عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 15 محرم 1440هـ/25-09-2018م, 02:47 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آَيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرًا (35) فقلنا اذهبا إلى القوم الّذين كذّبوا بآياتنا فدمّرناهم تدميرًا (36) وقوم نوحٍ لـمّا كذّبوا الرّسل أغرقناهم وجعلناهم للنّاس آيةً وأعتدنا للظّالمين عذابًا أليمًا (37) وعادًا وثمود وأصحاب الرّسّ وقرونًا بين ذلك كثيرًا (38) وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبّرنا تتبيرًا (39) ولقد أتوا على القرية الّتي أمطرت مطر السّوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورًا (40)}
يقول تعالى متوعّدًا من كذّب رسوله محمّدًا، صلوات اللّه وسلامه عليه، من مشركي قومه ومن خالفه، ومحذّرهم من عقابه وأليم عذابه، ممّا أحلّه بالأمم الماضية المكذّبين لرسله، فبدأ بذكر موسى، عليه السّلام، وأنّه ابتعثه وجعل معه أخاه هارون وزيرًا، أي: نبيًّا موازرا ومؤيّدًا وناصرًا، فكذّبهما فرعون وجنوده، فـ {دمّر اللّه عليهم وللكافرين أمثالها} [محمّدٍ: 10].، وكذلك فعل بقوم نوحٍ حين كذّبوا رسوله نوحًا، عليه السّلام، ومن كذّب برسولٍ فقد كذّب بجميع الرّسل؛ إذ لا فرق بين رسولٍ ورسولٍ، ولو فرض أنّ اللّه بعث إليهم كلّ رسولٍ فإنّهم كانوا يكذّبونه؛ ولهذا قال: {وقوم نوحٍ لـمّا كذّبوا الرّسل}، ولم يبعث إليهم إلّا نوحٌ فقط، وقد لبث فيهم ألف سنةٍ إلّا خمسين عامًا، يدعوهم إلى اللّه، ويحذّرهم نقمه، فما آمن معه إلّا قليلٌ. ولهذا أغرقهم الله جميعًا، ولم يبق منهم أحدٌ، ولم يبق على وجه الأرض من بني آدم سوى أصحاب السّفينة فقط.
{وجعلناهم للنّاس آيةً} أي: عبرةٌ يعتبرون بها، كما قال تعالى: {إنّا لـمّا طغى الماء حملناكم في الجارية * لنجعلها لكم تذكرةً وتعيها أذنٌ واعيةٌ} [الحاقّة: 11 -12]. أي: وأبقينا لكم من السّفن ما تركبون في لجج البحار، لتذكروا نعمة اللّه عليكم في إنجائكم من الغرق، وجعلكم من ذرّيّة من آمن به وصدّق أمره). [تفسير ابن كثير: 6/ 110-111]

تفسير قوله تعالى: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا (38) وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا (39)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وعادًا وثمود} قد تقدّم الكلام على قصّتيهما في غير ما سورةٍ، منها في سورة "الأعراف" بما أغنى عن الإعادة.
وأمّا أصحاب الرّسّ فقال ابن جريج، عن ابن عبّاسٍ: هم أهل قريةٍ من قرى ثمود.
وقال ابن جريجٍ: قال عكرمة: أصحاب الرسّ بفلج وهم أصحاب يس. وقال قتادة: فلج من قرى اليمامة.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصمٍ [النّبيل]، حدّثنا الضّحّاك بن مخلد أبو عاصمٍ، حدّثنا شبيب بن بشرٍ، حدّثنا عكرمة عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وأصحاب الرّسّ} قال: بئرٌ بأذربيجان.
وقال سفيان الثّوريّ عن أبي بكير، عن عكرمة: الرّسّ بئرٌ رسوا فيها نبيّهم. أي: دفنوه بها.
