عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 11:59 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف


تفسير قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن جعفر بن برقان، عن زيد بن الأصم، عن أبي هريرة، في قوله تعالى: {إلا أمم أمثالكم}، قال: يحشر الله الخلق كلهم يوم القيامة البهائم والدواب والطير وكل شيء فيبلغ من عدل الله تعالى يومئذ أن الله يأخذ للجماء من القرناء ثم يقول كوني ترابا قال فلذلك يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا.
عن معمر، عن الأعمش، ذكره عن أبي ذر، قال: بينما نحن عند رسول الله إذ انتطحت عنزان فقال النبي: «أتدرون فيما انتطحتا». قالوا: لا ندري. قال: «لكن الله يدري وسيقضي بينها»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 206]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء}. قال في الكتاب الذي عنده). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 207]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما من دابّةٍ في الأرض ولا طائرٍ يطير بجناحيه إلاّ أممٌ أمثالكم ما فرّطنا في الكتاب من شيءٍ ثمّ إلى ربّهم يحشرون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: قل لهؤلاء المعرضين عنك المكذّبين بآيات اللّه: أيّها القوم، لا تحسبنّ اللّه غافلاً عمّا تعملون، أو أنّه غير مجازيكم على ما تكسبون، وكيف يغفل عن أعمالكم أو يترك مجازاتكم عليها وهو غير غافلٍ عن عمل شيءٍ دبّ على الأرض صغيرٍ أو كبيرٍ، ولا عمل طائرٍ طار بجناحيه في الهواء؟ بل جعل ذلك كلّه أجناسًا مجنّسةً وأصنافًا مصنّفةً، تعرف كما تعرفون، وتتصرّف فيما سخّرت له كما تتصرّفون، ومحفوظٌ عليها ما عملت من عملٍ لها وعليها، ومثبتٌ كلّ ذلك من أعمالها في أمّ الكتاب، ثمّ إنّه -تعالى ذكره- مميتها ثمّ منشرها ومجازيها يوم القيامة جزاء أعمالها. يقول: فالرّبّ الّذي لم يضيّع حفظ أعمال البهائم والدّوابّ في الأرض والطّير في الهواء حتّى حفظ عليها حركاتها وأفعالها، وأثبت ذلك منها في أمّ الكتاب، وحشرها ثمّ جازاها على ما سلف منها في دار البلاء، أحرى أن لا يضيّع أعمالكم، ولا يفرّط في حفظ أفعالكم الّتي تجترحونها أيّها النّاس، حتّى يحشركم فيجازيكم على جميعها، إن خيرًا فخيرًا وإن شرًّا فشرًّا، إذ كان قد خصّكم من نعمه وبسط عليكم من فضله ما لم يعمّ به غيركم في الدّنيا، وكنتم بشكره أحقّ وبمعرفة واجبه عليكم أولى لما أعطاكم من العقل الّذي به بين الأشياء تميّزون، والفهم الّذي لم يعطه البهائم والطّير الّذي به بين مصالحكم ومضارّكم تفرّقون.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {أممٌ أمثالكم} أصنافٌ مصنّفةٌ تعرف بأسمائها.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {وما من دابّةٍ في الأرض ولا طائرٍ يطير بجناحيه إلاّ أممٌ أمثالكم} يقول: الطّير أمّةٌ، والإنس أمّةٌ، والجنّ أمّةٌ.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {إلاّ أممٌ أمثالكم} يقول: إلاّ خلقٌ أمثالكم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، في قوله: {وما من دابّةٍ في الأرض ولا طائرٍ يطير بجناحيه إلاّ أممٌ أمثالكم} قال: الذّرّة فما فوقها من ألوان ما خلق اللّه من الدّوابّ.
وأمّا قوله: {ما فرّطنا في الكتاب من شيءٍ} فإنّ معناه: ما ضيّعنا إثبات شيءٍ منه.
- كالّذي حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {ما فرّطنا في الكتاب من شيءٍ}: ما تركنا شيئًا إلاّ قد كتبناه في أمّ الكتاب.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ما فرّطنا في الكتاب من شيءٍ} قال: لم نغفل الكتاب، ما من شيءٍ إلاّ وهو في الكتاب.
- وحدّثني به يونس مرّةً أخرى قال، في قوله: {ما فرّطنا في الكتاب من شيءٍ} قال: كلّهم مكتوبٌ في أمّ الكتاب.
