عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 02:47 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال في سورة النساء: {إلا الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السّلم فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلاً}؛
وقال: {ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلّ ما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السّلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطاناً مبيناً}؛
وقال في سورة الممتحنة: {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إنّ اللّه يحبّ المقسطين}؛
ثم قال فيها: {إنّما ينهاكم اللّه عن الّذين قاتلوكم في الدّين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولّهم فأولئك هم الظالمون}؛
فنسخ هؤلاء الآيات في شأن المشركين، فقال: {براءةٌ من اللّه ورسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين (1) فسيحوا في الأرض أربعة أشهرٍ واعلموا أنّكم غير معجزي اللّه وأنّ اللّه مخزي الكافرين}؛
فجعل لهم أجلا أربعة أشهر يسيحون فيها وأبطل ما كان قبل ذلك، ثم قال في الآية التي تليها: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصدٍ}؛
ثم نسخ واستثنى: {فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فخلّوا سبيلهم إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}؛
وقال: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه). [الجامع في علوم القرآن: 3/70-72] (م)
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قوله: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} قال: كتاب الله [الآية: 6]). [تفسير الثوري: 123]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه ذلك بأنّهم قومٌ لا يعلمون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه: وإن استأمنك يا محمّد من المشركين الّذين أمرتك بقتالهم وقتلهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم أحدٌ ليسمع كلام اللّه منك، وهو القرآن الّذي أنزله اللّه عليه {فأجره} يقول: فأمّنه {حتّى يسمع كلام اللّه} وتتلوه عليه. {ثمّ أبلغه مأمنه} يقول: ثمّ ردّه بعد سماعه كلام اللّه إن هو أبى أن يسلم ولم يتّعظ لما تلوته عليه من كلام اللّه فيؤمن، إلى مأمنه، يقول: إلى حيث يأمن منك وممّن في طاعتك حتّى يلحق بداره وقومه من المشركين. {ذلك بأنّهم قومٌ لا يعلمون} يقول: تفعل ذلك بهم من إعطائك إيّاهم الأمان، ليسمعوا القرآن، وردّك إيّاهم إذا أبوا الإسلام إلى مأمنهم، من أجل أنّهم قومٌ جهلةٌ لا يفقهون عن اللّه حجّةً ولا يعلمون ما لهم بالإيمان باللّه لو آمنوا وما عليهم من الوزر والإثم بتركهم الإيمان باللّه.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك} أي من هؤلاء الّذين أمرتك بقتالهم {فأجره}.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فأجره حتّى يسمع كلام اللّه} أمّا كلام اللّه: فالقرآن.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره} قال: إنسانٌ يأتيك فيسمع ما تقول ويسمع ما أنزل عليك، فهو آمنٌ حتّى يأتيك فيسمع كلام اللّه، وحتّى يبلغ مأمنه حيث جاء.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، بنحوه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ، قال: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غازيًا، فلقي العدوّ، وأخرج المسلمون رجلاً من المشركين وأشرعوا فيه الأسنّة، فقال الرّجل ارفعوا عنّي سلاحكم، وأسمعوني كلام اللّه تعالى، فقالوا: تشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدًا عبده ورسوله وتخلع الأنداد وتتبرّأ من اللاّت والعزّى؟ فقال: فإنّي أشهدكم أنّي قد فعلت.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ثمّ أبلغه مأمنه} قال: إن لم يوافقه ما تقول عليه وتحدّثه، فأبلغه. قال: وليس هذا بمنسوخٍ.
واختلف في حكم هذه الآية، وهل هو منسوخٌ أو هو غير منسوخٍ؟
فقال بعضهم: هو غير منسوخٍ.
وقد ذكرنا قول من قال ذلك. وقال آخرون: هو منسوخٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} نسختها: {فإمّا منًّا بعد وإمّا فداءً}.
- قال: حدّثنا سفيان، عن السّدّيّ، مثله.
وقال آخرون: بل نسخ قوله: {فاقتلوا المشركين} قوله: {فإمّا منًّا بعد}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبدة بن سليمان، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة: {حتّى إذا أثخنتموهم فشدّوا الوثاق} نسخها قوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.
