عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 25 ذو القعدة 1439هـ/6-08-2018م, 03:19 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أخبر عن مقالة الكفار: {لولا أنزل علينا الملائكة} الآية، وقوله تعالى: "يرجون"، قال أبو عبيدة وقوم: معناه: يخافون، والشاهد لذلك قول الهذلي:
[المحرر الوجيز: 6/428]
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ... وخالفها في بيت نوب عوامل
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والذي يظهر لي أن الرجاء في الآية والبيت على بابه؛ لأن خوف لقاء الله تعالى مقترن أبدا برجائه، فإذا نفي الرجاء عن أحد فإنما أخبر عنه أنه مكذب بالبعث لنفي الخوف والرجاء، وفي ذكر الكفار بنفي الرجاء تنبيه على غبطة ما فاتهم من رجاء الله تعالى. وأما بيت الشعر المذكور فمعناه عندي: لم يرج دفعها ولا الانفكاك عنها، فهو لذلك يوفي على الصبر ويجد في شغله.
ولما تمنت كفار قريش رؤية ربهم أخبر تعالى عنهم أنهم عظموا أنفسهم، وسألوا ما ليسوا له بأهل، و"عتوا" معناه: صعبوا على الحق واشتدوا، ويقال: عتي وعتو، عتو على الأصل، وعتي لاستثقال الضم على الواو فقلبت ياء ثم كسر ما قبلها طلبا للتناسب). [المحرر الوجيز: 6/429]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا}
المعنى في هذه الآية أن الكفار لما قالوا: لولا أنزل علينا الملائكة إنما هو يوم
[المحرر الوجيز: 6/429]
القيامة، وقد كان أول الآية يحتمل أن يريد يوم تفيض أرواحهم، لكن آخرها يقتضي أن الإشارة إلى يوم القيامة، وأمر العوامل في هذه الظروف بين إذا تأمل، فاختصرناه لذلك. ومعنى الآية: إن هؤلاء الذين تمنوا نزول الملائكة لا يعرفون ما قدر الله تعالى في ذلك فإنهم يوم يرون الملائكة هو شر لهم، ولا بشرى لهم، بل لهم الخسار ولقاء المكروه، ويومئذ لا خير ولا بشرى؛ لأن الظروف تكون إخبارا عن المصادر. الضمير في قوله: "ويقولون"، قال الحسن، وقتادة، والضحاك، ومجاهد: هو "للملائكة"، المعنى: ويقول الملائكة للمجرمين: حجرا محجورا عليكم البشرى، أي: حراما محرما، ومنه قول جرير بن عبد المسيح:
حنت إلى النخلة القصوى فقلت لها حجر حرام ألا تلك الدهاريس
وقال مجاهد أيضا، وابن جريج: إن الضمير في قوله: "ويقولون" هو للكفار المجرمين، قال ابن جريج: كانت العرب إذا كرهوا شيئا قالوا: حجرا، قال مجاهد: حجرا: عوذا، يستعيذون بالملائكة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويحتمل أن يكون المعنى: ويقولون: حرام محرم علينا العفو، وقد ذكر أبو عبيدة أن هاتين اللفظتين عوذة عند العرب، يقولها من خاف آخر في الحرم، أو في شهر حرام إذا لقيه وبينهما ترة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا المعنى هو مقصد بيت المتلمس الذي تقدم، أي: هذا الذي حنت إليه ممنوع.
[المحرر الوجيز: 6/430]
وقرأ الحسن، وأبو رجاء: "حجرا" بضم الحاء، والناس على كسرها). [المحرر الوجيز: 6/431]

تفسير قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أخبر تعالى عما يأتي قضاؤه وفعله فقال حكاية عن يوم القيامة: "وقدمنا"، أي: قصد حكمنا وإنفاذنا، ونحو هذا من الألفاظ اللائقة، وقيل: هو قدوم الملائكة أسنده إليه لأنه عن أمره، وحسنت لفظة "قدمنا" لأن القادم على شيء مكروه لم يقرره ولا أمر به مغير له ومذهب، وأما قول الراجز:
وقدم الخوارج الضلال ... إلى عباد ربنا فقالوا
إن دماءكم لنا حلال
فالقدوم على بابه.
ومعنى الآية: وقصدنا إلى أعمالهم التي هي في الحقيقة لا تزن شيئا؛ إذ لا نية معها، فجعلناها على ما تستحق لا تعد شيئا، وصيرناها هباء منثورا، أي: شيئا لا تحصيل له، والهباء: هي الأجرام المستدقة الشائعة في الهواء التي لا يدركها حس إلا حين تدخل الشمس على مكان ضيق يحيط به الظل كالكوة ونحوها، فيظهر حينئذ فيما قابل الشمس أشياء تغيب وتظهر، فذلك هو الهباء، ووصفه في هذه الآية بـ "منثور"، ووصفه في غيرها بـ "منبث"، فقالت فرقة: هما سواء، وقالت فرقة: المنبث أرق وأدق من المنثور؛ لأن المنثور يقتضي أن غيره نثره، كسنابك الخيل والرياح أو هدم حائط ونحو ذلك، والمنبث كأنه انبث من رقته، وقال غيرهما: الهباء المنثور هو ما تسفي به الرياح وتبثه، وروي عنه أنه قال: الهباء الماء المهراق، والأول أصح، والعرب تقول: هبات الغبار ونحوه إذا بثته، قال الشاعر:
فترى خلفها من الرجع والوقـ ... ـع منينا كأنه أهبا
[المحرر الوجيز: 6/431]
ومعنى هذه الآية: جعلنا أعمالهم لا حكم لها ولا منزلة). [المحرر الوجيز: 6/432]

تفسير قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أخبر عز وجل أن مستقر أهل الجنة خير من مستقر أهل النار، وجاءت "خير" ها هنا للتفضيل بين شيئين لا شركة بينهما، قال الزجاج وغيره: إنه لما اشتركا في أن هذا مستقر وهذا مستقر فضل الاستقرار الواحد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويظهر لي أن هذه الألفاظ التي فيها عموم ما، ويتوجه حكمها من جهات شتى، نحو قولك: أحب، وأحسن، وخير، وشر، يسوغ أن يجاء بها بين شيئين لا شركة بينهما، فتقول: السعد في الدنيا أحب إلي من الشقاء، أي: قد يوجد بوجه ما من يستحب الشقاء كالمتعبد والمغتاظ، وكذلك في غيرها، فإذا كانت "أفعل" في معنى بين أن الواحد من الشيئين لا حظ له فيه بوجه فسد الإخبار بالتفضيل به، كقولك: الماء أبرد من النار، ومن هذا أنك تقول في ياقوتة ومدرة -وتشير إلى المدرة-: هذه خير وأحسن وأحب وأفضل من هذه، ولو قلت: هذه ألمع وأشد شراقة من هذه، لكان فاسدا.
وقوله: "مقيلا"، ذهب ابن عباس رضي الله عنهما، والنخعي، وابن جريج إلى أن حساب الخلق يكمل في وقت ارتفاع النهار ومقيل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، فالمقيل من القائلة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويحتمل أن اللفظة إنما تضمنت تفضيل الجنة جملة وحسن هوائها، والعرب تفضل البلاد بحسن المقيل؛ لأن وقت القيلولة يبدو فساد هواء البلاد، فإذا كان بلد في وقت فساد الهواء حسنا جاز الفضل، ومن ذلك قول الأسود بن يعفر الإيادي:
[المحرر الوجيز: 6/432]
أرض تخيرها لطيب مقيلها ... كعب بن مامة وابن أم دؤاد). [المحرر الوجيز: 6/433]

رد مع اقتباس