عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 10:04 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128)}

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله عزّ وجلّ: {ويوم يحشرهم جميعًا يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ وبلغنا أجلنا الّذي أجّلت لنا}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن زكريّا، عن موسى بن عبيدة، عن محمّد بن كعبٍ - في قوله عزّ وجلّ: {ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ} - قال الصّحابة: - {وبلغنا أجلنا الّذي أجّلت لنا} - قال: الموت). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 91]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: {ثمّ لم تكن فتنتهم} [الأنعام: 23] : «معذرتهم» {معروشاتٍ} [الأنعام: 141] : «ما يعرش من الكرم وغير ذلك» ، {حمولةً} [الأنعام: 142] : «ما يحمل عليها»، {وللبسنا} [الأنعام: 9] : «لشبّهنا» ، {لأنذركم به} [الأنعام: 19] : «أهل مكّة» {ينأون} [الأنعام: 26] : «يتباعدون» . {تبسل} [الأنعام: 70] : «تفضح» . {أبسلوا} [الأنعام: 70] : «أفضحوا» ، {باسطو أيديهم} : «البسط الضّرب» ، وقوله: {استكثرتم من الإنس} [الأنعام: 128] : «أضللتم كثيرًا»).[صحيح البخاري: 6/ة55-56] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {استكثرتم}؛ أضللتم كثيرًا وصله ابن أبي حاتمٍ أيضًا كذلك). [فتح الباري: 8/ 288]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (وبه في قوله: {يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس}؛ في ضلالتكم إيّاهم يعني أضللتم منهم كثيرا). [تغليق التعليق: 4/ 210]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (استكثرتم أضللتم كثيرا
أشار به إلى قوله تعالى: {يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس} وفسره بقوله: أضللتم كثيرا. وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس: قد استكثرتم من الإنس بمعنى أضللتم منهم كثيرا. وكذلك قال مجاهد والحسن وقتادة، وعجبي من شرّاح هذا الكتاب كيف أهملوا تحقيق هذا الموضع وأمثاله، فمنهم من قال هنا قوله استكثرتم أضللتم كثيرا ووصله ابن أبي حاتم كذلك، ومنهم من قال: هو كما قال: ومنهم من لم يذكره أصلا، فإذا وصل قارئ البخاريّ إلى هذا الموضع ووقف على قوله: استكثرتم أضللتم، ولم يكن القرآن في حفظه حتّى يقف عليه ولم يعلم أوله ولا آخره، تحير في ذلك، فإذا رجع إلى شرح من شروح هؤلاء يزداد تحيرا. وشرح البخاريّ لا يظهر بقوّة الحفظ في الحديث أو بعلوا السّند أو بكثرة النّقل، ولايخرج من حقه إلاّ من له يد في الفنون ولا سيما في اللّغة العربيّة والمعاني والبيان والأصول مع تتبع معاني ألفاظه كلمة كلمة، وبيان المراد منه والتأمل فيه والغوص في تيار تحقيقاته والبروز منه بمكنونات تدقيقاته). [عمدة القاري: 18/ 220]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وفي قوله: {قد} ({استكثرتم}) أي (أضللتم كثيرًا) منهم وكذلك قال مجاهد والحسن وقتادة: ولأبي ذر وقوله: استكثرتم من الإنس وسقط لغيره). [إرشاد الساري: 7/ 116]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويوم يحشرهم جميعًا يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {ويوم يحشرهم جميعًا}: ويوم يحشر هؤلاء العادلين باللّه الأوثان والأصنام وغيرهم من المشركين مع أوليائهم من الشّياطين الّذين كانوا يوحون إليهم زخرف القول غرورًا ليجادلوا به المؤمنين، فيجمعهم جميعًا في موقف القيامة، يقول للجنّ: {يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس} وحذف (يقول للجنّ) من الكلام اكتفاءً بدلالة ما ظهر من الكلام عليه منه.
