عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 26 ذو القعدة 1439هـ/7-08-2018م, 10:17 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({اللّه يعلم ما تحمل كلّ أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكلّ شيءٍ عنده بمقدارٍ (8) عالم الغيب والشّهادة الكبير المتعال (9)}
يخبر تعالى عن تمام علمه الّذي لا يخفى عليه شيءٌ، وأنّه محيطٌ بما تحمله الحوامل من كلّ إناث الحيوانات، كما قال تعالى: {ويعلم ما في الأرحام} [لقمان: 34] أي: ما حملت من ذكرٍ أو أنثى، أو حسنٍ أو قبيحٍ، أو شقيٍّ أو سعيدٍ، أو طويل العمر أو قصيره، كما قال تعالى: {هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنّةٌ في بطون أمّهاتكم فلا تزكّوا أنفسكم هو أعلم بمن اتّقى} [النّجم: 32].
وقال تعالى: {يخلقكم في بطون أمّهاتكم خلقًا من بعد خلقٍ في ظلماتٍ ثلاثٍ} [الزّمر:6] أي: خلقكم طورًا من بعد طورٍ، كما قال تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ ثمّ جعلناه نطفةً في قرارٍ مكينٍ ثمّ خلقنا النّطفة علقةً فخلقنا العلقة مضغةً فخلقنا المضغة عظامًا فكسونا العظام لحمًا ثمّ أنشأناه خلقًا آخر فتبارك اللّه أحسن الخالقين} [المؤمنون: 12: 14] وفي الصّحيحين عن ابن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "إنّ خلق أحدكم يجمع في بطن أمّه أربعين يومًا، ثمّ يكون علقةً مثل ذلك، ثمّ يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه ملكٌ فيؤمر بأربع كلماتٍ: يكتب رزقه، وعمره، وعمله، وشقّيٌ أو سعيدٌ".
وفي الحديث الآخر: "فيقول الملك: أي ربّ، أذكرٌ أم أنثى؟ أي ربّ، أشقيٌّ أم سعيدٌ؟ فما الرّزق؟ فما الأجل؟ فيقول اللّه، ويكتب الملك".
وقوله: {وما تغيض الأرحام وما تزداد} قال البخاريّ: حدّثنا إبراهيم بن المنذر، حدّثنا معن، حدّثنا مالكٌ، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "مفاتيح الغيب خمسٌ لا يعلمها إلّا اللّه: لا يعلم ما في غدٍ إلّا اللّه، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلّا اللّه، ولا يعلم متى يأتي المطر أحدٌ إلّا اللّه، ولا تدري نفسٌ بأيّ أرضٍ تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله".
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {وما تغيض الأرحام} يعني: السقط {وما تزداد} يقول: ما زادت الرّحم في الحمل على ما غاضت حتّى ولدته تمامًا. وذلك أنّ من النّساء من تحمل عشرة أشهر، ومنهنّ من تحمل تسعة أشهر، ومنهنّ من تزيد في الحمل، ومنهنّ من تنقص، فذلك الغيض والزّيادة الّتي ذكر اللّه تعالى، وكلّ ذلك بعلمه تعالى.
وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وما تغيض الأرحام وما تزداد} قال: ما نقصت من تسعةٍ وما زاد عليها.
وقال الضّحّاك: وضعتني أمّي وقد حملتني في بطنها سنتين، وولدتني وقد نبتت ثنيّتي.
وقال ابن جريج، عن جميلة بنت سعدٍ، عن عائشة قالت: لا يكون الحمل أكثر من سنتين، قدر ما يتحرّك ظل مغزل.
وقال مجاهدٌ: {وما تغيض الأرحام وما تزداد} قال: ما ترى من الدّم في حملها، وما تزداد على تسعة أشهرٍ. وبه قال عطيّة العوفيّ وقتادة، والحسن البصريّ، والضّحّاك.
وقال مجاهدٌ أيضًا: إذا رأت المرأة الدّم دون التّسعة زاد على التّسعة، مثل أيّام الحيض. وقاله عكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، وابن زيدٍ.
وقال مجاهدٌ أيضًا: {وما تغيض الأرحام} إراقة المرأة حتّى يخسّ الولد {وما تزداد} إن لم تهرق المرأة تمّ الولد وعظم.