وقال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك عندي قول من قال: ليس ذلك بمنسوخٍ، وقد دللنا على أنّ معنى النّسخ هو نفي حكمٍ قد كان ثبت بحكمٍ آخر غيره، ولم تصحّ حجّةٌ بوجوب حكم اللّه في المشركين بالقتل بكلّ حالٍ ثمّ نسخه بترك قتلهم على أخذ الفداء ولا على وجه المنّ عليهم.
فإذا كان ذلك كذلك فكان الفداء والمنّ والقتل لم يزل من حكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيهم من أوّل حربٍ حاربهم، وذلك من يوم بدرٍ، كان معلومًا أنّ معنى الآية: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وخذوهم للقتل أو المنّ أو الفداء واحصروهم، وإذا كان ذلك معناه صحّ ما قلنا في ذلك دون غيره). [جامع البيان: 11/346-349]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه ذلك بأنّهم قومٌ لا يعلمون (6)
قوله تعالى: وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره
- حدّثنا أبي ثنا أبو حذيفة ثنا شبلٌ عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره يقول: من جاءك واستمع ما تقول واستمع ما أنزل إليك فهو آمنٌ حتّى يأتيك.
قوله تعالى: فأجره
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة حدّثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: فأجره يقول: فهو آمنٌ حتّى يأتيه فيسمع كلام اللّه.
قوله تعالى: حتّى يسمع كلام اللّه
- حدّثنا أبي ثنا الحسين بن الأسود ثنا عمرو بن محمّدٍ العنقزيّ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ عن أصحابه في قول اللّه وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه قال: كلام اللّه: القرآن وروي عن قتادة نحو ذلك.
قوله تعالى: ثمّ أبلغه مأمنه
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: ثم أبلغه مأمنه من حيث جاء.
- حدّثنا أبي ثنا سهل بن عثمان ثنا يحيى قال: قال ابن جريجٍ: قال عطاء في الرّجل من أهل الشّرك يأتي المسلمين بغير عهدٍ قال: يخيّره إمّا أن يقرّه وإمّا أن يبلغه مأمنه.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ- فيما كتب إليّ- أنبأ أصبغ ثنا ابن زيدٍ في قوله: ثمّ أبلغه مأمنه قال: إن لم يوافقه ما يقصّ عليه ويحدّثه فأبلغه مأمنه، وليس هذا بمنسوخٍ.
قوله تعالى: ذلك بأنّهم قومٌ لا يعلمون
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن العلاء ثنا عثمان بن سعيدٍ ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ لا يعلمون يقول: لا يعقلون). [تفسير القرآن العظيم: 6/1755-1756]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (حدثنا إبراهيم ثنا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وإن أحد من المشركين استجارك فأجره يقول إنسان يأتي فيسمع ما تقول ويسمع ما أنزل عليك فهو آمن حتى يسمع كلام الله وحتى يبلغ مأمنه من حيث جاء). [تفسير مجاهد: 273]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 6 - 7.
أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {ثم أبلغه مأمنه} قال: إن لم يوافقه ما يقضي عليه 7 ويجتريه فأبلغه مأمنه وليس هذا بمنسوخ.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} قال: أمر من أراد ذلك أن يأمنه فإن قبل فذاك وإلا خلى عنه حتى يأتي مأمنه وأمر أن ينفق عليهم على حالهم ذلك
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {حتى يسمع كلام الله} أي كتاب الله.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه قال: ثم استثنى فنسخ منها فقال
{وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} وهو كلامك بالقرآن فأمنه {ثم أبلغه مأمنه} يقول: حتى يبلغ مأمنه من بلاده.
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن أبي عروبة رضي الله عنه قال: كان الرجل يجيء إذا سمع كلام الله وأقر به وأسلم، فذاك الذي دعي إليه وإن أنكر ولم يقر به فرد إلى مأمنه ثم نسخ ذلك فقال (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة) (التوبة الآية 5) ). [الدر المنثور: 7/248-249]

تفسير قوله تعالى: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كيف يكون للمشركين عهدٌ عند اللّه وعند رسوله إلاّ الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إنّ اللّه يحبّ المتّقين}.
