عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م, 10:31 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا}
الخطاب في هذه الآية للأوصياء الذين هم معدون لقرب مال اليتيم، ثم هي لمن تلبس بشيء من أمرهم من غير وصي، و"اليتيم": الفرد من الأبناء، واليتم: الانفراد، يقال: يتم الصبي ييتم إذا فقد أباه. قال ابن السكيت: اليتم في البشر من قبل الأب، وفي البهائم من قبل الأم. وفي كتاب الماوردي: أن اليتم في البشر من قبل الأم أيضا، وجمع اليتيم أيتام، كشريف وأشراف، وشهيد وأشهاد، ويجمع يتامى كأسير وأسارى، كأنها في الأمور المكروهة التي تدخل على المرء غلبة،. قال ابن سيده: وحكى ابن الأعرابي "يتمان" في "يتيم"، وأنشد في ذلك.
فبت أشوي صبيتي وحليلتي ... طريا وجرو الذئب يتمان جائع
ويجوز أن يكون "يتامى"جمع "يتمان". وفي الحديث: "لا يتم بعد حلم". وقوله تعالى: {إلا بالتي هي أحسن} يريد: إلا بأحسن الحالات.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وذلك في الوصي الغني، أن يثمر المال ويحوطه، ولا يحبس منه شيئا على جهة الانتفاع به. هذا هو الورع، والأولى ألا أن يكون يشتغل في مال اليتيم ويشح عليه، فالفقه أن تفرض له أجرة. وأما الوصي الفقير الذي يشغله مال اليتيم عن معاشه، فاختلف
[المحرر الوجيز: 5/474]
الناس في أكله منه بالمعروف، كيف هو؟ فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يتسلف منه، فإذا أيسر رد فيه، وقال ابن المسيب: لا يشرب الماء من مال اليتيم، قيل: فما معنى: فليأكل بالمعروف؟ قال: إنما ذلك لخدمته وغسل ثوبه، وقال مجاهد: لا يقرب إلا بتجارة ولا يستقرض منه، قال: وقوله تعالى: {فليأكل بالمعروف} من مال نفسه. وقال أبو يوسف: لعل قوله: {فليأكل بالمعروف} منسوخ بقوله: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يأكل منه الشربة من اللبن، والطرفة من الفاكهة، ونحو هذا مما يخدمه، ويلوط الحوض، ويجد النخل، وينشد الضالة، فيأكل غير مضر بنسل، ولا ناهك في الحلب، وقال زيد بن أسلم: يأكل منه بأطراف أصابعه بلغة من العيش بتعبه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه استعارة للتقلل، وقال مالك رحمه الله، وغيره: يأخذ منه أجرة بقدر تعبه، فهذه كلها تدخل فيما هو أحسن. وكمال تفسير هذه المعاني في سورة النساء بحسب ألفاظ تلك الآيات، وفي الخبر عن قتادة أن هذه الآية لما نزلت شقت على المسلمين، وتجنبوا الأكل معهم في صحيفة، فنزلت: {وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح}.
وقوله تعالى: {حتى يبلغ أشده} غاية الإمساك عن مال اليتيم، ثم ما بعد الغاية قد سنته
[المحرر الوجيز: 5/475]
آية أخرى، وما بعد هذه الغايات أبدا موقوف حتى يقوم فيه دليل شرعي، أو يقتضي ذلك الإنصاف في النازلة، ومثل هذا قول عائشة رضي الله عنها: "أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، وبعثت بها، فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أحله الله له حتى نحر الهدي".
و "الأشد": جمع (شد) عند سيبويه، وقال أبو عبيدة: لا واحد له من لفظه، ومعناه: قواه في العقل والتجربة والنظر لنفسه، وذلك لا يكون إلا مع البلوغ، فالأشد في مذهب مالك إقران البلوغ بالاحتلام أو ما يقوم مقامه حسب الخلاف في ذلك، والرشد في المال. واختلف، هل من شروط ذلك الرشد في الدين على قولين: فابن القاسم لا يراعيه إذا كان ضابطا لماله، وراعاه غيره من بعض أصحاب مالك، ومذهب أبي حنيفة أن الأشد هو البلوغ فقط، فلا حجر عنده على بالغ إلا أن يعرف منه السفه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولست من هذا التقييد في قوله على ثقة.
