الموضوع: أقسام الوقوف
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 4 محرم 1435هـ/7-11-2013م, 02:05 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

تقسيم أبي عمرو الداني

قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ):
(
اعلم، أيدك الله بتوفيقه، أن علماءنا اختلفوا في ذلك؛ فقال بعضهم: الوقف على أربعة أقسام، تام مختار وكاف جائز، وصالح مفهوم، وقبيح متروك. وأنكر آخرون هذا التمييز وقالوا: الوقف على ثلاثة أقسام، قسمان أحدهما مختار وهو التام، والآخر جائز وهو الكافي الذي ليس بتام. والقسم الثالث القبيح الذي ليس بتام ولا كاف.

وقال آخرون: الوقف على قسمين تام وقبيح لا غير.

والقول الأول أعدل عندي وبه أقول، لأن القارئ قد ينقطع نفسه دون التام والكافي فلا يتهيآن له، وذلك عند طول القصة، وتعلق الكلام بعضه ببعض، فيقطع حينئذ على الحسن المفهوم تيسيرًا وسعة، إذ لا حرج في ذلك ولا ضيق في سنة ولا عربية.
وقد حدثنا أبو الفتح شيخنا قال: حدثنا عبد الله بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن موسى قال: قال قنبل: سمعت أحمد بن محمد القواس يقول: نحن نقف حيث انقطع النفس.
قال أبو عمرو: وأنا أفسر الأقسام الأربعة المذكورة قسمًا قسمًا، وأشرح أصولها، وأبين فروعها وأمثل من كل قسم ما تيسر وخف، لكي يوقف بذلك على حقائقها، وتفهم معانيها، ويستدل على ما ورد منها في السور إن شاء الله تعالى، وبالله التوفيق).
[المكتفي : 1/138-139]

الوقف التام
قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): (اعلم أن الوقف التام هو الذي يحسن القطع عليه والابتداء بما بعده، لأنه لا يتعلق بشيء مما بعده. وذلك عند تمام القصص وانقضائهن موجودًا في الفواصل ورؤوس الآي كقوله: {وأولئك هم المفلحون} والابتداء بقوله: {إن الذين كفروا}.
وكذلك: {وهو بكل شيء عليم} والابتداء بقوله: {وإذ قال ربك للملائكة} وكذلك: {وأنهم إليه راجعون} والابتداء بقوله: {يا بني إسرائيل} وكذلك: {وأفئدتهم هواء} والابتداء بقوله: {وأنذر الناس} وكذلك {ولو ألقى معاذيره} والابتداء بقوله: {لا تحرك به لسانك}. وكذلك ما أشبهه مما تنقضي القصة عنده، ويوجد في أخرى. وقد يوجد قبل انقضاء الفاصلة كقوله: {وجعلوا أعزة أهلها أذلة} هذا هو التمام، لأنه انقضاء كلام بلقيس ثم قال عز وجل:
{وكذلك يفعلون} وهو رأس الآية. وكذلك: {لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني} هذا التمام أيضًا لأنه انقضاء كلام الظالم الذي هو أبي بن خلف ثم قال الله عز وجل: {وكان الشيطان للإنسان خذولا} وهو رأس الآية وقد يوجد بعد انقضاء الفاصلة بكلمة كقوله: {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين * وبالليل}، رأس الآية (مصبحين) والتمام: (وبالليل) لأنه معطوف على المعنى، أي: في الصبح وبالليل. وكذلك: {عليها يتكئون * وزخرفًا} رأس الآية (يتكئون) والتمام (وزخرفًا) لأنه معطوف على ما قبله من قوله: {سقفًا}. وكذلك {لم نجعل لهم من دونها سترًا * كذلك} رأس الآية (سترًا) والتمام (كذلك)، لأن المعنى: كذلك كان خبرهم. وقد يوجد أيضًا بعد آية وآيتين وأكثر.
وسيأتي ذلك كله مفسرًا في مواضعه من السور إن شاء الله تعالى.
وقد يكون التام أيضًا في درجة الكافي من جهة تعلق الكلام من طريق المعنى، لا من طريق اللفظ، وذلك نحو قوله: {وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدًا} هذا تمام ثم تبتدئ بقوله: {ما لهم به من علم} لأن ما بعده مستغن عنه. وكذلك الوقف على قوله: {ولا لآبائهم} تمام أيضًا ثم تبتدئ بقوله: {كبرت كلمة تخرج من أفواههم} وهي مقالتهم: (اتخذ الله ولدا) وكذلك ما أشبهه مما يتم الوقف عليه بإجماع من أهل التأويل وأصحاب التمام لانقضاء الكلام عنده واستغناء ما بعده عنه، وما بعده منه، أو من سببه من جهة المعنى فهو بذلك في درجة الكافي، وبالله التوفيق).
[المكتفي : 1/140-142]

