عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 10:03 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قل من رب السماوات والأرض} الآية. جاء السؤال والجواب في هذه الآية من ناحية واحدة، إذ كان السؤال والتقرير عن أمر واضح لا مدافعة لأحد فيه ملتزم للحجة، فكان السبق إلى الجواب أفصح في الاحتجاج وأسرع في قطعهم من انتظار الجواب منهم، إذ لا جواب إلا هذا الذي وقع البدار إليه. وقال مكي: جهلوا الجواب وطلبوه من جهة السائل فأعلمهم به السائل، فلما تقيد من هذا كله أن الله تعالى هو رب السماوات والأرض وقع التوبيخ على اتخاذهم من دونه أولياء متصفين بأنهم لا ينفعون أنفسهم ولا يضرونها، وهذه غاية العجز، وفي ضمن هذا الكلام: "وتركتموه وهو الذي بيده ملكوت كل شيء"، ولفظة: من دونه تقتضي ذلك.
ثم مثل الكفار والمؤمنين -بعد هذا- بقوله: {قل هل يستوي الأعمى والبصير}، وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص عن عاصم: "تستوي الظلمات" بالتاء، وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: "يستوي" بالياء، فالتأنيث أحسن لأنه مؤنث لم يفصل بينه وبين عامله بشيء، والتذكير شائع لأنه تأنيث غير حقيقي والفعل مقدم، وشبهت هذه الآية الكافر بالأعمى والكفر بالظلمات، وشبهت المؤمن بالبصير والإيمان بالنور. ثم وقفهم بعد، هل رأوا خلقا لغير الله فحملهم ذلك واشتباههم بما خلق الله على أن جعلوا إلها غير الله. ثم أمر محمدا عليه الصلاة والسلام بالإفصاح بصفات الله تعالى في أنه خالق كل شيء، وهذا عموم في
[المحرر الوجيز: 5/195]
اللفظ يراد به الخصوص في كل ما هو خلق الله تعالى، ويخرج عن ذلك صفات ذاته لا رب غيره، والقرآن، ووصف نفسه بالوحدانية من حيث لا موجود إلا به، وهو في وجوده مستغن عن الموجودات، لا إله إلا هو العلي العظيم). [المحرر الوجيز: 5/196]

تفسير قوله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال}
صدر هذه الآية تنبيه على قدرة الله تعالى وإقامة الحجة على الكفرة به، ثم لما فرغ من ذكر ذلك جعله مثالا للحق والباطل، والإيمان والكفر والشك في الشرع واليقين به.
"ماء": يريد به المطر، و"الأودية": ما بين الجبال من الانخفاض والخنادق، وقوله سبحانه: "بقدرها" يحتمل أن يريد بما قدر لها من الماء ويحتمل أن يريد بقدر ما تحمله على قدر صغرها وكبرها وقرأ جمهور الناس "بقدرها" بفتح الدال، وقرأ الأشهب العقيلي بسكونها.
و "الزبد": ما يحمله السيل من غثاء ونحوه وما يرمي به ضفتيه من الحباب الملتبك به، ومنه قول حسان بن ثابت:
والبحر حين تهب الريح شامية ... فباطل ويرمي العبر بالزبد
و "الرابي": المنتفخ الذي قد ربا، ومنه الربوة.
وقوله تعالى: "ومما" خبر ابتداء، والابتداء قوله: "زبد" و"مثله" نعت لـ "الزبد"، والمعنى: ومن الأشياء التي توقدون عليها ابتغاء الحلي -وهي الذهب والفضة- ابتغاء الاستمتاع بما في المرافق -وهي الحديد والرصاص والنحاس ونحوها من الأشياء التي توقدون عليها، فأخبر تعالى أن من هذه أيضا -إذا أحمي عليها- يكون زبد مماثل للزبد الذي يحمله السيل، ثم ضرب تعالى ذلك مثالا للحق والباطل، أي أن الماء الذي
[المحرر الوجيز: 5/196]
تشربه الأرض فيقع النفع به هو كالحق، والزبد الذي يجفو وينفش ويذهب هو كالباطل، وكذلك ما يخلص من الذهب والفضة والحديد ونحوها هو كالحق، وما يذهب في الدخان هو كالباطل. وقوله: {في النار} متعلق بمحذوف تقديره: كائنا كذا، قال مكي وغيره: ومنعوا أن يتعلق بقوله: "يوقدون" لأنهم زعموا أنه ليس يوقد على شيء إلا وهو في النار، وتعليق حرف الجر بـ "يوقدون" يتضمن تخصيص حال من حال أخرى. وذهب أبو علي الفارسي إلى تعلقه بـ "يوقدون"، وقال: قد يوقد على شيء وليس في النار كقوله تعالى: {فأوقد لي يا هامان على الطين} فذلك البناء الذي أمر به يوقد عليه وليس في النار لكن يصيبه لهبها. وقوله: "جفاء" مصدر من قولك: "جفأت القدر" إذا غلت حتى خرج زبدها وذهب. وقرأ رؤبة: "جفالا" من قولهم: "جفلت الريح السحاب" إذا حملته وفرقته، قال أبو حاتم: لا تعتبر قراءة الأعراب في القرآن.
وقوله: {ما ينفع الناس} يريد الخالص من الماء ومن تلك الأحجار، وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم في رواية أبي بكر، وأبو جعفر، والأعرج، وشيبة، والحسن: "توقدون" بالتاء، أي أنتم أيها الموقدون، وهي صفة لجميع أنواع الناس. وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وابن محيصن، ومجاهد، وطلحة، ويحيى، وأهل الكوفة "يوقدون" بالياء، على الإشارة إلى الناس. و"جفاء" مصدر في موضع الحال، وروي عن ابن عباس أنه قال: قوله تعالى: {من السماء} يريد به الشرع والدين. وقوله: {فسالت أودية} يريد به القلوب، أي: أخذ النبيل بحظه والبليد بحظه.
[المحرر الوجيز: 5/197]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قول لا يصح والله أعلم عن ابن عباس لأنه ينحو إلى أقوال أصحاب الرموز، وقد تمسك به الغزالي وأهل ذلك الطريق، ولا وجه لإخراج اللفظ عن مفهوم كلام العرب بغير علة تدعو إلى ذلك، والله الموفق للصواب برحمته، وإن صح هذا القول عن ابن عباس فإنما قصد أن قوله تعالى: {كذلك يضرب الله الحق والباطل} معناه: الحق الذي يتقرر في القلوب، والباطل: الذي يعتريها). [المحرر الوجيز: 5/198]

تفسير قوله تعالى: {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب}
الذين استجابوا هم المؤمنون الذين دعاهم الله على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام فأجابوه إلى ما دعاهم إليه من اتباع دينه.
و"الحسنى": هي الجنة، ويدخل في هذا النصر في الدنيا ونحو ذلك من البشارات التي تكون للمؤمن وكل ما يختص به المؤمنون من نعم الله عز وجل.
والذين لم يستجيبوا هم: الكفرة. وسوء الحساب هو التقصي على المحاسب، وأن لا يقع في حسابه من التجاوز. قاله حوشب، وإبراهيم النخعي،
[المحرر الوجيز: 5/198]
وفرقد السبخي وغيره. و"المأوى)" حيث يأوي الإنسان ويسكن، و"المهاد" ما يفترش ويلبس بالجلوس والرقاد). [المحرر الوجيز: 5/199]

رد مع اقتباس