عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 06:33 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ولقد أخذ اللّه ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبًا وقال اللّه إنّي معكم لئن أقمتم الصّلاة وآتيتم الزّكاة وآمنتم برسلي وعزّرتموهم وأقرضتم اللّه قرضًا حسنًا لأكفّرنّ عنكم سيّئاتكم ولأدخلنّكم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضلّ سواء السّبيل (12) فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسيةً يحرّفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظًّا ممّا ذكّروا به ولا تزال تطّلع على خائنةٍ منهم إلّا قليلًا منهم فاعف عنهم واصفح إنّ اللّه يحبّ المحسنين (13) ومن الّذين قالوا إنّا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظًّا ممّا ذكّروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبّئهم اللّه بما كانوا يصنعون (14)}
لمّا أمر [اللّه] تعالى عباده المؤمنين بالوفاء بعهده وميثاقه، الّذي أخذه عليهم على لسان عبده ورسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأمرهم بالقيام بالحقّ والشّهادة بالعدل، وذكّرهم نعمه عليهم الظّاهرة والباطنة، فيما هداهم له من الحقّ والهدى، شرعٌ يبيّن لهم كيف أخذ العهود والمواثيق على من كان قبلهم من أهل الكتابين: اليهود والنّصارى، فلمّا نقضوا عهوده ومواثيقه أعقبهم ذلك لعنًا منه لهم، وطردًا عن بابه وجنابه، وحجابًا لقلوبهم عن الوصول إلى الهدى ودين الحقّ، وهو العلم النّافع والعمل الصّالح، فقال تعالى: {ولقد أخذ اللّه ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبًا} يعني: عرفاء على قبائلهم بالمبايعة والسّمع، والطّاعة للّه ولرسوله ولكتابه.
وقد ذكر ابن عبّاسٍ ومحمّد بن إسحاق وغير واحدٍ أنّ هذا كان لمّا توجّه موسى، عليه السّلام، لقتال الجبابرة، فأمر بأن يقيم النّقباء، من كلّ سبطٍ نقيبٌ -قال محمّد بن إسحاق: فكان من سبط روبيل: "شامون بن زكور، ومن سبط شمعون: "شافاط بن حرّي"، ومن سبط يهوذا: "كالب بن يوفنا"، ومن سبط أبين: "فيخائيل بن يوسف"، ومن سبط يوسف، وهو سبط أفرايم: "يوشع بن نونٍ"، ومن سبط بنيامين: "فلطمى بن رفون"، ومن سبط زبلون جدّي بن سودى"، ومن سبط يوسف وهو منشا بن يوسف: "جديّ بن سوسى"، ومن سبط دانٍ: "حملائيل بن جملٍ"، ومن سبط أسيرٍ: "ساطور بن ملكيل"، ومن سبط نفتالي نحّى بن وفسى"، ومن سبط جادٍ: "جولايل بن ميكي".
وقد رأيت في السّفر الرّابع من التّوراة تعداد النّقباء على أسباط بني إسرائيل وأسماءً مخالفةً لما ذكره ابن إسحاق، واللّه أعلم، قال فيها: فعلى بني روبيل: "الصّونيّ بن سادون"، وعلى بني شمعون: "شموال بن صورشكي"، وعلى بني يهوذا: "يحشون بن عمبيا ذاب وعلى بني يساخر: "شال بن صاعون"، وعلى بني زبلون: "الياب بن حالوب، وعلى بني يوسف إفرايم: "منشا بن عمنهود"، وعلى بني منشا: "حمليائيل بن يرصون"، وعلى بني بنيامين: "أبيدن بن جدعون"، وعلى بني دانٍ: "جعيذر بن عميشذي"، وعلى بني أسيرٍ: "نحايل بن عجران"، وعلى بني حاز: "السّيف بن دعواييل"، وعلى بني نفتالي: "أجزع بن عمينان".
وهكذا لمّا بايع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الأنصار ليلة العقبة، كان فيهم اثنا عشر نقيبًا، ثلاثةٌ من الأوس وهم: أسيد بن الحضير، وسعد بن خيثمة، ورفاعة بن عبد المنذر -ويقال بدله: أبو الهيثم بن التّيّهان-رضي اللّه عنهم، وتسعةٌ من الخزرج، وهم: أبو أمامة أسعد بن زرارة، وسعد بن الرّبيع، وعبد اللّه بن رواحة، ورافع بن مالك بن العجلان والبراء بن معرور، وعبادة بن الصّامت، وسعد بن عبادة، وعبد اللّه بن عمرو بن حرامٍ، والمنذر بن عمرو بن خنيس، رضي اللّه عنهم. وقد ذكرهم كعب بن مالكٍ في شعرٍ له، كما أورده ابن إسحاق، رحمه اللّه.
