وذلك كقول العرب "ريحٌ خريقٌ" و"ملحفةٌ جديدٌ" و"شاةٌ سديسٌ". وإن شئت قلت: تفسير "الرحمة" ههنا: المطر، ونحوه. فلذلك ذكر. كما قال: {وإن كان طائفةٌ مّنكم آمنوا} فذكر لأنه أراد "الناس". وإن شئت جعلته كبعض ما يذكرون من المؤنث كقول الشاعر:
فلا مزنةٌ ودقت ودقها= ولا أرض أبقل إبقالها
). [معاني القرآن: 2/8]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وادعوه خوفاً وطمعاً} أي خوفا منه ورجاء لما عنده). [تفسير غريب القرآن: 169]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إنّ رحمت اللّه قريب من المحسنين (56)
(وادعوه خوفا وطمعا).
أي ادعوه خائفين عذابه وطامعين في رحمته، ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لن يدخل الجنة أحد بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول اللّه؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني اللّه برحمته.
وقوله: (إنّ رحمت اللّه قريب من المحسنين).
إنما قيل (قريب) لأن الرحمة والغفران في معنى واحد وكذلك كل تأنيث ليس بحقيقي.
وقال الأخفش جائز أن تكون الرحمة ههنا في معنى المطر.
وقال بعضهم: هذا ذكر ليفصل بين القريب من القرابة، والقريب من القرب، وهذا غلط، أن كل ما قرب من مكان أو نسب فهو جار على ما يصيبه من التأنيث والتذكير). [معاني القرآن: 2/344-345]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وادعوه خوفا وطمعا} [آية: 56]
والمعنى خوفا منه ورجاء لما عنده). [معاني القرآن: 3/44]

تفسير قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وهو الّذي يرسل الرّياح نشراً...}
والنشر من الرياح: الطيبة اللينة التي تنشئ السحاب. فقرأ بذلك أصحاب عبد الله. وقرأ غيرهم (بشرا) ... حدثني قيس بن الربيع الأسديّ عن أبي إسحاق الهمداني عن أبي عبد الرحمن السلميّ عن عليّ أنه قرأ (بشرا) يريد بشيرة، و(بشرا) كقول الله تبارك وتعالى: (يرسل الرياح مبشّرات).
وقوله: {فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كلّ الثّمرات كذلك نخرج الموتى} جواب لأنزلنا فأخرجنا به. يقال: إن الناس يموتون وجميع الخلق في النفخة الأولى. وبينها وبين الآخرة أربعون سنة. ويبعث الله المطر فيمطر أربعين يوما كمنيّ الرجال، فينبتون في قبورهم؛ كما ينبتون في بطون أمّهاتهم. فذلك قوله: {كذلك نخرج الموتى} كما أخرجنا الثمار من الأرض الميتة). [معاني القرآن: 1/382-383]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (يرسل الرّياح نشراً) (56) أي متفرقة من كل مهب وجانب وناحية.
(أقلّت سحاباً) أي ساقت). [مجاز القرآن: 1/217]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وهو الّذي يرسل الرّياح بشراً بين يدي رحمته حتّى إذا أقلّت سحاباً ثقالاً سقناه لبلدٍ مّيّتٍ فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كلّ الثّمرات كذلك نخرج الموتى لعلّكم تذكّرون}
وقال: {وهو الّذي يرسل الرّياح بشراً بين يدي رحمته} لأنّها جماعة "النشور" وتقول: "ريحٌ نشور" و"رياحٌ نشر". وقال بعضهم "نشرا" من "نشرها" "نشراً".
وقال في أول هذه السورة {كتابٌ أنزل إليك} [2] {لتنذر به} [2] {فلا يكن في صدرك حرجٌ مّنه} [2] هكذا تأويلها على التقديم والتأخير. وفي كتاب الله مثل ذلك كثير قال: {اذهب بّكتابي هذا فألقه إليهم ثمّ تولّ عنهم فانظر ماذا يرجعون} والمعنى - والله أعلم - {فانظر ماذا يرجعون} {ثمّ تولّ عنهم} وفي كتاب الله {وما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالاً نّوحي إليهم فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون [43] بالبيّنات والزّبر} والمعنى - والله أعلم - {وما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالاً نّوحي إليهم} {بالبيّنات والزّبر} {فاسألوا أهل الذّكر} {إن كنتم لا تعلمون} وفي "حم المؤمن" {فلمّا جاءتهم رسلهم بالبيّنات فرحوا بما عندهم مّن العلم} والمعنى - والله أعلم - {فلمّا جاءتهم رسلهم بالبيّنات} {مّن العلم} {فرحوا بما عندهم}. وقال بعضهم {فرحوا بما} هو {عندهم من العلم} أي: كان عندهم العلم وهو جهل ومثل هذا في كلام العرب وفي الشعر كثير في التقديم والتأخير. يكتب الرجل: "أمّا بعد حفظك الله وعافاك فإنّي كتبت إليك" فقوله "فإنّي" محمول على "أمّا بعد" [و] إنما هو "أمّا بعد فإنّي" وبينهما كما ترى كلام. قال الشاعر:

