عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 18 ذو القعدة 1439هـ/30-07-2018م, 09:23 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} الآية. اختلف الناس في المشار إليه بقوله: "هذان" فقال قيس بن عبادة، وهلال بن يساف: نزلت هذه الآية في المتبارزين يوم بدر، وهم ستة: حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث، برزوا لعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله
[المحرر الوجيز: 6/227]
تعالى عنه أنه قال: أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الله يوم القيامة، وأقسم أبو ذر رضي الله عنه على هذا القول.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ووقع أن الآية فيهم في صحيح البخاري رحمه الله.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الإشارة إلى المؤمنين وأهل الكتاب، وذلك أنه وقع بينهم تخاصم، فقالت اليهود: نحن أقدم دينا منكم ونحو هذا، فنزلت الآية. وقال عكرمة: المخاصمة بين الجنة والنار، وقال مجاهد، وعطاء بن أبي رباح، والحسن بن أبي الحسن، وعاصم، والكلبي: الإشارة إلى المؤمنين والكفار على العموم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قول تعضده الآية، وذلك أنه تقدم قوله: {وكثير من الناس}، المعنى: فهم مؤمنون ساجدون، ثم قال: {وكثير حق عليه العذاب}، ثم أشار إلى هذين الصنفين بقوله: {هذان خصمان}، والمعنى أن الإيمان وأهله والكفر وأهله خصمان مذ كانا إلى قيام الساعة بالعداوة والجدال والحرب. وقوله: "خصمان" يريد: طائفتين؛ لأن لفظة خصم هي مصدر يوصف به الجمع والواحد، ويدل على أنه أراد الجمع قوله تعالى: "اختصموا"، فإنها قراءة الجمهور، وقرأ ابن أبي عبلة: "اختصما في ربهم". وقوله: "في ربهم" معناه: في شأن ربهم وصفاته وتوحيده، ويحتمل أن يريد: في رضى ربهم، وفي ذاته. ثم بين حكم الفريقين، فتوعد تبارك وتعالى الكفار بعذاب جهنم، و"قطعت" معناه: جعلت لهم بتقدير كما يفصل الثوب، وروي أنها من نحاس، وقيل: ليس شيء من الحجارة أحر منه إذا حمي. وروي في صب الحميم - وهو الماء المغلي- أنه تضرب رؤوسهم بالمقامع فتنكشف أدمغتهم فيصب الحميم حينئذ، وقيل: بل يصب الحميم أولا فيفعل ما وصف ثم تضرب بالمقامع بعد ذلك. و"الحميم" الماء المغلي). [المحرر الوجيز: 6/228]

تفسير قوله تعالى: {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"يصهر" معناه: يذاب، وقيل: معناه: يعصر، وهذه العبارة قلقة، وقيل: معناه: ينضج، ومنه قول الشاعر:
[المحرر الوجيز: 6/228]
... ... ... ... ... .... تصهره الشمس ولا ينصهر
وإنما يشبه -فيمن قال: يعصر- أنه أراد الحميم يهبط -كلما يلقى- في الجوف ويكشطه ويسلته، وقد روى أبو هريرة نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يسلته ويبلغ به قدميه ويذيبه، ثم يعاد كما كان. وقرأ الجمهور: "يصهر"، وقرأت فرقة: "يصهر" بفتح الصاد وشد الهاء). [المحرر الوجيز: 6/228]

تفسير قوله تعالى: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"المقمعة" -بكسر الميم- مقرعة من حديد يقمع بها المضروب). [المحرر الوجيز: 6/229]

