عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 07:17 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فلمّا أحسّ عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى اللّه قال الحواريّون نحن أنصار اللّه آمنّا باللّه واشهد بأنّا مسلمون (52) ربّنا آمنّا بما أنزلت واتّبعنا الرّسول فاكتبنا مع الشّاهدين (53) ومكروا ومكر اللّه واللّه خير الماكرين (54)}
يقول تعالى: {فلمّا أحسّ عيسى} أي: استشعر منهم التّصميم على الكفر والاستمرار على الضّلال قال: {من أنصاري إلى اللّه} قال مجاهدٌ: أي من يتبعني إلى اللّه؟ وقال سفيان الثّوريّ وغيره: من أنصاري مع اللّه؟ وقول مجاهدٍ أقرب.
والظّاهر أنّه أراد من أنصاري في الدّعوة إلى اللّه؟ كما كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول في مواسم الحجّ، قبل أن يهاجر: "من رجل يؤويني على [أن] أبلّغ كلام ربّي، فإنّ قريشًا قد منعوني أن أبلّغ كلام ربّي" حتّى وجد الأنصار فآووه ونصروه، وهاجر إليهم فآسوه ومنعوه من الأسود والأحمر. وهكذا عيسى ابن مريم، انتدب له طائفةٌ من بني إسرائيل فآمنوا به وآزروه ونصروه واتّبعوا النّور الّذي أنزل معه. ولهذا قال تعالى مخبرًا عنهم: {قال الحواريّون نحن أنصار اللّه آمنّا باللّه واشهد بأنّا مسلمون. ربّنا آمنّا بما أنزلت واتّبعنا الرّسول فاكتبنا مع الشّاهدين} الحواريّون، قيل: كانوا قصّارين وقيل: سمّوا بذلك لبياض ثيابهم، وقيل: صيّادين. والصّحيح أنّ الحواريّ النّاصر، كما ثبت في الصّحيحين أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا ندب النّاس يوم الأحزاب، فانتدب الزّبير، ثمّ ندبهم فانتدب الزّبير [ثمّ ندبهم فانتدب الزّبير] فقال: "إنّ لكلّ نبيٍّ حواريًا وحواريي الزّبير"). [تفسير القرآن العظيم: 2/45-46]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا وكيعٌ، حدّثنا إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {فاكتبنا مع الشّاهدين} قال مع أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم. وهذا إسنادٌ جيّدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/46]

تفسير قوله تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى مخبرًا عن [ملأ] بني إسرائيل فيما همّوا به من الفتك بعيسى، عليه السّلام، وإرادته بالسّوء والصّلب، حين تمالؤوا عليه ووشوا به إلى ملك ذلك الزّمان، وكان كافرًا، فأنهوا إليه أنّ هاهنا رجلًا يضلّ النّاس ويصدّهم عن طاعة الملك، ويفنّد الرّعايا، ويفرّق بين الأب وابنه إلى غير ذلك ممّا تقلّدوه في رقابهم ورموه به من الكذب، وأنّه ولد زانيةٍ حتّى استثاروا غضب الملك، فبعث في طلبه من يأخذه ويصلبه وينكّل به، فلمّا أحاطوا بمنزله وظنّوا أنّهم قد ظفروا به، نجّاه اللّه من بينهم، ورفعه من روزنة ذلك البيت إلى السّماء، وألقى اللّه شبهه على رجلٍ [ممّن] كان عنده في المنزل، فلمّا دخل أولئك اعتقدوه في ظلمة اللّيل عيسى، عليه السّلام، فأخذوه وأهانوه وصلبوه، ووضعوا على رأسه الشّوك. وكان هذا من مكر اللّه بهم، فإنّه نجّى نبيّه ورفعه من بين أظهرهم، وتركهم في ضلالهم يعمهون، يعتقدون أنّهم قد ظفروا بطلبتهم، وأسكن اللّه في قلوبهم قسوةً وعنادًا للحقّ ملازمًا لهم، وأورثهم ذلّةً لا تفارقهم إلى يوم التّناد؛ ولهذا قال تعالى: {ومكروا ومكر اللّه واللّه خير الماكرين}). [تفسير القرآن العظيم: 2/46]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إذ قال اللّه يا عيسى إنّي متوفّيك ورافعك إليّ ومطهّرك من الّذين كفروا وجاعل الّذين اتّبعوك فوق الّذين كفروا إلى يوم القيامة ثمّ إليّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون (55) فأمّا الّذين كفروا فأعذّبهم عذابًا شديدًا في الدّنيا والآخرة وما لهم من ناصرين (56) وأمّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات فيوفّيهم أجورهم واللّه لا يحبّ الظّالمين (57) ذلك نتلوه عليك من الآيات والذّكر الحكيم (58)}
اختلف المفسّرون في قوله: {إنّي متوفّيك ورافعك إليّ} فقال قتادة وغيره: هذا من المقدّم والمؤخّر، تقديره: إنّي رافعك إليّ ومتوفّيك، يعني بعد ذلك.
وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: {إنّي متوفّيك} أي: مميتك.
وقال محمّد بن إسحاق، عمن لا يتّهم، عن وهب بن منبّه، قال: توفّاه اللّه ثلاث ساعاتٍ من النّهار حين رفعه اللّه إليه.
قال ابن إسحاق: والنّصارى يزعمون أنّ اللّه توفّاه سبع ساعاتٍ ثمّ أحياه.
وقال إسحاق بن بشرٍ عن إدريس، عن وهبٍ: أماته اللّه ثلاثة أيّامٍ، ثمّ بعثه، ثمّ رفعه.
وقال مطرٌ الورّاق: متوفّيك من الدّنيا وليس بوفاة موتٍ وكذا قال ابن جريرٍ: توفّيه هو رفعه.
وقال الأكثرون: المراد بالوفاة هاهنا: النّوم، كما قال تعالى: {وهو الّذي يتوفّاكم باللّيل [ويعلم ما جرحتم بالنّهار]} [الأنعام: 60] وقال تعالى: {اللّه يتوفّى الأنفس حين موتها والّتي لم تمت في منامها فيمسك الّتي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجلٍ مسمًّى إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكّرون]} [الزّمر: 42] وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول -إذا قام من النّوم-: "الحمد للّه الّذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النّشور"، وقال اللّه تعالى: {وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانًا عظيمًا. وقولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه} إلى قوله [تعالى] {وما قتلوه يقينًا. بل رفعه اللّه إليه وكان اللّه عزيزًا حكيمًا. وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمننّ به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا} [النّساء: 156 -159] والضّمير في قوله: {قبل موته} عائدٌ على عيسى، عليه السّلام، أي: وإن من أهل الكتاب إلّا يؤمن بعيسى قبل موت عيسى، وذلك حين ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة، على ما سيأتي بيانه، فحينئذٍ يؤمن به أهل الكتاب كلّهم؛ لأنّه يضع الجزية ولا يقبل إلّا الإسلام.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن، حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، حدّثنا الرّبيع بن أنسٍ، عن الحسن أنّه قال في قوله: {إنّي متوفّيك} يعني وفاة المنام، رفعه اللّه في منامه. قال الحسن: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لليهود: "إنّ عيسى لم يمت، وإنّه راجع إليكم قبل يوم القيامة".
وقوله تعالى: {ومطهّرك من الّذين كفروا} أي: برفعي إيّاك إلى السّماء {وجاعل الّذين اتّبعوك فوق الّذين كفروا إلى يوم القيامة} وهكذا وقع؛ فإنّ المسيح، عليه السّلام، لمّا رفعه اللّه إلى السّماء تفرّقت أصحابه شيعًا بعده؛ فمنهم من آمن بما بعثه اللّه به على أنّه عبد اللّه ورسوله وابن أمته، ومنهم من غلا فيه فجعله ابن اللّه، وآخرون قالوا: هو اللّه. وآخرون قالوا: هو ثالث ثلاثةٍ. وقد حكى اللّه مقالاتهم في القرآن، ورد على كلّ فريقٍ، فاستمرّوا كذلك قريبًا من ثلاثمائة سنةٍ، ثمّ نبع لهم ملك من ملوك اليونان، يقال له: قسطنطين، فدخل في دين النّصرانيّة، قيل: حيلةٌ ليفسده، فإنّه كان فيلسوفًا، وقيل: جهلا منه، إلّا أنّه بدل لهم دين المسيح وحرّفه، وزاد فيه ونقص منه، ووضعت له القوانين والأمانة الكبيرة -الّتي هي الخيانة الحقيرة-وأحلّ في زمانه لحم الخنزير، وصلّوا له إلى المشرق وصوّروا له الكنائس، وزادوا في صيامهم عشرة أيّامٍ من أجل ذنبٍ ارتكبه، فيما يزعمون. وصار دين المسيح دين قسطنطين إلّا أنّه بنى لهم من الكنائس والمعابد والصوامع والديارت ما يزيد على اثني عشر ألف معبدٍ، وبنى المدينة المنسوبة إليه، واتّبعه الطّائفة الملكيّة منهم. وهم في هذا كلّه قاهرون لليهود، أيّدهم اللّه عليهم لأنّهم أقرب إلى الحقّ منهم، وإن كان الجميع كفار، عليهم لعائن اللّه.
