عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 12 ذو القعدة 1439هـ/24-07-2018م, 04:13 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري
تفسير قوله تعالى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ودخل معه السجن} الآية. المعنى: فسجنوه فدخل معه السجن غلامان سجنا أيضا، وهذه (مع) تحتمل أن تكون باقتران وقت الدخول، وألا تكون بل دخلوا أفذاذا، وروي أنهما كانا للملك الأعظم، الوليد بن الريان، أحدهما: خبازه، والآخر: ساقيه.
والفتى: الشاب، وقد تقع اللفظة على المملوك وعلى الخادم الحر، ويحتمل أن يتصف هذان بجميع ذلك، واللفظة من ذوات الياء، وقولهم: (الفتوة): شاذ، وروي أن الملك اتهمهما بأن الخابز منهما أراد سمه، ووافقه على ذلك الساقي، فسجنهما، قاله السدي، فلما دخل يوسف السجن استمال الناس فيه بحسن حديثه وفضله ونبله، وكان يسلي حزينهم، ويعود مريضهم، ويسأل لفقيرهم، ويندبهم إلى الخير، فأحبه الفتيان ولزماه، وأحبه صاحب السجن والقيم عليه، وقال له: كن في أي البيوت شئت، فقال له يوسف: لا تحبني يرحمك الله، فلقد أدخلت علي المحبة مضرات: أحبتني عمتي فامتحنت لمحبتها، وأحبني أبي فامتحنت لمحبته لي، وأحبتني امرأة العزيز فامتحنت لمحبتها بما ترى، وكان يوسف عليه السلام قد قال لأهل السجن: إني أعبر الرؤيا وأجيد، فروي عن ابن مسعود أن الفتيين استعملا هذين المنامين ليجرباه، وروي عن مجاهد أنهما رأيا ذلك حقيقة فأرادا سؤاله، فقال أحدهما واسمه (نبو) فيما
[المحرر الوجيز: 5/86]
روي: إني رأيت حبلة من كرم لها ثلاثة أغصان حسان، فيها عناقيد عنب حسان، فكنت أعصرها وأسقي الملك، وقال الآخر واسمه (مجلث): كنت أرى أني أخرج من مطبخة الملك وعلى رأسي ثلاث سلال فيها خبز والطير تأكل من أعلاه.
وقوله: {أعصر خمرا} قيل: إنه سمى العنب خمرا بالمآل، وقيل: هي لغة أزد عمان، يسمون العنب خمرا، وقال الأصمعي: حدثني المعتمر قال: لقيت أعرابيا يحمل عنبا في وعاء، فقلت: ما تحمل؟ قال: خمرا، أراد العنب. وفي قراءة أبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود "إني أراني أعصر عنبا"، ويجوز أن يكون وصف الخمر بأنها معصورة؛، إذ العصر لها ومن أجلها.
وقوله: "خبزا" يروى أنه رأى ثريدا فوق رأسه، وفي مصحف ابن مسعود: "فوق رأسي ثريدا تأكل الطير منه".
وقوله: {إنا نراك من المحسنين} قال الجمهور: يريدان: في العلم، وقال الضحاك وقتادة: المعنى من المحسنين في عشرته مع أهل السجن وإجماله معهم، وقيل: أرادا إخباره أنهما يريان له إحسانا عليهما ويدا إذا تأول لهما ما رأياه، ونحا إليه ابن إسحاق). [المحرر الوجيز: 5/87]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون}
[المحرر الوجيز: 5/87]
روي عن السدي وابن إسحاق أن يوسف عليه السلام لما علم شدة تعبير منامة رائي الخبز وأنها تؤذن بقتله ذهب إلى غير ذلك من الحديث عسى ألا يطالباه بالتعبير، فقال لهما -معلما بعظيم علمه للتعبير-: إنه لا يجيئكما طعام في نومكما تريان أنكما رزقتماه إلا أعلمتكما بتأويل ذلك الطعام، أي: بما يؤول إليه أمره في اليقظة قبل أن يظهر ذلك التأويل الذي أعلمكما به، فروي أنهما قالا: ومن أين لك ما تدعيه من العلم وأنت لست بكاهن ولا منجم؟ فقال لهما: ذلكما مما علمني ربي، ثم نهض ينحي لهما على الكفر ويحسن لهما الإيمان بالله، فروي أنه قصد في ذلك وجهين: أحدهما: تنسيتهما أمر تعبير ما سألا عنه؛ إذ في ذلك النذارة بقتل أحدهما، والآخر: الطماعية في إيمانهما؛ ليأخذ المقتول بحظه من الإيمان وتسلم له آخرته، وقال ابن جريج: أراد يوسف عليه السلام: لا يأتيكما طعام في اليقظة ترزقانه إلا نبأتكما منه بعلم، وبما يؤول إليه أمركما قبل أن يأتيكما ذلك المآل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فعلى هذا إنما أعلمهم بأنه يعلم مغيبات لا تعلق لها برؤيا، وقصد بذلك أحد الوجهين المتقدمين، وهذا على ما روي من أنه نبئ في السجن، فإخباره كإخبار عيسى عليه السلام. وقال ابن جريج: كانت عادة ذلك الملك إذا أراد قتل أحد ممن في سجنه بعث إليه طعاما يجعله علامة لقتله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا كله لا يقتضيه اللفظ ولا ينهض به إسناد.
وقوله: "تركت" مع أنه لم يتشبث بها -جائز صحيح، وذلك أنه عبر عن تجنبه من أول بالترك، وساق لفظة الترك استجلابا لهما عسى أن يتوكأ الترك الحقيقي الذي هو بعد الأخذ في الشيء، والقوم المتروك ملتهم: الملك وأتباعه، وكرر قوله: "وهم" على جهة التأكيد، وحسن ذلك للفاصلة التي بينهما). [المحرر الوجيز: 5/88]

