عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 14 ذو القعدة 1439هـ/26-07-2018م, 05:44 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وكل إنسان ألزمناه طائره} في الآية. قوله: "كل" منصوب بفعل مقدر، وقرأ الحسن وأبو رجاء، وابن مجاهد "طيره في عنقه". قال ابن عباس رضي الله عنهما: "طائره": ما قدر عليه وله، وخاطب الله تبارك وتعالى العرب في هذه الآية بما تعرف، وذلك أنه كان من عادتها التيمن والتشاؤم بالطير في كونها سانحة وبارحة، وكثر ذلك حتى فعلته بالظباء وحيوان الفلوات، وسمت كل ذلك تطيرا، وكانت تعتقد أن تلك الطيرة قاضية بما يلقى الإنسان من خير وشر، فأخبرهم الله تعالى في هذه الآية في أوجز لفظ وأبلغ إشارة أن جميع ما يلقى الإنسان من خير أو شر قد سبق به القضاء، وألزم حظه وعمله وتكسبه في عنقه، وذلك في قوله عز وجل: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه}، فعبر عن الحظ والعمل -إذ هما متلازمان- بالطائر)، قاله مجاهد وقتادة، بحسب معتقد العرب في التطير، وقولهم في أمور: "على الطائر الميمون"، و"بأسعد طائر"، ومنه ما طار في المحاجة والسهم، كقول أم العلا الأنصارية: "فطار لنا من القادمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة عثمان بن مظعون "، أي: كان ذلك حظنا،
[المحرر الوجيز: 5/449]
وأصل هذا كله من الطير التي تقضي عندهم بلقاء الخير والشر، وأبطل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طيرة)".
وقوله تعالى: {في عنقه} جرى أيضا على مقطع العرب في أن تنسب ما كان إلزاما، وقلادة، وأمانة، ونحو هذا -إلى العنق، كقولهم: "دمي في عنق فلان" وكقول الأعشى:
قلدتك الشعر يا سلامة ذا الـ ... تفضال، والشيء حيثما جعلا
وهذا كثير، ونحوه جعلهم ما كان تكسبا وجناية وإثما منسوبا إلى اليد; إذ هي الأصل في التكسب.
وقرأ أبو جعفر، ونافع، والناس: "ونخرج" بنون العظمة "كتابا" بالنصب، وقرأ الحسن، ومجاهد، وابن محيصن: "يخرج" بفتح الياء وضم الراء على الفعل المستقبل "كتابا"، أي طائره الذي كنى به عن عمله يخرج له ذا كتاب. وقرأ الحسن -من هؤلاء: "كتاب" بالرفع، وقرأ أبو جعفر أيضا: "ويخرج" بضم الياء وفتح الراء- على ما لم يسم فاعله. "كتابا"، أي: طائره. وقرأ أيضا: "كتاب"، وقرأت فرقة: "ويخرج" بضم الياء وكسر الراء، أي: يخرج الله، وفي مصحف أبي بن كعب: "في عنقه يقرؤه
[المحرر الوجيز: 5/450]
يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا". وهذا الكتاب هو عمل الإنسان وخطيئاته.
وقرأ الجمهور: "يلقاه" بفتح الياء وسكون اللام وخفة القاف، وقرأ ابن عامر وحده: "يلقاه" بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف، وهي قراءة الحسن بخلاف- وأبي جعفر الجحدري). [المحرر الوجيز: 5/451]

تفسير قوله تعالى: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {اقرأ كتابك} حذف من الكلام "يقال له" اختصارا لدلالة الظاهر عليه. و"الحسيب": الحاسب، ونصبه على التمييز، وأسند الطبري، عن الحسن أنه قال: "يا ابن آدم، بسطت لك صحيفة، ووكل بك ملكان كريمان، أحدهما عن يمينك يكتب حسناتك، والآخر عن شمالك يحفظ سيآتك، فاملك ما شئت أو أقلل أو أكثر، حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك، حتى تخرج يوم القيامة كتابا تلقاه منشورا، اقرأ كتابك، كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا، قد عدل والله فيك من جعلك حسيب نفسك".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فعلى هذه الألفاظ التي ذكر الحسن يكون الطائر ما يتحصل مع آدم من عمله في قبره، فتأمل لفظه، وهذا هو قول ابن عباس رضي الله عنهما. وقال قتادة في قوله تعالى: {اقرأ كتابك}: إنه سيقرأ يومئذ من لم يكن يقرأ). [المحرر الوجيز: 5/451]

تفسير قوله تعالى: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا}
معنى هذه الآية أن كل أحد إنما يحاسب عن نفسه لا عن غيره، وروي أن سببها أن الوليد بن المغيرة المخزومي قال لأهل مكة: اكفروا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وإثمكم علي، فنزلت هذه الآية، أي: إن الوليد لا يحمل آثامكم، وإنما إثم كل
[المحرر الوجيز: 5/451]
واحد عليه. وقالت فرقة: نزلت الإشارة في الهدى إلى أبي سلمة بن عبد الأسد، والإشارة بالضلال إلى الوليد بن المغيرة.