يقول تعالى ذكره: أنّى يكون أيّها المؤمنون باللّه ورسوله، وبأيّ معنًى يكون للمشركين بربّهم عهدٌ وذمّةٌ عند اللّه وعند رسوله، يوفّى لهم به، ويتركوا من أجله آمنين يتصرّفون في البلاد، وإنّما معناه: لا عهد لهم، وأنّ الواجب على المؤمنين قتلهم حيث وجدوهم إلاّ الّذين أعطوا العهد عند المسجد الحرام منهم، فإنّ اللّه جلّ ثناؤه أمر المؤمنين بالوفاء لهم بعهدهم والاستقامة لهم عليه، ما داموا عليه للمؤمنين مستقيمين.
واختلف أهل التّأويل في الّذين عنوا بقوله: {إلاّ الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام} فقال بعضهم: هم قومٌ من جذيمة بن الدّيل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {كيف يكون للمشركين عهدٌ عند اللّه وعند رسوله إلاّ الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} هم بنو جذيمة بن الدّيل.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن محمّد بن عبّاد بن جعفرٍ، قوله: {إلاّ الّذين عاهدتم من المشركين} قال: هم جذيمة بكرٍ من كنانة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {كيف يكون للمشركين} الّذين كانوا وأنتم على العهد العامّ بأن لا تمنعوهم ولا يمنعوكم من الحرم ولا في الشّهر الحرام {عهدٌ عند اللّه وعند رسوله إلاّ الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام} وهي قبائل بني بكرٍ الّذين كانوا دخلوا في عهد قريشٍ وعقدتم يوم الحديبية إلى المدّة الّتي كانت بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبين قريشٍ، فلم يكن نقضها إلاّ هذا الحيّ من قريشٍ وبنو الدّيل من بكرٍ، فأمر بإتمام العهد لمن لم يكن نقض عهده من بني بكرٍ إلى مدّته {فما استقاموا لكم} الآية.
وقال آخرون: هم قريشٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ، قوله: {إلاّ الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام} هم قريشٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {إلاّ الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام} يعني: أهل مكّة.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {إلاّ الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام} يقول: هم قومٌ كان بينهم وبين النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مدّةٌ، ولا ينبغي لمشركٍ أن يدخل المسجد الحرام، ولا من يعطي المسلم الجزية.
{فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} يعني أهل العهد من المشركين.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {إلاّ الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} قال: هؤلاء قريشٌ.
وقد نسخ هذا الأشهر الّتي ضربت لهم، وغدروا بهم فلم يستقيموا، كما قال اللّه، فضرب لهم بعد الفتح أربعة أشهرٍ يختارون من أمرهم: إمّا أن يسلموا، وإمّا أن يلحقوا بأيّ بلادٍ شاءوا قال: فأسلموا قبل الأربعة الأشهر، وقبل قتلٍ.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {إلاّ الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} قال: هم قوم جذيمة. قال: فلم يستقيموا، نقضوا عهدهم، أي أعانوا بني بكرٍ حلف قريشٍ على خزاعة حلف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال آخرون: هم قومٌ من خزاعة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {إلاّ الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام} قال: أهل العهد من خزاعة.
قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه الأقوال بالصّواب عندي قول من قال: هم بعض بني بكرٍ من كنانة، ممّن كان أقام على عهده ولم يكن دخل في نقض ما كان بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبين قريشٍ يوم الحديبية من العهد مع قريشٍ حين نقضوه بمعونتهم حلفاءهم من بني الدّيل على حلفاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من خزاعة.
وإنّما قلت: هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصّواب؛ لأنّ اللّه أمر نبيّه والمؤمنين بإتمام العهد لمن كانوا عاهدوه عند المسجد الحرام، ما استقاموا على عهدهم.
وقد بيّنّا أنّ هذه الآيات إنّما نادى بها عليٌّ في سنة تسعٍ من الهجرة، وذلك بعد فتح مكّة بسنةٍ، فلم يكن بمكّة من قريشٍ ولا خزاعة كافرٌ يومئذٍ بينه وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عهدٌ فيؤمر بالوفاء له بعهده ما استقام على عهده؛ لأنّ من كان منهم من ساكني مكّة كان قد نقض العهد وحورب قبل نزول هذه الآيات.