خيرٌ من القوم العصاة أميرهم = يا قوم فاستحيوا النساء الجلّس
والمعنى: خيرٌ من القوم العصاة أميرهم النّساء الجلّس يا قوم فاستحيوا. قال الآخر:
الشّمس طالعةٌ ليست بكاسفةٍ = تبكي عليك نجوم اللّيل والقمرا
ومعناه: الشمس طالعةٌ لم تكسف نجوم الليل والقمرا لحزنها على "عمر". وذلك أن الشمس كلما طلعت كسفت القمر والنجوم فلم تترك لها ضوءا.
ومن معاني القرآن قول الله عزّ وجل: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم مّن النّساء إلاّ ما قد سلف} فليس المعنى: انكحوا ما قد سلف. وهذا لا يجوز في الكلام والمعنى - والله أعلم - "لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء فإنّكم تعذّبون به إلاّ ما قد سلف فقد وضعه الله عنكم" وكذلك قوله: {حرّمت عليكم أمّهاتكم وبناتكم} ثم قال: {وأن تجمعوا بين الأختين إلاّ ما قد سلف} والمعنى - والله أعلم - أنّكم تؤخذون بذلك إلاّ ما قد سلف فقد وضعه الله عنكم.
وقوله: {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه} ثم قال: {أو كالّذي مرّ على قريةٍ} فـ"الكاف" تزاد في الكلام. والمعنى: ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم في ربّه أو الذي مرّ على قريةٍ. ومثلها في القرآن {ليس كمثله شيءٌ} والمعنى: ليس مثله شيء. لأنه ليس لله مثل. وقال الشاعر: * فصيّروا مثل كعصفٍ مأكول *
والمعنى: صيّروا مثل عصفٍ، والكاف زائدة. وقال الآخر:
* وصالباتٍ ككما يؤثفين *
إحدى الكافين زائدة.
وقوله: {بدّلناهم جلوداً غيرها} يعني غيرها في النضج، لأنّ الله عز وجل يجددها فيكون أشد للعذاب عليهم. وهي تلك الجلود بعينها التي عصت الله تعالى ولكن أذهب عنها النضج، كما يقول الرجل للرجل: "أنت اليوم غيرك أمس" وهو ذلك بعينه إلا أنه نقص منه شيء أو زاد فيه. وفي كتاب الله عز وجل: {ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون} فيسأل السائل فيقول كيف كانوا كاذبين ولم يعودوا بعد. [و] إنما يكونون كاذبين إذا عادوا. وقد قلتم إنه لا يقال له كافر قبل أن يكفر إذا علم أنه كافر. وهذا يجوز أن يكون أنّهم الكاذبون بعد اليوم كما يقول الرجل: "أنا قائمٌ" وهو قاعد يريد "إني سأقوم" أو يقول {إنّهم لكاذبون} يعني ما وافوا به القيامة من كذبهم وكفرهم لأن الذين دخلوا النار كانوا كاذبين كافرين.
وقوله: {وجوهٌ يومئذٍ نّاضرةٌ [22] إلى ربّها ناظرةٌ} يقول "تنظر في رزقها وما يأتيها من الله" كما يقول الرجل: "ما أنظر إلاّ إليك" ولو كان نظر البصر كما يقول بعض الناس كان في الآية التي بعدها بيان ذلك. ألا ترى أنه قال: {ووجوهٌ يومئذٍ باسرةٌ [24] تظنّ أن يفعل بها فاقرةٌ} ولم يقل: "ووجوهٌ لا تنظر ولا ترى" وقوله: {تظنّ أن يفعل بها فاقرةٌ} يدلّ "الظن" ههنا على أن النظر ثم الثقة بالله وحسن اليقين ولا يدل على ما قالوا. وكيف يكون ذلك والله يقول {لاّ تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} وقوله: {وما تشاءون إلاّ أن يشاء اللّه} يعني ما تشاؤون من الخير شيئاً إلاّ أن يشاء الله أن تشاؤوه.
وقوله: {إذا أخرج يده لم يكد يراها} حمل على المعنى وذلك أنه لا يراها وذلك أنك إذا قلت: "كاد يفعل إنما. تعني قارب الفعل ولم يفعل فإذا قلت "لم يكد يفعل" كان المعنى أنه لم يقارب الفعل ولم يفعل على صحة الكلام وهكذا معنى هذه الآية. إلاّ أنّ اللّغة قد أجازت: "لم يكد يفعل" في معنى: فعل بعد شدة، وليس هذا صحة الكلام [لـ] أنه إذا قال: "كاد يفعل" فإنما يعني: قارب الفعل. وإذا قال: "لم يكد يفعل" يقول: "لم يقارب الفعل" إلا أنّ اللغة جاءت على ما فسرت لك وليس هو على صحة الكلمة). [معاني القرآن: 2/8-12]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {نشرا}: منتشرة متفرقة من كل جانب وقرىء
{بشرا}: أي مبشرات). [غريب القرآن وتفسيره: 146-147]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {بشراً بين يدي رحمته} كأنه تبشر. ورحمته هاهنا: المطر، سماه رحمة: لأنه كان برحمته.