تفسير قوله تعالى: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {واتبعت} الآية. تماد من يوسف عليه السلام في دعائهما إلى الملة الحنيفة، وزوال عن مواجهة (مجلث) لما تقتضيه رؤياه. وقرأ "ءاباءي?" بالإسكان في
[المحرر الوجيز: 5/88]
الياء، الأشهب العقيلي وأبو عمرو، وقرأ الجمهور: "آبائي" بياء مفتوحة، قال أبو حاتم: هما حسنتان فاقرأ كيف شئت، وأما طرح الهمزة فلا يجوز، ولكن تخفيفها جيد، فتصير ياء مكسورة بعد ياء ساكنة أو مفتوحة.
وقوله: "ذلك" إشارة إلى ملتهم وشرعهم، وكون ذلك فضلا عليهم بين؛ إذ خصهم الله تعالى بذلك، وجعلهم أنبياء، وكونه فضلا على الناس هو إذ يدعون به إلى الدين، ويساقون إلى النجاة من عذاب الله عز وجل: " من شيء " هي "من" الزائدة المؤكدة التي تكون مع الجحد، وقوله: {لا يشكرون} يريد الشكر التام الذي فيه الإيمان). [المحرر الوجيز: 5/89]

تفسير قوله تعالى: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين}
وصفه لهما بـ يا صاحبي السجن هو: إما على أن نسبهما بصحبتهما للسجن من حيث سكناه، كما قال تعالى: " أصحاب الجنة "، و" أصحاب الجحيم "، ونحو هذا، وإما أن يريد صحبتهما له في السجن، فأضافهما إلى السجن بذلك، كأنه قال: يا صاحبي في السجن، وهذا كما قيل في الكفار: إن الأصنام شركاؤهم. وعرضه عليهما بطول أمر الأوثان بأن وصفها بالتفرق، ووصف الله تعالى بالوحدة والقهر
[المحرر الوجيز: 5/89]
تلطف حسن وأخذ بيسير الحجة قبل كثيرها الذي ربما نفرت منه طباع الجاهل وعاندته، وهكذا الوجه في محاجة الجاهل، أن يؤخذ بدرجة يسيرة من الاحتجاج يقبلها، فإذا قبلها لزمته عنها درجة أخرى فوقها، ثم كذلك أبدا حتى يصل إلى الحق، وإن أخذ الجاهل بجميع المذهب الذي يساق إليه دفعة أباه للحين وعانده، وقد ابتلي بأرباب متفرقين من يخدم أبناء الدنيا ويؤملهم). [المحرر الوجيز: 5/90]

تفسير قوله تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {إلا أسماء}، ذهب بعض المتكلمين إلى أنه أوقع في هذه الآية الأسماء على المسميات وعبر عنها بها إذ هي ذوات أسماء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والاسم الذي هو: (ألف وسين وميم) قد يجري في اللغة مجرى النفس والذات والعين، فإن حملت الآية على ذلك صح المعنى، وليس الاسم -على هذا- بمنزلة التسمية التي هي: رجل وحجر، وإن أريد بهذه الأسماء التي في الآية أسماء الأصنام التي هي بمنزلة اللات والعزى ونحو ذلك من تسميتها آلهة، فيحتمل أن يريد: إلا ذوات أسماء، وحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. ويحتمل -وهو الراجح المختار إن شاء الله- أن يريد: ما تعبدون من دونه ألوهية، ولا لكم تعلق بإله إلا بحسب أن سميتم أصنامكم آلهة، فليست عبادتكم لإله إلا باسم فقط لا بالحقيقة، وأما الحقيقة فهي وسائر الحجارة والخشب سواء، فإنما تعلقت عبادتكم بحسب الاسم الذي وضعتم، فذلك هو معبودكم إذا حصل أمركم، فعبر عن هذا المعنى باللفظ المسرود في الآية. ومن هذه الآية وهم من قال: (في قولنا: رجل وحجر) إن الاسم هو المسمى في كل حال، وقد بانت هذه المسألة في صدر التعليق.
ومفعول "سميتم" الثاني محذوف، تقديره: آلهة، هذا على أن الأسماء يراد بها ذوات الأصنام، وأما على المعنى المختار من أن عبادتهم إنما هي لمعان تعطيها الأسماء وليست موجودة في الأصنام- فقوله "سميتموها" بمنزلة: وضعتموها، فالضمير للتسميات، وأكد الضمير ليعطف عليه.
[المحرر الوجيز: 5/90]
والسلطان: الحجة، وقوله: {إن الحكم إلا لله} أي: ليس لأصنامكم التي سميتموها آلهة من الحكم والأقدار والأرزاق شيء، أي: فما بالها إذن؟ ويحتمل أن يريد الرد على حكمهم في نصبهم آلهة دون الله تعالى: وليس لهم تعدي أمر الله في ألا يعبد غيره. و"القيم" معناه: المستقيم، وولكن أكثر الناس لا يعلمون لجهالتهم وغلبة الكفر). [المحرر الوجيز: 5/91]

رد مع اقتباس