وأمّا قوله: {إنّ اللّه يحبّ المتّقين} فإنّ معناه: إنّ اللّه يحبّ من اتّقى وراقبه في أداء فرائضه، والوفاء بعهده لمن عاهده، واجتناب معاصيه، وترك الغدر بعهوده لمن عاهده). [جامع البيان: 11/349-354]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (كيف يكون للمشركين عهدٌ عند اللّه وعند رسوله إلّا الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إنّ اللّه يحبّ المتّقين (7)
قوله تعالى: كيف يكون للمشركين عهدٌ عند اللّه وعند رسوله
- قرأت على محمّد بن الفضل ثنا محمّد بن عليٍّ ثنا محمّد بن مزاحمٍ ثنا بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان، ثمّ قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قد عاهده أناسٌ من المشركين وعاهد أيضًا أناسًا من بني ضمرة بن بكرٍ وكنانة خاصّةً عاهدهم عند المسجد الحرام، وجعل مدّتهم أربعة أشهرٍ وهم الّذين ذكر اللّه إلا الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ- فيما كتب إليّ- ثنا أحمد بن المفضّل ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: كيف يكون للمشركين عهدٌ عند اللّه وعند رسوله إلا الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم هم بنو جذيمة بن فلان.
قوله تعالى: إلا الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: إلا الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام يعني: أهل مكّة.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ- فيما كتب إليّ- ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: إلا الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم قال: هؤلاء قريشٌ.
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الأعلى ثنا ابن ثورٍ عن معمرٍ عن قتادة قوله: إلّا الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم قال: هو يوم الحديبية، قال: فلم يستقيموا ونقضوا عهدهم، أعانوا بني بكرٍ حلف قريشٍ على خزاعة حلفاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: فما استقاموا لكم
- قرأت على محمّدٍ ثنا محمّدٌ ثنا محمّدٌ عن بكيرٍ عن مقاتلٍ قوله: فما استقاموا لكم يقول: ما وفوا لكم بالعهد.
قوله تعالى: فاستقيموا لهم
- وبه عن مقاتل قوله: فاستقيموا لهم قال: فوفّوا لهم). [تفسير القرآن العظيم: 6/1756-1757]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام} قال: قريش.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنهما في قوله {إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام} قال: هؤلاء قريش.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل رضي الله عنه قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم قد عاهده الناس من المشركين وعاهد أيضا أناسا من بني ضمرة بن بكر وكنانة خاصة عاهدهم عند المسجد الحرام وجعل مدتهم أربعة أشهر وهم الذين ذكر الله {إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} يقول: ما وفوا لكم بالعهد فوفوا لهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله {إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام} قال: هم بنو خزيمة بن فلان.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام} قال: هو يوم الحديبية {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} قال: فلم يستقيموا ونقضوا عهدكم أعانوا بني بكر حلفاء قريش على خزاعة حلفاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 7/249-250]

تفسير قوله تعالى: (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى إلا ولا ذمة قال الإل الحلف والذمة العهد). [تفسير عبد الرزاق: 1/268]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر قال وأخبرني ابن أبي نجيح عن مجاهد قال إلا ولا ذمة لا يراقبون الله تعالى ولا غيره). [تفسير عبد الرزاق: 1/268]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] قال: قال مجاهد: {كيف وإن لم يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة} قال: إلًّا: اللّه وقال بعضهم: الرحم [الآية: 8]). [تفسير الثوري: 123]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلًّا ولا ذمّةً يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: كيف يكون لهؤلاء المشركين الّذين نقضوا عهدهم أو لمن لا عهد له منهم منكم أيّها المؤمنون عهدٌ وذمّةٌ، وهم إن يظهروا عليكم يغلبوكم، لا يرقبوا فيكم إلًّا ولا ذمّةً.