وقال مكحولٌ: الجنين في بطن أمّه لا يطلب، ولا يحزن ولا يغتمّ، وإنّما يأتيه رزقه في بطن أمّه من دم حيضتها فمن ثمّ لا تحيض الحامل. فإذا وقع إلى الأرض استهلّ، واستهلاله استنكارٌ لمكانه، فإذا قطعت سرّته حوّل اللّه رزقه إلى ثديي أمّه حتّى لا يطلب ولا يحزن ولا يغتمّ، ثمّ يصير طفلًا يتناول الشّيء بكفّه فيأكله، فإذا هو بلغ قال: هو الموت أو القتل، أنّى لي بالرّزق؟ فيقول مكحولٌ: يا ويلك ! غذاك وأنت في بطن أمّك، وأنت طفلٌ صغيرٌ، حتّى إذا اشتددت وعقلت قلت: هو الموت أو القتل، أنّى لي بالرّزق؟ ثمّ قرأ مكحولٌ: {اللّه يعلم ما تحمل كلّ أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكلّ شيءٍ عنده بمقدارٍ}
وقال قتادة: {وكلّ شيءٍ عنده بمقدارٍ} أي: بأجلٍ، حفظ أرزاق خلقه وآجالهم، وجعل لذلك أجلًا معلومًا.
وفي الحديث الصّحيح: أنّ إحدى بنات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعثت إليه: أنّ ابنًا لها في الموت، وأنّها تحبّ أن يحضره. فبعث إليها يقول: "إنّ للّه ما أخذ، وله ما أعطى، وكلّ شيءٍ عنده بأجلٍ مسمًّى، فمروها فلتصبر ولتحتسب" الحديث بتمامه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 435-437]

تفسير قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {عالم الغيب والشّهادة} أي: يعلم كلّ شيءٍ ممّا يشاهده العباد وممّا يغيب عنهم، ولا يخفى عليه منه شيءٌ. {الكبير} الّذي هو أكبر من كلّ شيءٍ، {المتعال} أي: على كلّ شيءٍ، قد أحاط بكلّ شيءٍ علمًا، وقهر كلّ شيءٍ، فخضعت له الرّقاب ودان له العباد، طوعًا وكرهًا). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 437]

تفسير قوله تعالى: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({سواءٌ منكم من أسرّ القول ومن جهر به ومن هو مستخفٍ باللّيل وساربٌ بالنّهار (10) له معقّباتٌ من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه إنّ اللّه لا يغيّر ما بقومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم وإذا أراد اللّه بقومٍ سوءًا فلا مردّ له وما لهم من دونه من والٍ (11)}
يخبر تعالى عن إحاطة علمه بجميع خلقه، سواءٌ منهم من أسرّ قوله أو جهر به، فإنّه يسمعه لا يخفى عليه شيءٌ كما قال: {وإن تجهر بالقول فإنّه يعلم السّرّ وأخفى} [طه: 7] وقال: {ويعلم ما تخفون وما تعلنون} [النّمل: 25] وقالت عائشة، رضي اللّه عنها: سبحان الّذي وسع سمعه الأصوات، واللّه لقد جاءت المجادلة تشتكي زوجها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، وأنا في جنب البيت، وإنّه ليخفى عليّ بعض كلامها، فأنزل اللّه: {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللّه واللّه يسمع تحاوركما إنّ اللّه سميعٌ بصيرٌ} [المجادلة: 1].