و"وزر" معناه: حمل، و"الوزر": الثقل، ومنه: وزير السلطان، أي: الذي يحمل ثقل دولته، وبهذه الآية نزعت عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها في الرد على من قال: إن الميت يعذب ببكاء الحي عليه، ونكتة ذلك المعنى إنما هي أن التعذيب إنما يقع إذا كان البكاء من سنة الميت وتسببه، كما كانت العرب تفعل.
وقوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}، قالت فرقة هي الجمهور: هذا في حكم الدنيا، أي إن الله لا يهلك أمة بعذاب إلا من بعد الرسالة إليهم والإنذار، وقالت فرقة: هذا عام في الدنيا والآخرة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وتلخيص هذا المعنى أن مقصد الآية في هذا الموضع الإعلام بعبادة الله تعالى مع الأمم في الدنيا، وبهذا يقرب الوعيد من كفار مكة. ويؤيد هذا ما يجيء بعد من وصفه ما يكون عند إرادة الله إهلاك قرية، ومن إعلامه بكثرة ما أهلك من القرون، ومع هذا فالظاهر من كتاب الله تعالى في غير هذا الموضع، ومن النظر، أن الله تعالى لا يعذب
[المحرر الوجيز: 5/452]
في الآخرة إلا بعد بعثة الرسل، كقوله تعالى: {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى}، وظاهر "كلما" الحصر، وكقوله تعالى: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير}، وأما من جهة النظر فإن بعثة آدم عليه السلام بالتوحيد، وبعث المعتقدات في بنيه، ونصب الأدلة الدالة على الصانع، مع سلامة البصر، يوجب على كل أحد من العالم الإيمان واتباع شريعة الله، ثم تجدد ذلك في مدة نوح عليه السلام بعد غرق الكفار، وهذه الآية أيضا يعطي احتمال ألفاظها نحو هذا، ويجوز مع الفرض وجود قوم لم تصلهم رسالة، ومنهم أهل الفترات الذين قد قدر وجودهم بعض أهل العلم، وأما ما روي من أن الله تعالى يبعث إليهم يوم القيامة وإلى المجانين والأطفال، فحديث لم يصح، ولا يقتضيه ما تقضيه الشريعة من أن الآخرة ليست دار تكليف). [المحرر الوجيز: 5/453]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية} الآية. في مصحف أبي "بعثنا أكابر مجرميها"، و"القرية": المدينة المجتمعة، مأخوذ من: قريت الماء في الحوض، إذا جمعته، وليست من "قرأ" الذي هو مهموز، وإن كان فيهما جميعا معنى الجمع. وقرأ الجمهور: أمرنا" على صيغة الماضي، من: أمر ضد نهى، وقرأ نافع، وابن كثير -في بعض ما روي عنهما-: "آمرنا" بمد الهمزة، بمعنى: كثرنا، ورويت عن الحسن، وهي قراءة علي بن أبي طالب، وابن عباس بخلاف عنه-، وعن الأعرج، وقرأ بها ابن أبي إسحاق، وتقول العرب: "أمر القوم" إذا كثروا، وآمرهم الله تعالى فيتعدى بالهمزة. وقرأ أبو عمرو بخلاف-: "أمرنا" بتشديد الميم، وهي قراءة أبي عثمان النهدي، وأبي العالية، وابن عباس رضي الله عنهما، ورويت عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقال الطبري: القراءة الأولى معناها: أمرناهم بالطاعة فعصوا وفسقوا فيها، وهو قول ابن عباس، وابن جبير، والثانية معناها: كثرناهم، والثالثة هي من الإمارة، أي: ملكناهم على الناس.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
قال أبو علي الفارسي: "الجيد في "أمرنا" أن تكون بمعنى: كثرنا، يتعدى الفعل
[المحرر الوجيز: 5/453]