فلمّا بعث اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، فكان من آمن به يؤمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله على الوجه الحقّ -كانوا هم أتباع كل نبيٍّ على وجه الأرض-إذ قد صدّقوا الرّسول النّبيّ الأمّيّ، خاتم الرّسل، وسيّد ولد آدم، الّذي دعاهم إلى التّصديق بجميع الحقّ، فكانوا أولى بكلّ نبيٍّ من أمّته، الّذين يزعمون أنّهم على ملّته وطريقته، مع ما قد حرّفوا وبدّلوا.
ثمّ لو لم يكن شيءٌ من ذلك لكان قد نسخ اللّه بشريعته شريعة جميع الرّسل بما بعث به محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم من الدّين الحقّ، الّذي لا يغيّر ولا يبدّل إلى قيام السّاعة، ولا يزال قائمًا منصورًا ظاهرًا على كلّ دينٍ. فلهذا فتح اللّه لأصحابه مشارق الأرض ومغاربها، واحتازوا جميع الممالك، ودانت لهم جميع الدّول، وكسروا كسرى، وقصروا قيصر، وسلبوهما كنوزهما، وأنفقت في سبيل اللّه، كما أخبرهم بذلك نبيّهم عن ربّهم، عزّ وجلّ، في قوله: {وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنًا} الآية [النّور: 65] ولهذا لمّا كانوا هم المؤمنين بالمسيح حقًّا سلبوا النّصارى بلاد الشّام وأجلوهم إلى الروم، فلجؤوا إلى مدينتهم القسطنطينيّة، ولا يزال الإسلام وأهله فوقهم إلى يوم القيامة. وقد أخبر الصّادق المصدوق أمّته بأن آخرهم سيفتحون القسطنطينية، ويستفيؤون ما فيها من الأموال، ويقتلون الرّوم مقتلة عظيمةً جدًّا، لم ير النّاس مثلها ولا يرون بعدها نظيرها، وقد جمعت في هذا جزءًا مفردًا. ولهذا قال تعالى: {وجاعل الّذين اتّبعوك فوق الّذين كفروا إلى يوم القيامة ثمّ إليّ مرجعكم} أي: يوم القيامة {فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/46-48]


تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {فأمّا الّذين كفروا فأعذّبهم عذابًا شديدًا في الدّنيا والآخرة وما لهم من ناصرين} وكذلك فعل تعالى بمن كفر بالمسيح من اليهود، أو غلا فيه وأطراه من النّصارى؛ عذبهم في الدّنيا بالقتل والسّبي وأخذ الأموال وإزالة الأيدي عن الممالك، وفي الدّار الآخرة عذابهم أشدّ وأشقّ {وما لهم من اللّه من واقٍ} [الرّعد:34] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/48-49]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وأمّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات فيوفّيهم أجورهم} أي: في الدّنيا والآخرة، في الدّنيا بالنّصر والظّفر، وفي الآخرة بالجنّات العاليات {واللّه لا يحبّ الظّالمين} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/49]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {ذلك نتلوه عليك من الآيات والذّكر الحكيم} أي: هذا الّذي قصصناه عليك يا محمّد في أمر عيسى ومبدأ ميلاده وكيفيّة أمره، هو ممّا قاله اللّه تعالى، وأوحاه إليك ونزّله عليك من اللّوح المحفوظ، فلا مرية فيه ولا شكّ، كما قال تعالى في سورة مريم: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحقّ الّذي فيه يمترون. ما كان للّه أن يتّخذ من ولدٍ سبحانه إذا قضى أمرًا فإنّما يقول له كن فيكون} [مريم: 34-35] وهاهنا قال تعالى). [تفسير القرآن العظيم: 2/49]


رد مع اقتباس