واكتفى بـ كيف دليلاً على معنى الكلام، لتقدّم ما يراد من المعنى بها قبلها، وكذلك تفعل العرب إذا أعادت الحرف بعد مضيّ معناه استجازوا حذف الفعل، كما قال الشّاعر:
وخبّرتماني أنّما الموت في القرى = فكيف وهذي هضبةٌ وكثيب
فحذف الفعل بعد كيف لتقدّم ما يراد بعدها قبلها. ومعنى الكلام: فكيف يكون الموت في القرى وهذي هضبةٌ وكثيبٌ لا ينجو فيهما منه أحدٌ.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {لا يرقبوا فيكم إلًّا ولا ذمّةً} فقال بعضهم: معناه: لا يراقبوا اللّه فيكم ولا عهدًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {لا يرقبون في مؤمنٍ إلًّا} قال: اللّه.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن سليمان، عن أبي مجلزٍ، في قوله: {لا يرقبون في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمّةً} قال: مثل قوله جبرائيل ميكائيل إسرافيل، كأنّه يقال: يضاف جبر وميكا وإسراف إلى إيل، يقول: عبد اللّه {لا يرقبون في مؤمنٍ إلًّا} كأنّه يقول: لا يرقبون اللّه.
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثني محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {إلًّا ولا ذمّةً} لا يرقبون اللّه ولا غيره.
وقال آخرون: الإلّ: القرابة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {لا يرقبون في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمّةً} يقول: قرابةً ولا عهدًا. وقوله: {وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلًّا ولا ذمّةً} قال: الإلّ: يعني القرابة، والذّمّة: العهد.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {لا يرقبوا فيكم إلًّا ولا ذمّةً} الإلّ: القرابة، والذّمّة: العهد. يعني أهل العهد من المشركين، يقول: ذمّتهم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، وعبدة، عن حوشبٍ، عن الضّحّاك: الإلّ: القرابة.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا محمّدٌ، عن عبد اللّه، عن سلمة بن كهيلٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {لا يرقبون في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمّةً} قال: الإلّ: القرابة، والذّمّة: العهد.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {لا يرقبون في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمّةً} الإلّ: القرابة، والذّمّة: الميثاق.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {كيف وإن يظهروا عليكم} المشركون، لا يرقبوا فيكم عهدًا ولا قرابةً ولا ميثاقًا.
وقال آخرون: معناه: الحلف.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {لا يرقبوا فيكم إلًّا ولا ذمّةً} قال: الإلّ: الحلف، والذّمّة: العهد.
وقال آخرون: الإلّ: هو العهد، ولكنّه كرّر لمّا اختلف اللّفظان وإن كان معناهما واحدًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال. حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {إلًّا} قال: عهدًا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {لا يرقبوا فيكم إلًّا ولا ذمّةً} قال: لا يرقبوا فيكم عهدًا ولا ذمّةً. قال: إحداهما من صاحبتها كهيئة {غفورٌ رحيمٌ} قال: فالكلمة واحدةٌ وهي تفترق، قال: والعهد هو الذّمّة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ {ولا ذمّةً} قال: العهد.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا قيسٌ، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ: {ولا ذمّةً} قال: الذّمّة العهد.
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء المشركين الّذين أمر نبيّه والمؤمنين بقتلهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم وحصرهم والقعود لهم على كلّ مرصدٍ أنّهم لو ظهروا على المؤمنين لم يرقبوا فيهم إلًّا، والإلّ: اسمٌ يشتمل على معانٍ ثلاثةٍ: وهي العهد والعقد، والحلف، والقرابة، وهو أيضًا بمعنى اللّه. فإذ كانت الكلمة تشمل هذه المعاني الثّلاثة، ولم يكن اللّه خصّ من ذلك معنًى دون معنًى، فالصّواب أن يعمّ ذلك كما عمّ بها جلّ ثناؤه معانيها الثّلاثة، فيقال: لا يرقبون في مؤمنٍ اللّه، ولا قرابةً، ولا عهدًا، ولا ميثاقًا.
ومن الدّلالة على أنّه يكون بمعنى القرابة قول ابن مقبلٍ:
أفسد النّاس خلوفٌ خلفوا = قطعوا الإلّ وأعراق الرّحيم
بمعنى: قطعوا القرابة، وقول حسّان بن ثابتٍ:
لعمرك إنّ إلّك من قريشٍ = كإلّ السّقب من رأل النّعام
وأمّا معناه: إذا كان بمعنى العهد. فقول القائل:
وجدناهم كاذبًا إلّهم = وذو الإلّ والعهد لا يكذب
وقد زعم بعض من ينسب إلى معرفة كلام العرب من البصريّين أنّ الإلّ والعهد والميثاق واليمين واحدٌ، وأنّ الذّمّة في هذا الموضع: التّذمّم ممّن لا عهد له، والجمع: ذممٌ.
