عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 30 جمادى الأولى 1434هـ/10-04-2013م, 10:04 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) )

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى لم نجعل له من قبل سميا قال لم يسم أحد قبله يحيى). [تفسير عبد الرزاق: 2/4]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قوله: {لم نجعل له من قبل سميا} قال: مثلا عدلا شبها [الآية: 7]). [تفسير الثوري: 182]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا زكريّا إنّا نبشّرك بغلامٍ اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميًّا}.
يقول تعالى ذكره: فاستجاب له ربّه، فقال له: يا زكريّا إنّا نبشّرك بهبتنا لك غلامًا اسمه يحيى. كان قتادة يقول: إنّما سمّاه اللّه يحيى لإحيائه إيّاه بالإيمان
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {يا زكريّا إنّا نبشّرك بغلامٍ اسمه يحيى} عبدٌا أحياه اللّه بالإيمان.
وقوله: {لم نجعل له من قبل سميًّا} اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم معناه لم تلد مثله عاقرٌ قطّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله ليحيى: {لم نجعل له من قبل سميًّا} يقول: لم تلد العواقر مثله ولدًا.
وقال آخرون: بل معناه: لم نجعل له من قبله مثلاً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا أبو الرّبيع، قالا: حدّثنا سلم بن قتيبة، قال: أخبرنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ، في قوله {لم نجعل له من قبل سميًّا} قال: شبهًا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله {لم نجعل له من قبل سميًّا} قال: مثلاً.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وقال آخرون: معنى ذلك، أنّه لم يسمّ باسمه أحدٌ قبله.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {لم نجعل له من قبل سميًّا} لم يسمّ به أحد قبله.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله {لم نجعل له من قبل سميًّا} قال: لم يسمّ يحيى أحدٌ قبله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، مثله.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، في قول اللّه: {لم نجعل له من قبل سميًّا} قال: لم يسمّ أحدٌ قبله بهذا الاسم.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {إنّا نبشّرك بغلامٍ اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميًّا} لم يسمّ أحدٌ قبله يحيى.
قال أبو جعفرٍ: وهذا القول أعنّي قول من قال: لم يكن ليحيى قبل يحيى أحدٌ سميّ باسمه أشبه بتأويل ذلك، وإنّما معنى الكلام: لم نجعل للغلام الّذي نهب لك الّذي اسمه يحيى من قبله أحدًا مسمًّى باسمه.
والسّميّ: فعيلٌ صرف من مفعولٍ إليه). [جامع البيان: 15/461-463]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (أن إبراهيم قال أن آدم قال أن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله لم نجعل له من قبل سميا يعني مثلا). [تفسير مجاهد: 384]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الصّفّار، ثنا أحمد بن مهران، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ إسرائيل، عن سماك بن حربٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله عزّ وجلّ: {لم نجعل له من قبل سميًّا} [مريم: 7] قال: «لم يسمّ يحيى قبله» هذا حديثٌ صحيحٌ الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/403]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: كان آخر أنبياء بني إسرائيل زكريا بن إدريس من ذرية يعقوب دعا ربه سرا قال: {رب إني وهن العظم مني} إلى قوله: {خفت الموالي من ورائي} وهم العصبة {يرثني ويرث} نبوة (آل يعقوب {فنادته الملائكة} وهو جبريل {إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى} فلما سمع النداء جاءه الشيطان فقال: يا زكريا إن الصوت الذي سمعت ليس من الله إنما هو من الشيطان يسخر بك فشك وقال: {أنى يكون لي غلام} يقول: من أين يكون {وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر} قال الله: {وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا}). [الدر المنثور: 10/10-11] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: {لم نجعل له من قبل سميا} قال: لم يسم أحد يحيى قبله). [الدر المنثور: 10/15]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق وأحمد في الزهد، وعبد بن حميد عن قتادة في قوله: {لم نجعل له من قبل سميا} قال: لم يسم أحد يحيى قبله.
وأخرج أحمد في الزهد عن عكرمة مثله). [الدر المنثور: 10/15]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {لم نجعل له من قبل سميا} قال: لم تلد العواقر مثله ولدا). [الدر المنثور: 10/15]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {لم نجعل له من قبل سميا} قال: مثلا). [الدر المنثور: 10/16]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {لم نجعل له من قبل سميا} قال: شبيها.
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء مثله). [الدر المنثور: 10/16]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري في تاريخه عن يحيى بن خلاد الزرقي أنه لما ولد أتي به النّبيّ صلى الله عليه وسلم فحنكه وقال: لأسمينه اسما لم يسم بعد يحيى بن زكريا فسماه يحيى). [الدر المنثور: 10/16]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر عن ابن عباس في قوله: {ذكر رحمة ربك عبده زكريا} قال: ذكره الله برحمته منه حيث دعاه {إذ نادى ربه نداء خفيا} يعني دعا ربه دعاء خفيا في الليل لا يسمع أحدا أو يسمع أذنيه، فقال: {رب إني وهن العظم مني} يعني ضعف العظم مني {واشتعل الرأس شيبا} يعني غلب البياض السواد {ولم أكن بدعائك رب شقيا} أي لم أدعك قط فخيبتني فيما مضى فتخيبني فيما بقي فكما لم اشق بدعائي فيما مضى فكذلك لا أشقى فيما بقي