الوقف الكافي
قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ):
(
واعلم أن الوقف الكافي هو الذي يحسن الوقف عليه أيضًا والابتداء بما بعده، غير أن الذي بعده متعلق به من جهة المعنى دون اللفظ كما ذكرنا، وذلك نحو الوقف على قوله: {حرمت عليكم أمهاتكم} والابتداء بما بعد ذلك في الآية كلها. وكذلك الوقف على قوله: {ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم} والابتداء بما بعد ذلك إلى قوله: {أو أشتاتًا}. وكذلك الوقف على قوله: {اليوم أحل لكم الطيبات} والابتداء بما بعد ذلك، لأن ذلك كله معطوف. وكذلك القطع على الفواصل في سورة والتكوير والانفطار والانشقاق وما أشبههن، والابتداء بما بعدهن. وكذلك فواصل سورة الجن والمدثر وشبهها، والمراد بالفواصل مثل {أحدا} و{ولدا} وكذلك الوقف على قوله: {أحل لكم الطيبات} والابتداء بما بعد ذلك وكذلك ما أشبهه لأنه معطوف بعضه على بعض، فما بعده متعلق بما قبله كما قلناه وكذلك كل كلام قائم بنفسه مستغن بعامل ومعمول فيه يفيد معنى يكتفى به. فالقطع عليه كاف، ويسمى أيضًا هذا الضرب مفهومًا، وتفاضله في الكفاية كتفاضل التام سواء. وما ورد منهما ومن الحسن في الفواصل فهو أتم وأكفى وأحسن مما يرد من ذلك في حشوهن. وسترى ما جاء من ذلك في كل سورة مفصلاً إن شاء الله تعالى، وبالله التوفيق). [المكتفي : 1/143-144]
الوقف الحسن
قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): (
واعلم أن الوقف الحسن هو الذي يحسن الوقف عليه، ولا يحسن الابتداء بما بعده لتعلقه به من جهة اللفظ والمعنى جميعًا، وذلك نحو قوله: {الحمد لله رب العالمين} و{الرحمن الرحيم} والوقف على ذلك وشبهه حسن، لأن المراد مفهوم، والابتداء بقوله: {رب العالمين} و: {الرحمن الرحيم} و: {مالك يوم الدين} لا يحسن، لأن ذلك مجرور، والابتداء بالمجرور قبيح لأنه تابع لما قبله. ويسمى هذا الضرب صالحًا إذ لا يتمكن القارئ أن يقف في كل موضع على تام، ولا كاف، لأن نفسه ينقطع دون ذلك. ومما ينبغي له أن يقطع عليه رؤوس الآي، لأنهن في أنفسهن مقاطع. وأكثر ما يوجد التام فيهن لاقتضائهن تمام الجمل، واستيفاء أكثرهن انقضاء القصص، وقد كان جماعة من الأئمة السالفين والقراء الماضين يستحبون القطع عليهن، وإن تعلق كلام بعضهن ببعض، لما ذكرناه من كونهن مقاطع، ولسن بمشتبهات لما كان من الكلام التام في أنفسهن دون نهاياتهن.
حدثنا فارس بن أحمد المقرئ قال: حدثنا جعفر بن محمد الدقاق قال: حدثنا عمر بن يوسف قال: حدثنا الحسين بن شريك قال: أخبرنا أبو حمدون قال: حدثنا اليزيدي عن أبي عمرو أنه كان يسكت على رأس كل آية، وكان يقول: إنه أحب إلي إذا كان رأس آية أن يسكت عندها.
وقد وردت السنة أيضًا بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند استعماله التقطيع، كما حدثنا خلف بن إبراهيم بن محمد المقرئ قال: حدثنا أحمد بن محمد المكي قال: حدثنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا أبو عبيد قال:
وحدثني يحيى بن سعيد الأموي عن ابن جريج عن أبي مليكة عن أم سلمة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته: {بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * ملك يوم الدين}.
وحدثنا محمد بن أحمد بن علي البغدادي قال: حدثنا محمد بن القاسم النحوي قال: حدثنا سليمان بن يحيى قال: حدثنا محمد بن سعدان قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأموي عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية، يقول: بسم الله الرحمن الرحيم [ثم يقف] ثم يقول: الحمد لله رب العالمين. ثم يقف ثم يقول: الرحمن الرحيم [ثم يقف ثم يقول] ملك يوم الدين). ولهذا الحديث طرق كثيرة، وهو أصل في هذا الباب، وبالله التوفيق). [المكتفي : 1/145-147]

