عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 06:33 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقل الحقّ من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنّا أعتدنا للظّالمين نارًا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماءٍ كالمهل يشوي الوجوه بئس الشّراب وساءت مرتفقًا (29)}
يقول تعالى لرسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: وقل يا محمّد للنّاس: هذا الّذي جئتكم به من ربّكم هو الحقّ الذي لا مرية فيه ولا شكّ {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} هذا من باب التّهديد والوعيد الشّديد؛ ولهذا قال: {إنّا أعتدنا} أي: أرصدنا {للظّالمين} وهم الكافرون باللّه ورسوله وكتابه {نارًا أحاط بهم سرادقها} أي: سورها.
قال الإمام أحمد: حدّثنا حسن بن موسى، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثنا درّاج، عن أبي الهيثم عن أبي سعيدٍ الخدريّ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "لسرادق النّار أربعة جدر، كثافة كلّ جدارٍ مسافة أربعين سنةً".
وأخرجه التّرمذيّ في "صفة النّار" وابن جريرٍ في تفسيره، من حديث درّاجٍ أبي السّمح به
[وقال ابن جريجٍ: قال ابن عبّاسٍ: {أحاط بهم سرادقها} قال: حائطٌ من نارٍ]
وقال ابن جريرٍ: حدّثني الحسين بن نصرٍ والعبّاس بن محمّدٍ قالا حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عبد اللّه بن أميّة، حدّثني محمّد بن حييّ بن يعلى، عن صفوان بن يعلى، عن يعلى بن أميّة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "البحر هو جهنّم" قال: فقيل له: [كيف ذلك؟] فتلا هذه الآية -أو: قرأ هذه الآية-: {نارًا أحاط بهم سرادقها} ثمّ قال: "واللّه لا أدخلها أبدًا أو: ما دمت حيًّا -ولا تصيبني منها قطرةٌ".
وقوله: {وإن يستغيثوا يغاثوا بماءٍ كالمهل يشوي الوجوه بئس الشّراب وساءت مرتفقًا} قال ابن عبّاسٍ: "المهل": ماءٌ غليظٌ مثل درديّ الزّيت.
وقال مجاهدٌ: هو كالدّم والقيح. وقال عكرمة: هو الشّيء الّذي انتهى حرّه: وقال آخرون: هو كلّ شيءٍ أذيب.
وقال قتادة: أذاب ابن مسعودٍ شيئًا من الذّهب في أخدودٍ، فلمّا انماع وأزبد قال: هذا أشبه شيءٍ بالمهل.
وقال الضّحّاك: ماء جهنّم أسود، وهي سوداء وأهلها سودٌ.
وهذه الأقوال ليس شيءٌ منها ينفي الآخر، فإنّ المهل يجمع هذه الأوصاف الرّذيلة كلّها، فهو أسود منتنٌ غليظٌ حارٌّ؛ ولهذا قال: {يشوي الوجوه} أي: من حرّه، إذا أراد الكافر أن يشربه وقرّبه من وجهه، شواه حتّى يسقط جلد وجهه فيه، كما جاء في الحديث الّذي رواه الإمام أحمد بإسناده المتقدّم في سرادق النّار عن أبي سعيدٍ الخدريّ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "ماءٍ كالمهل". قال كعكر الزّيت فإذا قرّبه إليه سقطت فروة وجهه فيه" وهكذا رواه التّرمذيّ في "صفة النّار" من جامعه، من حديث رشدين بن سعدٍ عن عمرو بن الحارث، عن درّاجٍ، به ثمّ قال: لا نعرفه إلّا من حديث "رشدين"، وقد تكلّم فيه من قبل حفظه،، هكذا قال، وقد رواه الإمام أحمد كما تقدّم عن حسنٍ الأشيب، عن ابن لهيعة، عن درّاج، واللّه أعلم.
وقال عبد اللّه بن المبارك، وبقيّة بن الوليد، عن صفوان بن عمرٍو، عن عبد اللّه بن بسر، عن أبي أمامة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {ويسقى من ماءٍ صديدٍ يتجرّعه} [إبراهيم:16، 17] قال: "يقرّب إليه فيتكرّهه، فإذا قرّب منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه قطّع أمعاءه، يقول اللّه تعالى: {وإن يستغيثوا يغاثوا بماءٍ كالمهل يشوي الوجوه بئس الشّراب}.