وقال أبو إسحاق الزجاج: الأشد في قوله أن يأتي على الصبي ثماني عشرة سنة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وإنما أراد أنه بعض ما قيل في حد البلوغ لمن لا يحتلم، وأما أن يكون بالغا رشيدا فلا يدفع إليه ماله حتى يبلغ هذه المدة فشيء لا أحفظ من يقوله.
وقوله تعالى: {وأوفوا بالعهد} لفظ عام لكل عهد وعقد بين الإنسان وبين ربه، أو بينه وبين المخلوقين في طاعة، وقوله: {إن العهد كان مسؤولا} أي: مطلوبا ممن عهد إليه أو عوهد، هل وفى به أم لا؟). [المحرر الوجيز: 5/476]

تفسير قوله تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وأوفوا الكيل إذا كلتم} الآية. أمر الله تعالى في هذه الآية أهل التجر الوزن والكيل أن يعطوا الحق في كيلهم ووزنهم، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقف في السوق ويقول: يا معشر الموالي، إنكم وليتم أمرين بهما هلاك الناس قبلكم، هذا المكيال وهذا الميزان.
[المحرر الوجيز: 5/476]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وتقتضي هذه الآية أن الكيل على البائع; لأن المشتري لا يقال له: "أوف الكيل"، هذا ظاهر اللفظ والسابق منه، و"القسطاس" قال الحسن: هو القبان، ويقال فيه: القفان، وهو القاسطون، ويقال القرطسون، وقيل: القسطاس الميزان صغيرا كان أو كبيرا، وقال مجاهد: القسطاس: العدل، وكان يقول: هي لغة رومية، فكأن الناس قيل لهم: زنوا بمعدلة في وزنكم. وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم -في رواية أبي بكر: "القسطاس" بضم القاف، وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: "القسطاس"، وهما لغتان، واللفظة منه للمبالغة من القسط، والمراد بها في الآية جنس الموازين العدلة على أي صفة كانت.
قال أبو حاتم: "إنما قرأ بكسر القاف أهل الكوفة، وكل قراءة لا تجاوز الكوفة إلى الحرمين والبصرة فاقرأ بغيرها". وقرأت فرقة: "بالقصطاس" بالصاد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وكان مذهب مجاهد في هذا وفي ميزان القيامة، وكل ذلك، أنها استعارات للعدل، وقوله: "ميزان القيامة" مردود، وعقيدة أهل السنة أنه ميزان له عمود وكفتان. وسمعت أبي رضي الله عنه يقول: رأيت الواعظ أبا الفضل الجوهري في جامع عمرو بن العاص يعظ الناس في الوزن، فقال في جملة كلامه: إن هيئة اليد بالميزان عظة، وذلك أن الأصابع تجيء منها صورة المكتوبة: ألف ولا مان وهاء فكأن الميزان يقول: الله الله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا وعظ جميل.
و "التأويل" في هذه الآية: المآل، قاله قتادة، ويحتمل أن يكون "التأويل" مصدر تأول، أي: يتأول عليكم الخير في جميع أموركم إذا أحسنتم في الكيل والوزن.
[المحرر الوجيز: 5/477]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والغرض من الكيل والوزن تحري الحق، فإن غلب الإنسان بعد تحريه لشيء يسير من تطفيف شاذ، لم يقصده، فذلك نزر موضوع عنه إثمه، وذلك ما لا يكون الانفكاك عنه في وسع). [المحرر الوجيز: 5/478]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولا تقف} معناه: ولا تقل ولا تتبع.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
لكنها لفظة تستعمل في القذف والعظة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "نحن بنو النضر لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا"، وتقول: فلان قفوتي، أي: موضع تهمتي، وتقول: "رب سامع عذرتي ولم يسمع قفوتي" أي: ما رميت به، وهذا مثل للذي يفشي سره ويعتذر من ذنب لم يسمعه المعتذر إليه. وقد قال ابن عباس أيضا، ومجاهد: ولا تقف معناه: ولا ترم، ومن هذه اللفظة قول الشاعر:
ومثل الدمى شم العرانين ساكن ... بهن الحياء لا يشعن التقافيا
[المحرر الوجيز: 5/478]
وقال الكميت:
ولا أرمي البريء بغير ذنب ... ولا أقفو الحواضن إن قفينا
وأصل هذه اللفظة من اتباع الأثر، تقول: قفوت الأثر، ويشبه أن هذا من "القفا"، ومنه قافية الشعر لأنها تقفو البيت، وتقول: "قفت الأثر"، ومن هذا: هو القائف، وتقول: "فقت الأثر" بتقديم الفاء على القاف، ويشبه أن يكون هذا من تلعب العرب في بعض الألفاظ، كما قالوا: "رعملي" في "لعمري"، وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت: قفا وقاف، مثل عتا وعات، فمعنى الآية: ولا تتبع لسانك من القول ما لا علم لك به، وذهب منذر بن سعيد إلى أن قفا وقاف مثل جذب وجبذ، فهذه الآية بالجملة تنهى عن قول الزور والقذف وما أشبه ذلك من الأقوال الكاذبة الرديئة.