عودتني الإجابة من نفسك، {وإني خفت الموالي من ورائي} فلم يبق لي وارث وخفت العصبة أن ترثني {فهب لي من لدنك وليا} يعني من عندك وليا {يرثني} يعني يرث محرابي وعصاي وبرنس العربان وقلمي الذي أكتب به الوحي {ويرث من آل يعقوب} النبوة {واجعله رب رضيا} يعني مرضيا عندك زاكيا بالعمل فاستجاب الله له فكان قد دخل في السن هو وامرأته، فبينا هو قائم يصلي في المحراب حيث يذبح القربان إذا هو برجل عليه البياض حياله وهو جبريل فقال: {يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى} هو اسم من أسماء الله اشتق من حي سماه الله فوق عرشه {لم نجعل له من قبل سميا} لم يجعل لزكريا من قبل يحيى ولد له {هل تعلم له سميا} يعني هل تعلم له ولدا ولم يكن لزكريا قبله ولد ولم يكن قبل يحيى أحد يسمى يحيى قال: وكان اسمه حيا فلما وهب الله لسارة إسحاق فكان اسمها يسارة ويسارة من النساء التي لا تلد وسارة من النساء: الطالقة الرحم التي تلد فسماها الله سارة وحول الياء من سارة إلى حي فسماه يحيى فقال: {رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا} خاف أنها لا تلد، قال: {كذلك قال ربك} يا زكريا {هو علي هين وقد خلقتك من قبل} أن أهب لك يحيى {ولم تك شيئا} وكذلك أقدر على أن أخلق من الكبير والعاقر، وذلك أن إبليس أتاه فقال: يا زكريا دعاؤك كان خفيا فأجبت بصوت رفيع وبشرت بصوت عال ذلك صوت من الشيطان ليس من جبريل ولا من ربك، {قال رب اجعل لي آية} حتى أعرف أن هذه البشرى منك، {قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال} يعني صحيحا من غير خرس، فحاضت زوجته فلما طهرت طاف عليها فاستحملت فأصبح لا يتكلم وكان إذا أراد التسبيح والصلاة أطلق الله لسانه فإذا أراد أن يكلم الناس أعتقل لسانه فلا يستطيع أن يتكلم وكانت عقوبة له لأنه بشر بالولد فقال: {أنى يكون لي غلام} فخاف أن يكون الصوت من غير الله {فخرج على قومه من المحراب} يعني من مصلاه الذي كان يصلي فيه، فأوحى إليهم بكتاب كتبه بيده {أن سبحوا بكرة وعشيا} يعني صلوا صلاة الغداة والعصر فولد له يحيى على ما بشره الله نبيا تقيا صالحا {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} يعني بجد وطاعة واجتهاد وشكر وبالعمل بما فيه {وآتيناه الحكم} يعني الفهم {صبيا} صغيرا وذلك أنه مر على صبية أتراب له يلعبون على شاطئ نهر بطين وبماء فقالوا: يا يحيى تعال حتى نلعب فقال: سبحان الله أو للعب خلقنا {وحنانا} يعني ورحمة {منا} وعطفا {وزكاة} يعني وصدقة على زكريا {وكان تقيا} يعني مطهرا مطيعا لله {وبرا بوالديه} كان لا يعصيهما {ولم يكن جبارا} يعني قتال النفس التي حرم الله قتلها {عصيا} يعني عاصيا لربه، {وسلام عليه} يعني حين سلم الله عليه {يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا} ). [الدر المنثور: 10/25-28] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عبد الرحمن بن القاسم قال: قال مالك: بلغني أن عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا عليهما السلام ابنا خالة وكان حملهما جميعا معا فبلغني أن أم يحيى قالت لمريم: إني أرى ما في بطني يسجد لما في بطنك، قال مالك: أرى ذلك لتفضيل الله عيسى لأن الله جعله يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ولم يكن ليحيى إلا عشب الأرض وإن كان ليبكي من خشية الله حتى لو كان على خذه القار لأذابه ولقد كان الدمع اتخذ في وجهه مجرى). [الدر المنثور: 10/28]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله من الكبر عتيا قال سنا قال وكان ابن بضع وسبعين سنة). [تفسير عبد الرزاق: 2/4]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {قد بلغت من الكبر عتياً} قال: نحول العظم. قال مسلمٌ: قال الكلبيّ: يئوساً). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 53]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال ربّ أنّى يكون لي غلامٌ وكانت امرأتي عاقرًا وقد بلغت من الكبر عتيًّا}.
يقول تعالى ذكره: قال زكريّا لمّا بشّره اللّه بيحيى: {ربّ أنّى يكون لي غلامٌ} ومن أيّ وجهٍ يكون لي ذلك، وامرأتي عاقرٌ لا تحبل، وقد ضعفت من الكبر عن مباضعة النّساء أبأن تقوّيني على ما ضعفت عنه من ذلك، وتجعل زوجتي ولودًا فإنّك القادر على ذلك وعلى ما تشاء؟ أم بأن أنكح زوجةً غير زوجتي العاقر؟ يستثبت ربّه الخبر، عن الوجه الّذي يكون من قبله له الولد، الّذي بشّره اللّه به، لا إنكارًا منه صلّى اللّه عليه وسلّم حقيقة كون ما وعده اللّه من الولد، وكيف يكون ذلك منه إنكارًا لأن يرزقه الولد الّذي بشّره به، وهو المبتدئ مسألة ربّه ذلك بقوله: {فهب لي من لدنك وليًّا يرثني ويرث من آل يعقوب} بعد قوله {إنّي وهن العظم منّي واشتعل الرّأس شيبًا}.
وقال السّدّيّ في ذلك ما؛
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: نادى جبرائيل زكريّا: إنّ اللّه يبشّرك بغلامٍ اسمه يحيى لم يجعل له من قبل سميًّا، فلمّا سمع النّداء، جاءه الشّيطان فقال: يا زكريّا إنّ الصّوت الّذي سمعت ليس من اللّه، إنّما هو من الشّيطان يسخر بك، ولو كان من اللّه أوحاه إليك كما يوحي إليك غيره من الأمر، فشكّ مكانه وقال: {أنّى يكون لي غلامٌ} يقول: من أين يكون {وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقرٌ}.
وقوله: {وقد بلغت من الكبر عتيًّا} يقول: وقد عتوت من الكبر فصرت نحل العظام يابسها.
يقال منه للعود اليابس: عودٌ عاتٍ وعاسٍ، وقد عتا يعتو عتيًّا وعتوًّا، وعسى يعسو عسيًّا وعسوًّا، وكلّ متناهٍ إلى غايته في كبرٍ أو فسادٍ، أو كفرٍ، فهو عاتٍ وعاس.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حصينٌ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: قد علمت السّنّة كلّها، غير أنّي لا أدري أكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ في الظّهر والعصر أم لا، ولا أدري كيف كان يقرأ هذا الحرف: {وقد بلغت من الكبر عتيًّا} أو " عسيًّا ".