وأمّا قوله: {ثمّ إلى ربّهم يحشرون}، فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في معنى حشرهم الّذي عناه اللّه تعالى في هذا الموضع. فقال بعضهم: حشرها: موتها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمارة الأسديّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن سعيدٍ، عن مسروقٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {وما من دابّةٍ في الأرض ولا طائرٍ يطير بجناحيه إلاّ أممٌ أمثالكم} قال ابن عبّاسٍ: موت البهائم حشرها.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {ثمّ إلى ربّهم يحشرون} قال: يعني بالحشر الموت.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ الفضل بن خالدٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمٍ قال: سمعت الضّحّاك يقول في قوله: {ثمّ إلى ربّهم يحشرون}، يعني بالحشر: الموت.
وقال آخرون: الحشر في هذا الموضع يعني به الجمع لبعث السّاعة وقيام القيامة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصمّ، عن أبي هريرة، في قوله: {إلاّ أممٌ أمثالكم ما فرّطنا في الكتاب من شيءٍ ثمّ إلى ربّهم يحشرون} قال: يحشر اللّه الخلق كلّهم يوم القيامة، البهائم، والدّوابّ، والطّير، وكلّ شيءٍ، فيبلغ من عدل اللّه يومئذٍ أن يأخذ للجمّاء من القرناء، ثمّ يقول: كوني ترابًا، فلذلك يقول الكافر: {يا ليتني كنت ترابًا}.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الأعمش، ذكره عن أبي ذرٍّ، قال: بينا أنا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، إذ انتطحت عنزان، فقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «أتدرون فيما انتطحتا؟» قالوا: لا ندري، قال: «لكنّ اللّه يدري، وسيقضي بينهما».
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا إسحاق بن سليمٍ قال: حدّثنا فطر بن خليفة، عن منذرٍ الثّوريّ، عن أبي ذرٍّ قال: انتطحت شاتان عند النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، فقال لي: «يا أبا ذرٍّ، أتدري فيم انتطحتا؟» قلت: لا، قال: «لكنّ اللّه يدري، وسيقضي بينهما» قال أبو ذرٍّ: لقد تركنا رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-، وما يقلّب طائرٌ جناحيه في السّماء إلاّ ذكرنا منه علمًا.
والصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنّ اللّه تعالى أخبر أنّ كلّ دابّةٍ وطائرٍ محشورٌ إليه، وجائزٌ أن يكون معنيًّا بذلك حشر القيامة، وجائزٌ أن يكون معنيًّا به حشر الموت، وجائزٌ أن يكون معنيًّا به الحشران جميعًا.
ولا دلالة في ظاهر التّنزيل ولا في خبرٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أيّ ذلك المراد بقوله: {ثمّ إلى ربّهم يحشرون}، إذ كان الحشر في كلام العرب: الجمع، ومن ذلك قول اللّه تعالى: {والطّير محشورةٌ كلٌّ له أوّابٌ} يعني: مجموعةٌ، فإذ كان الجمع هو الحشر، وكان اللّه تعالى جامعًا خلقه إليه يوم القيامة وجامعهم بالموت، كان أصوب القول في ذلك أن يعمّ بمعنى الآية ما عمّه اللّه بظاهرها، وأن يقال: كلّ دابّةٍ وكلّ طائرٍ محشورٌ إلى اللّه بعد الفناء وبعد بعث القيامة، إذ كان اللّه تعالى قد عمّ بقوله: {ثمّ إلى ربّهم يحشرون}، ولم يخصّص به حشرًا دون حشرٍ.