وعنى بقوله: {قد استكثرتم من الإنس}: استكثرتم من إضلالهم وإغوائهم.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {ويوم يحشرهم جميعًا يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس} يعني: أضللتم منهم كثيرًا.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس}، قال: قد أضللتم كثيرًا من الإنس.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {قد استكثرتم من الإنس} قال: كثر من أغويتم.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو سفيان، عن معمرٍ، عن الحسن: {قد استكثرتم من الإنس} يقول: أضللتم كثيرًا من الإنس). [جامع البيان: 9/ 554-556]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقال أولياؤهم من الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ}.
يقول تعالى ذكره: فيجيب أولياء الجنّ من الإنس فيقولون: ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ في الدّنيا.
فأمّا استمتاع الإنس بالجنّ فكان كما:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ}، قال: كان الرّجل في الجاهليّة ينزل الأرض فيقول: أعوذ بكبير هذا الوادي فذلك استمتاعهم، فاعتذروا يوم القيامة.
وأمّا استمتاع الجنّ بالإنس، فإنّه كان فيما ذكر، ما ينال الجنّ من الإنس من تعظيمهم إيّاهم في استعاذتهم بهم، فيقولون: قد سدنا الجنّ والإنس). [جامع البيان: 9/ 556]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وبلغنا أجلنا الّذي أجّلت لنا}.
يقول تعالى ذكره: قالوا: وبلغنا الوقت الّذي وقّت لموتنا. وإنّما يعني جلّ ثناؤه بذلك أنّهم قالوا: استمتع بعضنا ببعضٍ أيّام حياتنا إلى حال موتنا.
- كما حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، وأمّا قوله: {وبلغنا أجلنا الّذي أجّلت لنا}: فالموت). [جامع البيان: 9/ 556-557]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال النّار مثواكم خالدين فيها إلاّ ما شاء اللّه إنّ ربّك حكيمٌ عليمٌ}.
وهذا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عمّا هو قائلٌ لهؤلاء الّذين يحشرهم يوم القيامة من العادلين به في الدّنيا الأوثان، ولقرنائهم من الجنّ، فأخرج الخبر عمّا هو كائنٌ مخرج الخبر عمّا كان لتقدّم الكلام قبله بمعناه والمراد منه، فقال: قال اللّه لأولياء الجنّ من الإنس الّذين قد تقدّم خبره عنهم: {النّار مثواكم} يعني: نار جهنّم مثواكم الّذي تثوون فيه: أي تقيمون فيه.
والمثوى: هو المفعل من قولهم: ثوى فلانٌ بمكان كذا، إذا أقام فيه.
{خالدين فيها} يقول: لابثين فيها، {إلاّ ما شاء اللّه} يعني: إلاّ ما شاء اللّه من قدر مدّةٍ ما بين مبعثهم من قبورهم إلى مصيرهم إلى جهنّم، فتلك المدّة الّتي استثناها اللّه من خلودهم في النّار. {إنّ ربّك حكيمٌ} في تدبيره في خلقه، وفي تصريفه إيّاهم في مشيئته من حالٍ إلى حالٍ وغير ذلك من أفعاله. {عليمٌ} بعواقب تدبيره إيّاهم، وما إليه صائرٌ أمرهم من خيرٍ وشرٍّ.
وروي عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يتأوّل في هذا الاستثناء أنّ اللّه جعل أمر هؤلاء القوم في مبلغ عذابه إيّاهم إلى مشيئته.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {قال النّار مثواكم خالدين فيها إلاّ ما شاء اللّه إنّ ربّك حكيمٌ عليمٌ} قال: إنّ هذه الآية آيةٌ لا ينبغي لأحدٍ أن يحكم على اللّه في خلقه أن لا ينزلهم جنّةً ولا نارًا). [جامع البيان: 9/ 557]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ويوم يحشرهم جميعًا يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ وبلغنا أجلنا الّذي أجّلت لنا قال النّار مثواكم خالدين فيها إلّا ما شاء اللّه إنّ ربّك حكيمٌ عليمٌ (128)}
قوله تعالى: {ويوم يحشرهم جميعًا}
- حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأوديّ، ثنا وكيعٌ عن الأعمش قال: سمعتهم يذكرون عن مجاهدٍ: ويوم نحشرهم جميعًا قال: الحشر: الموت.