ومن قرأها نشرا بين يدي رحمته أراد جمع نشور، ونشر الشيء ما تفرق منه. يقال: اللهم اضمم إليّ نشرى. أي ما تفرق من أمري.
{حتّى إذا أقلّت سحاباً} أي حملت. ومنه يقال: ما أستقل به). [تفسير غريب القرآن: 169]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقد توضع (الرحمة) موضع (المطر) لأنه ينزل برحمته.
قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 57] يعني المطر). [تأويل مشكل القرآن: 146]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (وهو الّذي يرسل الرّياح بشرا بين يدي رحمته حتّى إذا أقلّت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميّت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كلّ الثّمرات كذلك نخرج الموتى لعلّكم تذكّرون (57)
(بشرا بين يدي رحمته).
و (نشرا) أيضا بضم النون وفتحها - وقرأ عاصم بشرى بالياء.
فمن قرأ (نشرا) فالمعنى وهو الذي ينشر الرياح منشرة نشرا.
ومن قال نشرا فهو جمع نشور ونشر.
ومن قرأ بشرا فهو جمع بشيرة وبشر كما قال جلّ وعزّ: (وهو الّذي يرسل الرياح بشرا).
وقوله: (بين يدي رحمته).
أي بين يدي المطر الذي هو رحمة، (حتّى إذا أقلّت سحابا) أي حتى إذا أقلّت الريح سحابا، يقال: أقل فلان الشيء إذا هو حمله، وفلان لا يستقلّ بحمله.
فالمعنى حتى إذا حملت سحابا ثقالا، والسحاب جمع سحابة.
(ثقالا) أي ثقالا بالماء.
(سقناه لبلد ميّت).
وميت جميعا.
(فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كلّ الثّمرات).
جائز أن يكون: فأنزلنا بالسحاب الماء، فأخرجنا به من كل الثمرات.
الأحسن - واللّه أعلم - فأخرجنا بالماء من كل الثمرات، وجائز أن يكون أخرجنا بالبلد من كل الثمرات، لأن البلد ليس يخصّ به ههنا بلد سوى سائر البلدان.
وقوله عز وجلّ: (كذلك نخرج الموتى).
أي مثل ذلك الإخراج الذي أشرنا إليه نخرج الموتى.
وقوله: (لعلّكم تذكّرون).
لعل ترج، وإنما خوطب العباد على قدر علمهم، وما يرجوه بعضهم من بعض، واللّه يعلم أي تذكرون أم لا.
وقوله: (لعلّكم تذكّرون).
أي لعلكم بما بينّاه لكم تستدلّون على توحيد اللّه وأنه يبعث الموتى). [معاني القرآن: 2/345-346]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله تعالى: {وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته} [آية: 57]
نشر جمع نشور يقال ريح نشور إذا أتت من ههنا وههنا وقيل نشر مصدر
ومن قرأ نشرا بضم النون وإسكان الشين فإلى هذا المعنى يذهب عند البصريين
وأما الفراء فزعم أنها لغة بمعنى النشر كما يقال خسف وخسف
ومن قرأ نشرا فإنه يذهب إلى أن المعنى تنشر نشرا
ومن قرأ بشرا فهو جمع بشير عنده مخففة وقد تكون جمع بشرة وقد يكون مصدرا مثل العمر وتقرأ {بشرا} وبشرا
مصدر بشره يبشره بمعنى بشره
ومعنى بين يدي رحمته بين يدي المطر الذي هو من رحمته تعالى
ثم قال جل وعز: {حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء} [آية: 57]
حتى إذا أقلت سحابا ثقالا أي حتى إذا حملت الريح سحابا ثقالا بالماء سقناه يعني السحاب لبلد ميت فأنزلنا به الماء
يجوز أن يكون المعنى فأنزلنا بالبلد الماء
ويجوز أن يكون المعنى فأنزلنا بالسحاب الماء فأخرجنا به من كل الثمرات أي بالماء ويجوز أن يكون المعنى بالبلد
وقوله تعالى: {كذلك نخرج الموتى} [آية: 57]
قال مجاهد يبعث الله مطرا فيمطر فينبت الناس كما ينبت الزرع
ثم قال جل وعز: {لعلكم تذكرون} [آية: 57]
أي لتكونوا على رجاء من الاتعاظ بما تذكرون وتخبرون به). [معاني القرآن: 3/44-46]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً} أي حملت). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 85]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {نشرا}: من كل جانب.
{بُشْرى}: البشارة). [العمدة في غريب القرآن: 135]