والمقصود أنّ هؤلاء كانوا عرفاء على قومهم ليلتئذٍ عن أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لهم بذلك، وهم الّذين ولّوا المبايعة والمعاقدة عن قومهم للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على السّمع والطّاعة.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حسن بن موسى، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن مجالد، عن الشّعبيّ، عن مسروقٍ قال: كنّا جلوسًا عند عبد اللّه بن مسعودٍ وهو يقرئنا القرآن، فقال له رجلٌ: يا أبا عبد الرّحمن، هل سألتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: كم يملك هذه الأمّة من خليفةٍ؟ فقال عبد اللّه: ما سألني عنها أحدٌ منذ قدمت العراق قبلك، ثمّ قال: نعم ولقد سألنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "اثنا عشر كعدّة نقباء بني إسرائيل".
هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه وأصل هذا الحديث ثابتٌ في الصّحيحين من حديث جابر بن سمرة قال: سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "لا يزال أمر النّاس ماضيًا ما وليهم اثنا عشر رجلًا". ثمّ تكلّم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بكلمةٍ خفيت عليّ، فسألت أبي: ماذا قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: "كلّهم من قريشٍ".
وهذا لفظ مسلمٍ ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفةً صالحًا يقيم الحقّ ويعدل فيهم، ولا يلزم من هذا تواليهم وتتابع أيّامهم، بل قد وجد منهم أربعةٌ على نسق، وهم الخلفاء الأربعة: أبو بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٌّ، رضي اللّه عنهم، ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شكٍّ عند الأئمّة، وبعض بني العبّاس. ولا تقوم السّاعة حتّى تكون ولايتهم لا محالة، والظاهر أن منهم المهديّ المبشّر به في الأحاديث الواردة بذكره: أنّه يواطئ اسمه اسم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، واسم أبيه اسم أبيه، فيملأ الأرض عدلا وقسطًا، كما ملئت جورا وظلمًا، وليس هذا بالمنتظر الّذي يتوهّم الرّافضة وجوده ثمّ ظهوره من سرداب "سامرّاء". فإنّ ذلك ليس له حقيقةٌ ولا وجودٌ بالكلّيّة، بل هو من هوس العقول السّخيفة، وتوهّم الخيالات الضّعيفة، وليس المراد بهؤلاء الخلفاء الاثني عشر الأئمّة [الاثني عشر] الّذين يعتقد فيهم الاثنا عشريّة من الرّوافض، لجهلهم وقلّة عقلهم. وفي التّوراة البشارة بإسماعيل، عليه السّلام، وأنّ اللّه يقيم من صلبه اثني عشر عظيمًا، وهم هؤلاء الخلفاء الاثنا عشر المذكورون في حديث ابن مسعودٍ، وجابر بن سمرة، وبعض الجهلة ممّن أسلم من اليهود إذا اقترن بهم بعض الشّيعة يوهمونهم أنّهم الأئمّة الاثنا عشر، فيتشيّع كثيرٌ منهم جهلًا وسفها، لقلّة علمهم وعلم من لقّنهم ذلك بالسّنن الثّابتة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقوله تعالى: {وقال اللّه إنّي معكم} أي: بحفظي وكلاءتي ونصري {لئن أقمتم الصّلاة وآتيتم الزّكاة وآمنتم برسلي} أي: صدقتموهم فيما يجيئونكم به من الوحي {وعزّرتموهم} أي: نصرتموهم وآزرتموهم على الحقّ {وأقرضتم اللّه قرضًا حسنًا} وهو: الإنفاق في سبيله وابتغاء مرضاته {لأكفّرنّ عنكم سيّئاتكم} أي: ذنوبكم أمحوها وأسترها، ولا أؤاخذكم بها {ولأدخلنّكم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار} أي: أدفع عنكم المحذور، وأحصّل لكم المقصود.