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {وقد بلغت من الكبر عتيًّا} قال: يعني بالعتيّ: الكبر.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله {عتيًّا} قال: نحول العظم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله {من الكبر عتيًّا} قال: سنًّا، وكان ابن بضعٍ وسبعين سنةً.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وقد بلغت من الكبر عتيًّا} قال: العتيّ: الّذي قد عتا عن الولد فيما يرى نفسه لا يولد له). [جامع البيان: 15/463-466]
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {وقد بلغت من الكبر عتيًّا} قال: هو الكبر.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال أن آدم قال أن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وقد بلغت من الكبر عتيا قال يعني نحول العظام). [تفسير مجاهد: 384]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو زكريّا يحيى بن محمّدٍ العنبريّ، ثنا أبو عبد اللّه محمّد بن عليّ بن حمزة المروزيّ، ثنا أبو صالحٍ هديّة بن عبد الوهّاب، أنبأ محمّد بن شجاعٍ، عن محمّد بن زيادٍ اليشكريّ، عن ميمون بن مهران، أنّ نافع بن الأزرق، سأل ابن عبّاسٍ، فقال: أخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ {وقد بلغت من الكبر عتيًّا} [مريم: 8] ما العتيّ؟ قال: «البؤس من الكبر» قال الشّاعر:
[البحر الخفيف]
إنّما يعذر الوليد ولا... يعذر من كان في الزّمان عتيًّا). [المستدرك: 2/404]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: كان آخر أنبياء بني إسرائيل زكريا بن إدريس من ذرية يعقوب دعا ربه سرا قال: {رب إني وهن العظم مني} إلى قوله: {خفت الموالي من ورائي} وهم العصبة {يرثني ويرث} نبوة (آل يعقوب {فنادته الملائكة} وهو جبريل {إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى} فلما سمع النداء جاءه الشيطان فقال: يا زكريا إن الصوت الذي سمعت ليس من الله إنما هو من الشيطان يسخر بك فشك وقال: {أنى يكون لي غلام} يقول: من أين يكون {وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر} قال الله: {وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا}). [الدر المنثور: 10/10-11] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: لما دعا زكريا ربه أن يهب له غلاما هبط جبريل عليه السلام - فبشره بيحيى، فقال زكريا عندها: {أنى يكون لي غلام} وأخبر بكبر سنه وعلة زوجته فأخذ جبريل عودا يابسا فجعله بين كفي زكريا فقال: ادرجه بين كفيك ففعل فإذا في رأسه عود بين ورقتين يقطر منهما الماء، فقال جبريل: إن الذي أخرج هذا الورق من هذا العمود قادر أن يخرج من صلبك ومن امرأتك العاقر غلاما). [الدر المنثور: 10/15]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور وأحمد، وعبد بن حميد وأبو داود، وابن جرير والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن عباس قال: لا أدري كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذا الحرف {عتيا} أو عييا). [الدر المنثور: 10/16]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن الأنباري في الوقف والابتداء والحاكم عن ميمون بن مهران: أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس فقال: أخبرني عن قول الله: {وقد بلغت من الكبر عتيا} ما العتي قال: البؤس من الكبر قال الشاعر:
إنما يعذر الوليد ولا يعذر * من كان في الزمان عتيا). [الدر المنثور: 10/16-17]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وقد بلغت من الكبر عتيا} قال: نحول العظم). [الدر المنثور: 10/17]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وقد بلغت من الكبر عتيا} يقول: هرما). [الدر المنثور: 10/17]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد {وقد بلغت من الكبر عتيا} قال: العتي الذي عتا من الولد فيما يرى في نفسه لا ولادة فيه). [الدر المنثور: 10/17-18]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن الثوري قال: بلغني أن زكريا كان ابن سبعين سنة). [الدر المنثور: 10/18]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن المبارك {وقد بلغت من الكبر عتيا} قال: ستين سنة). [الدر المنثور: 10/18]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الرامهرمزي في الإسناد عن وهب بن منبه {وقد بلغت من الكبر عتيا} قال: هذه المقالة وهو ابن ستين أو خمس وستين). [الدر المنثور: 10/18]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ عتيا برفع العين). [الدر المنثور: 10/18]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن يحيى بن وثاب أنه قرأها {عتيا} وصليا بكسر العين والصاد). [الدر المنثور: 10/18]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عقيل أنه قرأ وقد بلغت من الكبر عسيا بالسين ورفع العين). [الدر المنثور: 10/18]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر عن ابن عباس في قوله: {ذكر رحمة ربك عبده زكريا} قال: ذكره الله برحمته منه حيث دعاه {إذ نادى ربه نداء خفيا} يعني دعا ربه دعاء خفيا في الليل لا يسمع أحدا أو يسمع أذنيه، فقال: {رب إني وهن العظم مني} يعني ضعف العظم مني {واشتعل الرأس شيبا} يعني غلب البياض السواد {ولم أكن بدعائك رب شقيا} أي لم أدعك قط فخيبتني فيما مضى فتخيبني فيما بقي فكما لم اشق بدعائي فيما مضى فكذلك لا أشقى فيما بقي عودتني