تفسير قوله تعالى: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والّذي خبث لا يخرج إلاّ نكداً...}
قراءة العامة؛ وقرأ بعض أهل المدينة: نكدا؛ يريد: لا يخرج إلا في نكدٍ. والنكد والنكد مثل الدنف والدنف. قال: وما أبعد أن يكون فيها نكد، ولم أسمعها، ولكني سمعت حذر وحذر وأشر وأشر وعجل وعجل). [معاني القرآن: 1/383]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (لا يخرج إلاّ نكداً) (57) أي قليلاً عسراً في شدة قال:
لا تنجز الوعد إن وعدت وإن... أعطيت أعطيت تافهاً نكدا
تافه: قليل). [مجاز القرآن: 1/217]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لا يخرج إلّا نكداً} أي إلّا قليلا. يقال: عطاء منكود: منزور). [تفسير غريب القرآن: 169]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (ألا ترى أنك لو أردت أن تنقل قوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58]- لم تستطع أن تأتي بهذه الألفاظ مؤدية عن المعنى الذي أودعته حتى تبسط مجموعها، وتصل مقطوعها وتظهر مستورها، فتقول: إن كان بينك وبين قوم هدنة وعهد، فخفت منهم خيانة ونقضا، فأعلمهم أنك قد نقضت ما شرطت لهم، وآذنهم بالحرب لتكون أنت وهم في العلم بالنّقض على استواء). [تأويل مشكل القرآن: 21]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (والبلد الطّيّب يخرج نباته بإذن ربّه والّذي خبث لا يخرج إلّا نكدا كذلك نصرّف الآيات لقوم يشكرون (58)
وقرأها أهل المدينة نكدا - بفتح الكاف - ويجوز فيه وجهان آخران: إلّا نكدا ونكدا - بضم النون وإسكان الكاف ولا يقرأ بالمضمومة، لأنه لم تثبت به رواية في القرآن). [معاني القرآن: 2/346]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا} [آية: 58]
النكد في اللغة النزر القليل وهذا تمثيل
قال مجاهد يعني إن في بني آدم الطيب والخبيث). [معاني القرآن: 3/46]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {إِلاَّ نَكِداً} إلا قليلا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 85]