فإن قال قائلٌ: فما وجه قوله: {ولا طائرٍ يطير بجناحيه}، وهل يطير الطّائر إلاّ بجناحيه؟ فما في الخبر عن طيرانه بالجناحين من الفائدة؟
قيل: قد قدّمنا القول فيما مضى أنّ اللّه -تعالى- أنزل هذا الكتاب بلسان قومٍ وبلغاتهم وما يتعارفونه بينهم ويستعملونه في منطقهم خاطبهم، فإذ كان من كلامهم إذا أرادوا المبالغة في الكلام أن يقولوا: كلّمت فلانًا بفمي، ومشيت إليه برجلي، وضربته بيدي، خاطبهم تعالى بنظير ما يتعارفونه في كلامهم ويستعملونه في خطابهم، ومن ذلك قوله تعالى: {إنّ هذا أخي له تسعٌ وتسعون نعجةً ولي نعجةٌ واحدةٌ}).[جامع البيان: 9/ 232-237]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وقالوا لولا نزّل عليه آيةٌ من ربّه قل إنّ اللّه قادرٌ على أن ينزّل آيةً ولكنّ أكثرهم لا يعلمون (37) وما من دابّةٍ في الأرض ولا طائرٍ يطير بجناحيه إلّا أممٌ أمثالكم ما فرّطنا في الكتاب من شيءٍ ثمّ إلى ربّهم يحشرون (38)}
قوله: {وقالوا لولا نزّل عليه آيةٌ مّن رّبّه}
قوله: {وما من دابّةٍ في الأرض ولا طائرٍ يطير بجناحيه}
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {إلا أممٌ أمثالكم} قال: أصنافٌ مصنّفةٌ تعرف بأسمائها.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنا عبد الرّزّاق أنا معمر، عن قتادة، قوله: {وما من دابّةٍ في الأرض ولا طائرٍ يطير بجناحيه إلا أممٌ أمثالكم}، يقول: الطّير أمّةٌ، والإنس أمّةٌ والجنّ أمّةٌ.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: إلا أممٌ أمثالكم قال: خلقٌ أمثالكم.
قوله: {ما فرّطنا في الكتاب من شيءٍ}.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله:{ ما فرّطنا في الكتاب من شيءٍ} يعني: ما تركنا شيئًا إلا قد كتبناه في أمّ الكتاب.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول: ما فرّطنا في الكتاب من شيءٍ قال: لم يفعل الكتاب، ما من شيءٍ إلا وهو في ذلك الكتاب.
قوله: {ثمّ إلى ربّهم يحشرون}.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا سفيان، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، يعني قوله: {ثمّ إلى ربّهم يحشرون}، قال: حشرها: الموت. وروي، عن مجاهدٍ والضّحّاك مثل ذلك.
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا كثير بن هشامٍ، ثنا جعفر بن برقان، ثنا يزيد بن الأصمّ قال: سمعت أبا هريرة يقول: «ما من دابّةٍ في الأرض، ولا طائرٍ يطير بجناحيه إلا سيحشر يوم القيامة، ثمّ يقتصّ لبعضها من بعضٍ حتّى يقتصّ للجمّاء من ذات القرن. ثمّ يقول لها: كوني ترابًا. فعند ذلك يقول الكافر: ليتني كنت ترابًا». وإن شئتم فاقرءوا: {وما من دابّةٍ في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1285-1286]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أبو عبد اللّه محمّد بن عليٍّ الصّنعانيّ بمكّة، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن عبّادٍ، ثنا عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن جعفرٍ الجذريّ، عن يزيد بن الأصمّ، عن أبي هريرة، في قوله عزّ وجلّ: {أممٌ أمثالكم} قال: " يحشر الخلق كلّهم يوم القيامة البهائم، والدّوابّ، والطّير، وكلّ شيءٍ فيبلغ من عدل اللّه أن يأخذ للجمّاء من القرناء، ثمّ يقول: كوني ترابًا فذلك {يقول الكافر يا ليتني كنت ترابًا} [النبأ: 40] «جعفرٌ الجذريّ هذا هو ابن برقان، قد احتجّ به مسلمٌ وهو صحيحٌ على شرطه ولم يخرجاه»).[المستدرك: 2/ 345]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {إلا أمم أمثالكم} قال: أصنافا مصنفة تعرف بأسمائها.
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم} يقول: الطير أمة والأنس أمة والجن أمة
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن السدي في قوله: {إلا أمم أمثالكم}، قال: خلق أمثالكم.
- وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، عن ابن جريج في الآية قال: الذرة فما فوقها من ألوان ما خلق الله من الدواب.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، من طريق علي، عن ابن عباس: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} يعني ما تركنا شيئا إلا وقد كتبناه في أم الكتاب.
- وأخرج عبد الرزاق، وأبو الشيخ، عن قتادة: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} قال: من الكتاب الذي عنده.
- وأخرج البيهقي في شعب الإيمان والخطيب في تالي التلخيص
وابن عساكر عن عبد الله بن زيادة البكري قال: دخلت على ابني بشر المازنيين صاحبي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يرحمكما الله الرجل يركب منا دابة فيضربها بالسوط أو يكبحها باللجام فهل سمعتما من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئا فقالا: لا، قال عبد الله: فنادتني امرأة من الداخل فقالت: يا هذا إن الله يقول في كتابه {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون} فقالا: هذه أختنا وهي أكبر منا وقد أدركت رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله {ما فرطنا في الكتاب من شيء} قال: لم نغفل الكتاب ما من شيء إلا وهو في ذلك الكتاب.