الإجابة من نفسك، {وإني خفت الموالي من ورائي} فلم يبق لي وارث وخفت العصبة أن ترثني {فهب لي من لدنك وليا} يعني من عندك وليا {يرثني} يعني يرث محرابي وعصاي وبرنس العربان وقلمي الذي أكتب به الوحي {ويرث من آل يعقوب} النبوة {واجعله رب رضيا} يعني مرضيا عندك زاكيا بالعمل فاستجاب الله له فكان قد دخل في السن هو وامرأته، فبينا هو قائم يصلي في المحراب حيث يذبح القربان إذا هو برجل عليه البياض حياله وهو جبريل فقال: {يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى} هو اسم من أسماء الله اشتق من حي سماه الله فوق عرشه {لم نجعل له من قبل سميا} لم يجعل لزكريا من قبل يحيى ولد له {هل تعلم له سميا} يعني هل تعلم له ولدا ولم يكن لزكريا قبله ولد ولم يكن قبل يحيى أحد يسمى يحيى قال: وكان اسمه حيا فلما وهب الله لسارة إسحاق فكان اسمها يسارة ويسارة من النساء التي لا تلد وسارة من النساء: الطالقة الرحم التي تلد فسماها الله سارة وحول الياء من سارة إلى حي فسماه يحيى فقال: {رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا} خاف أنها لا تلد، قال: {كذلك قال ربك} يا زكريا {هو علي هين وقد خلقتك من قبل} أن أهب لك يحيى {ولم تك شيئا} وكذلك أقدر على أن أخلق من الكبير والعاقر، وذلك أن إبليس أتاه فقال: يا زكريا دعاؤك كان خفيا فأجبت بصوت رفيع وبشرت بصوت عال ذلك صوت من الشيطان ليس من جبريل ولا من ربك، {قال رب اجعل لي آية} حتى أعرف أن هذه البشرى منك، {قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال} يعني صحيحا من غير خرس، فحاضت زوجته فلما طهرت طاف عليها فاستحملت فأصبح لا يتكلم وكان إذا أراد التسبيح والصلاة أطلق الله لسانه فإذا أراد أن يكلم الناس أعتقل لسانه فلا يستطيع أن يتكلم وكانت عقوبة له لأنه بشر بالولد فقال: {أنى يكون لي غلام} فخاف أن يكون الصوت من غير الله {فخرج على قومه من المحراب} يعني من مصلاه الذي كان يصلي فيه، فأوحى إليهم بكتاب كتبه بيده {أن سبحوا بكرة وعشيا} يعني صلوا صلاة الغداة والعصر فولد له يحيى على ما بشره الله نبيا تقيا صالحا {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} يعني بجد وطاعة واجتهاد وشكر وبالعمل بما فيه {وآتيناه الحكم} يعني الفهم {صبيا} صغيرا وذلك أنه مر على صبية أتراب له يلعبون على شاطئ نهر بطين وبماء فقالوا: يا يحيى تعال حتى نلعب فقال: سبحان الله أو للعب خلقنا {وحنانا} يعني ورحمة {منا} وعطفا {وزكاة} يعني وصدقة على زكريا {وكان تقيا} يعني مطهرا مطيعا لله {وبرا بوالديه} كان لا يعصيهما {ولم يكن جبارا} يعني قتال النفس التي حرم الله قتلها {عصيا} يعني عاصيا لربه، {وسلام عليه} يعني حين سلم الله عليه {يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا} ). [الدر المنثور: 10/25-28] (م)

تفسير قوله تعالى: (قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال كذلك قال ربّك هو عليّ هيّنٌ وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئًا (9) قال ربّ اجعل لي آيةً قال آيتك ألاّ تكلّم النّاس ثلاث ليالٍ سويًّا}.
يقول تعالى ذكره: قال اللّه لزكريّا مجيبًا له {قال كذلك} يقول: هكذا الأمر كما تقول من أنّ امرأتك عاقرٌ، وإنّك قد بلغت من الكبر العتيّ، ولكنّ ربّك يقول: خلق ما بشّرتك به من الغلام الّذي ذكرت لك أنّ اسمه يحيى عليّ هيّنٌ، فهو إذن من قوله: {قال ربّك هو عليّ هيّنٌ} كنايةٌ عن الخلق.
وقوله: {وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئًا} يقول تعالى ذكره: وليس خلق ما وعدتك أن أهبه لك من الغلام الّذي ذكرت لك أمره منك مع كبر سنّك، وعقم زوجتك بأعجب من خلقيك، فإنّي قد خلقتك، فأنشأتك بشرًا سويًّا من قبل خلقي ما بشّرتك بأنّي واهبه لك من الولد، ولم تك شيئًا، فكذلك أخلق لك الولد الّذي بشّرتك به من زوجتك العاقر، مع عتيّك ووهن عظامك، واشتعال شيب رأسك). [جامع البيان: 15/466-467]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: كان آخر أنبياء بني إسرائيل زكريا بن إدريس من ذرية يعقوب دعا ربه سرا قال: {رب إني وهن العظم مني} إلى قوله: {خفت الموالي من ورائي} وهم العصبة {يرثني ويرث} نبوة (آل يعقوب {فنادته الملائكة} وهو جبريل {إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى} فلما سمع النداء جاءه الشيطان فقال: يا زكريا إن الصوت الذي سمعت ليس من الله إنما هو من الشيطان يسخر بك فشك وقال: {أنى يكون لي غلام} يقول: من أين يكون {وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر} قال الله: {وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا}). [الدر المنثور: 10/10-11] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر عن ابن عباس في قوله: {ذكر رحمة ربك عبده زكريا} قال: ذكره الله برحمته منه حيث دعاه {إذ نادى ربه نداء خفيا} يعني دعا ربه دعاء خفيا في الليل لا يسمع أحدا أو يسمع أذنيه، فقال: {رب إني وهن العظم مني} يعني ضعف العظم مني {واشتعل الرأس شيبا} يعني غلب البياض السواد {ولم أكن بدعائك رب شقيا} أي لم أدعك قط فخيبتني فيما مضى فتخيبني فيما بقي فكما لم اشق بدعائي فيما مضى فكذلك لا أشقى فيما بقي عودتني الإجابة من نفسك، {وإني خفت الموالي من ورائي} فلم يبق لي وارث وخفت العصبة أن ترثني {فهب لي من لدنك وليا} يعني من عندك وليا {يرثني} يعني يرث محرابي وعصاي وبرنس العربان وقلمي الذي أكتب به الوحي {ويرث من آل يعقوب} النبوة {واجعله رب رضيا} يعني مرضيا عندك زاكيا بالعمل فاستجاب الله له فكان قد دخل في السن هو وامرأته، فبينا هو قائم يصلي في المحراب حيث يذبح القربان إذا هو برجل عليه البياض حياله وهو جبريل فقال: {يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى} هو اسم من أسماء الله اشتق من حي سماه الله فوق عرشه {لم نجعل له من قبل سميا} لم يجعل لزكريا من قبل يحيى ولد له {هل تعلم له سميا} يعني هل تعلم له ولدا ولم يكن لزكريا قبله ولد ولم يكن قبل يحيى أحد يسمى يحيى قال: وكان اسمه حيا فلما وهب الله لسارة إسحاق فكان اسمها يسارة ويسارة من النساء التي لا تلد وسارة من النساء: الطالقة الرحم التي تلد فسماها الله سارة وحول الياء من سارة إلى حي فسماه يحيى فقال: {رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا} خاف أنها لا تلد، قال: {كذلك قال ربك} يا زكريا {هو علي هين وقد خلقتك من قبل} أن أهب لك يحيى {ولم تك شيئا} وكذلك أقدر على أن أخلق من الكبير والعاقر، وذلك أن إبليس أتاه فقال: يا زكريا دعاؤك كان خفيا فأجبت بصوت رفيع وبشرت بصوت عال ذلك صوت من الشيطان ليس من جبريل ولا من ربك، {قال رب اجعل لي آية} حتى أعرف أن هذه البشرى منك، {قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال} يعني صحيحا من غير خرس، فحاضت زوجته فلما طهرت طاف عليها فاستحملت فأصبح لا يتكلم وكان إذا أراد التسبيح والصلاة أطلق الله لسانه فإذا أراد أن يكلم الناس أعتقل لسانه فلا يستطيع أن يتكلم وكانت عقوبة له لأنه بشر بالولد فقال: {أنى يكون لي غلام} فخاف أن يكون الصوت من غير الله {فخرج على قومه من المحراب} يعني من مصلاه الذي كان يصلي فيه، فأوحى إليهم بكتاب كتبه بيده {أن سبحوا بكرة وعشيا} يعني صلوا صلاة الغداة والعصر فولد له يحيى على ما بشره الله نبيا تقيا صالحا {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} يعني بجد وطاعة واجتهاد وشكر وبالعمل بما فيه {وآتيناه الحكم} يعني الفهم {صبيا} صغيرا وذلك أنه مر على صبية أتراب له يلعبون على شاطئ نهر بطين وبماء فقالوا: يا يحيى تعال حتى نلعب فقال: سبحان الله أو للعب خلقنا {وحنانا} يعني ورحمة {منا} وعطفا {وزكاة} يعني وصدقة على زكريا {وكان تقيا} يعني مطهرا مطيعا لله {وبرا بوالديه} كان لا يعصيهما {ولم يكن جبارا} يعني قتال النفس التي حرم الله قتلها {عصيا} يعني عاصيا لربه، {وسلام عليه} يعني حين سلم الله عليه {يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا} ). [الدر المنثور: 10/25-28] (م)

تفسير قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) )


قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أن معمر عن قتادة عن عكرمة في قوله ثلاث ليال سويا قال سويا من غير خرس وقاله قتادة). [تفسير عبد الرزاق: 2/4]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {قال ربّ اجعل لي آيةً} يقول تعالى ذكره: قال زكريّا: يا ربّ اجعل لي علمًا ودليلاً على ما بشّرتني به ملائكتك من هذا الغلام عن أمرك ورسالتك، ليطمئنّ إلى ذلك قلبي. كما:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {قال ربّ اجعل لي آيةً} قال: قال ربّ اجعل لي آيةً أنّ هذا منك.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قال ربّ، فإن كان هذا الصّوت منك فاجعل لي آيةً {قال} اللّه {آيتك} لذلك {ألاّ تكلّم النّاس ثلاث ليالٍ سويًّا}.
قوله: {آيتك ألاّ تكلّم النّاس ثلاث ليالٍ سويًّا}
يقول جلّ ثناؤه: علامتك لذلك، ودليلك عليه أن لا تكلّم النّاس ثلاث ليالٍ وأنت سويّ صحيحٌ، لا علّة بك من خرسٍ ولا مرضٍ يمنعك من الكلام.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو، عن عطاءٍ، عن سعيدٍ، عن ابن عبّاسٍ، {ثلاث ليالٍ سويًّا} قال: اعتقل لسانه من غير مرضٍ.
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله {ثلاث ليالٍ سويًّا} يقول: من غير خرسٍ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله {ثلاث ليالٍ سويًّا} قال: لا يمنعك من الكلام مرضٌ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ {ألاّ تكلّم النّاس ثلاث ليالٍ سويًّا} قال: صحيحًا لا يمنعك من الكلام مرضٌ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {قال آيتك ألاّ تكلّم النّاس ثلاث ليالٍ سويًّا} من غير بأسٍ ولا خرسٍ، وإنّما عوقب بذلك لأنّه سأل آيةً بعد ما شافهته الملائكة بذلك مشافهةً، أخذ بلسانه حتّى ما كان يطيق الكلام إلاّ ما أومأ إيماءً.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، عن عكرمة، في قوله {ثلاث ليالٍ سويًّا} قال: سويًّا من غير خرسٍ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {قال آيتك ألاّ تكلّم النّاس ثلاث ليالٍ سويًّا} وأنت صحيحٌ، قال: فحبس لسانه، فكان لا يستطيع أن يكلّم أحدًا، وهو في ذلك يسبّح، ويقرأ التّوراة ويقرأ الإنجيل، فإذا أراد كلام النّاس لم يستطع أن يكلّمهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمّن لا يتّهم، عن وهب بن منبّهٍ اليمانيّ، قال: أخذ اللّه بلسانه من غير سوءٍ، فجعل لا يطيق الكلام، وإنّما كلامه لقومه بالإشارة، حتّى مضت الثّلاثة الأيّام الّتي جعلها اللّه آيةً لمصداق ما وعده من هبته له.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {قال آيتك ألاّ تكلّم النّاس ثلاث ليالٍ سويًّا} يقول: من غير خرسٍ إلاّ رمزًا، فاعتقل لسانه ثلاثة أيّامٍ وثلاث ليالٍ.
