عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 12:52 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ومن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيءٌ ومن قال سأنزل مثل ما أنزل اللّه ولو ترى إذ الظّالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على اللّه غير الحقّ وكنتم عن آياته تستكبرون (93) ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أوّل مرّةٍ وتركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الّذين زعمتم أنّهم فيكم شركاء لقد تقطّع بينكم وضلّ عنكم ما كنتم تزعمون (94)}
يقول تعالى: {ومن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا} أي: لا أحد أظلم ممّن كذب على الله، فجعل له شريكًا أو ولدًا، أو ادّعى أنّ اللّه أرسله إلى النّاس ولم يكن أرسله؛ ولهذا قال تعالى: {أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيءٌ}
قال عكرمة وقتادة: نزلت في مسيلمة الكذّاب [لعنه اللّه]
{ومن قال سأنزل مثل ما أنزل اللّه} يعني: ومن ادّعى أنّه يعارض ما جاء من عند اللّه من الوحي ممّا يفتريه من القول، كما قال تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا [إن هذا إلا أساطير الأوّلين]} [الأنفال: 31]، قال اللّه: {ولو ترى إذ الظّالمون في غمرات الموت} أي: في سكراته وغمراته وكرباته، {والملائكة باسطو أيديهم} أي: بالضّرب كما قال: {لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني [ما أنا بباسطٍ يدي إليك لأقتلك]...} الآية [المائدة: 28]، وقال: {ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسّوء...} الآية [الممتحنة: 2].
وقال الضّحّاك، وأبو صالحٍ: {باسطو أيديهم} أي: بالعذاب. وكما قال [تعالى] {ولو ترى إذ يتوفّى الّذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم} [الأنفال: 50]؛ ولهذا قال: {والملائكة باسطو أيديهم} أي: بالضّرب لهم حتّى تخرج أنفسهم من أجسادهم؛ ولهذا يقولون لهم: {أخرجوا أنفسكم} وذلك أنّ الكافر إذا احتضر بشّرته الملائكة بالعذاب والنّكال، والأغلال والسّلاسل، والجحيم والحميم، وغضب الرّحمن الرّحيم، فتتفرّق روحه في جسده، وتعصى وتأبى الخروج، فتضربهم الملائكة حتّى تخرج أرواحهم من أجسادهم، قائلين لهم: {أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على اللّه غير الحقّ [وكنتم عن آياته تستكبرون]} أي: اليوم تهانون غاية الإهانة، كما كنتم تكذبون على اللّه، وتستكبرون عن اتّباع آياته، والانقياد لرسله.
وقد وردت أحاديث [متواترةٌ] في كيفيّة احتضار المؤمن والكافر، وهي مقرّرةٌ عند قوله تعالى: {يثبّت اللّه الّذين آمنوا بالقول الثّابت في الحياة الدّنيا وفي الآخرة} [إبراهيم: 27].
وقد ذكر ابن مردويه هاهنا حديثًا مطوّلًا جدًّا من طريقٍ غريبةٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ مرفوعًا، فاللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 301-302]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أوّل مرّةٍ} أي: يقال لهم يوم معادهم هذا، كما قال: {وعرضوا على ربّك صفًّا لقد جئتمونا كما خلقناكم أوّل مرّةٍ} [الكهف: 48]، أي: كما بدأناكم أعدناكم، وقد كنتم تنكرون ذلك وتستبعدونه، فهذا يوم البعث.
وقوله: {وتركتم ما خوّلناكم} أي: من النّعم والأموال الّتي اقتنيتموها في الدّار الدّنيا {وراء ظهوركم} وثبت في الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك إلّا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأمضيت، وما سوى ذلك فذاهبٌ وتاركه للنّاس».
وقال الحسن البصريّ: يؤتى بابن آدم يوم القيامة كأنّه بذج فيقول اللّه، عزّ وجلّ، [له] أين ما جمعت؟ فيقول يا ربّ، جمعته وتركته أوفر ما كان، فيقول: فأين ما قدّمت لنفسك؟ فلا يراه قدّم شيئًا، وتلا هذه الآية: {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أوّل مرّةٍ وتركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم} رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقوله: {وما نرى معكم شفعاءكم الّذين زعمتم أنّهم فيكم شركاء} تقريعٌ لهم وتوبيخٌ على ما كانوا اتّخذوا في [الدّار] الدّنيا من الأنداد والأصنام والأوثان، ظانّين أنّ تلك تنفعهم في معاشهم ومعادهم إن كان ثمّ معادٌ، فإذا كان يوم القيامة تقطّعت الأسباب، وانزاح الضّلال، وضلّ عنهم ما كانوا يفترون، ويناديهم الرّبّ، عزّ وجلّ، على رءوس الخلائق: {أين شركاؤكم الّذين كنتم تزعمون} [الأنعام: 22] وقيل لهم: {أين ما كنتم تعبدون من دون اللّه هل ينصرونكم أو ينتصرون} [الشّعراء: 92، 93]؛ ولهذا قال هاهنا: {وما نرى معكم شفعاءكم الّذين زعمتم أنّهم فيكم شركاء} أي: في العبادة، لهم فيكم قسطٌ في استحقاق العبادة لهم.
ثمّ قال تعالى: {لقد تقطّع بينكم} قرئ بالرّفع، أي شملكم، وقرئ بالنّصب، أي: لقد انقطع ما بينكم من الوصلات والأسباب والوسائل {وضلّ عنكم} أي: وذهب عنكم {ما كنتم تزعمون} من رجاء الأصنام، كما قال: {إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب * وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّةً فنتبرّأ منهم كما تبرّءوا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النّار} [البقرة: 166، 167]، وقال تعالى: {فإذا نفخ في الصّور فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون} [المؤمنون: 101]، وقال {إنّما اتّخذتم من دون اللّه أوثانًا مودّة بينكم في الحياة الدّنيا ثمّ يوم القيامة يكفر بعضكم ببعضٍ ويلعن بعضكم بعضًا ومأواكم النّار وما لكم من ناصرين} [العنكبوت: 25]، وقال: {وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ...} الآية [القصص: 64]، وقال تعالى: {ويوم نحشرهم جميعًا ثمّ نقول للّذين أشركوا} إلى قوله: {وضلّ عنهم ما كانوا يفترون} [الأنعام: 22 -24]، والآيات في هذا كثيرة جدا). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 302-303]


رد مع اقتباس