وكان ابن إسحاق يقول: عنى بهذه الآية أهل العهد العامّ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {كيف وإن يظهروا عليكم} أي المشركون الّذين لا عهد لهم إلى مدّةٍ من أهل العهد العامّ {لا يرقبوا فيكم إلًّا ولا ذمّةً}.
وأمّا قوله: {يرضونكم بأفواههم} فإنّه يقول: يعطونكم بألسنتهم من القول خلاف ما يضمرونه لكم في نفوسهم من العداوة والبغضاء. {وتأبى قلوبهم} أي تأبى عليهم قلوبهم أن يذعنوا لكم بتصديق ما يبدونه لكم بألسنتهم. يحذّر جلّ ثناؤه أمرهم المؤمنين ويشحذهم على قتلهم واجتياحهم حيث وجدوا من أرض اللّه، وألاّ يقصّروا في مكروههم بكلّ ما قدروا عليه. {وأكثرهم فاسقون} يقول: وأكثرهم مخالفون عهدكم ناقضون له، كافرون بربّهم خارجون عن طاعته). [جامع البيان: 11/354-359]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلًّا ولا ذمّةً يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون (8)
قوله تعالى: كيف وإن يظهروا عليكم
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ- فيما كتب إليّ- ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمّةً يقول: كيف وإن يظهروا عليكم المشركون لا يرقبوا فيكم
قوله تعالى: لا يرقبوا فيكم
- حدّثنا أبي ثنا أبو حذيفة ثنا شبلٌ عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قوله: لا يرقبوا فيكم لا يرقبوا في محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إلا.
- حدّثنا أبي ثنا نعيم بن حمّادٍ ثنا محمّد بن ثورٍ عن معمرٌ عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمّةً لا يراقبون اللّه ولا غيره.
قوله تعالى: إلا
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ قوله: لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمّةً قال: الإلّ القرابة وروي عن الضّحّاك مثله.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ عن سفيان عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ إلا قال: اللّه عزّ وجلّ.
وروي عن سعيد بن جبيرٍ قال: إلهًا.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ إلا قال: عهدًا. وروي عن عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم نحو ذلك
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الأعلى، أنبأ محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن قتادة إلاً قال: الإلّ: الحلف.
قوله تعالى: ولا ذمّةً
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ إلا ولا ذمّةً قال: الذّمّة: العهد. وروي عن مجاهدٍ في إحدى الرّوايات وقتادة والضّحّاك في أحد قوليه مثله.
والوجه الثّاني:
- أخبرنا أحمد بن عثمان- فيما كتب إليّ- ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمّةً يقول: عهدًا ولا قرابةً، ولا ميثاقًا
وروي عن سعيد بن جبيرٍ أنّه قال: العقد.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا نصر بن عليٍّ الجهضميّ ثنا معتمرٌ عن محمّد بن الهيصم عن بديلٍ عن الضّحّاك بن مزاحمٍ لا يرقبون في مؤمن إلًا ولا ذمةً قال: الذّمّة الحلف.
قوله تعالى: يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم
بياضٌ لم يذكر فيه شيءٌ.
قوله تعالى: وأكثرهم فاسقون
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: وأكثرهم فاسقون قال: القرون الماضية.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد حدّثنا يزيد بن زريعٍ حدّثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: وأكثرهم فاسقون قال: ذمّ اللّه- تعالى أكثر النّاس). [تفسير القرآن العظيم: 6/1757-1759]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله إلًّا الإلّ القرابة والذّمّة والعهد تقدّم في الجزية). [فتح الباري: 8/314]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 8.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال الأل الله عز وجل.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة قال: الأل: الله.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال: الإل الحلف والذمة العهد .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {إلا ولا ذمة} قال: الأل القرابة والذمة العهد، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت الشاعر وهو يقول:
جزى الله إلا كان بيني وبينهم * جزاء ظلوم لا يؤخر عاجلا.