وقال آخرون: السّويّ من صفة الأيّام، قالوا: ومعنى الكلام: قال: آيتك ألا تكلّم النّاس ثلاث ليالٍ متتابعاتٍ
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {قال آيتك ألاّ تكلّم النّاس ثلاث ليالٍ سويًّا} قال: ثلاث ليالٍ متتابعاتٍ). [جامع البيان: 15/467-470]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال أن آدم قال أن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا قال صحيحا لا يمنعك من الكلام مرض). [تفسير مجاهد: 384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر والحاكم عن نوف في قوله: {قال رب اجعل لي آية} قال: أعطني آية أنك قد استجبت لي، فقال: {آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا} قال ختم على لسانه وهو صحيح سوي ليس به من مرض فلم يتكلم ثلاثة أيام). [الدر المنثور: 10/18-19]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا} قال: اعتقل لسانه من غير مرض). [الدر المنثور: 10/19]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ثلاث ليال سويا} قال: من غير خرس.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة والضحاك مثله). [الدر المنثور: 10/19]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {ثلاث ليال سويا} قال: صحيحا لا يمنعك الكلام مرض). [الدر المنثور: 10/19]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في الآية قال: حبس لسانه فكان لا يستطيع أن يكلم أحدا وهو في ذلك يسبح ويقرأ التوراة فإذا أراد كلام الناس لم يستطع أن يكلمهم). [الدر المنثور: 10/19]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر عن ابن عباس في قوله: {ذكر رحمة ربك عبده زكريا} قال: ذكره الله برحمته منه حيث دعاه {إذ نادى ربه نداء خفيا} يعني دعا ربه دعاء خفيا في الليل لا يسمع أحدا أو يسمع أذنيه، فقال: {رب إني وهن العظم مني} يعني ضعف العظم مني {واشتعل الرأس شيبا} يعني غلب البياض السواد {ولم أكن بدعائك رب شقيا} أي لم أدعك قط فخيبتني فيما مضى فتخيبني فيما بقي فكما لم اشق بدعائي فيما مضى فكذلك لا أشقى فيما بقي عودتني الإجابة من نفسك، {وإني خفت الموالي من ورائي} فلم يبق لي وارث وخفت العصبة أن ترثني {فهب لي من لدنك وليا} يعني من عندك وليا {يرثني} يعني يرث محرابي وعصاي وبرنس العربان وقلمي الذي أكتب به الوحي {ويرث من آل يعقوب} النبوة {واجعله رب رضيا} يعني مرضيا عندك زاكيا بالعمل فاستجاب الله له فكان قد دخل في السن هو وامرأته، فبينا هو قائم يصلي في المحراب حيث يذبح القربان إذا هو برجل عليه البياض حياله وهو جبريل فقال: {يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى} هو اسم من أسماء الله اشتق من حي سماه الله فوق عرشه {لم نجعل له من قبل سميا} لم يجعل لزكريا من قبل يحيى ولد له {هل تعلم له سميا} يعني هل تعلم له ولدا ولم يكن لزكريا قبله ولد ولم يكن قبل يحيى أحد يسمى يحيى قال: وكان اسمه حيا فلما وهب الله لسارة إسحاق فكان اسمها يسارة ويسارة من النساء التي لا تلد وسارة من النساء: الطالقة الرحم التي تلد فسماها الله سارة وحول الياء من سارة إلى حي فسماه يحيى فقال: {رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا} خاف أنها لا تلد، قال: {كذلك قال ربك} يا زكريا {هو علي هين وقد خلقتك من قبل} أن أهب لك يحيى {ولم تك شيئا} وكذلك أقدر على أن أخلق من الكبير والعاقر، وذلك أن إبليس أتاه فقال: يا زكريا دعاؤك كان خفيا فأجبت بصوت رفيع وبشرت بصوت عال ذلك صوت من الشيطان ليس من جبريل ولا من ربك، {قال رب اجعل لي آية} حتى أعرف أن هذه البشرى منك، {قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال} يعني صحيحا من غير خرس، فحاضت زوجته فلما طهرت طاف عليها فاستحملت فأصبح لا يتكلم وكان إذا أراد التسبيح والصلاة أطلق الله لسانه فإذا أراد أن يكلم الناس أعتقل لسانه فلا يستطيع أن يتكلم وكانت عقوبة له لأنه بشر بالولد فقال: {أنى يكون لي غلام} فخاف أن يكون الصوت من غير الله {فخرج على قومه من المحراب} يعني من مصلاه الذي كان يصلي فيه، فأوحى إليهم بكتاب كتبه بيده {أن سبحوا بكرة وعشيا} يعني صلوا صلاة الغداة والعصر فولد له يحيى على ما بشره الله نبيا تقيا صالحا {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} يعني بجد وطاعة واجتهاد وشكر وبالعمل بما فيه {وآتيناه الحكم} يعني الفهم {صبيا} صغيرا وذلك أنه مر على صبية أتراب له يلعبون على شاطئ نهر بطين وبماء فقالوا: يا يحيى تعال حتى نلعب فقال: سبحان الله أو للعب خلقنا {وحنانا} يعني ورحمة {منا} وعطفا {وزكاة} يعني وصدقة على زكريا {وكان تقيا} يعني مطهرا مطيعا لله {وبرا بوالديه} كان لا يعصيهما {ولم يكن جبارا} يعني قتال النفس التي حرم الله قتلها {عصيا} يعني عاصيا لربه، {وسلام عليه} يعني حين سلم الله عليه {يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا} ). [الدر المنثور: 10/25-28] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن نوف قال: كانت مريم عليها السلام فتاة بتولا وكان زكريا زوج أختها كفلها فكانت معه فكان يدخل عليه يسلم عليها فتقرب إليه فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء فدخل عليها زكريا مرة فقربت إليه بعض ما كانت تقرب (قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب هنالك دعا زكريا ربه) (آل عمران آية 38 - 39) إلى قوله: (آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا زمرا) (آل عمران آية 42) {سويا} صحيحا، {فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم} كتب لهم {أن سبحوا بكرة وعشيا} قال: فبينما هي جالسة في منزلها إذا رجل قائم بين يديها قد هتك الحجب فلما أن رأته قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال فلما ذكرت الرحمن فزع جبريل عليه السلام قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} إلى قوله: {وكان أمرا مقضيا} فنفخ في جيبها جبريل فحملت حتى إذا أثقلت وجعت ما يجع النساء وكانت في بيت النبوة فاستحيت وهربت حياء من قومها فأخذت نحو المشرق وأخذ قومها في طلبها فجعلوا يسألون رأيتم فتاة كذا وكذا فلا يخبرهم أحد، وأخذها {المخاض إلى جذع النخلة} فتساندت إلى النخلة قالت: {يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا} قال: حيضة من حيضة {فناداها من تحتها} قال: جبريل من أقصى الوادي {ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا} قال: جدولا {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا} فلما قال لها جبريل: اشتد ظهرها وطابت نفسها فقطعت سرته ولفته في خرقة وحملته فلقي قومها راعي بقر وهم في طلبها، قالوا: يا راعي هل رأيت فتاة كذا وكذا قال: لا وكن رأيت الليلة من بقري شيئا لم أره منها قط فيما خلا قال: رأيتها باتت سجدا نحو هذا الوادي فانطلقوا حيث وصف لهم فلما رأتهم مريم جلست وجعلت ترضع عيسى فجاؤوا حتى وقفوا عليها {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} قال: أمرا عظيما: {فأشارت إليه} أن كلموه فعجبوا منها: قالوا: {كيف نكلم من كان في المهد صبيا} {قال إني عبد الله آتاني الكتاب} والمهد حجرها فلما قالوا ذلك: ترك عيسى ثديها واتكأ على يساره ثم تكلم {قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا} {وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} قال: واختلف الناس فيه). [الدر المنثور: 10/46-48]

تفسير قوله تعالى: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) )

قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثني الليث عن أبي معشر عن محمد بن كعب القرظي في قول الله: {فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا}، قال: أشار إليهم أن صلوا بكرة وعشياً). [الجامع في علوم القرآن: 2/118]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى فأوحى إليهم قال فأومأ إليهم أن صلوا بكرة وعشيا). [تفسير عبد الرزاق: 2/4]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا الثوري عن ابن أبي ليلى عن الحكم في قوله فأوحى إليهم قال كتب لهم). [تفسير عبد الرزاق: 2/5]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة قال: إبراهيم في قوله: {آتاني الكتاب} قال: كلام الحكم {فأوحى إليهم أن سبّحوا بكرةً وعشيًّا} قال: كتب لهم [الآية: 11، 30]). [تفسير الثوري: 185]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبّحوا بكرةً وعشيًّا}.
