عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 07:17 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: فلمّا أحسّ عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى اللّه قال الحواريّون نحن أنصار اللّه آمنّا باللّه واشهد بأنّا مسلمون (52) ربّنا آمنّا بما أنزلت واتّبعنا الرّسول فاكتبنا مع الشّاهدين (53) ومكروا ومكر اللّه واللّه خير الماكرين (54)
قبل هذه الآية متروك به يتم اتساق الآيات، تقديره، فجاء عيسى عليه السلام كما بشر الله به فقال جميع ما ذكر لبني إسرائيل، فلمّا أحسّ ومعنى أحس، علم من جهة الحواس بما سمع من أقوالهم في تكذيبه ورأى من قرائن الأحوال وشدة العداوة والإعراض يقال أحسست بالشيء وحسيت به، أصله، حسست فأبدلت إحدى السينين ياء، والكفر هو التكذيب به، وروي أنه رأى منهم إرادة قتله، فحينئذ طلب النصر، والضمير في منهم لبني إسرائيل، وقوله تعالى: قال من أنصاري إلى اللّه عبارة عن حال عيسى في طلبه من يقوم بالدين ويؤمن بالشرع ويحميه، كما كان محمد عليه السلام يعرض نفسه على القبائل ويتعرض للأحياء في المواسم، وهذه الأفعال كلها وما فيها من أقوال يعبر عنها يقال من أنصاري إلى اللّه، ولا شك أن هذه الألفاظ كانت في جملة أقواله للناس، والأنصار جمع نصير، كشهيد وأشهاد وغير ذلك، وقيل جمع ناصر، كصاحب وأصحاب وقوله: إلى اللّه يحتمل معنيين، أحدهما، من ينصرني في السبيل إلى الله؟ فتكون إلى دالة على الغاية دلالة ظاهرة على بابها، والمعنى الثاني، أن يكون التقدير من يضيف نصرته إلى نصرة الله لي؟ فيكون بمنزلة قوله ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم [النساء: 1] فإذا تأملتها وجدت فيها معنى الغاية لأنها تضمنت إضافة شيء إلى شيء، وقد عبر عنها ابن جريج والسدي بأنها بمعنى مع ونعم، إن- مع- تسد في هذه المعاني مسد «إلى» لكن ليس يباح من هذا أن يقال إن إلى بمعنى مع حتى غلط في ذلك بعض الفقهاء في تأويل قوله تعالى: وأيديكم إلى المرافق [المائدة: 6] فقال إلى بمعنى مع وهذه عجمة بل إلى في هذه الآية، غاية مجردة، وينظر هل يدخل ما بعد إلى فيما قبلها من طريق آخر، والحواريّون، قوم مر بهم عيسى عليه السلام، فدعاهم إلى نصره، واتباع ملته، فأجابوه وقاموا بذلك خير قيام، وصبروا في ذات الله، وروي أنه مر بهم وهم يصطادون السمك، واختلف الناس لم قيل لهم الحواريّون؟ فقال سعيد بن جبير، سموا بذلك لبياض ثيابهم ونقائها، وقال أبو أرطأة، سموا بذلك لأنهم كانوا قصارين يحورون الثياب، أي يبيضونها، وقال قتادة، الحواريون أصفياء الأنبياء، الذين تصلح لهم الخلافة، وقال الضحاك نحوه.
