عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 21 ربيع الثاني 1435هـ/21-02-2014م, 11:22 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

ما قيل في نزول المعوذتين بسبب حادثة سحر النبي صلى الله عليه وسلم


الذي سَحَرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم هو لبيد بن الأعصم وكان يهوديا منافقاً من بني زريق

وأما نزول المعوذتين بسبب حادثة سحر النبي صلى الله عليه وسلم ففيه خلاف؛ وقد فصلت القول فيه في كتاب جمهرة التفاسير ؛ فليطالعه من شاء.
لكن الخلاصة أن الحادثة صحيحة لكن نزول المعوذتين بسبب تلك الحادثة فيه خلاف ولبس.
وأمثل ما يستدل به على ذلك هو ما رواه عبد بن حميد والطحاوي من طريق أحمد بن يونس عن أبي معاوية عن الأعمش عن يزيد بن حيّان عن زيد بن الأرقم قال: (سحر النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود.
قال: فاشتكى فأتاه جبريل فنزل عليه بالمعوذتين، قال: إن رجلاً من اليهود سحرك ، والسحر في بئر فلان.
قال: فأرسل علياً فجاء به.
قال: فأمره أن يحلّ العُقد وتُقرأ آية؛ فجعل يقرأ ويحلّ حتى قام النبي صلى الله عليه وسلم كأنما أُنشِطَ من عقال).
وهذا الحديث رجاله ثقات، لكن ذكر نزول المعوذتين والرقية بهما من ذلك تفرد به أحمد بن يونس، وهو إمام ثقة، لكن خالفه جماعة من الأئمة الثقات رووا هذا الحديث من غير هذه الزيادة.
فذكر نزول المعوذتين هنا والرقية بهما من السحر، مما تفرّد بذكره أحمد بن يونس وهو إمام ثقة، لكنه خولف في هذه الزيادة فقد حدَّث بهذا الحديث عن أبي معاوية: أحمد بن حنبل وابن أبي شيبة وهناد بن السري ولم يذكروا هذه الزيادة.
والحديث له نحو أربع طرق كلها ليس فيها ذكر هذه الزيادة.
فمن اعتبر هذه الزيادة مخالفة؛ حكم عليها بالشذوذ لمخالفة أحمد بن يونس بقية الرواة عن أبي معاوية ثم مخالفة هذه الزيادة لطرق الحديث الأخرى، ومن اعتبرها من باب زيادة الثقة؛ صححها كما فعل الألباني .


وأما حادثة سَحر اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم فهي صحيحة ثابتة ، فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من دواوين السنة المعروفة من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سَحَرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ من بني زُريق يقال له: لبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخيَّل إليه أنَّه يفعل الشيءَ وما فعله حتى كان ذات ليلة وهو عندي لكنه دعا ودعا ؛ ثم قال: (( يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه، أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي؛ فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟
فقال: مطبوب.
قال: من طبه؟
قال: لبيد بن الأعصم.
قال: في أي شيء؟
قال: في مشط ومشاطة وجُفّ طلع نخلة ذكر.
قال: وأين هو؟
قال: في بئر ذروان)).
فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه فجاء فقال: ((يا عائشة كأنّ ماءها نقاعة الحناء، أو كأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين)).
قلت: يا رسول الله؛ أفلا أستخرجه.
قال: ((قد عافاني الله ؛ فكرهت أن أثوّر على الناس فيه شراً))
فأمر بها فدفنت.
والحديث رواه جمع من الأئمة في مصنفاتهم وهو حديث صحيح لا مطعن فيه.
وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (سَحَرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ من اليهود). رواه أحمد وعبد بن حميد والطحاوي والطبراني؛ بإسناد صحيح؛ وقد صححه الحافظ العراقي، وقال الألباني: هو على شرط مسلم.


في الحديث الأول أن الذي سحره رجل من بني زريق.
وفي الحديث الثاني: الذي سحره رجل من اليهود.


والجمع بينهما ما بينته روايات صحيحة في الصحيحين وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سحر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يهوديٌّ من يهود بني زريق).
وبنو زريق بطن مشهور من الخزرج وهم من الأنصار، وقد أسلم أكثرهم بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان لهم مسجد معروف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ففي صحيح البخاري من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي لم تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق.
وكان كل من الأوس والخزرج لهم حلفاء من اليهود في الجاهلية، وكان بعض الأوس والخزرج قد تهوّد.
قال ابن عباس: (كانت المرأة تكون مِقْلاتاً فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوِّده [تلتمس بذلك طول بقائه، فجاء الإسلام ، وفيهم منهم] فلما أُجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار؛ فقالوا : لا ندع أبناءنا؛ فأنزل الله عز وجل: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الْغَيِّ} [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيروا أصحابكم ، فإن اختاروكم ، فهم منكم ، وإن اختاروهم ، فهم منهم))]). رواه أبو داود والسياق له، والطحاوي وما بين المعكوفين له، ورواه أيضاً البيهقي وابن حبان بألفاظ مقاربة.
وقال مجاهد: (كان ناس من الأنصار مسترضعين في بني قريظة فثبتوا على دينهم؛ فلما جاء الإسلام أراد أهلوهم أن يكرهوهم على الإسلام فنزلت {لا إكراه في الدين}). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
فقول اليهود: (لا ندع أبناءنا) يريدون أبناءهم من الرضاعة، ممن أرضعوهم فتهودوا من الأوس والخزرج قبل مجيء الإسلام.
فلذلك كان لبيد بن الأعصم يهودياً وهو من بني زريق.
وفي رواية في صحيح البخاري أن الذي سحره لبيد بن الأعصم رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقاً.
فيكون هذا الخبيث قد جمع أوصاف الخبث؛ فهو يهودي منافق ساحر.
وقول عائشة: (حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخيَّل إليه أنَّه يفعل الشيءَ وما فعله) جاء مفسراً من رواية أخرجها البخاري في صحيحه من طريق سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُحِرَ حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن.
قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا.