الوقف القبيح
قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): (واعلم أن الوقف القبيح هو الذي لا يعرف المراد منه، وذلك نحو الوقف على قوله: (بسم) و(مالك) و(رب) و(رسل) وما أشبهه والابتداء بقوله: (الله) و(يوم الدين) و(العالمين) و(السماوات) و(الله) لأنه إذا وقف على ذلك لم يعلم إلى أي شيء أضيف. وهذا يسمى وقف الضرورة، لتمكن انقطاع النفس عنده. والجلة من القراء وأهل الأداء ينهون عن الوقف على هذا الضرب، وينكرونه، ويستحبون لمن انقطع نفسه عليه أن يرجع إلى ما قبله حتى يصله بما بعده، فإن لم يفعل ذلك فلا حرج عليه.
حدثنا الخاقاني خلف بن إبراهيم قال: أخبرنا أحمد بن أسامة قال: حدثنا أبي قال: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا علي بن كيسة قال: لا يحسن الوقف على مضاف إلا بتمام الحرف.
وأقبح من هذا النوع الوقف على قوله: {لقد سمع الله قول الذين قالوا} و{لقد كفر الذين قالوا} و{قالت اليهود} و{قالت النصارى} و{فاعبدون * وقالوا} و{من إفكهم ليقولون} و{من يقل منهم} {وهم مهتدون * ومالي}، و{من الخاسرين * فبعث}، و{إلا أن قالوا أبعث} والابتداء بعد ذلك بقوله: {إن الله فقير} و{إن الله هو المسيح ابن مريم} و{إن الله ثالث ثلاثة} و{يد الله مغلولة} و{عزير ابن الله} و{المسيح ابن الله} و{اتخذ الرحمن ولدا} و{ولد الله} {وإني إله من دونه} و{لا أعبد الذي فطرني} و{الله غرابًا} و{الله بشرًا رسولا} لأن المعنى يستحيل بفصل ذلك مما قبله، ومثله في القبح الوقف على قوله: {فبهت الذي كفر والله} و{للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله} و{إن الله لا يستحيي} و{إن الله لا يهدي} و{إن الله لا يحب} و{لا يبعث الله} وشبهه، لأن المعنى يفسد بفصل ذلك مما بعده من قوله: {لا يهدي القوم الظالمين} و{المثل الأعلى} و{أن يضرب مثلاً} و{من هو مسرف} و{من كان مختالاً فخورًا} و{من يموت}. فمن انقطع نفسه على ذلك وجب عليه أن يرجع إلى ما قبله، ويصل الكلام بعضه ببعض. فإن لم يفعل أثم وكان ذلك من الخطأ العظيم، الذي لو تعمده متعمد لخرج بذلك من دين الإسلام، لإفراده من القرآن ما هو متعلق بما قبله، أو بما بعده، وكون إفراد ذلك افتراء على الله عز وجل، وجهلاً به.
ومن هذا الضرب الوقف على الكلام المنفصل الخارج عن حكم ما وصل به كقوله: {وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه} إن وقف على ذلك، لأن (النصف) كله إنما يجب للابنة دون الأبوين، و(الأبوان) مستأنفان بما يجب لهما مع الولد ذكرًا كان أو أنثى، واحدًا كان أو جمعًا. وكذلك قوله: {إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى} إن وقف على ذلك لأن (الموتى) لا يسمعون ولا يستجيبون وإنما أخبر الله تعالى عنهم أنهم يبعثون، فهم مستأنفون بحالهم. وكذلك قوله: {لكل امرئٍ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم} إن وقف على ذلك، لأن من كنى عنهم أولاً مؤمنون، و(متولي الكبر) منافق، وهو عبد الله بن أبي بن سلول، فهو مستأنف بما يلحقه خاصة في الآخرة من عظيم العذاب. وكذلك قوله: {إني أخاف أن يقتلون * وأخي هارون} إن وقف على ذلك، لأن (موسى) عليه السلام، إنما خاف القتل على نفسه دون أخيه، وأخوه مستأنف بحاله وصفته. وكذلك ما كان مثله وفي معناه.