وقال محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن كعبٍ [القرظيّ] قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ أوّل النّاس يدخل الجنّة يوم القيامة العبد الأسود، وذلك أنّ اللّه -تعالى وتبارك- بعث نبيًّا إلى أهل قريةٍ، فلم يؤمن به من أهلها إلّا ذلك العبد الأسود، ثمّ إنّ أهل القرية عدوا على النّبيّ، فحفروا له بئرًا فألقوه فيها، ثمّ أطبقوا عليه بحجرٍ ضخمٍ قال: "فكان ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره، ثمّ يأتي بحطبه فيبيعه، ويشتري به طعامًا وشرابًا، ثمّ يأتي به إلى تلك البئر، فيرفع تلك الصّخرة، ويعينه اللّه عليها، فيدلي إليه طعامه وشرابه، ثمّ يردّها كما كانت". قال: "فكان ذلك ما شاء اللّه أن يكون، ثمّ إنّه ذهب يوماً يحتطب كما كان يصنع، فجمع حطبه وحزم وفرغ منها فلمّا أراد أن يحتملها وجد سنةً، فاضطجع فنام، فضرب اللّه على أذنه سبع سنين نائمًا، ثمّ إنّه هبّ فتمطّى، فتحوّل لشقّه الآخر فاضطجع، فضرب اللّه على أذنه سبع سنين أخرى، ثمّ إنّه هبّ واحتمل حزمته ولا يحسب إلّا أنّه نام ساعةً من نهارٍ فجاء إلى القرية فباع حزمته، ثمّ اشترى طعامًا وشرابًا كما كان يصنع. ثمّ ذهب إلى الحفيرة في موضعها الّذي كانت فيه، فالتمسه فلم يجده. وكان قد بدا لقومه فيه بداء، فاستخرجوه وآمنوا به وصدقوه". قال: فكان نبيّهم يسألهم عن ذلك الأسود: ما فعل؟ فيقولون له: لا ندري. حتّى قبض اللّه النّبيّ، وأهبّ الأسود من نومته بعد ذلك". فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ ذلك الأسود لأول من يدخل الجنّة".
وهكذا رواه ابن جريرٍ عن ابن حميدٍ، عن سلمة عن ابن إسحاق، عن محمّد بن كعبٍ مرسلًا. وفيه غرابةٌ ونكارةٌ، ولعلّ فيه إدراجاً، واللّه أعلم. وأمّا ابن جريرٍ فقال: لا يجوز أن يحمل هؤلاء على أنّهم أصحاب الرّسّ الّذين ذكروا في القرآن؛ لأنّ اللّه أخبر عنهم أنّه أهلكهم، وهؤلاء قد بدا لهم فآمنوا بنبيّهم، اللّهمّ إلّا أن يكون حدث لهم أحداثٌ، آمنوا بالنّبيّ بعد هلاك آبائهم، واللّه أعلم.
واختار ابن جريرٍ أنّ المراد بأصحاب الرّسّ هم أصحاب الأخدود، الّذين ذكروا في سورة البروج، فاللّه أعلم.
وقوله: {وقرونًا بين ذلك كثيرًا} أي: وأممًا بين أضعاف من ذكر أهلكناهم كثيرةً؛ ولهذا قال: {وكلا ضربنا له الأمثال} أي: بيّنّا لهم الحجج، ووضّحنا لهم الأدلّة -كما قال قتادة: أزحنا عنهم الأعذار - {وكلا تبّرنا تتبيرًا} أي: أهلكنا إهلاكًا، كقوله: {وكم أهلكنا من القرون من بعد نوحٍ} [الإسراء: 17].
والقرن: هو الأمّة من النّاس، كقوله: {ثمّ أنشأنا من بعدهم قرونًا آخرين} [المؤمنون: 31] وحدّه بعضهم بمائةٍ وعشرين سنةً. وقيل: بمائة سنةٍ. وقيل: بثمانين سنةً. وقيل: أربعين. وقيل غير ذلك. والأظهر: أنّ القرن هم الأمّة المتعاصرون في الزّمن الواحد؛ فإذا ذهبوا وخلفهم جيلٌ آخر فهم قرنٌ ثانٍ، كما ثبت في الصّحيحين عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "خير القرون قرني، ثمّ الّذين يلونهم، ثمّ الّذين يلونهم" الحديث). [تفسير ابن كثير: 6/ 111-112]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا (40) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولقد أتوا على القرية الّتي أمطرت مطر السّوء} يعني: قوم لوطٍ، وهي سدوم ومعاملتها الّتي أهلكها اللّه بالقلب، وبالمطر الحجارة من سجّيلٍ، كما قال تعالى: {وأمطرنا عليهم مطرًا فساء مطر المنذرين} [الشّعراء: 173] وقال {وإنّكم لتمرّون عليهم مصبحين * وباللّيل أفلا تعقلون} [الصافات: 137 -138] وقال تعالى: {وإنّها لبسبيلٍ مقيمٍ} [الحجر:76] وقال {وإنّهما لبإمامٍ مبينٍ} [الحجر: 79]؛ ولهذا قال: {أفلم يكونوا يرونها} أي: فيعتبروا بما حلّ بأهلها من العذاب والنّكال بسبب تكذيبهم بالرّسول ومخالفتهم أوامر اللّه.
وقوله: {بل كانوا لا يرجون نشورًا} يعني: المارّين بها من الكفّار لا يعتبرون لأنّهم لا يرجون نشورًا، أي: معادًا يوم القيامة). [تفسير ابن كثير: 6/ 112]

رد مع اقتباس