قوله تعالى: {يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس في ضلالتكم إيّاهم}، يعني: أضللتم منهم كثيرًا.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
، في قوله:{ قد استكثرتم من الإنس}: كثر من أغويتم.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنا عبد الرّزّاق أنا معمرٌ عن قتادة، في قوله: {يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس}، قال: أضللتم كثيرًا من الإنس.
قوله: {قال أولياؤهم من الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو الأشهب هوذة بن خليفة، ثنا عوفٌ عن الحسن في قوله:{ يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس} قال: استكثر ربّكم أهل النّار يوم القيامة: وقال أولياؤهم من الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ قال الحسن: وما كان استمتاع بعضهم ببعضٍ إلا أنّ الجنّ أمرت وعملت الإنس.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا محمّد بن الصّبّاح البزّاز، ثنا إسماعيل بن زكريّا عن موسى بن عبيدة قال: سمعت محمّد بن كعبٍ يقول في قوله: {ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ} قال: الصّحابة في الدّنيا.
قوله: {وبلغنا أجلنا الّذي أجّلت لنا}
- حدّثني أبي ثنا هوذة بن خليفة ثنا عوفٌ عن الحسن، في قوله:
{وبلغنا أجلنا الّذي أجّلت لنا}، قال: أمرت الجنّ، وعملت الإنس.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا محمّد بن الصّبّاح البزّاز ثنا إسماعيل بن زكريّا عن موسى بن عبيدة قال: سمعت محمّد بن كعبٍ يقول في قوله:
{وبلغنا أجلنا الّذي أجّلت لنا} قال: الموت.
وروي عن السّدّيّ أنّه قال: الموت.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {قال النّار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء اللّه إنّ ربّك حكيمٌ عليمٌ}، قال: إنّ هذه الآية لا ينبغي لأحدٍ أن يحكم على اللّه في خلقه، لا ينزلهم جنّةً ولا نارًا.
قوله تعالى: {حكيمٌ عليم}
قد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1387-1388]

قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله يا معشر الجن يقول يا معشر الجن قد كثر من أغويتم من الإنس). [تفسير مجاهد: 223]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {قد استكثرتم من الإنس}، يقول: في ضلالتكم إياهم يعني أضللتم منهم كثيرا، وفي قوله: {قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله} قال: إن هذه الآية لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه لا ينزلهم جنة ولا نارا.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله: {يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس}، قال: استكثرتم ربكم أهل النار يوم القيامة {وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض} قال الحسن: وما كان استمتاع بعضهم ببعض إلا أن القيامة {وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض} قال الحسن: وما كان استمتاع بعضهم ببعض إلا أن الجن أمرت وعملت الإنس.
- وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله: {ربنا استمتع بعضنا ببعض}، قال: الصحابة في الدنيا {وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا}، قال: الموت.
- وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن أبي جريج في قوله: {ربنا استمتع بعضنا ببعض}، قال: كان الرجل في الجاهلية ينزل بالأرض فيقول: أعوذ بكبير هذا الوادي، فذلك استمتاعهم فاعتذروا به يوم القيامة {وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا} قال: الموت). [الدر المنثور: 6/ 201-202]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا}؛ في الدنيا يتبع بعضهم بعضا في النار). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 218]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا بما كانوا يكسبون}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل {نولّي}، فقال بعضهم: معناه: نجعل بعضهم لبعضٍ وليًّا على الكفر باللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا يونس، قال: حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا بما كانوا يكسبون} وإنّما يولّي اللّه بين النّاس بأعمالهم. فالمؤمن وليّ المؤمن أيّ كان وحيث كان، والكافر وليّ الكافر أينما كان وحيثما كان. ليس الإيمان بالتّمنّي ولا بالتّحلّي.
