عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 29 ذو الحجة 1439هـ/9-09-2018م, 04:38 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله [تعالى] {وإمّا تعرضنّ عنهم ابتغاء رحمةٍ من ربّك ترجوها فقل لهم قولا ميسورًا} أي: وإذا سألك أقاربك ومن أمرنا بإعطائهم وليس عندك شيءٌ، وأعرضت عنهم لفقد النّفقة {فقل لهم قولا ميسورًا} أي: عدهم وعدًا بسهولةٍ، ولينٍ إذا جاء رزق اللّه فسنصلكم إن شاء اللّه، هكذا فسّر قوله {فقل لهم قولا ميسورًا} بالوعد: مجاهدٍ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، والحسن، وقتادة وغير واحد).[تفسير القرآن العظيم: 5/ 69]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كلّ البسط فتقعد ملومًا محسورًا (29) إنّ ربّك يبسط الرّزق لمن يشاء ويقدر إنّه كان بعباده خبيرًا بصيرًا (30)}.
يقول تعالى آمرًا بالاقتصاد في العيش ذامًّا للبخل ناهيًا عن السّرف: {ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك} أي: لا تكن بخيلًا منوعًا، لا تعطي أحدًا شيئًا، كما قالت اليهود عليهم لعائن اللّه: {يد اللّه مغلولةٌ} [المائدة: 64] أي نسبوه إلى البخل، تعالى وتقدّس الكريم الوهّاب.
وقوله: {ولا تبسطها كلّ البسط} أي: ولا تسرف في الإنفاق فتعطي فوق طاقتك، وتخرج أكثر من دخلك، فتقعد ملومًا محسورًا.
وهذا من باب اللّفّ والنّشر أي: فتقعد إن بخلت ملومًا، يلومك النّاس ويذمّونك ويستغنون عنك كما قال زهير بن أبي سلمى في المعلّقة:
ومن كان ذا مالٍ ويبخل بماله = على قومه يستغن عنه ويذمم
ومتى بسطت يدك فوق طاقتك، قعدت بلا شيءٍ تنفقه، فتكون كالحسير، وهو: الدّابّة الّتي قد عجزت عن السّير، فوقفت ضعفًا وعجزًا فإنّها تسمّى الحسير، وهو مأخوذٌ من الكلال، كما قال تعالى: {فارجع البصر هل ترى من فطورٍ ثمّ ارجع البصر كرّتين ينقلب إليك البصر خاسئًا وهو حسيرٌ} [الملك: 3، 4] أي: كليلٌ عن أن يرى عيبًا. هكذا فسّر هذه الآية -بأنّ المراد هنا البخل والسّرف -ابن عبّاسٍ والحسن وقتادة وابن جريجٍ وابن زيدٍ وغيرهم.
وقد جاء في الصّحيحين، من حديث أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة؛ أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "مثل البخيل والمنفق، كمثل رجلين عليهما جبّتان من حديدٍ من ثدييهما إلى تراقيهما. فأمّا المنفق فلا ينفق إلّا سبغت -أو: وفرت - على جلده، حتّى تخفي بنانه وتعفو أثره. وأمّا البخيل فلا يريد أن ينفق شيئًا إلّا لزقت كلّ حلقةٍ مكانها، فهو يوسّعها فلا تتّسع".
هذا لفظ البخاريّ في الزّكاة.
وفي الصّحيحين من طريق هشام بن عروة، عن زوجته فاطمة بنت المنذر، عن جدّتها أسماء بنت أبي بكرٍ قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أنفقي هكذا وهكذا وهكذا، ولا توعي فيوعي اللّه عليك، ولا توكي فيوكي اللّه عليك" وفي لفظٍ: "ولا تحصي فيحصي اللّه عليك".
وفي صحيح مسلمٍ من طريق عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن همّامٍ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ اللّه قال لي: أنفق أنفق عليك".
وفي الصّحيحين من طريق معاوية بن أبي مزرّد، عن سعيد بن يسارٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما من يومٍ يصبح العباد فيه إلّا وملكان ينزلان من السّماء يقول أحدهما: اللّهمّ أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللّهمّ أعط ممسكًا تلفًا".
