عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 11 صفر 1440هـ/21-10-2018م, 05:09 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "بالحق" معناه: بالواجب الواقع موقعه الجامع للمصالح. وقوله تعالى: {يكور الليل} معناه: يعيد من هذا على هذا، ومنه: كور العمامة التي يلتوي بعضها على بعض، فكأن الذي يطول من النهار أو الليل يصير منه على الآخر جزء فيستره، وكأن الآخر الذي يقصر يلج في الذي يطول فيستتر فيه، فيجيء "يكور" - على هذا - معادلا لقوله تعالى: "يولج"، ضدا له. وقال أبو عبيدة: هما بمعنى واحد، وهذا من قوله تقرير لا تحرير.
وتسخير الشمس دوامها على الجري واتساق أمرها على ما شاء الله تبارك وتعالى، و"الأجل المسمى" يحتمل أن يكون يوم القيامة حين تنفسد البنية ويزول جري هذه الكواكب، ويحتمل أن يريد أوقات مغيبها كل يوم وليلة، ويحتمل أن يريد أوقات رجوعها إلى قوانينها كل شهر في القمر، وسنة في الشمس). [المحرر الوجيز: 7/ 372]

تفسير قوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون}
النفس الواحدة المرادة في الآية هي نفس آدم عليه السلام، قاله قتادة، وغيره، ويحتمل أن يكون اسم الجنس. وقوله تعالى: {ثم جعل منها زوجها} ظاهر اللفظ يقتضي أن جعل الزوجة من النفس هو بعد أن خلق الخلق منها، وليس الأمر كذلك، واختلف الناس في تأويل هذا الظاهر، فقالت فرقة: قوله: {خلقكم من نفس واحدة} هو أخذ الذرية من ظهر آدم، وذلك شيء كان قبل خلق حواء منه، وقالت فرقة: "ثم" إنما هي لترتيب الأخبار لا لترتيب المعاني، كأنه تعالى قال: "ثم كان من أمره قبل ذلك أن جعل منها زوجها"، وفي نحو هذا المعنى ينشد هذا البيت:
قل لمن ساد ثم ساد أبوه ... ثم قد ساد قبل ذلك جده
وقالت فرقة: قوله تعالى: {خلقكم من نفس واحدة} عبارة عن سبق ذلك في علم الله تعالى، فلما كان ذلك أمرا حتما واقعا ولابد، حسن أن يخبر عن تلك الحال التي كانت وثيقة، ثم عطف عليها حالة جعل الزوجة منها، فجاءت معان مترتبة وإن كان خروج خلق العالم منآدم إلى الوجود إنما يجيء بعد ذلك.
و"زوج آدم" حواء عليهما السلام، وخلقت من ضلعه القصير فيما روي، ويؤيد هذا الحديث الذي فيه: "إن المرأة خلقت من ضلع أعوج، فإن ذهبت تقيمه كسرته"، وقالت فرقة: خلقت حواء من نفس طين آدم عليه السلام. والأول أصح، وقد تقدم شرح ذلك.
وقوله تعالى: {وأنزل لكم}، قيل: معناه: أن المخلوق الأول من هذه الأنعام خلق في السماء وأهبط إلى الأرض، وقالت فرقة: بل لما نزل الأمر بخلقه وإيجاده من عند الله - وكانت العادة في نعم الله ورحمته وأمطاره وغير ذلك أن يقال: إنها من السماء - عبر عن هذه بـ"أنزل"، وقالت فرقة: لما كانت الأمطار تنزل، وكانت الأعشاب والنبات عنها كانت هذه الأنعام عن النبات في سمتها ومعانيها قال فيها: "أنزل" فهو على التدريج، كما قال الراجز:
أسنمة الآبال في ربابه
وكما قال الشاعر:
تعالى الندى في متنه وتحدرا
وجعلها ثمانية، لأن كل واحد فيه زوج للذكر من نوعه، وهي: الضأن والمعز والبقر والإبل.