تفسير قوله تعالى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "أرادوا" روي فيه أن لهب النار إذا ارتفع رفعهم فيصلون إلى أبواب النار فيريدون الخروج فيضربون بالمقامع وتردهم الزبانية. و"من" في قوله: "منها" لابتداء الغاية، وفي قوله: "من غم" يحتمل أن تكون لبيان الجنس، ويحتمل أن تكون لابتداء غاية أيضا، وهي بدل من الأولى، وقوله: "وذوقوا" هنا حذف تقديره: ويقال لهم: ذوقوا، و"الحريق" فعيل بمعنى مفعل أي: محرق.
وقرأ الجمهور: "هذان" بتخفيف النون، وقرأ ابن كثير وحده: "هذان"
[المحرر الوجيز: 6/229]
بتشديد النون، وقرأها شبل، وهي لغة لبعض العرب في المبهمات كاللذان وهذان، وقد ذكر ذلك أبو علي). [المحرر الوجيز: 6/230]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم}
هذه الآية معادلة لقوله تعالى: {فالذين كفروا قطعت لهم ثياب}. وقرأ الجمهور: "يحلون" بفتح الياء واللام وتخفيفها، يقال: حلي الرجل وحليت المرأة إذا صارت ذات حلي. وقيل: هي من قولهم: لم يحل فلان بطائل. و"من" في قوله تعالى: "من أساور" هي لبيان الجنس: ويحتمل أن تكون لتبعيض. و"الأساور" جمع سوار وإسوار بكسر الهمزة، وقيل: أساور جمع أسورة، وأسورة جمع سوار. وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما: من أسورة من ذهب.
و "اللؤلؤ": الجوهر، وقيل: صغاره، وقيل: كباره، والأشهر أنه اسم للجوهر. وقرأ نافع، وعاصم -في رواية أبي بكر -: "ولؤلؤا" بالنصب عطفا على موضع "الأساور"؛ لأن التقدير: يحلون فيها أساور، وهي قراءة الحسن، والجحدري، وسلام، ويعقوب، والأعرج، وأبي جعفر، وعيسى، وابن عمر، وحمل أبو الفتح نصبه على إضمار فعل، وقرأ الباقون من السبعة: "ولؤلؤ" بالخفض عطفا إما على لفظة "الأساور"، ويكون "اللؤلؤ" في غير الأساور، وإما على "الذهب" لأن الأساور تكون أيضا من ذهب ولؤلؤ قد جمع بعضها إلى بعض، ورويت هذه القراءة عن الحسن بن أبي الحسن، وطلحة، وابن وثاب، والأعمش، وأهل مكة، وثبتت في "الإمام" ألف بعد الواو، قاله الجحدري، وقال الأصمعي: ليس فيها ألف، وروى يحيى عن أبي بكر،
[المحرر الوجيز: 6/230]
عن عاصم بهمز الواو الثانية دون الأولى، وروى المعلى بن منصور، عن أبي بكر، عن عاصم ضد ذلك، قال أبو علي: فهمزهما وتخفيفهما وهمز إحداهما دون الأخرى جائز كله. وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما: "لئلئا" بكسر اللامين.
وأخبر الله تعالى عنهم بلباس الحرير لأنها من أكمل حالات الآخرة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا تشبه أمور الآخرة أمور الدنيا إلا في الأسماء فقط، وأما الصفات فمتباينة). [المحرر الوجيز: 6/231]