بلفظ غير متعد، كما تقول: رجع ورجعته، وشترت عينه وشترتها، فتقول: أمر القوم وأمرهم الله، أي كثرهم، و"آمرنا" مبالغة في "أمرنا" بالهمزة، و"أمرنا" مبالغة فيه بالتضعيف، ولا وجه لكون "أمرنا" من الإمارة; لأن رياستهم لا تكون إلا واحدا بعد واحد، والإهلاك إنما يكون في مدة واحد منهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وينفصل عن هذا الذي قاله أبو علي بأن الأمر وإن كان يعم المترف وغيره، فخص المترف بالذكر إذ فسقه هو المؤثر في فساد القرية وهم عظم الضلالة وسواهم تبع لهم. وأما "أمرنا" من الإمارة فمتوجه على وجهين: أحدهما أن لا يريد إمارة الملك، بل كونهم يأمرون ويؤتمر لهم; فإن العرب تقول لمن يأمر الإنسان -وإن لم يكن ملكا-: هو أمير، ومنه قول الأعشى:
إذا كان هادي الفتى في البلا ... د صدر القناة أطاع الأميرا
ومنه قول معاوية لعمر رضي الله عنه حين أمره بالاستقادة من لطمة عمرو بن العاص: إن علي أميرا لا أقطع أمرا دونه، أراد معاوية أباه، وأراد الأعشى أنه إذا شاخ الإنسان وعمي واهتدى بالعصا أطاع كل من يأمره، ومنه قول الآخر:
والناس يلحون الأمير إذ هم ... خطئوا الصواب ولا يلام المرشد
[المحرر الوجيز: 5/454]
وأيضا فلو أراد إمارة الملك في الآية لحسن المعنى; لأن الأمة إذا ملك الله عليها مترفا ففسق، ثم ولي مثله بعده، ثم كذلك، عظم الفساد وتوالى الكفر واستحقوا العذاب فنزل بهم على الرجل الأخير من ملوكهم، وقرأ الحسن، ويحيى بن يعمر: "أمرنا" بكسر الميم، وحكاها النحاس عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولا أتحقق وجها لهذه القراءة; إلا إن كان "أمر القوم" يتعدى بلفظه، فإن العرب تقول: "أمر بنو فلان" إذا كثروا، ومنه قول لبيد:
إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا ... يوما يصيروا للقل والنفد
ومنه: (لقد أمر أمر ابن أبي كبشة)، ورد الفراء هذه القراءة، وقد حكي "أمر" متعديا عن أبي زيد الأنصاري، و"المترف" الغني من المال المتنعم، والترفة: النعمة، وفي مصحف أبي بن كعب: "قرية بعثنا أكابر مجرميها فمكروا فيها"، وقوله تعالى: {فحق عليها القول} أي وعيد الله لها الذي قاله رسولهم. و"التدمير": الإهلاك مع طمس الآثار وهدم البناء، ومنه قول الفرزدق:
وكان لهم كبكر ثمود لما ... رغا دهرا فدمرهم دمارا). [المحرر الوجيز: 5/455]

تفسير قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وكم أهلكنا من القرون} الآية، "كم" في موضع نصب بـ "أهلكنا"، وهذا الذكر لكثرة من أهلك الله من القرون مثال لقريش ووعيد، أي: لستم ببعيد مما حصلوا فيه من العذاب إذا أنتم كذبتم نبيكم، واختلف الناس في القرن -فقال ابن سيرين عن النبي صلى الله عليه وسلم: أربعون، وقيل غير هذا مما هو قريب منه، وقال عبد الله بن أبي أوفى: القرن مائة وعشرون سنة، وقالت طائفة: القرن مائة سنة، وهذا هو الأصح الذي يعضده الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني". وروى محمد بن القاسم في ختنه عبد الله بن بسر قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي وقال: "سيعيش هذا الغلام قرنا"، قلت: كم القرن؟ قال: "مائة سنة"، قال محمد بن القاسم: فما زلنا نعد له حتى أكمل مائة سنة، ومات رحمه الله، والباء في قوله تعالى: "بربك" زائدة، والتقدير: كفى بربك، وهذه الباء إنما تجيء في الأغلب في مدح أو ذم، وكأنها تعطي معنى: اكتف بربك، أي: ما أكفاه في هذا، وقد تجيء "كفى" بدون باء، كقول الشاعر:
[المحرر الوجيز: 5/456]
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
وكقول الآخر:
ويخبرني عن غائب المرء هديه ... كفى الهدي عما غيب المرء مخبرا). [المحرر الوجيز: 5/457]

رد مع اقتباس