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ما لكم مّن اله غيره...}
تجعل (غير) نعتا للإله. وقد يرفع: يجعل تابعا للتأويل في إله؛ ألا ترى أن الإله لو نزعت منه (من) كان رفعا. وقد قرئ بالوجهين جميعا.
وبعض بني أسد وقضاعة إذا كانت (غير) في معنى (إلا) نصبوها، تمّ الكلام قبلها أو لم يتم. فيقولون: ما جاءني غيرك، وما أتاني أحد غيرك. قال: وأنشدني المفضّل:
لم يمنع الشرب منها غير أن هتفت =حمامةٌ من سحوقٍ ذات
أوقال
فهذا نصب وله الفعل والكلام ناقص. وقال الآخر:

لا عيب فيها غير شهلة عينها = كذاك عتاق الطير شهلاً عيونها
فهذا نصب والكلام تامّ قبله). [معاني القرآن: 1/383-384]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله (قال الملأ من قومه إنّا لنراك في ضلال مبين (60)
وهم الرؤساء والأشراف، وقال بعضهم يعنى به الرجال. -
وقد بيّنّا الملأ فيما سبق من الكتاب). [معاني القرآن: 2/346]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قال الملأ} [آية: 60]
الرؤساء والأشراف أي المليئون بما يفوض إليهم). [معاني القرآن: 3/46]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) )

تفسير قوله تعالى: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62) )

تفسير قوله تعالى: (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أو عجبتم...}
هذه واو نسق أدخلت عليه ألف الاستفهام؛ كما تدخلها على الفاء، فتقول: أفعجبتم، وليست بأو، ولو أريد بها أو لسكّنت الواو.
وقوله: {أو عجبتم أن جاءكم ذكرٌ مّن رّبّكم على رجلٍ} يقال في التفسير: مع رجل. وهو في الكلام كقولك: جاءنا الخير على وجهك، وهدينا الخير على لسانك، ومع وجهك، يجوزان جميعا). [معاني القرآن: 1/384]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أو عجبتم أن جاءكم ذكرٌ مّن رّبّكم على رجلٍ مّنكم لينذركم ولتتّقوا ولعلّكم ترحمون}
وقال: {أو عجبتم أن جاءكم ذكرٌ مّن رّبّكم} كأنه قال: "صنعوا كذا وكذا وعجبوا" فقال "صنعتم كذا وكذا أو عجبتم" فهذه واو العطف دخلت عليها ألف الاستفهام). [معاني القرآن: 2/12]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أوعجبتم أن جاءكم ذكرٌ من ربّكم على رجلٍ منكم} أي على لسان رجل منكم). [تفسير غريب القرآن: 169]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربّكم على رجل منكم لينذركم ولتتّقوا ولعلّكم ترحمون (63)
هذه الواو واو العطف. دخلت عليها ألف الاستفهام، فبقيت مفتوحة.
وقد بيّنّا أمرها في الكتاب). [معاني القرآن: 2/346]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ} أي على لسان رجل منكم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 85]

تفسير قوله تعالى: (فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (فكذّبوه فأنجيناه والّذين معه في الفلك وأغرقنا الّذين كذّبوا بآياتنا إنّهم كانوا قوما عمين (64)
(في الفلك).
والفلك السفينة، يكون الفلك واحدا، ويكون جمعا.
وقوله: (قوما عمين).
أي قد عموا عن الحق والإيمان). [معاني القرآن: 2/346-347]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إنهم كانوا قوما عمين} [آية: 64]
قال قتادة أي عن الحق). [معاني القرآن: 3/47]


رد مع اقتباس