عرض مشاركة واحدة
  #72  
قديم 30 محرم 1439هـ/20-10-2017م, 11:45 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفسير قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)}

معنى {الحمد لله}

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (معنى {الحمد لله}
الحمد هو ذكر محاسن المحمود عن رضا ومحبة.

والتعريف في الحمد له معنيان:
المعنى الأول: استغراق الجنس، أي كلّ حمد فالله هو المستحقّ له، فكلّ ما في الكون مما يستحقّ الحمد؛ فإنما الحمد فيه لله تعالى حقيقة لأنه إنما كان منه وبه.
والمعنى الثاني: التمام والكمال، أي الحمد التامّ الكامل من كلّ وجه وبكلّ اعتبار لله تعالى وحده؛ فهو المختصّ به؛ فالله تعالى لا يكون إلا محموداً على كلّ حال، وفي كلّ وقت، ومن كلّ وجه، وبكلّ اعتبار.
- فهو تعالى محمود على كلّ ما اتّصف به من صفات الكمال والجلال والجمال.
- وهو محمود في جميع أمره.
- وهو محمود على كلّ ما خلق وقضى وقدّر.
فملأ حمدُه تعالى كلَّ شيء؛ {وإن من شيء إلا يُسبّح بحمده}.
والله تعالى له الحمد بالمعنيين كليهما.
والفرق بين معنَيَيِ التعريف في الحمد: أن المعنى الأول يشتمل على أنواع كثيرة؛ فمنها ما يختص بالله تعالى، ومنها ما يقع اسم الحمد فيه على بعض ما يُحمد به بعض خلقه، ومن ذلك ما يُحمد به بعضهم على ما جبَلَهم الله عليه من صفات حسنة، وعلى ما وفَّقهم إليه من أعمال خير وإحسان، فحَمْدُهم إنما هو بسبب حمده تعالى، وهو أثر من آثاره، وهذا نظير ما يتّصف به بعض المخلوقين من العلم والرحمة والحكمة وغير ذلك؛ فكلّ ما اتصفوا به من هذه الصفات فهو من آثار علم الله ورحمته وحكمته، ويقال في سائر المعاني التي تطلق ألفاظها على الربّ تعالى وعلى بعض خلقه مثل ذلك.
وقد سمَّى الله تعالى نبيّه محمَّداً صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم، لكثرة الصفات التي يُحمد عليها، فاتّصاف بعض المخلوقين بكونهم محمودين على بعض صفاتهم وأفعالهم هو كمثل اتّصافهم بالرحمة والعلم ونحوهما؛ يكون للمخلوقين من ذلك ما يُناسبهم، لكن نسبة حمدهم إلى حمده جلَّ وعلا كنسبة علمهم إلى علمه، ورحمتهم إلى رحمته.
فعلى المعنى الأول كلّ حمدٍ حقيقته أنه لله تعالى لأنه هو المانّ به، وهو من آثار حمده، فما أَعْطَى أحدٌ من خلقهِ شيئاً يُحمدُ عليه إلا مما أعطاه الله، ولا اتّصف أحدٌ من خلق الله بصفة يُحمد عليها إلا لأنَّ الله تعالى هو الذي جبله عليها وخلقه على تلك الصفة، ووفّقه لما اتصف به من السجايا والأخلاق الحميدة.
وأمّا الحمد على المعنى الثاني فهو مختصٌّ بالله تعالى لا يُطلق على غيره؛ لأنَّ معناه الحمد التامّ المطلق الذي لا يشوبه نقص ولا انقطاع، ولا تخلو منه ذرَّة من ذرَّات الكون؛ وقد قال الله تعالى: {وإن من شيء إلا يسبّح بحمده}، واقتران التسبيح بالحمد؛ لإفادة معنى التعظيم والتنزيه مع الحمد المشتمل على الحبّ والرضا.

فائدة: في أنواع التعريف بـ(ال).
ومما ينبغي لطالب علم التفسير معرفته أن التعريف بـ(ال) يرد لمعانٍ متعددة:
1.
منها استغراق الجنس كما في قول الله تعالى: {إن الإنسان لفي خسر} أي: كلّ إنسان.
2. ومنها: الكمال والتمام كما في قول الله تعالى: {أولئك هم المؤمنون حقاً} وقوله: {لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون}.
3. ومنها: الأولوية، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الحمو الموت» ، وقوله: «ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن به، فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس».
4. ومنها: العهد، والمراد به ما يعهده المخاطَب ويعرفه، وهو على ثلاثة أنواع:
أ: عهد حضوري، نحو: {ولا تقربا هذه الشجرة} فهي شجرة يعهدها آدم ويعرفها بمقتضى الإشارة إليها.
ب: وعهد ذِكْري: نحو: {كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً . فعصى فرعون الرسول} أي الرسول الذي ذُكر في الآية التي قبلها.
ج: وعهد ذهني: وهو ما يعهده المخاطب في ذهنه لظهور العلم به نحو: {إن الذين جاؤوا بالإفك} المراد به القصة التي عرفوها فهي معهودة لهم في أذهانهم.
ومعرفة هذه الأنواع من مهمّات ما يحتاجه طالب علم التفسير، وكثيرا ما يكون مرجع الاختلاف بين أقوال المفسرين لاختلافهم في معنى التعريف.
ويقع بين هذه المعاني شيء من التداخل في بعض الأمثلة، ولها تفاصيل وأحكام تُبحث في علم أصول التفسير، وعلم معاني الحروف). [تفسير سورة الفاتحة:150 - 153]


رد مع اقتباس