وقال آخرون: معناه: نتبع بعضهم بعضًا في النّار، من الموالاة، وهو المتابعة بين الشّيء والشّيء، من قول القائل: واليت بين كذا وكذا: إذا تابعت بينهما.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا}: في النّار يتبع بعضهم بعضًا.
وقال آخرون: معنى ذلك: نسلّط بعض الظّلمة على بعضٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا}، قال: ظالمي الجنّ وظالمي الإنس. وقرأ: {ومن يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطانًا فهو له قرينٌ}، قال: نسلّط ظلمة الجنّ على ظلمة الإنس.
وأولى هذه الأقوال في تأويل ذلك بالصّواب، قول من قال: معناه: وكذلك نجعل بعض الظّالمين لبعضٍ أولياء. لأنّ اللّه ذكر قبل هذه الآية ما كان من قول المشركين، فقال جلّ ثناؤه: {وقال أولياؤهم من الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ}، وأخبر جلّ ثناؤه أنّ بعضهم أولياء بعضٍ، ثمّ عقّب خبره ذلك بخبره عن أنّ ولاية بعضهم بعضًا بتوليته إيّاهم، فقال: وكما جعلنا بعض هؤلاء المشركين من الجنّ والإنس أولياء بعضٍ يستمتع بعضهم ببعضٍ، كذلك نجعل بعضهم أولياء بعضٍ في كلّ الأمور بما كانوا يكسبون من معاصي اللّه ويعملونه). [جامع البيان: 9/ 558-559]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا بما كانوا يكسبون (129)}
قوله تعالى: {وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا}
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنا عبد الرّزّاق أنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا}، قال: يولّي اللّه بعض الظّالمين بعضًا في الدّنيا، يتبع بعضهم بعضًا في النّار.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: {وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا بما كانوا يكسبون وإنّما يولّي اللّه بين النّاس بأعمالهم}، فالمؤمن وليّ المؤمن من أين كان وحيث ما كان، والكافر وليّ الكافر من أين كان وحيث ما كان، ليس الإيمان باللّه بالتّمنّي ولا بالتحلي.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ، فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المروزيّ، ثنا شيبان بن عبد الرّحمن، عن قتادة، قوله: {وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا}، قال: إنّما يوالي اللّه بين النّاس بأعمالهم، فالمؤمن وليّ المؤمن أينما كان، وليس الإيمان بالتّحلّي ولا بالتّمنّي، ولعمري لو عملت بطاعة اللّه ولم تعرف أهل طاعة اللّه ما ضرّك ذلك، ولو عملت بمعصية اللّه وتولّيت أهل طاعة اللّه ما نفعك ذلك شيئًا.
- حدّثنا عمّار بن خالدٍ الواسطيّ ثنا مرحوم بن عبد العزيز العطّار، قال:
سمعت مالك بن دينارٍ يقول: قرأت في الزّبور: إنّي أنتقم من المنافق بالمنافق، ثمّ أنتقم من المنافقين جميعًا، وذلك في كتاب اللّه قول اللّه: {وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا بما كانوا يكسبون}.
- أخبرنا أبو زيدٍ القراطيسيّ، فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا قال:
ظالمي الجنّ، وظالمي الإنس). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1388-1389]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله: {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا} قال: ظالمي الجن وظالمي الإنس وقرأ: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين} [الزخرف: 36] قال: ونسلط ظلمة الجن على ظلمة الإنس.
- وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا}، قال: يولي الله بعض الظالمين بعضا في الدنيا يتبع بعضهم بعضا في النار.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا}، قال: إنما يولي الله بين الناس بأعمالهم فالمؤمن ولي المؤمن من أين كان وحيثما كان والكافر ولي الكافر من أين كان وحيثما كان ليس الإيمان بالله بالتمني ولا بالتحلي ولعمري لو عملت بطاعة الله ولم تعرف أهل طاعة الله ما ضرك ذلك ولو عملت بمعصية الله وتوليت أهل طاعة الله ما نفعك ذلك شيئا.