إنكار المعتزلة لحادثة سَحْر النبي صلى الله عليه وسلم ، والرد عليهم
وقد أنكر هذه الحادثة بعض المعتزلة ، وزعموا أن الإقرار بها قدح في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه موافقة للكفار في قولهم فيما حكى الله عنهم: {وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً}.


وأجاب أهل العلم عن إيراد المعتزلة بأن المسحور في هذه الآية المراد به الذي أصابه جنون بسبب السحر فخبَّله السحر وأذهب عقله، أمَّا الذي لم يؤثر السحر في عقله وإدراكه ومنطقه فغير مراد هنا ولا حجة لهم في المنع من تصديق قوله بسبب هذا السحر.

أثر السحر على النبي صلى الله عليه وسلم

والسحر الذي وقع للنبي صلى الله عليه وسلم غير مؤثر في عقله وتبليغه الرسالة بلا خلاف بين أهل العلم.
قال السهيلي (ت:581هـ): (الحديث ثابت خرَّجه أهل الصحيح ، ولا مطعن فيه من جهة النقل، ولا من جهة العقل، لأن العصمة إنما وجبت لهم في عقولهم وأديانهم، وأما أبدانهم فإنهم يُبتلون فيها، ويُخلَصُ إليهم بالجراحة والضرب والسموم والقتل، والأُخذة التي أُخِّذَها رسول الله صلى الله عليه من هذا الفنِّ ، إنما كانت في بعض جوارحه دون بعض) ا.هـ.
الأُخذَة: السحر.
قال ابن القيم: (اتفق أصحاب الصحيحين على تصحيح هذا الحديث، ولم يتكلم فيه أحد من أهل الحديث بكلمة واحدة، والقصة مشهورة عند أهل التفسير والسنن والحديث والتاريخ والفقهاء ، وهؤلاء أعلم بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيامه من المتكلمين) ا.هـ.
يقصد بالمتكلمين: المعتزلة، وهم الذين اشتهر عنهم إنكار هذه القصة.

ومِنَ المعتزلة ومَن وافقهم في بعض أصولهم من ينكر هذه الحادثة لإنكاره حقيقة السحر أصلاً كما فعل ذلك الجصاص والنحاس، ونُقِل ذلك عن القاضي عبد الجبار وأبي بكر الأصم.
ومنهم من أعرض عن ذكرها في تفسيره كما فعل الزمخشري.
والماوردي حكى القولين وتوقف، وهو موافق للمعتزلة في بعض أصولهم.

ولا خلاف بين السلف في ثبوت هذه القصة ، كما أنه لا خلاف في أنها غير مؤثرة في تبليغه صلى الله عليه وسلم للرسالة.


مدّة لبث النبي صلى الله عليه وسلم مسحوراً
وأما مدة لبث النبي صلى الله عليه وسلم مسحوراً فقد اختلف فيها على أقوال، وقد روى الإمام أحمد من حديث رباح بن زيد عن معمر بن راشد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر يرى أنه يأتي ولا يأتي...) وذكرت الحديث.
ورجاله ثقات.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (ووقع في رواية أبي ضمرة عند الإسماعيلي فأقام أربعين ليلة، وفي رواية وهيب عن هشام عند أحمد ستة أشهر، ويمكن الجمع بأن تكون الستة أشهر من ابتداء تغير مزاجه، والأربعين يوما من استحكامه) ا.هـ.
وأما ما رواه عبد الرزاق في مصنفه من طريق عطاء الخراساني عن يحيى بن يَعْمَر البصريّ، قال: (حُبِس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة سنة). فلا يصحّ.

التنبيه على ضعف بعض الروايات الواردة في هذه الحادثة وتضمّنها زيادات منكرة

وروي في تفاصيل هذه الحادثة أمور لا تصح وفيها زيادات منكرة اشتهرت في بعض كتب التفسير، كالحديث الذي يرويه محمد بن عبيد الله العرزمي عن أبي بكر بن محمد عن عمرة عن عائشة عند البيهقي في دلائل النبوة وغيره ولا يصح، فالعرزمي متروك الحديث، وكذلك الحديث الذي يرويه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عند البيهقي أيضاً، وقد جمع الثعلبي هاتين الروايتين والرواية الصحيحة المعروفة من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وأدخل بعضها في بعض وساقها مساقاً واحداً اختصاراً، وشاع نقل ذلك في كتب التفسير بعده، وقد تضمن ذلك السياق زيادات منكرة، نبّه عليها ابن كثير رحمه الله وأعلى درجته.





رد مع اقتباس