ومن هذا النوع من القبح أيضًا الوقف على الأسماء التي تبين نعوتها حقائقها، نحو قوله: {فويلٌ للمصلين} وشبهه، لأن (المصلين) اسم ممدوح محمود لا يليق به (ويل). وإنما خرج من جملة الممدوحين بنعته المتصل به وهو قوله: {الذين هم عن صلاتهم ساهون}.
وأقبح من هذا وأبشع الوقف على المنفي الذي يأتي بعده حرف الإيجاب نحو قوله: {لا إله إلا الله} و{ما من إله إلا الله} و{لا إله إلا أنا} وشبهه. ولو وقف واقف قبل حرف الإيجاب من غير عارض لكان ذنبًا عظيمًا، لأن المنفي في ذلك كل ما عبد غير الله عز وجل، ومثله: {وما أرسلناك إلا مبشرًا ونذيرا} و{ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} إن وقف على ما قبل حرف الإيجاب في ذلك آل إلى نفي إرسال محمد صلى الله عليه وسلم وخلق الجن والإنس. وكذلك: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} و{قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله} وما كان مثله، وذلك من عظيم القول.
ومن الوقف القبيح أيضًا، الذي ورد التوقيف بالنهي عنه، الوقف على قوله: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم * والذين كفروا وكذبوا بآياتنا} و{الذي كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم * والذين آمنوا وعملوا الصالحات} و{الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات}. و{للذين استجابوا لربهم الحسنى
والذين لم يستجيبوا له} و{إنهم أصحاب النار * الذين يحملون العرش ومن حوله} و{من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل} و{فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن يعودوا} و{فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني} و{لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم} وشبه ذلك مما هو خارج عن حكم الأول من جهة المعنى، لأنه متى قطع عليه دون ما يبين حقيقته ويوضح مراده لم يكن شيء أقبح منه لاستواء حال من آمن ومن كفر، ومن اهتدى ومن ضل، وفي ذلك بطلان الشريعة والخروج من الملة فيلزم من انقطع نفسه عند ذلك أن يرجع حتى يصل الكلام بعضه ببعض أو يقطع على آخر القصتين، أو على آخر القصة الثانية إن شاء. ومتى لم يفعل ذلك فقد أثم واعتدى، وجهل وافترى.
حدثنا محمد بن علي قال: حدثنا محمد بن القاسم قال: كان حمزة وغيره يستسمجون الوقف على هذا، يعني ما تقدم ذكره من القبيح لأن القارئ يقدر على تفقده وتجنبه.
قال الحافظ أبو عمرو: فهذه أقسام الوقف قد فسرتها ولخصتها بأصولها وفروعها فاعلمه، وبالله التوفيق).

[المكتفي : 1/148-154]


رد مع اقتباس