- وأخرج أبو الشيخ عن منصور بن أبي الأسود قال: سألت الأعمش عن قوله: {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا} ما سمعتهم يقولون فيه قال: سمعتهم يقولون إذا فسد الناس أمر عليهم شرارهم.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مالك بن دينار قال: قرأت في الزبور: إني أنتقم من المنافق بالمنافق ثم أنتقم من المنافقين جميعا وذلك في كتاب الله قول الله: {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون}
- وأخرج الحاكم في التاريخ والبيهقي في شعب الإيمان من طريق يحيى بن هاشم ثنايونس بن أبي إسحاق عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كما تكونون كذلك يؤمر عليكم» قال البيهقي: هذا منقطع ويحيى ضعيف.
- وأخرج البيهقي عن كعب الأحبار قال: «إن لكل زمان ملكا يبعثه الله على نحو قلوب أهله فإذا أراد صلاحهم بعث عليهم مصلحا وإذا أراد هلكتهم بعث عليهم مترفهم».
- وأخرج البيهقي عن الحسن أن بني إسرائيل سألوا موسى فقالوا: سل لنا ربك يبين لنا علم رضاه عنا وعلم سخطه فسأله فقال: يا موسى أنبئهم أن رضاي عنهم أن استعمل عليهم خيارهم وأن سخطي عليهم أن استعمل عليهم شرارهم.
- وأخرج البيهقي من طريق عبد الملك بن قريب الأصمعي ثنا مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال: «حدثت أن موسى أو عيسى قال: يا رب ما علامة رضاك عن خلقك قال: أن أنزل عليهم الغيث إبان زرعهم وأحبسه إبان حصادهم واجعل أمورهم إلى حلمائهم وفيئهم في أيدي سمحائهم، قال: يا رب فما علامة السخط قال: أن أنزل عليهم الغيث إبان حصادهم وأحبسه إبان زرعهم واجعل أمورهم إلى سفهائهم وفيئهم في أيدي بخلائهم، والله تعالى أعلم»). [الدر المنثور: 6/ 202-205]

تفسير قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس} قال قد أضللتم كثيرا من الجن والإنس). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 218]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا}.
وهذا خبرٌ من اللّه جلّ ثناؤه عمّا هو قائلٌ يوم القيامة لهؤلاء العادلين به من مشركي الإنس والجنّ، يخبر أنّه يقول لهم تعالى ذكره يومئذٍ: {يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي}؟ يقول: يخبرونكم بما أوحي إليهم من تنبيهي إيّاكم على مواضع حججي، وتعريفي لكم أدلّتي على توحيدي وتصديق أنبيائي، والعمل بأمري والانتهاء إلى حدودي. {وينذرونكم لقاء يومكم هذا} يقول: يحذّرونكم لقاء عذابي في يومكم هذا، وعقابي على معصيتكم إيّاي، فتنتهوا عن معاصيّ.
وهذا من اللّه جلّ ثناؤه تقريعٌ وتوبيخٌ لهؤلاء الكفرة على ما سلف منهم في الدّنيا من الفسوق والمعاصي، ومعناه: قد أتاكم رسلٌ منكم ينبّهونكم على خطأ ما كنتم عليه مقيمين بالحجج البالغة، وينذرونكم وعيد اللّه على مقامكم على ما كنتم عليه مقيمين، فلم تقبلوا ذلك ولم تتذكّروا ولم تعتبروا.
واختلف أهل التّأويل في الجنّ، هل أرسل منهم إليهم أم لا؟ فقال بعضهم: قد أرسل إليهم رسلٌ كما أرسل إلى الإنس منهم رسلٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سئل الضّحّاك عن الجنّ: هل كان فيهم نبيّ قبل أن يبعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقال: ألم تسمع إلى قول اللّه: {يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي}، يعني بذلك: رسلاً من الإنس ورسلاً من الجنّ؟ فقالوا: بلى.