قال الفقيه الإمام أبو محمد: وهذا تقرير حال القوم، وليس بتفسير اللفظة، وعلى هذا الحد شبه النبي عليه السلام، ابن عمته بهم في قوله: وحواريّ الزبير، والأقوال الأولى هي تفسير اللفظ، إذ هي من الحور، وهو البياض، حورت الثوب بيضته ومنه الحواري، وقد تسمي العرب النساء الساكنات في الأمصار، الحواريات، لغلبة البياض عليهن، ومنه قول أبي جلدة اليشكري:
فقل للحواريات يبكين غيرنا = ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح
وحكى مكي: أن مريم دفعت عيسى عليه السلام في صغره في أعمال شتى، وكان آخر ما دفعته إلى الحواريين وهم الذين يقصرون الثياب ثم يصبغونها فأراهم آيات وصبغ لهم ألوانا شتى من ماء واحد، وقرأ
جمهور الناس «الحواريّون» بتشديد الياء، واحدهم- حواريّ- وليست بياء نسب وإنما هي كياء كرسي، وقرأ إبراهيم النخعي وأبوبكر الثقفي: «الحواريون» مخففة الياء في جميع القرآن، قال أبو الفتح: العرب تعاف ضمة الياء الخفيفة المكسور ما قبلها وتمتنع منها، ومتى جاءت في نحو قولهم، العاديون والقاضيون والساعيون أعلت بأن تستثقل الضمة فتسكن الياء وتنقل حركتها ثم تحذف لسكونها وسكون الواو بعدها فيجيء العادون ونحوه، فكان يجب على هذا أن يقال، الحوارون، لكن وجه القراءة على ضعفها أن الياء خففت استثقالا لتضعيفها وحملت الضمة دلالة على أن التشديد مراد، إذ التشديد محتمل للضمة، وهذا كما ذهب أبو الحسن في تخفيف يستهزئون إلى أن أخلص الهمزة ياء البتة وحملها الضمة تذكر الحال المرادة فيها.
وقول الحواريين: واشهد يحتمل أن يكون خطابا لعيسى عليه السلام، أي اشهد لنا عند الله، ويحتمل أن يكون خطابا لله تعالى كما تقول: أنا أشهد الله على كذا، إذا عزمت وبالغت في الالتزام، ومنه قول النبي عليه السلام في حجة الوداع: اللهم اشهد، قال الطبري: وفي هذه الآية توبيخ لنصارى نجران، أي هذه مقالة الأسلاف المؤمنين بعيسى، لا ما تقولونه أنتم، يا من يدعي له الألوهية). [المحرر الوجيز: 2/233-235]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقولهم: ربّنا آمنّا بما أنزلت يريدون الإنجيل وآيات عيسى، والرّسول عيسى عليه السلام، وقولهم: فاكتبنا مع الشّاهدين عبارة عن الرغبة في أن يكونوا عنده في عداد من شهد بالحق من مؤمني الأمم، ولما كان البشر يقيد ما يحتاج إلى علمه وتحقيقه في ثاني حال بالكتاب، عبروا عن فعل الله بهم ذلك وقال ابن عباس: قولهم مع الشّاهدين معناه اجعلنا من أمة محمد عليه السلام في أن نكون ممن يشهد على الناس). [المحرر الوجيز: 2/235-236]


تفسير قوله تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أخبر تعالى عن بني إسرائيل الكافرين بعيسى فقال: ومكروا يريد تحيلهم في أخذ عيسى للقتل بزعمهم، ويروى أنهم تحيلوا له، وأذكوا عليه العيون حتى دخل هو والحواريون بيتا فأخذوهم فيه، فهذا مكر بني إسرائيل، وجازاهم الله تعالى بأن طرح شبه عيسى على أحد الحواريين ورفع عيسى، وأعقب بني إسرائيل مذلة وهوانا في الدنيا والآخرة، فهذه العقوبة هي التي سماها الله مكرا في قوله ومكر اللّه وهذا مهيع أن تسمى العقوبة باسم الذنب وإن لم تكن في معناه، وعلى هذا فسر جمهور المفسرين الآية، وعلى أن عيسى قال للحواريين: من يصبر فيلقى عليه شبهي فيقتل وله الجنة؟ فقال أحدهم- أنا- فكان ذلك، وروى قوم أن بني إسرائيل دست يهوديا جاسوسا على عيسى حتى صحبه ودلهم عليه ودخل معه البيت فلما أحيط بهم ألقى الله شبه عيسى على ذلك الرجل اليهودي فأخذ وصلب، فهذا معنى قوله: ومكروا ومكر اللّه وهذه أيضا تسمية عقوبة باسم الذنب، والمكر في اللغة، السعي على الإنسان دون أن يظهر له ذلك، بل أن يبطن الماكر ضد ما يبدي، وقوله واللّه خير الماكرين معناه في أنه فاعل في حق في ذلك، والماكر من البشر فاعل باطل في الأغلب، لأنه في الأباطيل يحتاج إلى التحيل، والله سبحانه أشد بطشا وأنفذ إرادة، فهو خير من جهات لا تحصى، لا إله إلا هو، وذكر حصر عيسى عليه السلام، وعدة أصحابه به وأمر الشبه وغير ذلك من أمره سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى). [المحرر الوجيز: 2/236]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: إذ قال اللّه يا عيسى إنّي متوفّيك ورافعك إليّ ومطهّرك من الّذين كفروا وجاعل الّذين اتّبعوك فوق الّذين كفروا إلى يوم القيامة ثمّ إليّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون (55) فأمّا الّذين كفروا فأعذّبهم عذاباً شديداً في الدّنيا والآخرة وما لهم من ناصرين (56) وأمّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات فيوفّيهم أجورهم واللّه لا يحبّ الظّالمين (57)
قال الطبري: العامل في إذ قوله تعالى ومكر اللّه [آل عمران: 54] وقال غيره من النحاة: العامل فعل مضمر تقديره اذكر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا هو الأصوب، وهذا القول هو بواسطة الملك لأن عيسى ليس بمكلم، و «عيسى» اسم أعجمي معرف فلذلك لا ينصرف وهو بالسريانية- ايسوع- عدلته العرب إلى «عيسى»، واختلف المفسرون في هذا التوفي، فقال الربيع: هي وفاة نوم، رفعه الله في منامه، وقال الحسن وابن جريج ومطر الوراق ومحمد بن جعفر بن الزبير وجماعة من العلماء: المعنى أني قابضك من الأرض، ومحصنك أني مميتك، هذا لفظ ابن عباس ولم يفسر، فقال وهب بن منبه: توفاه الله بالموت ثلاث ساعات ورفعه فيها ثم أحياه الله بعد ذلك، عنده في السماء وفي بعض الكتب، سبع ساعات، وقال الفراء: هي وفاة موت ولكن المعنى، إنّي متوفّيك في آخر أمرك عند نزولك وقتلك الدجال، ففي الكلام تقديم وتأخير، وقال مالك في جامع العتبية: مات عيسى وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، ووقع في كتاب مكي عن قوم: أن معنى متوفّيك متقبل عملك، وهذا ضعيف من جهة اللفظ.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وأجمعت الأمة على ما تضمنه الحديث المتواتر من أن عيسى عليه السلام في السماء حي، وأنه ينزل في آخر الزمان فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويقتل الدجال ويفيض العدل ويظهر هذه الملة ملة محمد ويحج البيت ويعتمر، ويبقى في الأرض أربعا وعشرين سنة، وقيل أربعين سنة، ثم يميته الله تعالى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فقول ابن عباس رضي الله عنه: هي وفاة موت لا بد أن يتمم، إما على قول وهب بن منبه، وإما على قول الفراء، وقوله تعالى: ورافعك إليّ عبارة عن نقله إلى علو من سفل وقوله إليّ إضافة تشريف لما كانت سماءه والجهة المكرمة المعظمة المرجوة، وإلا فمعلوم أن الله تعالى غير متحيز في جهة، وقوله تعالى: ومطهّرك حقيقة التطهير إنما هي من دنس ونحوه، واستعمل ذلك في السب والدعاوى والآثام وخلطة الشرار ومعاشرتهم، تشبيها لذلك كله بالأدناس، فطهر الله العظيم عيسى من دعاوى الكفرة ومعاشرتهم القبيحة له، وقوله تعالى: وجاعل اسم فاعل للاستقبال، وحذف تنوينه تخفيفا، وهو متعد إلى مفعولين، لأنه بمعنى مصيّر فأحدهما الّذين والآخر في قوله: فوق الّذين كفروا وقال ابن زيد: الذين اتبعوه هم النصارى والذين كفروا هم اليهود، والآية مخبرة عن إذلال اليهود وعقوبتهم بأن النصارى فوقهم في جميع أقطار الأرض إلى يوم القيامة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فخصص ابن زيد المتبعين والكافرين وجعله حكما