وقرأ الجمهور: "ولا تقف"، وقرأ بعض الناس -فيما حكى الكسائي -: "ولا تقف" بضم القاف وسكون الفاء.
وقرأ الجراح: "والفواد" بفتح الفاء، وهي لغة، وأنكرها أبو حاتم وغيره، وعبر عن "السمع والبصر والفؤاد" بـ "أولئك" لأنها حواس لها إدراك، وجعلها في هذه الآية مسؤولة، فهي حالة من يعقل، فلذلك عبر عنها بـ "أولئك"، وقد قال سيبويه رحمه الله في قوله تعالى: {رأيتهم لي ساجدين}: إنه إنما قال: "رأيتهم" في نجوم لأنه لما وصفها بالسجود وهو من فعل من يعقل عبر عنها بكناية من يعقل. وحكى الزجاج أن العرب تعبر عما يعقل وعما لا يعقل بالإدراك، وأنشد هو والطبري:
[المحرر الوجيز: 5/479]
ذم المنازل بعد منزلة اللوى ... والعيش بعد أولئك الأيام
فأما حكاية أبي إسحاق عن اللغة فأمر يوقف عنده، وأما البيت فالرواية "الأقوام"، والضمير في "عنه" يعود على ما ليس للإنسان به علم، ويكون المعنى: أن الله تعالى يسأل سمع الإنسان وبصره وفؤاده عما قال مما لا علم له به، فيقع تكذيبه من جوارحه، وتلك غاية الخزي. ويحتمل أن يعود الضمير في "عنه" على "كل" التي هي للسمع والبصر والفؤاد، والمعنى: أن الله تعالى يسأل الإنسان عما حواه سمعه وبصره وفؤاده، فكأنه قال: كل هذه كان الإنسان عنه مسؤولا، أي عما حصل لهؤلاء من الإدراكات، ووقع منها من الخطايا، فالتقدير "عن أعمالها مسؤولا"، فهو على حذف مضاف). [المحرر الوجيز: 5/480]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما}
قرأ الجمهور: "مرحا" بفتح الراء، مصدر من: مرح يمرح إذا تبختر مسرورا بدنياه مقبلا على راحته، فهذا هو المرح، فنهي الإنسان في هذه الآية أن يكون مشيه في الأرض على هذا الوجه، ثم قيل له: إنك لن تقطع الأرض وتمسحها بمشيك، ولن تبلغ أطوال الجبال فتنالها طولا، فإذا كنت لا تستوي في الأرض بمشيك فقصرك نفسك على ما يوجبه الحق من المشي والتصرف أولى وأحق. وخوطب النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية والمراد الناس كلهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وإقبال الإنسان على الصيد ونحوه تنزها دون حاجة إلى ذلك داخل في هذه الآية، وأما الرجل يستريح في اليوم النادر والساعة من يومه فيجم فيها نفسه في التفرج والراحة
[المحرر الوجيز: 5/480]
ليستعين بذلك على شغل من البر كقراءة علم أو صلاة، فليس ذلك بداخل في هذه الآية رضي الله عنهما
وقرأت فرقة -فيما حكى يعقوب-: "مرحا" بكسر الراء على بناء اسم الفاعل، وهذا المعنى يترتب على هذه القراءة، ولكن يحسن معها معنى آخر ذكره الطبري مع القراءة الأولى، وهو بهذه القراءة أليق، وهو أن قوله: {إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا} أراد بذلك: أيها المرح المختال الفخور، لا تخرق الأرض، ولا تطاول الجبال بفخرك وكبرك، وذهب بالألفاظ إلى هذا المعنى، ويحسن ذلك مع القراءة بكسر الراء من المرح; لأن الإنسان نهي حينئذ عن التخلق بالمرح في كل أوقاته; إذ المشي في الأرض لا يفارقه، فلم ينه إلا عن يكون مرحا، وعلى القراءة الأخرى إنما نهي من ليس بمرح عن أن يمشي في بعض أوقاته مرحا، فيترتب في المرح -بكسر الراء- أن يؤخذ بمعنى المتكبر المختال.