وقال آخرون: لم يرسل منهم إليهم رسولٌ، ولم يكن له من الجنّ قطّ رسولٌ مرسلٌ، وإنّما الرّسل من الإنس خاصّةً. فأمّا من الجنّ فالنّذر. قالوا: وإنّما قال اللّه: {ألم يأتكم رسلٌ منكم} والرّسل من أحد الفريقين، كما قال: {مرج البحرين يلتقيان}، ثمّ قال: {يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان}، وإنّما يخرج اللّؤلؤ والمرجان من الملح دون العذب منهما، وإنّما معنى ذلك: يخرج من بعضهما أو من أحدهما. قال: وذلك كقول القائل لجماعة أدؤرٍ: إنّ في هذه الدّور لشرًّا، وإن كان الشّرّ في واحدةٍ منهنّ، فيخرج الخبر عن جميعهنّ والمراد به الخبر عن بعضهنّ، وكما يقال: أكلت خبزًا ولبنًا: إذا اختلطا، ولو قيل: أكلت لبنًا، كان الكلام خطأً، لأنّ اللّبن يشرب ولا يؤكل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم}، قال: جمعهم كما جمع قوله: {ومن كلٍّ تأكلون لحمًا طريًّا وتستخرجون حليةً تلبسونها}، ولا يخرج من الأنهار حليةٌ.
قال ابن جريجٍ. قال ابن عبّاسٍ: هم الجنّ لقوا قومهم، وهم رسلٌ إلى قومهم.
فعلى قول ابن عبّاسٍ هذا، أنّ من الجنّ رسلاً كالإنس إلى قومهم.
فتأويل الآية على هذا التّأويل الّذي تأوّله ابن عبّاسٍ: ألم يأتكم أيّها الجنّ والإنس رسلٌ منكم؟ فأمّا رسل الإنس، فرسلٌ من اللّه إليهم، وأمّا رسل الجنّ، فرسل رسل اللّه من بني آدم، وهم الّذين إذ سمعوا القرآن ولّوا إلى قومهم منذرين.
وأمّا الّذين قالوا بقول الضّحّاك، فإنّهم قالوا: إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر أنّ من الجنّ رسلاً أرسلوا إليهم، كما أخبر أنّ من الإنس رسلاً أرسلوا إليهم. قالوا: ولو جاز أن يكون خبره عن رسل الجنّ بمعنى أنّهم رسل الإنس، جاز أن يكون خبره عن رسل الإنس بمعنى أنّهم رسل الجنّ. قالوا: وفي فساد هذا المعنى ما يدلّ على أنّ الخبرين جميعًا بمعنى الخبر عنهم أنّهم رسل اللّه، لأنّ ذلك هو المعروف في الخطاب دون غيره). [جامع البيان: 9/ 559-561]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالوا شهدنا على أنفسنا وغرّتهم الحياة الدّنيا وشهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين}.
وهذا خبرٌ من اللّه جلّ ثناؤه عن قول مشركي الجنّ والإنس عند تقريعه إيّاهم بقوله لهم: {ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا}؟ أنّهم يقولون: {شهدنا على أنفسنا} بأنّ رسلك قد أتتنا بآياتك، وأنذرتنا لقاء يومنا هذا، فكذّبناها وجحدنا رسالتها، ولم نتّبع آياتك ولم نؤمن بها.
قال اللّه خبرًا مبتدأً: وغرّت هؤلاء العادلين باللّه الأوثان والأصنام وأولياءهم من الجنّ {الحياة الدّنيا} يعني: زينة الحياة الدّنيا، وطلب الرّياسة فيها، والمنافسة عليها، أن يسلموا لأمر اللّه فيطيعوا فيها رسله، فاستكبروا وكانوا قومًا عالين. فاكتفى بذكر الحياة الدّنيا من ذكر المعاني الّتي غرّتهم وخدعتهم فيها، إذ كان في ذكرها مكتفًى عن ذكر غيرها لدلالة الكلام على ما ترك ذكره، يقول اللّه تعالى: {وشهدوا على أنفسهم} يعني هؤلاء العادلين به يوم القيامة أنّهم كانوا في الدّنيا كافرين به وبرسله، لتتمّ حجّة اللّه عليهم بإقرارهم على أنفسهم بما يوجب عليهم عقوبته وأليم عذابه). [جامع البيان: 9/ 562]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرّتهم الحياة الدّنيا وشهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين (130) ذلك أن لم يكن ربّك مهلك القرى بظلمٍ وأهلها غافلون (131)}
قوله تعالى: {يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم}
- حدّثنا أبي، ثنا ابن أبي عمر العدنيّ، ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: قوله: {يا معشر الجنّ والإنس}
قال: ليس في الجنّ رسلٌ، إنّما الرّسل في الإنس، والنّذارة في الجنّ، وقرأ: فلمّا قضي ولّوا إلى قومهم منذرين). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1389]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم} قال: ليس في الجن رسل إنما الرسل في الإنس والنذارة في الجن وقرأ: {فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين}[الأحقاف: 29].
- وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {رسل منكم} قال: رسل الرسل {ولوا إلى قومهم منذرين} [الأحقاف: 29]
- وأخرج ابن جرير عن الضحاك، أنه سئل عن الجن هل كان فيهم نبي قبل أن يبعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ألم تسمع إلى قول الله: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم} يعني بذلك أن رسلا من الإنس ورسلا من الجن {قالوا بلى}). [الدر المنثور: 6/ 205-206]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلك أن لم يكن ربّك مهلك القرى بظلمٍ وأهلها غافلون}.
يقول تعالى ذكره: {ذلك أن لم يكن ربّك مهلك القرى بظلمٍ}: أي إنّما أرسلنا الرّسل يا محمّد إلى من وصفت أمره، وأعلمتك خبره من مشركي الإنس والجنّ يقصّون عليهم آياتي وينذرونهم لقاء معادهم إليّ، من أجل أنّ ربّك لم يكن مهلك القرى بظلمٍ.
وقد يتّجه من التّأويل في قوله: (بظلمٍ) وجهان: أحدهما: {ذلك أن لم يكن ربّك مهلك القرى بظلمٍ}: أي بشرك من أشرك، وكفر من كفر من أهلها، كما قال لقمان: {إنّ الشّرك لظلمٌ عظيمٌ}. {وأهلها غافلون} يقول: لم يكن يعاجلهم بالعقوبة حتّى يبعث إليهم رسلاً تنبّههم على حجج اللّه عليهم، وتنذرهم عذاب اللّه يوم معادهم إليه، ولم يكن بالّذي يأخذهم غفلةٌ فيقولوا: ما جاءنا من بشيرٍ ولا نذيرٍ.
والآخر: {ذلك أن لم يكن ربّك مهلك القرى بظلمٍ} يقول: لم يكن ليهلكهم دون التّنبيه والتّذكير بالرّسل والآيات والعبر، فيظلمهم بذلك، واللّه غير ظلاّمٍ للعبيد.
وأولى القولين بالصّواب عندي القول الأوّل، أن يكون معناه: أن لم يكن ليهلكهم بشركهم دون إرسال الرّسل إليهم والإعذار بينه وبينهم، وذلك أنّ قوله: {ذلك أن لم يكن ربّك مهلك القرى بظلمٍ} عقيب قوله: {ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي}، فكان في ذلك الدّليل الواضح على أنّ نصّ قوله: {ذلك أن لم يكن ربّك مهلك القرى بظلمٍ} إنّما هو إنّما فعلنا ذلك من أجل أنّا لا نهلك القرى بغير تذكيرٍ وتنبيهٍ.
وأمّا قوله: {ذلك} فإنّه يجوز أن يكون نصبًا بمعنى: فعلنا ذلك، ويجوز أن يكون رفعًا بمعنى الابتداء، كأنّه قال: ذلك كذلك.
وأمّا (أن) فإنّها في موضع نصبٍ بمعنى: فعلنا ذلك من أجل أن لم يكن ربّك مهلك القرى، فإذا حذف ما كان يخفضها تعلّق بها الفعل فنصب). [جامع البيان: 9/ 563-564]


رد مع اقتباس