وقوله تعالى: {يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق}، قال ابن زيد، معناه: يخلقكم في البطون خلقا من بعد خلق آخر في ظهر آدم وظهور الآباء، وقال مجاهد، وعكرمة، والسدي: يخلقكم في البطون رتبا خلقا من بعد خلق على المضغة والعلقة وغير ذلك.
وقرأ عيسى بن عمر، وطلحة بن مصرف: "يخلقكم" بإدغام القاف في الكاف في جميع القرآن. وقرأ الجمهور: "أمهاتكم" بضم الهمزة، وكسرها يحيى بن وثاب، وهما لغتان. وقوله: {في ظلمات ثلاث} قالت فرقة: الأولى: هي ظهر الأب، ثم رحم الأم، ثم المشيمة في البطن. وقال مجاهد، وقتادة، والسدي، وابن زيد: هي المشيمة والرحم، والبطن، وهذه الآيات كلها هي معتبر وتنبيه لهم على الخالق الصانع الذي لا يستحق العبادة غيره، وهذا كله في رد أمر الأصنام والإفساد لها. ثم قال تعالى لهم: {ذلكم الله ربكم}، وقد قامت على ذلك البراهين واتسقت الأدلة. فأنى تصرفون، أي: من أي جهة تضلون؟ وبأي سبب؟). [المحرر الوجيز: 7/ 372-374]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور}
قال ابن عباس رضي الله عنهما: هذه الآية مخاطبة للكفار الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم، و"عباده" هم المؤمنون، ويحتمل أن تكون مخاطبة لجميع الناس، لأن الله تعالى غني عن جميع الناس وهم فقراء إليه، وبين بعد البشر عن رضى الله إن كفروا، بقوله: {إن تكفروا}.
واختلف المتأولون من أهل السنة في تأويل قوله تعالى: {ولا يرضى لعباده الكفر}، فقالت فرقة: الرضى بمعنى الإرادة، والكلام ظاهره العموم ومعناه الخصوص فيمن قضى الله له، فعباده - على هذا - ملائكته ومؤمنو البشر والجن، وهذا يتركب على قول ابن عباس رضي الله عنهما. وقالت فرقة: الكلام عموم صحيح، والكفر يقع ممن يقع بإرادة الله تعالى; إلا أنه بعد وقوعه لا يرضاه دينا لهم، وهذا يتركب على الاحتمال الذي تقدم آنفا، ومعنى: "لا يرضى": لا يشكره لهم ولا يثيبهم به خيرا، فالرضى - على هذا - هو صفة فعل لمعنى القبول ونحوه، وتأمل الإرادة فإن حقيقتها، إنما هي فيما لم يقع بعد، والرضى فإنما حقيقته فيما قد وقع، واعتبر هذا في آيات القرآن تجده، وإن كانت العرب قد تستعمل في أشعارها على جهة التجوز هذا بدل هذا.
وقوله تعالى: {وإن تشكروا يرضه لكم} عموم، والشكر الحقيقي في ضمنه الإيمان. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي: "يرضه" بضمة مشبعة على الهاء، وقرأ ابن عامر، وعاصم بضمة مختلسة، واختلف عن نافع وأبي عمرو - في رواية أبي بكر -: [يرضه] بسكون الهاء. قال أبو حاتم: وهو غلط لا يجوز.
قال تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}، أي: لا يحمل أحد ذنب أحد، وأنث "الوازرة" و"الأخرى" لأنه أراد الأنفس، و"الوزر" الثقل، وهذا خبر مضمنه الحض على أن ينظر كل أحد في خاصة أمره، وما ينوبه في ذاته،
ثم أخبرهم تعالى بأن مرجعهم في الآخرة إلى ربهم، أي: إلى ثوابه أو عقابه، فيوقف كل أحد على أعماله; لأنه المطلع على نيات الصدور وسائر الأفئدة، و"ذات الصدر": ما فيه من خبيئة، ومنه قولهم: "الذئب مغبوط بذي بطنه"). [المحرر الوجيز: 7/ 374-375]