يقول تعالى ذكره: فخرج زكريّا على قومه من مصلاّه حين حبس لسانه عن كلام النّاس آيةً من اللّه له على حقيقة وعده إيّاه ما وعد.
فكان ابن جريجٍ يقول في معنى خروجه من محرابه، ما؛
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، {فخرج على قومه من المحراب} قال: أشرف على قومه من المحراب.
قال أبو جعفرٍ: وقد بيّنّا معنى المحراب فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فخرج على قومه من المحراب} قال: المحراب: مصلاّه، وقرأ: {فنادته الملائكة وهو قائمٌ يصلّي في المحراب}.
وقوله: {فأوحى إليهم} يقول: أشار إليهم، وقد تكون تلك الإشارة باليد وبالكتاب وبغير ذلك، ممّا يفهم به عنه ما يريد. وللعرب في ذلك لغتان: وحى، وأوحى فمن قال: وحى، قال في يفعل: يحي، ومن قال: أوحى، قال: يوحي، وكذلك أومى وومى، فمن قال: ومى، قال في يفعل: يمي، ومن قال: أومى، قال: يومي.
واختلف أهل التّأويل في المعنى الّذي به أوحى إلى قومه، فقال بعضهم: أوحى إليهم إشارةً باليد.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {فأوحى} فأشار زكريّا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عمّن لا يتّهم، عن وهب بن منبّهٍ، {فأوحى إليهم} قال: الوحي: الإشارة.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، {فأوحى إليهم} قال: أومى إليهم.
وقال آخرون: معنى أوحى: كتب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمود بن خداشٍ، قال: حدّثنا عبّاد بن العوّام، عن سفيان بن حسينٍ، عن الحكم، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى: {فأوحى إليهم أن سبّحوا بكرةً وعشيًّا} قال: كتب لهم في الأرض.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، عن الثّوريّ، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، {فأوحى إليهم} قال: كتب لهم.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {فخرج على قومه من المحراب} فكتب لهم في كتابٍ {أن سبّحوا بكرةً وعشيًّا} وذلك قوله: {فأوحى إليهم}.
وقال آخرون: معنى ذلك: أمرهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فأوحى إليهم أن سبّحوا بكرةً وعشيًّا} قال: ما ندري كتابًا كتبه لهم، أو إشارةً أشارها، واللّه أعلم، قال: أمرهم أن سبّحوا بكرةً وعشيًّا، وهو لا يكلّمهم.
وقوله: {أن سبّحوا بكرةً وعشيًّا} قد بيّنت فيما مضى الوجوه الّتي ينصرف فيها التّسبيح، وقد يجوز في هذا الموضع أن يكون عنى به التّسبيح الّذي هو ذكر اللّه، فيكون أمرهم بالفراغ لذكر اللّه في طرفي النّهار بالتّسبيح، ويجوز أن يكون عنى به الصّلاة، فيكون أمرهم بالصّلاة في هذين الوقتين.
وكان قتادة يقول في ذلك ما؛
- حدّثنا به الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {فأوحى إليهم أن سبّحوا بكرةً وعشيًّا} قال: أومى إليهم أن صلّوا بكرةً وعشيًّا). [جامع البيان: 15/470-473]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (أن إبراهيم قال أن آدم قال أن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فأوحى إليهم قال أشار إليهم). [تفسير مجاهد: 384]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق، أنبأ جريرٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، في قوله تعالى: {فأوحى إليهم أن سبّحوا بكرةً وعشيًّا} [مريم: 11] قال: «كان يأمرهم بالصّلاة بكرةً وعشيًّا» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/404]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {فخرج على قومه من المحراب} قال: المحراب مصلاه). [الدر المنثور: 10/19]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فأوحى إليهم} قال: كتب لهم). [الدر المنثور: 10/19]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله: (فأوحى إليهم أن سبحوا) ). [الدر المنثور: 10/20]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن الحكم {فأوحى إليهم} قال: كتب لهم). [الدر المنثور: 10/20]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد {فأوحى إليهم} قال فأشار زكريا). [الدر المنثور: 10/20]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب {فأوحى إليهم أن سبحوا} قال: أشار إليهم إشارة). [الدر المنثور: 10/20]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن سعيد بن جبير {فأوحى إليهم} قال: أومأ إليهم). [الدر المنثور: 10/20]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: {فأوحى إليهم أن سبحوا} قال: صلوا). [الدر المنثور: 10/20]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {بكرة وعشيا} قال: أمرهم بالصلاة بكرة وعشيا). [الدر المنثور: 10/20-21]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة {فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا} قال: البكرة صلاة الفجر وعشيا صلاة العصر). [الدر المنثور: 10/21]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر عن ابن عباس في قوله: {ذكر رحمة ربك عبده زكريا} قال: ذكره الله برحمته منه حيث دعاه {إذ نادى ربه نداء خفيا} يعني دعا ربه دعاء خفيا في الليل لا يسمع أحدا أو يسمع أذنيه، فقال: {رب إني وهن العظم مني} يعني ضعف العظم مني {واشتعل الرأس شيبا} يعني غلب البياض السواد {ولم أكن بدعائك رب شقيا} أي لم أدعك قط فخيبتني فيما مضى فتخيبني فيما بقي فكما لم اشق بدعائي