وأخرج ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء عن ميمون بن مهران رضي الله عنه، أن نافع بن الأزرق قال لابن عباس رضي الله عنهما: أخبرني عن قول الله تعالى {لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة} قال: الرحم وقال فيه حسان بن ثابت:
لعمرك إن غلك من قريش * كال السقب من رال النعام.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {وأكثرهم فاسقون} قال: ذم الله تعالى أكثر الناس). [الدر المنثور: 7/250-251]

تفسير قوله تعالى: (اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {اشتروا بآيات اللّه ثمنًا قليلاً فصدّوا عن سبيله إنّهم ساء ما كانوا يعملون}.
يقول جلّ ثناؤه: ابتاع هؤلاء المشركون الّذين أمركم اللّه أيّها المؤمنون بقتلهم حيث وجدتموهم بتركهم اتّباع ما احتجّ اللّه به عليهم من حججه يسيرًا من العوض قليلاً من عرض الدّنيا، وذلك أنّهم فيما ذكر عنهم كانوا نقضوا العهد الّذي كان بينهم وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأكلةٍ أطعمهموها أبو سفيان بن حربٍ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {اشتروا بآيات اللّه ثمنًا قليلاً} قال: أبو سفيان بن حربٍ أطعم حلفاءه، وترك حلفاء محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ مثله.
وأمّا قوله: {فصدّوا عن سبيله} فإنّ معناه: فمنعوا النّاس من الدّخول في الإسلام، وحاولوا ردّ المسلمين عن دينهم. {إنّهم ساء ما كانوا يعملون} يقول جلّ ثناؤه: إنّ هؤلاء المشركين الّذين وصفت صفاتهم، ساء عملهم الّذي كانوا يعملون من اشترائهم الكفر بالإيمان والضّلالة بالهدى، وصدّهم عن سبيل اللّه من آمن باللّه ورسوله أو من أراد أن يؤمن). [جامع البيان: 11/359-360]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (اشتروا بآيات اللّه ثمنًا قليلًا فصدّوا عن سبيله إنّهم ساء ما كانوا يعملون (9)
قوله تعالى: اشتروا بآيات اللّه
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: اشتروا بآيات اللّه ثمنًا قليلا قال أبو سفيان بن حربٍ أطعم حلفاءه وترك حلفاء محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: ثمنًا قليلا
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن عليّ بن حمزة، أنبأ عليّ بن الحسين أنبأ عبد اللّه بن المبارك أنبأ عبد الرّحمن بن يزيد بن جابرٍ عن هارون بن يزيد قال: سئل الحسن عن قوله: ثمنًا قليلا، قال: الثّمن القليل: الدّنيا بحذافيرها.
- حدّثنا الحسن بن أحمد ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ ثنا سرور بن المغيرة عن عبّاد بن منصورٍ عن الحسن قوله: ثمنًا قليلا كذبًا وفجورًا.
قوله تعالى: فصدّوا عن سبيله
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ- فيما كتب إليّ- ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: عن سبيله قال: عن الإسلام.
قوله تعالى: إنّهم ساء ما كانوا يعملون
بياض). [تفسير القرآن العظيم: 6/1759-1760]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم ثنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا قال هو أبو سفيان بن حرب أطعم حلفاءه وترك حلفاء محمد صلى الله عليه وسلم). [تفسير مجاهد: 274]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 9 - 10.
أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا} قال: أبو سفيان بن حرب أطعم حلفاءه وترك حلفاء محمد صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 7/251]

تفسير قوله تعالى: (لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لا يرقبون في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمّةً وأولئك هم المعتدون}.
يقول تعالى ذكره: لا يتّقي هؤلاء المشركون الّذين أمرتكم أيّها المؤمنون بقتلهم حيث وجدتموهم في قتل مؤمنٍ لو قدروا عليه {إلًّا ولا ذمّةً} يقول: فلا تبقوا عليهم أيّها المؤمنون، كما لا يبقون عليكم لو ظهروا عليكم. {وأولئك هم المعتدون} يقول: المتجاوزون فيكم إلى ما ليس لهم بالظّلم والاعتداء). [جامع البيان: 11/360]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (لا يرقبون في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمّةً وأولئك هم المعتدون (10)
قوله تعالى: لا يرقبون
قد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 6/1760]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم ثنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة قال الإل العهد). [تفسير مجاهد: 273]


رد مع اقتباس