عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 12 صفر 1440هـ/22-10-2018م, 01:06 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({تنزيل الكتاب من اللّه العزيز الحكيم (1) إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ فاعبد اللّه مخلصًا له الدّين (2) ألا للّه الدّين الخالص والّذين اتّخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى إنّ اللّه يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إنّ اللّه لا يهدي من هو كاذبٌ كفّارٌ (3) لو أراد اللّه أن يتّخذ ولدًا لاصطفى ممّا يخلق ما يشاء سبحانه هو اللّه الواحد القهّار (4) }
يخبر تعالى أنّ تنزيل هذا الكتاب -وهو القرآن العظيم- من عنده، تبارك وتعالى، فهو الحقّ الذي لا مرية فيه ولا شكّ، كما قال تعالى: {وإنّه لتنزيل ربّ العالمين. نزل به الرّوح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسانٍ عربيٍّ مبينٍ} [الشّعراء:192-195].
وقال: {وإنّه لكتابٌ عزيزٌ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيمٍ حميدٍ} [فصّلت:42، 41]. وقال هاهنا: {تنزيل الكتاب من اللّه العزيز} أي: المنيع الجناب، {الحكيم} أي: في أقواله وأفعاله، وشرعه، وقدره). [تفسير ابن كثير: 7/ 84]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :({إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ فاعبد اللّه مخلصًا له الدّين} أي: فاعبد اللّه وحده لا شريك له، وادع الخلق إلى ذلك، وأعلمهم أنّه لا تصلح العبادة إلّا له [وحده]، وأنّه ليس له شريكٌ ولا عديلٌ ولا نديدٌ؛ ولهذا قال: {ألا للّه الدّين الخالص} أي: لا يقبل من العمل إلّا ما أخلص فيه العامل للّه، وحده لا شريك له.
وقال قتادة في قوله: {ألا للّه الدّين الخالص} شهادة أن لا إله إلّا اللّه. ثمّ أخبر تعالى عن عبّاد الأصنام من المشركين أنّهم يقولون: {ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى} أي: إنّما يحملهم على عبادتهم لهم أنّهم عمدوا إلى أصنامٍ اتّخذوها على صور الملائكة المقرّبين في زعمهم، فعبدوا تلك الصّور تنزيلًا لذلك منزلة عبادتهم الملائكة؛ ليشفعوا لهم عند الله في نصرهم ورزقهم، وما ينوبهم من أمر الدّنيا، فأمّا المعاد فكانوا جاحدين له كافرين به.
قال قتادة، والسّدّيّ، ومالكٌ عن زيد بن أسلم، وابن زيدٍ: {إلا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى} أي: ليشفعوا لنا، ويقرّبونا عنده منزلةً.
ولهذا كانوا يقولون في تلبيتهم إذا حجّوا في جاهليّتهم: "لبّيك لا شريك لك، إلّا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك". وهذه الشّبهة هي الّتي اعتمدها المشركون في قديم الدّهر وحديثه، وجاءتهم الرّسل صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين، بردّها والنّهي عنها، والدّعوة إلى إفراد العبادة للّه وحده لا شريك له، وأنّ هذا شيءٌ اخترعه المشركون من عند أنفسهم، لم يأذن اللّه فيه ولا رضي به، بل أبغضه ونهى عنه: {ولقد بعثنا في كلّ أمّةٍ رسولا أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطّاغوت} [النّحل:36] {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء:25].
وأخبر أنّ الملائكة التي في السموات من المقرّبين وغيرهم، كلّهم عبيدٌ خاضعون للّه، لا يشفعون عنده إلّا بإذنه لمن ارتضى، وليسوا عنده كالأمراء عند ملوكهم، يشفّعون عندهم بغير إذنهم فيما أحبّه الملوك وأبوه، {فلا تضربوا للّه الأمثال} [النّحل:74]، تعالى اللّه عن ذلك.
وقوله: {إنّ اللّه يحكم بينهم} أي: يوم القيامة، {في ما هم فيه يختلفون} أي: سيفصل بين الخلائق يوم معادهم، ويجزي كلّ عاملٍ بعمله، {ويوم يحشرهم جميعًا ثمّ يقول للملائكة أهؤلاء إيّاكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت وليّنا من دونهم بل كانوا يعبدون الجنّ أكثرهم بهم مؤمنون} [سبأٍ:41، 40].
وقوله: {إنّ اللّه لا يهدي من هو كاذبٌ كفّارٌ} أي: لا يرشد إلى الهداية من قصده الكذب والافتراء على اللّه، وقلبه كفّارٌ يجحد بآياته [وحججه] وبراهينه). [تفسير ابن كثير: 7/ 84-85]

تفسير قوله تعالى: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ بيّن تعالى أنّه لا ولد له كما يزعمه جهلة المشركين في الملائكة، والمعاندون من اليهود والنّصارى في العزير، وعيسى فقال: {لو أراد اللّه أن يتّخذ ولدًا لاصطفى ممّا يخلق ما يشاء} أي: لكان الأمر على خلاف ما يزعمون. وهذا شرطٌ لا يلزم وقوعه ولا جوازه، بل هو محالٌ، وإنّما قصد تجهيلهم فيما ادّعوه وزعموه، كما قال: {لو أردنا أن نتّخذ لهوًا لاتّخذناه من لدنّا إن كنّا فاعلين} [الأنبياء:17] {قل إن كان للرّحمن ولدٌ فأنا أوّل العابدين} [الزّخرف:81]، كلّ هذا من باب الشّرط، ويجوز تعليق الشّرط على المستحيل لقصد المتكلّم.
وقوله: {سبحانه هو اللّه الواحد القهّار} أي: تعالى وتنزّه وتقدّس عن أن يكون له ولدٌ، فإنّه الواحد الأحد، الفرد الصّمد، الّذي كلّ شيءٍ عبدٌ لديه، فقيرٌ إليه، وهو الغنيّ عمّا سواه الّذي قد قهر الأشياء فدانت له وذلّت وخضعت). [تفسير ابن كثير: 7/ 85]