وروى مسلمٌ، عن قتيبة، عن إسماعيل بن جعفرٍ، عن العلاء عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا: "ما نقص مالٌ من صدقةٍ، وما زاد اللّه عبدًا بعفوٍ إلّا عزًّا ومن تواضع للّه رفعه اللّه".
وفي حديث أبي كثيرٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو مرفوعًا: "إيّاكم والشّح، فإنّه أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا".
وروى البيهقيّ من طريق سعدان بن نصرٍ، عن أبي معاوية، عن الأعمش، [عن ابن بريدة] عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما يخرج رجلٌ صدقةً، حتّى يفكّ لحيى سبعين شيطانًا".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو عبيدة الحدّاد، حدّثنا سكين بن عبد العزيز، حدّثنا إبراهيم الهجريّ، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه بن مسعوده قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما عال من اقتصد"). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 70-71]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله [تعالى] {إنّ ربّك يبسط الرّزق لمن يشاء ويقدر} إخبارٌ أنّه تعالى هو الرّزّاق، القابض الباسط، المتصرّف في خلقه بما يشاء، فيغني من يشاء، ويفقر من يشاء، بما له في ذلك من الحكمة؛ ولهذا قال: {إنّه كان بعباده خبيرًا بصيرًا} أي: خبيرٌ بصيرٌ بمن يستحقّ الغنى ومن يستحقّ الفقر، كما جاء في الحديث: "إنّ من عبادي من لا يصلحه إلّا الفقر، ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه، وإنّ من عبادي لمن لا يصلحه إلّا الغنى، ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه".
وقد يكون الغنى في حقّ بعض النّاس استدراجًا، والفقر عقوبةً عياذًا باللّه من هذا وهذا). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 71]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاقٍ نحن نرزقهم وإيّاكم إنّ قتلهم كان خطئًا كبيرًا (31)}
هذه الآية الكريمة دالّةٌ على أنّ اللّه تعالى أرحم بعباده من الوالد بولده؛ لأنّه ينهى [تعالى] عن قتل الأولاد، كما أوصى بالأولاد في الميراث، وكان أهل الجاهليّة لا يورّثون البنات، بل كان أحدهم ربّما قتل ابنته لئلّا تكثر عيلته، فنهى اللّه [تعالى] عن ذلك فقال: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاقٍ} أي: خوف أن تفتقروا في ثاني الحال؛ ولهذا قدّم الاهتمام برزقهم فقال: {نحن نرزقهم وإيّاكم} وفي الأنعام {ولا تقتلوا أولادكم من إملاقٍ} أي: من فقرٍ {نحن نرزقكم وإيّاهم} [الأنعام: 151].
وقوله: {إنّ قتلهم كان خطئًا كبيرًا} أي: ذنبًا عظيمًا.
وقرأ بعضهم: "كان خطأً كبيرًا" وهو بمعناه.
وفي الصّحيحين عن عبد اللّه بن مسعودٍ: قلت: يا رسول اللّه، أيّ الذّنب أعظم؟ قال: "أن تجعل للّه ندًّا وهو خلقك". قلت:ثمّ أيّ؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك". قلت: ثمّ أيّ؟ قال: "أن تزاني بحليلة جارك"). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 71-72]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولا تقربوا الزّنا إنّه كان فاحشةً وساء سبيلا (32)}.
يقول تعالى ناهيًا عباده عن الزّنا وعن مقاربته، وهو مخالطة أسبابه ودواعيه {ولا تقربوا الزّنا إنّه كان فاحشةً} أي: ذنبًا عظيمًا {وساء سبيلا} أي: وبئس طريقًا ومسلكًا.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا جريرٌ، حدّثنا سليم بن عامرٍ، عن أبي أمامة قال: إنّ فتًى شابًّا أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، ائذن لي بالزّنا. فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مًه مه. فقال: "ادنه". فدنا منه قريبًا فقال اجلس". فجلس، قال: "أتحبّه لأمّك؟ " قال: لا واللّه، جعلني اللّه فداك. قال: "ولا النّاس يحبّونه لأمّهاتهم". قال: "أفتحبّه لابنتك"؟ قال: لا واللّه يا رسول اللّه، جعلني اللّه فداك. قال: "ولا النّاس يحبّونه لبناتهم"، قال: "أتحبّه لأختك"؟ قال: لا واللّه، جعلني اللّه فداك. قال: "ولا النّاس يحبّونه لأخواتهم"، قال: "أفتحبّه لعمّتك"؟ قال: لا واللّه جعلني اللّه فداك. قال: "ولا النّاس يحبّونه لعمّاتهم" قال: "أفتحبّه لخالتك"؟ قال: لا واللّه، جعلني اللّه فداك. قال: "ولا النّاس يحبّونه لخالاتهم" قال: فوضع يده عليه وقال: "اللّهمّ اغفر ذنبه وطهّر قلبه وحصّن فرجه" قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيءٍ.