فيما مضى فكذلك لا أشقى فيما بقي عودتني الإجابة من نفسك، {وإني خفت الموالي من ورائي} فلم يبق لي وارث وخفت العصبة أن ترثني {فهب لي من لدنك وليا} يعني من عندك وليا {يرثني} يعني يرث محرابي وعصاي وبرنس العربان وقلمي الذي أكتب به الوحي {ويرث من آل يعقوب} النبوة {واجعله رب رضيا} يعني مرضيا عندك زاكيا بالعمل فاستجاب الله له فكان قد دخل في السن هو وامرأته، فبينا هو قائم يصلي في المحراب حيث يذبح القربان إذا هو برجل عليه البياض حياله وهو جبريل فقال: {يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى} هو اسم من أسماء الله اشتق من حي سماه الله فوق عرشه {لم نجعل له من قبل سميا} لم يجعل لزكريا من قبل يحيى ولد له {هل تعلم له سميا} يعني هل تعلم له ولدا ولم يكن لزكريا قبله ولد ولم يكن قبل يحيى أحد يسمى يحيى قال: وكان اسمه حيا فلما وهب الله لسارة إسحاق فكان اسمها يسارة ويسارة من النساء التي لا تلد وسارة من النساء: الطالقة الرحم التي تلد فسماها الله سارة وحول الياء من سارة إلى حي فسماه يحيى فقال: {رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا} خاف أنها لا تلد، قال: {كذلك قال ربك} يا زكريا {هو علي هين وقد خلقتك من قبل} أن أهب لك يحيى {ولم تك شيئا} وكذلك أقدر على أن أخلق من الكبير والعاقر، وذلك أن إبليس أتاه فقال: يا زكريا دعاؤك كان خفيا فأجبت بصوت رفيع وبشرت بصوت عال ذلك صوت من الشيطان ليس من جبريل ولا من ربك، {قال رب اجعل لي آية} حتى أعرف أن هذه البشرى منك، {قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال} يعني صحيحا من غير خرس، فحاضت زوجته فلما طهرت طاف عليها فاستحملت فأصبح لا يتكلم وكان إذا أراد التسبيح والصلاة أطلق الله لسانه فإذا أراد أن يكلم الناس أعتقل لسانه فلا يستطيع أن يتكلم وكانت عقوبة له لأنه بشر بالولد فقال: {أنى يكون لي غلام} فخاف أن يكون الصوت من غير الله {فخرج على قومه من المحراب} يعني من مصلاه الذي كان يصلي فيه، فأوحى إليهم بكتاب كتبه بيده {أن سبحوا بكرة وعشيا} يعني صلوا صلاة الغداة والعصر فولد له يحيى على ما بشره الله نبيا تقيا صالحا {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} يعني بجد وطاعة واجتهاد وشكر وبالعمل بما فيه {وآتيناه الحكم} يعني الفهم {صبيا} صغيرا وذلك أنه مر على صبية أتراب له يلعبون على شاطئ نهر بطين وبماء فقالوا: يا يحيى تعال حتى نلعب فقال: سبحان الله أو للعب خلقنا {وحنانا} يعني ورحمة {منا} وعطفا {وزكاة} يعني وصدقة على زكريا {وكان تقيا} يعني مطهرا مطيعا لله {وبرا بوالديه} كان لا يعصيهما {ولم يكن جبارا} يعني قتال النفس التي حرم الله قتلها {عصيا} يعني عاصيا لربه، {وسلام عليه} يعني حين سلم الله عليه {يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا} ). [الدر المنثور: 10/25-28] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن نوف قال: كانت مريم عليها السلام فتاة بتولا وكان زكريا زوج أختها كفلها فكانت معه فكان يدخل عليه يسلم عليها فتقرب إليه فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء فدخل عليها زكريا مرة فقربت إليه بعض ما كانت تقرب (قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب هنالك دعا زكريا ربه) (آل عمران آية 38 - 39) إلى قوله: (آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا زمرا) (آل عمران آية 42) {سويا} صحيحا، {فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم} كتب لهم {أن سبحوا بكرة وعشيا} قال: فبينما هي جالسة في منزلها إذا رجل قائم بين يديها قد هتك الحجب فلما أن رأته قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا} قال فلما ذكرت الرحمن فزع جبريل عليه السلام قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا} إلى قوله: {وكان أمرا مقضيا} فنفخ في جيبها جبريل فحملت حتى إذا أثقلت وجعت ما يجع النساء وكانت في بيت النبوة فاستحيت وهربت حياء من قومها فأخذت نحو المشرق وأخذ قومها في طلبها فجعلوا يسألون رأيتم فتاة كذا وكذا فلا يخبرهم أحد، وأخذها {المخاض إلى جذع النخلة} فتساندت إلى النخلة قالت: {يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا} قال: حيضة من حيضة {فناداها من تحتها} قال: جبريل من أقصى الوادي {ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا} قال: جدولا {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا} فلما قال لها جبريل: اشتد ظهرها وطابت نفسها فقطعت سرته ولفته في خرقة وحملته فلقي قومها راعي بقر وهم في طلبها، قالوا: يا راعي هل رأيت فتاة كذا وكذا قال: لا وكن رأيت الليلة من بقري شيئا لم أره منها قط فيما خلا قال: رأيتها باتت سجدا نحو هذا الوادي فانطلقوا حيث وصف لهم فلما رأتهم مريم جلست وجعلت ترضع عيسى فجاؤوا حتى وقفوا عليها {قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا} قال: أمرا عظيما: {فأشارت إليه} أن كلموه فعجبوا منها: قالوا: {كيف نكلم من كان في المهد صبيا} {قال إني عبد الله آتاني الكتاب} والمهد حجرها فلما قالوا ذلك: ترك عيسى ثديها واتكأ على يساره ثم تكلم {قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا} {وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} قال: واختلف الناس فيه). [الدر المنثور: 10/46-48] (م)


رد مع اقتباس