عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 27 ذو القعدة 1439هـ/8-08-2018م, 07:59 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أفمن يعلم أنّما أنزل إليك من ربّك الحقّ كمن هو أعمى إنّما يتذكّر أولو الألباب (19)}
يقول تعالى: لا يستوي من يعلم من النّاس أنّ الّذي {أنزل إليك} يا محمّد {من ربّك} هو {الحقّ} أي: الّذي لا شكّ فيه ولا مرية ولا لبس فيه ولا اختلاف فيه، بل هو كلّه حقٌّ يصدّق بعضه بعضًا، لا يضادّ شيءٌ منه شيئًا آخر، فأخباره كلّها حقٌّ، وأوامره ونواهيه عدلٌ، كما قال تعالى: {وتمّت كلمة ربّك صدقًا وعدلا} [الأنعام: 115] أي: صدقًا في الأخبار، وعدلًا في الطّلب، فلا يستوي من تحقّق صدق ما جئت به يا محمّد، ومن هو أعمى لا يهتدي إلى خيرٍ ولا يفهمه، ولو فهمه ما انقاد له، ولا صدّقه ولا اتّبعه، كما قال تعالى: {لا يستوي أصحاب النّار وأصحاب الجنّة أصحاب الجنّة هم الفائزون} [الحشر: 20] وقال في هذه الآية الكريمة: {أفمن يعلم أنّما أنزل إليك من ربّك الحقّ كمن هو أعمى} أي: أفهذا كهذا؟ لا استواء.
وقوله: {إنّما يتذكّر أولو الألباب} أي: إنّما يتّعظ ويعتبر ويعقل أولو العقول السّليمة الصّحيحة جعلنا اللّه منهم [بفضله وكرمه]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 449-450]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({الّذين يوفون بعهد اللّه ولا ينقضون الميثاق (20) والّذين يصلون ما أمر اللّه به أن يوصل ويخشون ربّهم ويخافون سوء الحساب (21) والّذين صبروا ابتغاء وجه ربّهم وأقاموا الصّلاة وأنفقوا ممّا رزقناهم سرًّا وعلانيةً ويدرءون بالحسنة السّيّئة أولئك لهم عقبى الدّار (22) جنّات عدنٍ يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرّيّاتهم والملائكة يدخلون عليهم من كلّ بابٍ (23) سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدّار (24)}
يقول تعالى مخبرًا عمّن اتّصف بهذه الصّفات الحميدة، بأنّ لهم {عقبى الدّار} وهي العاقبة والنّصرة في الدّنيا والآخرة.
{الّذين يوفون بعهد اللّه ولا ينقضون الميثاق} وليسوا كالمنافقين الّذين إذا عاهد أحدهم غدر، وإذا خاصم فجر، وإذا حدّث كذب، وإذا ائتمن خان). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 450]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والّذين يصلون ما أمر اللّه به أن يوصل} من صلة الأرحام، والإحسان إليهم وإلى الفقراء والمحاويج، وبذل المعروف، {ويخشون ربّهم} أي: فيما يأتون وما يذرون من الأعمال، يراقبون اللّه في ذلك، ويخافون سوء الحساب في الدّار الآخرة. فلهذا أمرهم على السّداد والاستقامة في جميع حركاتهم وسكناتهم وجميع أحوالهم القاصرة والمتعدّية). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 450]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والّذين صبروا ابتغاء وجه ربّهم} أي: عن المحارم والمآثم، ففطموا نفوسهم عن ذلك للّه عزّ وجلّ؛ ابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه {وأقاموا الصّلاة} بحدودها ومواقيتها وركوعها وسجودها وخشوعها على الوجه الشّرعيّ المرضي، {وأنفقوا ممّا رزقناهم} أي: على الّذين يجب عليهم الإنفاق لهم من زوجاتٍ وقراباتٍ وأجانب، من فقراء ومحاويج ومساكين، {سرًّا وعلانيةً} أي: في السّرّ والجهر، لم يمنعهم من ذلك حالٌ من الأحوال، في آناء اللّيل وأطراف النّهار، {ويدرءون بالحسنة السّيّئة} أي: يدفعون القبيح بالحسن، فإذا آذاهم أحدٌ قابلوه بالجميل صبرًا واحتمالًا وصفحًا وعفوًا، كما قال تعالى: {ادفع بالّتي هي أحسن فإذا الّذي بينك وبينه عداوةٌ كأنّه وليٌّ حميمٌ وما يلقّاها إلا الّذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظٍّ عظيمٍ} [فصّلت: 34، 35]؛ ولهذا قال مخبرًا عن هؤلاء السّعداء المتّصفين بهذه الصّفات الحسنة بأنّ لهم عقبى الدّار، ثمّ فسّر ذلك بقوله: {جنّات عدنٍ} والعدن: الإقامة، أي: جنّات إقامةٍ يخلدون فيها.
وعن عبد اللّه بن عمرٍو أنّه قال: إنّ في الجنّة قصرًا يقال له: "عدنٌ"، حوله البروج والمروج، فيه خمسة آلاف بابٍ، على كلّ بابٍ خمسة آلاف حبرة لا يدخله إلّا نبيٌّ أو صدّيقٌ أو شهيدٌ.