وقال سعيد بن جبيرٍ: إذا جاع أهل النّار استغاثوا بشجرة الزّقّوم، فأكلوا منها فاختلست جلود وجوههم، فلو أنّ مارًّا مرّ بهم يعرفهم، لعرف جلود وجوههم فيها. ثمّ يصبّ عليهم العطش فيستغيثون. فيغاثون بماءٍ كالمهل، وهو الّذي قد انتهى حرّه، فإذا أدنوه من أفواههم اشتوى من حرّه لحوم وجوههم الّتي قد سقطت عنها الجلود.
ولهذا قال تعالى بعد وصفه هذا الشّراب بهذه الصّفات [الذّميمة] القبيحة: {بئس الشّراب} أي: بئس هذا الشّراب كما قال في الآية الأخرى: {وسقوا ماءً حميمًا فقطّع أمعاءهم} [محمّدٍ:15] وقال تعالى: {تسقى من عينٍ آنيةٍ} [الغاشية:5] أي: حارّةٍ، كما قال: {وبين حميمٍ آنٍ} [الرّحمن:44]
{وساءت مرتفقًا} [أي: وساءت النّار] منزلًا ومقيلا ومجتمعًا وموضعًا للارتفاق كما قال في الآية الأخرى: {إنّها ساءت مستقرًّا ومقامًا} [الفرقان:66] ). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 154-156]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملا (30) أولئك لهم جنّات عدنٍ تجري من تحتهم الأنهار يحلّون فيها من أساور من ذهبٍ ويلبسون ثيابًا خضرًا من سندسٍ وإستبرقٍ متّكئين فيها على الأرائك نعم الثّواب وحسنت مرتفقًا (31)}
لـمّا ذكر تعالى حال الأشقياء، ثنّى بذكر السّعداء، الّذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين فيما جاؤوا به، وعملوا بما أمروهم به من الأعمال الصّالحة، فلهم {جنّات عدنٍ} والعدن: الإقامة.
{تجري من تحتهم الأنهار} أي: من تحت غرفهم ومنازلهم، قال [لهم] فرعون: {وهذه الأنهار تجري من تحتي} [الزّخرف:51].
{يحلّون} أي: من الحلية {فيها من أساور من ذهبٍ} وقال في المكان الآخر: {ولؤلؤًا ولباسهم فيها حريرٌ} [الحجّ:23] وفصّله هاهنا فقال: {ويلبسون ثيابًا خضرًا من سندسٍ وإستبرقٍ} فالسندس: لباس رقاع رقاق كالقمصان وما جرى مجراها، وأمّا الإستبرق فغليظ الدّيباج وفيه بريقٌ.
وقوله: {متّكئين فيها على الأرائك} الاتّكاء قيل: الاضطجاع وقيل التّربّع في الجلوس. وهو أشبه بالمراد هاهنا ومنه الحديث [في] الصّحيح: "أمّا أنا فلا آكل متّكئًا " فيه القولان.
والأرائك: جمع أريكةٍ، وهي السّرير تحت الحجلة، والحجلة كما يعرّفه النّاس في زماننا هذا بالباشخاناه، واللّه أعلم.
قال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن قتادة: {على الأرائك} قال: هي الحجال. قال معمرٌ: وقال غيره: السّرر في الحجال
وقوله: {نعم الثّواب وحسنت مرتفقًا} [أي: نعمت الجنّة ثوابًا على أعمالهم {وحسنت مرتفقًا} أي: حسنت منزلًا ومقيلًا ومقامًا، كما قال في النّار: {بئس الشّراب وساءت مرتفقًا} [الكهف:29]، وهكذا قابل بينهما في سورة الفرقان في قوله: {إنّها ساءت مستقرًّا ومقامًا} [الفرقان:66] ثمّ ذكر صفات المؤمنين فقال: {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقّون فيها تحيّةً وسلامًا خالدين فيها حسنت مستقرًّا ومقامًا} [الفرقان:76، 75]). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 156]

رد مع اقتباس