- وأخرج أبو الشيخ عن أنس بن مالك أنه سأل من يقبض أرواح البهائم فقال: ملك الموت، فبلغ الحسن فقال: صدق أن ذلك في كتاب الله ثم تلا: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم}.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {ثم إلى ربهم يحشرون} قال: موت البهائم حشرها، وفي لفظ قال: يعني بالحشر الموت.
- وأخرج عبد الرزاق وأبو عبد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: ما من دابة ولا طائر إلا ستحشر يوم القيامة ثم يقتص لبعضها من بعض حتى يقتص للجلحاء من ذات القرن ثم يقال لهم كوني ترابا فعند ذلك يقول الكافر {يا ليتني كنت ترابا}[النبأ: 40] وإن شئتم فاقرؤوا {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم}
إلى قوله {يحشرون}.
- وأخرج ابن جرير عن أبي ذر قال انتطحت شاتان عند النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- فقال لي: «يا أبا ذر أتدري فيما انتطحتا» قلت: لا، قال: «لكن الله يدري وسيقضي بينهما»، قال أبو ذر: لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقلب طائر جناحيه في السماء إلا ذكرنا منه علما).[الدر المنثور: 6/ 44-47]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين كذّبوا بآياتنا صمٌّ وبكمٌ في الظّلمات من يشإ اللّه يضلله ومن يشأ يجعله على صراطٍ مستقيمٍ}.
يقول تعالى ذكره: والّذين كذّبوا بحجج اللّه وأعلامه وأدلّته، صمٌّ عن سماع الحقّ، بكمٌ عن القيل به، {في الظّلمات} يعني: في ظلمة الكفر حائرٌ فيها، يقول: هو مرتطمٌ في ظلمات الكفر، لا يبصر آيات اللّه فيعتبر بها، ويعلم أنّ الّذي خلقه وأنشأه فدبّره وأحكم تدبيره وقدّره أحسن تقديرٍ وأعطاه القوّة وصحّح له آلة جسمه، لم يخلقه عبثًا ولم يتركه سدًى، ولم يعطه ما أعطاه من الآلات إلاّ لاستعمالها في طاعته وما يرضيه دون معصيته وما يسخطه، فهو لحيرته في ظلمات الكفر وتردّده في غمراتها، غافلٌ عمّا اللّه قد أثبت له في أمّ الكتاب وما هو به فاعلٌ يوم يحشر إليه مع سائر الأمم. ثمّ أخبر تعالى أنّه المضلّ من يشاء إضلاله من خلقه عن الإيمان إلى الكفر، والهادي إلى الصّراط المستقيم منهم من أحبّ هدايته فموفّقه بفضله وطوله للإيمان به وترك الكفر به وبرسله وما جاءت به أنبياؤه، وأنّه لا يهتدي من خلقه أحدٌ إلاّ من سبق له في أمّ الكتاب السّعادة، ولا يضلّ منهم أحدٌ إلاّ من سبق له فيها الشّقاء، وأنّ بيده الخير كلّه، وإليه الفضل كلّه، له الخلق والأمر.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال قتادة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {صمٌّ وبكمٌ} هذا مثل الكافر أصمّ أبكم، لا يبصر هدًى ولا ينتفع به، صمٌّ عن الحقّ في الظّلمات لا يستطيع منها خروجًا له، متسكّعٌ فيها). [جامع البيان: 9/ 237-238]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({والّذين كذّبوا بآياتنا صمٌّ وبكمٌ في الظّلمات من يشأ اللّه يضلله ومن يشأ يجعله على صراطٍ مستقيمٍ (39)}
قوله: {والّذين كذّبوا بآياتنا صمٌّ وبكمٌ}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنا العبّاس، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: والّذين كذّبوا بآياتنا صمٌّ وبكمٌ في الظّلمات، هذا مثل الكافر، أصمّ أبكم، لا يسمع هدًى، ولا ينتفع به، أصمّ، عن الحقّ.
قوله: {في الظلمات من يشإ الله يضلله}.
- وبه، عن قتادة، يعني قوله: في الظّلمات من يشأ اللّه يضلله، قال: في ظلماتٍ لا يستطيع منها خروجًا، متسكع فيها.
قوله تعالى:{ ومن يشأ يجعله على صراطٍ مستقيمٍ}.