وقال الضّحّاك في قوله: {جنّات عدنٍ} مدينة الجنّة، فيها الرّسل والأنبياء والشّهداء وأئمّة الهدى، والنّاس حولهم بعد والجنّات حولها. رواهما ابن جريرٍ.
وقوله: {ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرّيّاتهم} أي: يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء والأهلين والأبناء، ممّن هو صالحٌ لدخول الجنّة من المؤمنين؛ لتقرّ أعينهم بهم، حتّى إنّه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى، من غير تنقيصٍ لذلك الأعلى عن درجته، بل امتنانًا من اللّه وإحسانًا، كما قال تعالى: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كلّ امرئٍ بما كسب رهينٌ} [الطّور: 21].
وقوله: {والملائكة يدخلون عليهم من كلّ بابٍ سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدّار} أي: وتدخل عليهم الملائكة من هاهنا وهاهنا للتّهنئة بدخول الجنّة، فعند دخولهم إيّاها تفد عليهم الملائكة مسلّمين مهنّئين لهم بما حصل لهم من اللّه من التّقريب والإنعام، والإقامة في دار السّلام، في جوار الصّدّيقين والأنبياء والرّسل الكرام.
وقال الإمام أحمد، رحمه اللّه: حدّثنا أبو عبد الرّحمن، حدّثني سعيد بن أبي أيّوب، حدّثنا معروف بن سويد الجذاميّ عن أبي عشّانة المعافريّ، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، رضي اللّه عنهما عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "هل تدرون أوّل من يدخل الجنّة من خلق اللّه؟ " قالوا: اللّه ورسوله أعلم. قال: "أوّل من يدخل الجنّة من خلق اللّه الفقراء المهاجرون الذين تسدّ بهم الثغور، وتتّقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاءً، فيقول اللّه تعالى لمن يشاء من ملائكته: ائتوهم فحيّوهم. فتقول الملائكة: نحن سكّان سمائك، وخيرتك من خلقك، أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلّم عليهم؟ قال: إنّهم كانوا عبادًا يعبدونني لا يشركون بي شيئًا، وتسد بهم الثّغور، وتتّقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره فلا يستطيع لها قضاءً". قال: "فتأتيهم الملائكة عند ذلك، فيدخلون عليهم من كلّ بابٍ، {سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدّار}
ورواه أبو القاسم الطّبرانيّ، عن أحمد بن رشدين، عن أحمد بن صالحٍ، عن عبد اللّه بن وهبٍ، عن عمرو بن الحارث، عن أبي عشّانة سمع عبد اللّه بن عمرٍو، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلم قال: "أوّل ثلّةٍ يدخلون الجنّة فقراء المهاجرين، الّذين تتّقى بهم المكاره، وإذا أمروا سمعوا وأطاعوا، وإن كانت لرجلٍ منهم حاجةٌ إلى سلطانٍ لم تقض حتّى يموت وهي في صدره، وإنّ اللّه يدعو يوم القيامة الجنّة فتأتي بزخرفها وزينتها، فيقول: أين عبادي الّذين قاتلوا في سبيلي، وأوذوا في سبيلي، وجاهدوا في سبيلي؟ ادخلوا الجنّة بغير عذابٍ ولا حسابٍ، وتأتي الملائكة فيسجدون ويقولون: ربّنا نحن نسبّحك اللّيل والنّهار، ونقدس لك، من هؤلاء الّذين آثرتهم علينا؟ فيقول الرّبّ عزّ وجلّ: هؤلاء عبادي الّذين جاهدوا في سبيلي، وأوذوا في سبيلي فتدخل عليهم الملائكة من كلّ بابٍ: {سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدّار}
وقال عبد اللّه بن المبارك، عن بقيّة بن الوليد، حدّثنا أرطاة بن المنذر، سمعت رجلًا من مشيخة الجند، يقال له "أبو الحجّاج" يقول: جلست إلى أبي أمامة فقال: إنّ المؤمن ليكون متّكئًا على أريكته إذا دخل الجنّة، وعنده سماطان من خدمٍ، وعند طرف السّماطين بابٌ مبوّبٌ، فيقبل الملك فيستأذن، فيقول [أقصى الخدم] للّذي يليه: "ملك يستأذن"، ويقول الّذي يليه للّذي يليه: "ملكٌ يستأذن"، حتّى يبلغ المؤمن فيقول: ائذنوا. فيقول أقربهم إلى المؤمن: ائذنوا، ويقول الّذي يليه للّذي يليه: ائذنوا حتّى يبلغ أقصاهم الّذي عند الباب، فيفتح له، فيدخل فيسلّم ثمّ ينصرف. رواه ابن جريرٍ.
ورواه ابن أبي حاتمٍ من حديث إسماعيل بن عيّاشٍ، عن أرطاة بن المنذر، عن أبي الحجاج يوسف الألهانيّ قال: سمعت أبا أمامة، فذكر نحوه.
وقد جاء في الحديث: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يزور قبور الشّهداء في رأس كلّ حولٍ، فيقول لهم: {سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدّار} وكذا أبو بكرٍ، وعمر وعثمان). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 450-453]

رد مع اقتباس