وقوله: {ومن هو مستخفٍ باللّيل} أي: مختفٍ في قعر بيته في ظلام اللّيل، {وساربٌ بالنّهار} أي: ظاهرٌ ماشٍ في بياض النّهار وضيائه، فإنّ كليهما في علم اللّه على السّواء، كما قال تعالى: {ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرّون وما يعلنون} [هودٍ: 5] وقال تعالى: {وما تكون في شأنٍ وما تتلو منه من قرآنٍ ولا تعملون من عملٍ إلا كنّا عليكم شهودًا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربّك من مثقال ذرّةٍ في الأرض ولا في السّماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتابٍ مبينٍ} [يونس: 61]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 437]

تفسير قوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {له معقّباتٌ من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه} أي: للعبد ملائكةٌ يتعاقبون عليه، حرس باللّيل وحرس بالنّهار، يحفظونه من الأسواء والحادثات، كما يتعاقب ملائكةٌ آخرون لحفظ الأعمال من خيرٍ أو شرٍّ، ملائكةٌ باللّيل وملائكةٌ بالنّهار، فاثنان عن اليمين و [عن] الشّمال يكتبان الأعمال، صاحب اليمين يكتب الحسنات، وصاحب الشّمال يكتب السّيّئات، وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحدًا من ورائه وآخر من قدّامه، فهو بين أربعة أملاكٍ بالنّهار، وأربعةٍ آخرين باللّيل بدلًا حافظان وكاتبان، كما جاء في الصّحيح: "يتعاقبون فيكم ملائكةٌ باللّيل وملائكةٌ بالنّهار، ويجتمعون في صلاة الصّبح وصلاة العصر، فيصعد إليه الّذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بكم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلّون، وتركناهم وهم يصلّون" وفي الحديث الآخر: "إنّ معكم من لا يفارقكم إلّا عند الخلاء وعند الجماع، فاستحيوهم وأكرموهم".
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {له معقّباتٌ من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه} والمعقّبات من أمر اللّه، وهي الملائكة.
وقال عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {يحفظونه من أمر اللّه} قال: ملائكةٌ يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدر اللّه خلّوا عنه.
وقال مجاهدٌ: ما من عبدٍ إلّا له ملك موكّلٌ، يحفظه في نومه ويقظته من الجنّ والإنس والهوامّ، فما منها شيءٌ يأتيه يريده إلّا قال الملك: وراءك إلّا شيءٌ يأذن اللّه فيه فيصيبه.
وقال الثّوريّ عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {له معقّباتٌ من بين يديه ومن خلفه} قال: ذلك ملكٌ من ملوك الدّنيا، له حرسٌ من دونه حرسٌ.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {له معقّباتٌ من بين يديه ومن خلفه} يعني: وليّ الشّيطان، يكون عليه الحرس. وقال عكرمة في تفسيرها: هؤلاء الأمراء: المواكب من بين يديه ومن خلفه.
وقال الضّحّاك: {له معقّباتٌ من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه} قال: هو السّلطان المحترس من أمر اللّه، وهم أهل الشّرك.
والظّاهر، واللّه أعلم، أنّ مراد ابن عبّاسٍ وعكرمة والضّحّاك بهذا أنّ حرس الملائكة للعبيد يشبه حرس هؤلاء لملوكهم وأمرائهم.
وقد روى الإمام أبو جعفر ابن جريرٍ هاهنا حديثًا غريبًا جدًّا فقال:
حدّثني المثنّى، حدّثنا إبراهيم بن عبد السّلام بن صالحٍ القشيريّ، حدّثنا عليّ بن جريرٍ، عن حمّاد بن سلمة، عن عبد الحميد بن جعفرٍ، عن كنانة العدويّ قال: دخل عثمان بن عفّان على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال: يا رسول اللّه، أخبرني عن العبد، كم معه من ملكٍ ؟ فقال: "ملكٌ على يمينك على حسناتك، وهو آمرٌ على الّذي على الشّمال، إذا عملت حسنةً كتبت عشرًا، فإذا عملت سيّئةً قال الّذي على الشّمال للّذي على اليمين: أكتب؟ قال: لا لعلّه يستغفر اللّه ويتوب. فإذا قال ثلاثا قال: نعم، اكتب أراحنا اللّه منه، فبئس القرين. ما أقلّ مراقبته للّه وأقلّ استحياءه منّا". يقول اللّه: {ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيبٌ عتيدٌ} [ق: 18] وملكان من بين يديك ومن خلفك، يقول اللّه: {له معقّباتٌ من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه} وملكٌ قابضٌ على ناصيتك، فإذا تواضعت للّه رفعك، وإذا تجبّرت على اللّه قصمك، وملكان على شفتيك، ليس يحفظان عليك إلّا الصّلاة على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وملكٌ قائمٌ على فيك لا يدع الحيّة أنّ تدخل في فيك، وملكان على عينيك فهؤلاء عشرة أملاكٍ على كلّ آدميٍّ ينزلون ملائكة اللّيل على ملائكة النّهار؛ لأنّ ملائكة اللّيل سوى ملائكة النّهار، فهؤلاء عشرون ملكًا على كلّ آدميٍّ وإبليس بالنّهار وولده باللّيل".