الوجه الأول:
- حدّثنا الحسن بن عرفة، ثنا يحيى بن اليمان، عن حمزة الزّيّات، عن سعدٍ الطّائيّ، عن ابن أخي الحارث الأعور، عن الحارث، قال: دخلت على عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه، فقال: سمعت رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول:
«الصّراط المستقيم: كتاب اللّه».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ أنّ عبد الرّحمن بن جبيرٍ حدّثه، عن أبيه، عن النّوّاس بن سمعان الأنصاريّ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «ضرب اللّه مثلا صراطًا مستقيمًا، قال: فالصّراط: الإسلام».
الوجه الثّالث:
- حدّثنا سعدان بن نصرٍ، ثنا أبو النّضر هاشم بن القاسم، ثنا حمزة بن المغيرة، عن عاصمٍ الأحول، عن أبي العالية الصّراط المستقيم قال: هو النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وصاحباه من بعده. قال عاصمٌ: فذكرنا ذلك للحسن. فقال صدق أبو العالية ونصح.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا يحيى بن عبدك القزوينيّ، ثنا خالد بن عبد الرّحمن المخزوميّ، ثنا عمر بن ذرٍّ، عن مجاهدٍ في قوله: {صراطٍ مستقيمٍ}، قال: الحقّ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1286-1287]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم} قال: هذا مثل الكافر أصم أبكم لا يبصر هدى ولا ينتفع به صم عن الحق في الظلمات لا يستطيع منها خروجا متسكع فيها.
- أخرج أبو الشيخ عن أبي يوسف المدني قال: كل مشيئة في القرآن إلى ابن آدم منسوخة نسختها {من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم}). [الدر المنثور: 6/ 47-48]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب اللّه أو أتتكم السّاعة أغير اللّه تدعون إن كنتم صادقين}.
اختلف أهل العربيّة في معنى قوله: {أرأيتكم}، فقال بعض نحويّي البصرة: الكاف الّتي بعد التّاء من قوله: {أرأيتكم} إنّما جاءت للمخاطبة، وتركت التّاء مفتوحةً كما كانت للواحد، قال: وهي مثل كاف رويدك زيدًا إذا قلت: أرود زيدًا، هذه الكاف ليس لها موضعٌ مسمًّى بحرفٍ لا رفعٍ ولا نصبٍ، وإنّما هي في المخاطبة مثل كاف ذاك، ومثل ذلك قول العرب: أبصرك زيدًا، يدخلون الكاف للمخاطبة.
وقال آخرون منهم: معنى: {أرأيتكم إن أتاكم} أرأيتم، قال: وهذه الكاف تدخل للمخاطبة مع التّوكيد، والتّاء وحدها هي الاسم، كما أدخلت الكاف الّتي تفرّق بين الواحد والاثنين والجميع في المخاطبة كقولهم: هذا، وذاك، وتلك، وأولئك، فتدخل الكاف للمخاطبة وليست باسمٍ، والتّاء هو الاسم للواحد والجميع، تركت على حالٍ واحدةٍ، ومثل ذلك قولهم: ليسك ثمّ إلاّ زيدٌ، يراد: ليس ولا سيّك زيدٌ، فيراد: ولا سيّما زيدٌ، وبلاك، فيراد: بلى، في معنى: ولبئسك رجلاً، ولنعمك رجلاً، وقالوا: أنظرك زيدًا ما أصنع به، وأبصرك ما أصنع به، بمعنى أبصره. وحكى بعضهم: أبصركم ما أصنع به، يراد: أبصروا، وأنظركم زيدًا: أي انظروا. وحكي عن بعض بني كلابٍ: أتعلمك كان أحدٌ أشعر من ذي الرّمّة؟ فأدخل الكاف.