تفسير قوله تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "الطيب من القول": لا إله إلا الله وما جرى معها من ذكر الله تبارك وتعالى وتسبيحه وتقديسه، وسائر كلام أهل الجنة من محاورة وحديث طيب، فإنها لا تسمع فيها لاغية، و"صراط الحميد" هو طريق الله تعالى الذي دعا عباده إليه، ويحتمل أن يريد بـ "الحميد" نفس الطريق، فأضاف إليه على حد إضافته في قوله تعالى: "ولدار الآخرة"). [المحرر الوجيز: 6/231]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {إن الذين كفروا ويصدون} الآية. قوله: "ويصدون" تقديره: وهم يصدون، وبهذا حسن عطف المستقبل على الماضي، وقالت طائفة: الواو زائدة، و"يصدون" خبر "إن".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا مفسد للمعنى المقصود، وإنما الخبر محذوف مقدر عند قوله: "والباد"، تقديره: خسروا أو هلكوا، وجاء "يصدون" مستقبلا إذ هو فعل يديمونه، كما
[المحرر الوجيز: 6/231]
جاء قوله تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم} ونحوه.
وهذه الآية نزلت عام الحديبية حين صد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام، وذلك أنه لم يعلم لهم صد قبل ذلك الجمع، إلا أن يراد صدهم لأفراد من الناس فقد وقع ذلك في صدر المبعث، وقالت فرقة: " المسجد الحرام " أرادوا به مكة كلها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا صحيح لكنه قصد بالذكر المهم المقصود من ذلك.
وقرأ جمهور الناس: "سواء" بالرفع، وهو على الابتداء، و"العاكف" خبره، وقيل: الخبر "سواء" وهو مقدم، وهو قول أبي علي، والمعنى: الذي جعلناه للناس قبلة أو متعبدا، وقرأ حفص عن عاصم: "سواء" بالنصب، وهي قراءة الأعمش، وذلك يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون مفعولا ثانيا لـ "جعل" ويرتفع "العاكف" به لأنه مصدر في معنى مستو أعمل عمل اسم الفاعل، والوجه الثاني أن يكون حالا من الضمير في "جعلناه"، وقرأت فرقة: "سواء" بالنصب "العاكف" بالخفض عطفا على "الناس"، و"العاكف": المقيم في البلد، و"البادي": القادم عليه من غيره. وقرأ ابن كثير في الوصل والوقف: "البادي" بالياء، ووقف أبو عمرو بغير ياء، ووصل بالياء، وقرأ نافع: "الباد" بغير ياء في الوصل والوقف في رواية المسيبي، وأبو بكر وإسماعيل بن أبي أويس، وروى ورش الوصل بالياء، وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي بغير ياء وصلا ووقفا، وهي في "الإمام" بغير ياء.
وأجمع الناس على الاستواء في المسجد الحرام واختلفوا في مكة، فذهب عمر بن
[المحرر الوجيز: 6/232]
الخطاب، وابن عباس، ومجاهد، وجماعة معهم إلى أن الأمر كذلك في دور مكة، وأن القادم له النزول حيث وجد، وعلى رب المنزل أن يؤويه شاء أو أبى، وقال ذلك سفيان الثوري وغيره، وكذلك كان الأمر في الصدر الأول، قال ابن سابط: وكانت دورهم بغير أبواب حتى كثرت السرقة فاتخذ رجل بابا فأنكر عليه عمر رضي الله عنه وقال: أتغلق بابا في وجه حاج بيت الله؟ فقال: إنما أردت حفظ متاعهم من السرقة، فتركه فاتخذ الناس الأبواب. وقال جمهور من الأمة منهم مالك رحمه الله: ليست الدور كالمسجد، ولأهلها الامتناع بها والاستبداد، وعلى هذا هو العمل اليوم.
وهذا الخلاف متركب على الاختلاف في مكة، هل هي عنوة كما روي عن مالك والأوزاعي؟ أو صلح كما روي عن الشافعي؟ فمن رآها صلحا فإن الاستواء عنده في المنازل بعيد، ومن رآها عنوة أمكنه أن يقول: الاستواء فيها قدره الأئمة الذين لم يقطعوها أحدا وإنما سكنى من سكن من قبل نفسه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم: وهل ترك لنا عقيل منزلا، يقتضي الاستواء، وأنها متملكة ممنوعة على التأويلين في قوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه تؤول بمعنى أنه ورث جميع منازل أبي طالب وغيره، وتؤول بمعنى أنه باع منازل بني هاشم حين هاجروا. ومن الحجة لتملك أهلها دورهم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اشترى من صفوان بن أمية دارا للسجن بأربعة آلاف، ويصح مع ذلك أن يكون الاستواء في وقت الموسم للضرورة والحاجة فيخرج الأمر حينئذ عن الاعتبار بالعنوة والصلح.
وقوله تعالى: "بإلحاد"، قال أبو عبيدة: الباء زائدة، ومنه قول الشاعر:
بواد يمان ينبت الشث صدره وأسفله بالمرخ والشبهان
[المحرر الوجيز: 6/233]
ومنه قول الأعشى:
ضمنت برزق عيالنا أرماحنا ... ... ... ... ...
وهذا كثير. ويجوز أن يكون التقدير: ومن يرد فيه الناس بإلحاد.
و "الإلحاد": الميل، وهذا الإلحاد والظلم يجمع جميع المعاصي من الكفر إلى
[المحرر الوجيز: 6/234]
الصغائر، فلعظم حرمة المكان توعد الله تعالى على نية السيئة فيه، ومن نوى سيئة ولم يعملها لم يحاسب بذلك إلا في مكة، هذا قول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وجماعة من الصحابة وغيرهم، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الإلحاد في هذه الآية: الشرك، وقال أيضا؛ وقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: وقول "لا والله وبلى والله" بمكة من الإلحاد، وقال حبيب بن أبي ثابت: الحكرة بمكة من الإلحاد بالظلم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والعموم يأتي على هذا كله.
وقرأت فرقة: "ومن يرد" من الورود، حكاه الفراء، والأول أبين وأعم وأمدح للبقعة. و"من" شرط جازمة للفعل، وذلك منع من عطفها على "الذين" والله المستعان). [المحرر الوجيز: 6/235]

رد مع اقتباس