دنيويا لا فضيلة فيه للمتبعين الكفار منهم بل كونهم فوق اليهود عقوبة لليهود فقط، وقال جمهور المفسرين بعموم اللفظ في المتبعين فيدخل في ذلك أمة محمد لأنها متبعة لعيسى، نص على ذلك قتادة وغيره، وكذلك قالوا بعموم اللفظ في الكافرين، فمقتضى الآية إعلام عيسى عليه السلام أن أهل الإيمان به كما يجب هم فوق الذين كفروا بالحجة والبرهان وبالعزة والغلبة، ويظهر من قول ابن جريج وغيره أن المراد المتبعون له في وقت استنصاره وهم الحواريون جعلهم الله فوق الكافرين لأنه شرفهم وأبقى لهم في الصالحين ذكرا، فهم فوقهم بالحجة والبرهان، وما ظهر عليهم من أمارات رضوان الله، وقوله تعالى ثمّ إليّ مرجعكم الخطاب لعيسى، والمراد الإخبار بالقيامة والحشر فلذلك جاء اللفظ عاما من حيث الأمر في نفسه لا يخص عيسى وحده فكأنه قال له: ثمّ إليّ، أي إلى حكمي وعدلي، يرجع الناس، فخاطبه كما تخاطب الجماعة إذ هو أحدها، وإذ هي مرادة في المعنى، وفي قوله تعالى: فأحكم إلى آخر الآية، وعد لعيسى والمؤمنين ووعيد للكافرين). [المحرر الوجيز: 2/237-239]

تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: فأمّا الّذين كفروا الآية، إخبار بما يجعل عليه حالهم من أول أمرهم وليس بإخبار عما يفعل بعد يوم القيامة، لأنه قد ذكر الدنيا وهي قبل، وإنما المعنى، فأما الكافرون فالصنع بهم أنهم يعذبون عذاباً شديداً في الدّنيا بالأسر والقتل والجزية والذل، ولم ينله منهم فهو تحت خوفه إذ يعلم أن شرع الإسلام طالب له بذلك، وقد أبرز الوجود هذا، وفي الآخرة معناه، بعذاب النار). [المحرر الوجيز: 2/239]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم ذكر قسم الإيمان وقرن به الأعمال الصالحات تنبيها على درجة الكمال ودعاء إليها، وقرأ حفص عن عاصم «فيوفيهم» بالياء على الغيبة، والفعل مسند إلى الله تعالى، وقرأ الباقون وأبوبكر عن عاصم «فنوفيهم» بالنون، وهي نون العظمة، وتوفية الأجور هي قسم المنازل في الجنة فذلك هو بحسب الأعمال، وأما نفس دخول الجنة فبرحمة الله وبفضله، وتقدم نظير قوله واللّه لا يحبّ الظّالمين في قوله قبل فإن تولّوا فإنّ اللّه لا يحبّ الكافرين [آل عمران: 32]). [المحرر الوجيز: 2/239]


تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ذلك نتلوه عليك من الآيات والذّكر الحكيم (58) إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون (59) الحقّ من ربّك فلا تكن من الممترين (60) فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنت اللّه على الكاذبين (61)
ذلك رفع بالابتداء والإشارة به إلى ما تقدم من الأنباء، ونتلوه عليك خبر ابتداء وقوله من الآيات لبيان الجنس، ويجوز أن تكون للتبعيض، ويصح أن يكون نتلوه عليك حالا ويكون الخبر في قوله من الآيات وعلى قول الكوفيين يكون قوله نتلوه صلة لذلك، على حد قولهم في بيت ابن مفرغ الحميري:
... ... ... ... = وهذا تحملين طليق
ويكون الخبر في قوله: من الآيات، وقول البصريين في البيت أن تحملين حال التقدير، وهذا محمولا، ونتلوه معناه نسرده، ومن الآيات ظاهره آيات القرآن، ويحتمل أن يريد بقوله من الآيات من المعجزات والمستغربات أن تأتيهم بهذه الغيوب من قبلنا، وبسبب تلاوتنا وأنت أمي لا تقرأ، ولست ممن أصحب أهل الكتاب، فالمعنى أنها آيات لنبوتك، وهذا الاحتمال إنما يتمكن مع كون نتلوه حالا، والذّكر ما ينزل من عند الله، والحكيم يجوز أن يتأول بمعنى المحكم، فهو فعيل بمعنى مفعول، ويصح أن يتأول بمعنى مصرح بالحكمة، فيكون بناء اسم الفاعل، قال ابن عباس، الذّكر القرآن، والحكيم الذي قد كمل في حكمته). [المحرر الوجيز: 2/239-240]


رد مع اقتباس