وقال بعض نحويّي الكوفة: أرأيتك عمرًا، أكثر الكلام فيه ترك الهمز. قال: والكاف من أرأيتك في موضع نصبٍ، كأنّ الأصل: أرأيت نفسك على غير هذه الحال؟ قال: فهذا يثنّى ويجمع ويؤنّث، فيقال: أرأيتماكما، وأرأيتموكم، وأريتنّكنّ أوقع فعله على نفسه، وسأله عنها، ثمّ كثر به الكلام حتّى تركوا التّاء موحّدةً للتّذكير والتّأنيث والتّثنية والجمع، فقالوا: أرأيتكم زيدًا ما صنع، وأرأيتكنّ زيدًا ما صنع، فوحّدوا التّاء وثنّوا الكاف وجمعوها، فجعلوها بدلاً من التّاء، كما قال: {هاؤم اقرءوا كتابيه}، وهاء يا رجل، وهاؤما، ثمّ قالوا: هاكم، اكتفى بالكاف والميم ممّا كان يثنّى ويجمع، فكأنّ الكاف في موضع رفعٍ إذ كانت بدلاً من التّاء، وربّما وحدّت للتّثنية والجمع والتّذكير والتّأنيث، وهي كقول القائل: عليك زيدًا، الكاف في موضع خفضٍ، والتّأويل رفعٌ. فأمّا ما يجلب فأكثر ما يقع على الأسماء، ثمّ تأتي بالاستفهام، فيقال: أرأيتك زيدًا هل قام، لأنّها صارت بمعنى: أخبرني عن زيدٍ، ثمّ بيّن عمّا يستخبر، فهذا أكثر الكلام، ولم يأت الاستفهام ثنيها، لم يقل: أرأيتك هل قمت؟ لأنّهم أرادوا أن يبيّنوا عمّن يسأل، ثمّ تبيّن الحالة الّتي يسأل عنها، وربّما جاء بالخبر ولم يأت بالاسم، فقالوا: أرأيت زيدًا هل يأتينا؟ وأرأيتك أيضًا، وأرأيت زيدًا إن أتيته هل يأتينا؟ إذا كانت بمعنى أخبرني، فيقال باللّغات الثّلاث.
وتأويل الكلام: قل يا محمّد لهؤلاء العادلين باللّه الأوثان والأصنام، أخبروني إن جاءكم أيّها القوم عذاب اللّه، كالّذي جاء من قبلكم من الأمم الّذين هلك بعضهم بالرّجفة، وبعضهم بالصّاعقة، أو جاءتكم السّاعة الّتي تنشرون فيها من قبوركم وتبعثون لموقف القيامة، أغير اللّه هناك تدعون لكشف ما نزل بكم من البلاء أو إلى غيره من آلهتكم تفزعون لينجيكم ممّا نزل بكم من عظيم البلاء {إن كنتم صادقين} يقول: إن كنتم محقّين في دعواكم وزعمكم أنّ آلهتكم الّتي تدعونها من دون اللّه تنفع أو تضرّ).[جامع البيان: 9/ 239-241]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب اللّه أو أتتكم السّاعة أغير اللّه تدعون إن كنتم صادقين (40)}
قوله تعالى: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب اللّه}.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله}، قال: فجاءة آمنين). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1287]

تفسير قوله تعالى: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {بل إيّاه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون}.
يقول تعالى ذكره مكذّبًا لهؤلاء العادلين به الأوثان: ما أنتم أيّها المشركون باللّه الآلهة والأنداد إن أتاكم عذاب اللّه أو أتتكم السّاعة بمستجيرين بشيءٍ غير اللّه في حال شدّة الهول النّازل بكم من آلهةٍ ووثنٍ وصنمٍ، بل تدعون هناك ربّكم الّذي خلقكم وبه تستغيثون وإليه تفزعون دون كلّ شيءٍ غيره. {فيكشف ما تدعون إليه} يقول: فيفرّج عنكم عند استغاثتكم به وتضرّعكم إليه عظيم البلاء النّازل بكم إن شاء أن يفرّج ذلك عنكم، لأنّه القادر على كلّ شيءٍ ومالك كلّ شيءٍ دون ما تدعونه إلهًا من الأوثان والأصنام. {وتنسون ما تشركون} يقول: وتنسون حين يأتيكم عذاب اللّه أو تأتيكم السّاعة بأهوالها ما تشركونه مع اللّه في عبادتكم إيّاه فتجعلونه له ندًّا من وثنٍ وصنمٍ، وغير ذلك ممّا تعبدونه من دونه وتدعونه إلهًا).[جامع البيان: 9/ 241]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({بل إيّاه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون (41)}
قوله: {بل إيّاه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء}
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنا ابن وهبٍ، أخبرني ابن لهيعة أنّ أبا الزّبير أخبره، عن جابر بن عبد اللّه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال:« ما من النّاس أحدٌ يدعو بدعاءٍ إلا آتاه اللّه ما سأل، وكفّ عنه من السّوء مثله، ما لم يدع بإثمٍ أو قطيعة رحمٍ»). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1288]


رد مع اقتباس