وقوله: {فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضلّ سواء السّبيل} أي: فمن خالف هذا الميثاق بعد عقده وتوكيده وشده، وجحده وعامله معاملة من لا يعرفه، فقد أخطأ الطّريق الحقّ، وعدل عن الهدى إلى الضّلال). [تفسير القرآن العظيم: 3/64-66]

تفسير قوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ أخبر تعالى عمّا أحلّ بهم من العقوبة عند مخالفتهم ميثاقه ونقضهم عهده، فقال: {فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم} أي: فبسبب نقضهم الميثاق الّذي أخذ عليهم لعنّاهم، أي أبعدناهم عن الحقّ وطردناهم عن الهدى، {وجعلنا قلوبهم قاسيةً} أي: فلا يتّعظون بموعظةٍ لغلظها وقساوتها، {يحرّفون الكلم عن مواضعه} أي: فسدت فهومهم، وساء تصرّفهم في آيات اللّه، وتأوّلوا كتابه على غير ما أنزله، وحملوه على غير مراده، وقالوا عليه ما لم يقل، عياذًا باللّه من ذلك، {ونسوا حظًّا ممّا ذكّروا به} أي: وتركوا العمل به رغبةً عنه.
قال الحسن: تركوا عرى دينهم ووظائف اللّه الّتي لا يقبل العمل إلّا بها. وقال غيره: تركوا العمل فصاروا إلى حالةٍ رديئةٍ، فلا قلوب سليمةٌ، ولا فطر مستقيمةٌ، ولا أعمال قويمةٌ.
{ولا تزال تطّلع على خائنةٍ منهم} يعني: مكرهم وغدرهم لك ولأصحابك.
وقال مجاهدٌ وغيره: يعني بذلك تمالؤهم على الفتك بالنّبيّ، صلّى اللّه عليه وسلّم.
{فاعف عنهم واصفح} وهذا هو عين النّصر والظّفر، كما قال بعض السلف: ما عاملت من عصى اللّه فيك بمثل أن تطيع اللّه فيه. وبهذا يحصل لهم تأليفٌ وجمعٌ على الحقّ، ولعلّ اللّه أن يهديهم؛ ولهذا قال تعالى: {إنّ اللّه يحبّ المحسنين} يعني به: الصّفح عمّن أساء إليك.
وقال قتادة: هذه الآية {فاعف عنهم واصفح} منسوخةٌ بقوله: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر [ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الّذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون]} [التّوبة: 29]). [تفسير القرآن العظيم: 3/66-67]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ومن الّذين قالوا إنّا نصارى أخذنا ميثاقهم} أي: ومن الّذين ادّعوا لأنفسهم أنّهم نصارى يتابعون المسيح ابن مريم عليه السّلام، وليسوا كذلك، أخذنا عليهم العهود والمواثيق على متابعة الرّسول ومناصرته ومؤازرته واقتفاء آثاره، والإيمان بكلّ نبيٍّ يرسله اللّه إلى أهل الأرض، أي: ففعلوا كما فعل اليهود، خالفوا المواثيق ونقضوا العهود؛ ولهذا قال: {فنسوا حظًّا ممّا ذكّروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة} أي: فألقينا بينهم العداوة والتّباغض لبعضهم بعضًا، ولا يزالون كذلك إلى قيام السّاعة. وكذلك طوائف النّصارى على اختلاف أجناسهم لا يزالون متباغضين متعادين، يكفّر بعضهم بعضًا، ويلعن بعضهم بعضًا؛ فكلّ فرقةٍ تحرم الأخرى ولا تدعها تلج معبدها، فالملكيّة تكفّر اليعقوبيّة، وكذلك الآخرون، وكذلك النّسطوريّة والأريوسيّة، كلّ طائفةٍ تكفّر الأخرى في هذه الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد.
ثمّ قال تعالى: {وسوف ينبّئهم اللّه بما كانوا يصنعون} وهذا تهديدٌ ووعيدٌ أكيدٌ للنّصارى على ما ارتكبوه من الكذب على اللّه وعلى رسوله، وما نسبوه إلى الرّبّ، عزّ وجلّ، وتعالى وتقدّس عن قولهم علوًّا كبيرًا، من جعلهم له صاحبةً وولدًا، تعالى الواحد الأحد، الفرد الصّمد، الّذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 3/67]


رد مع اقتباس