وقال ابن أبي الدّنيا: حدّثنا عمّار بن نصرٍ، حدّثنا بقيّة، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن الهيثم بن مالك الطائي، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ما من ذنبٍ بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجلٌ في رحمٍ لا يحلّ له"). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 72-73]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ومن قتل مظلومًا فقد جعلنا لوليّه سلطانًا فلا يسرف في القتل إنّه كان منصورًا (33)}
يقول تعالى ناهيًا عن قتل النّفس بغير حقٍّ شرعيٍّ، كما ثبت في الصّحيحين؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لا يحلّ دم امرئٍ مسلمٍ يشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدًا رسول اللّه إلّا بإحدى ثلاثٍ: النّفس بالنّفس، والزّاني المحصن، والتّارك لدينه المفارق للجماعة".
وفي السّنن: "لزوال الدّنيا أهون عند اللّه من قتل مسلمٍ ".
وقوله: {ومن قتل مظلومًا فقد جعلنا لوليّه سلطانًا} أي: سلطةً على القاتل، فإنّه بالخيار فيه إن شاء قتله قودًا، وإن شاء عفا عنه على الدّية، وإن شاء عفا عنه مجّانًا، كما ثبتت السّنّة بذلك. وقد أخذ الإمام الحبر ابن عبّاسٍ من عموم هذه الآية الكريمة ولاية معاوية السّلطنة، وأنّه سيملك؛ لأنّه كان وليّ عثمان، وقد قتل عثمان مظلومًا، رضي اللّه عنه، وكان معاوية يطالب عليًّا، رضي اللّه عنه، أن يسلمه قتلته حتّى يقتصّ منهم؛ لأنّه أمويٌّ، وكان عليٌّ، رضي اللّه عنه، يستمهله في الأمر حتّى يتمكّن ويفعل ذلك، ويطلب عليٌّ من معاوية أن يسلمه الشّام فيأبى معاوية ذلك حتّى يسلمه القتلة، وأبى أن يبايع عليًّا هو وأهل الشّام، ثمّ مع المطاولة تمكّن معاوية وصار الأمر إليه كما تفاءل ابن عبّاسٍ واستنبط من هذه الآية الكريمة. وهذا من الأمر العجب وقد روى ذلك الطّبرانيّ في معجمه حيث قال:
حدّثنا يحيى بن عبد الباقي، حدّثنا أبو عمير بن النّحّاس، حدّثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذبٍ، عن مطرٍ الورّاق، عن زهدم الجرمي قال: كنّا في سمر ابن عبّاسٍ فقال: إنّي محدّثكم حديثًا ليس بسرٍّ ولا علانيةٍ؛ إنّه لمّا كان من أمر هذا الرّجل ما كان -يعني عثمان -قلت لعليٍّ: اعتزل فلو كنت في جحرٍ طلبت حتّى تستخرج، فعصاني، وايم اللّه ليتأمّرنّ عليكم معاوية، وذلك أنّ اللّه تعالى يقول: {ومن قتل مظلومًا فقد جعلنا لوليّه سلطانًا فلا يسرف في القتل} الآية وليحملنّكم قريشٌ على سنّة فارس والرّوم وليقيمنّ عليكم النّصارى واليهود والمجوس، فمن أخذ منكم يومئذٍ بما يعرف نجا، ومن ترك وأنتم تاركون، كنتم كقرنٍ من القرون، هلك فيمن هلك.
وقوله [تعالى] {فلا يسرف في القتل} قالوا: معناه: فلا يسرف الوليّ في قتل القاتل بأن يمثّل به أو يقتص من غير القاتل.
وقوله: {إنّه كان منصورًا} أي أنّ الوليّ منصورٌ على القاتل شرعًا، وغالبًا قدرًا). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 73-74]

رد مع اقتباس