قال الإمام أحمد، رحمه اللّه: حدّثنا أسود بن عامرٍ، حدّثنا سفيان، حدّثني منصورٍ، عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه، عن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما منكم من أحدٍ إلّا وقد وكّل به قرينه من الجنّ وقرينه من الملائكة". قالوا: وإيّاك يا رسول اللّه، قال: "وإيّاي، ولكن أعانني اللّه عليه فلا يأمرني إلّا بخيرٍ".
انفرد بإخراجه مسلمٌ.
وقوله: {يحفظونه من أمر اللّه} قيل: المراد حفظهم له من أمر اللّه. رواه عليّ بن أبي طلحة، وغيره، عن ابن عبّاسٍ. وإليه ذهب مجاهدٌ، وسعيد بن جبيرٍ، وإبراهيم النّخعي، وغيرهم.
وقال قتادة: {يحفظونه من أمر اللّه} قال: وفي بعض القراءات: "يحفظونه بأمر اللّه".
وقال كعب الأحبار: لو تجلّى لابن آدم كلّ سهلٍ وحزنٍ، لرأى كلّ شيءٍ من ذلك شياطين لولا أنّ اللّه وكّل بكم ملائكةً عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم، إذًا لتخطّفتم.
وقال أبو أمامة ما من آدميٍّ إلّا ومعه ملكٌ يذود عنه، حتّى يسلمه للّذي قدّر له.
وقال أبو مجلز: جاء رجلٌ من مراد إلى عليٍّ، رضي اللّه عنه، وهو يصلّي، فقال: احترس، فإنّ ناسًا من مرادٍ يريدون قتلك. فقال: إن مع كلّ رجلٍ ملكين يحفظانه ممّا لم يقدّر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه، وإنّ الأجل جنّةٌ حصينة.
وقال بعضهم: {يحفظونه من أمر اللّه} بأمر اللّه، كما جاء في الحديث أنّهم قالوا: يا رسول اللّه، أرأيت رقى نسترقي بها، هل تردّ من قدر اللّه شيئًا؟ فقال: "هي من قدر الله".
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا حفص بن غياثٍ، عن أشعث، عن جهم، عن إبراهيم قال: أوحى اللّه إلى نبيٍّ من أنبياء بني إسرائيل: أن قل لقومك: إنّه ليس من أهل قريةٍ ولا أهل بيتٍ يكونون على طاعة اللّه فيتحوّلون منها إلى معصية اللّه، إلّا تحوّل لهم ممّا يحبّون إلى ما يكرهون، ثمّ قال: إنّ مصداق ذلك في كتاب اللّه: {إنّ اللّه لا يغيّر ما بقومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم}
وقد ورد هذا في حديثٍ مرفوعٍ، فقال الحافظ محمّد بن عثمان بن أبي شيبة في كتابه "صفة العرش": حدّثنا الحسن بن عليٍّ، حدّثنا الهيثم بن الأشعث السّلميّ، حدّثنا أبو حنيفة اليماميّ الأنصاريّ، عن عمير بن عبد اللّه قال: خطبنا عليّ بن أبي طالبٍ على منبر الكوفة، قال: كنت إذا سكتّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ابتدأني، وإذا سألته عن الخبر أنبأني، وإنّه حدّثني عن ربّه، عزّ وجلّ، قال: "قال الرّبّ: وعزّتي وجلالي، وارتفاعي فوق عرشي، ما من أهل قريةٍ ولا أهل بيتٍ كانوا على ما كرهت من معصيتي، ثمّ تحوّلوا عنها إلى ما أحببت من طاعتي، إلّا تحوّلت لهم عمّا يكرهون من عذابي إلى ما يحبّون من رحمتي".
وهذا غريبٌ، وفي إسناده من لا أعرفه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 437-440]

رد مع اقتباس