وخرق الأرض: قطعها، والخرق: الواسع من الأرض، ومنه قول الشاعر:
وخرق تجاوزت مجهوله ... بوجناء خرق تشكى الكلالا
ويقال لثقب الأرض: خرق، وليس هذا المعنى في الآية، ومنه قول رؤبة بن العجاج:
وقاتم الأعماق خاوي المخترق
[المحرر الوجيز: 5/481]
وقرأ الجراح، والأعرابي: "لن تخرق الأرض" بضم الراء، وقال أبو حاتم: لا تعرف هذه اللغة). [المحرر الوجيز: 5/482]

تفسير قوله تعالى: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {كل ذلك كان سيئه عند ربك}. قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وأبو جعفر، والأعرج: "سيئة"، وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، والحسن، ومسروق: "سيئه" على إضافة "سيئ" إلى الضمير، والإشارة -على القراءة الأولى- إلى ما تقدم ذكره مما نهي عنه، كقول: أف، وقذف الناس، والمرح، وغير ذلك، والإشارة -على القراءة الثانية- إلى جميع ما ذكر في هذه الآيات من بر ومعصية، ثم اختص ذكر السيئ منه بأنه مكروه عند الله تعالى، فأما من قرأ: "سيئه" بالإضافة إلى الضمير فإعراب قراءته بين و"سيئ" اسم "كان"، و"مكروها" خبره، وأما من قرأ: "سيئة" فهي الخبر لـ "كان". واختلف الناس في إعراب "مكروها" فقالت فرقة: هو خبر ثان لـ "كان" حمله على لفظ "كل"، و"سيئة" محمول على المعنى في جميع هذه الأشياء المذكورة قبل، وقال بعضهم: هو نعت لـ "سيئة" لأنه لما كان تأنيثها غير حقيقي جاز أن توصف بمذكر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وضعفه أبو علي الفارسي، وقال: إن المؤنث إذا ذكر فإنما ينبغي أن يكون ما بعده وفقه، وإنما التساهل أن يتقدم الفعل المسند إلى المؤنث وهو في صيغة ما يسند إلى المذكر، ألا ترى أن قول الشاعر:
فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها
[المحرر الوجيز: 5/482]
مستقبح عندهم؟ ولو قال قائل: أبقل أرض لم يكن قبيحا. قال أبو علي: ولكن يجوز في قوله تعالى: "مكروها" أن يكون بدلا من قوله: "سيئه"، قال: ويجوز أن يكون حالا من الذكر الذي في قوله: "عند ربك"، ويكون قوله: {عند ربك} في موضع الصفة لـ "سيئه". وقرأ عبد الله بن مسعود: "كان سيئاته"، وروي عنه "كان سيئات" بغير هاء، وروي عنه "كان خبيثه". وذهب الطبري إلى أن هذه النواهي كلها معطوفة على قوله أولا: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} وليس ذلك بالبين). [المحرر الوجيز: 5/483]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {ذلك مما أوحى إليك ربك} الآية. الإشارة بـ "ذلك" إلى هذه الآداب التي تضمنتها هذه الآيات المتقدمة، أي: هذه من الأفعال المحكمة التي تقتضيها حكمة الله تبارك وتعالى في عباده وخلقه لهم محاسن الأخلاق. و"الحكمة": قوانين المعاني المحكمة والأفعال الفاضلة، ثم عطف قوله تعالى: {ولا تجعل} على ما تقدم من النواهي. والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد كل من سمع الآية من البشر، و"المدحور": المهان المبعد). [المحرر الوجيز: 5/483]

رد مع اقتباس