عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 2 محرم 1433هـ/27-11-2011م, 10:21 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفسير قوله تعالى: {الم (1) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال أبو العباس أحمد بن يحيى في قوله عز وجل: {الم (1) اللَّهُ}: حركة الميم مما اختلف الناس فيه، فقال الفراء: هو ترك همزة الألف من الله ثم وصله. وقال الكسائي: حروف التهجي يذهب بها ما بعدها: زاي ياء دال ادخل وزاي ياء دال اذهب، يذهب بها مذهب الحركات التي بعدها. وقال أهل البصرة: للإدراج، ولو أراد أن يدرج {الم (1) ذَلِكَ} جاز له الحركة، ولم يسمع هذا إذا كان ما بعده متحركًا). [مجالس ثعلب: 216] (م)

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ الحَارِثِيُّ (ت: 180هـ): (هذا باب تحرك أواخر الكلم الساكنة
إذا حذفت ألف الوصل لالتقاء الساكنين
وإنما حذفوا ألف الوصل هاهنا بعد الساكن لأن من كلامهم أن يحذف وهو بعد غير الساكن فلما كان ذلك من كلامهم حذفوها ههنا وجعلوا التحرك للساكنة الأولى حيث لم يكن ليلتقي ساكنان وجعلوا هذا سبيلها ليفرقوا بينها وبين الألف المقطوعة فجملة هذا الباب في التحرك أن يكون الساكن الأول مكسوراً وذلك قولك اضرب ابنك وأكرم الرجل واذهب اذهب و: {قل هو الله أحد الله} لأن التنوين ساكن وقع بعده حرف ساكن فصار بمنزلة باء اضرب ونحو ذلك.
ومن ذلك إن الله عافاني فعلت وعن الرجل وقط الرجل ولو استطعنا.
ونظير الكسر هاهنا قولهم حذار وبداد ونظار ألزموها الكسر في كلامهم فجعلوا سبيل هذا الكسر في كلامهم فاستقام هذا الضرب على هذا ما لم يكن اسماً نحو حذام لئلا يلتقي ساكنان ونحوه جير يا فتى وغاق غاق كسروا هذا إذ كان من كلامهم أن يكسروا إذا التقى الساكنان.
وقال الله تبارك وتعالى: {قل انظروا ماذا في السماوات والأرض}
فضموا الساكن حيث حركوه كما ضموا الألف في الابتداء وكرهوا الكسر ههنا كما كرهوه في الألف فخالفت سائر السواكن كما خالفت الألف سائر الألفات يعني ألفات الوصل.
وقد كسر قومٌ فقالوا: {قل انظروا} وأجروه على الباب الأول ولم يجعلوها كالألف ولكنهم جعلوها كآخر جير.
وأما الذين يضمون فإنهم يضمون في كل ساكن يكسر في غير الألف المضمومة فمن ذلك قوله عز وجل: {وقالت اخرج عليهن}: {وعذاب (41) اركض برجلك} ومنه: {أو انقص منه قليلا} وهذا كله عربي قد قرئ به.
ومن قال قل انظروا كسر جميع هذا.
والفتح في حرفين أحدهما قوله عز وجل: {الم (1) الله} لما كان من كلامهم أن يفتحوا لالتقاء الساكنين فتحوا هذا وفرقوا بينه وبين ما ليس بهجاءٍ.
ونظير ذلك قولهم من الله ومن الرسول ومن المؤمنين لما
كثرت في كلامهم ولم تكن فعلا وكان الفتح أخف عليهم فتحوا وشبهوها بأين وكيف.
وزعموا أن ناساً من العرب يقولون من الله فيكسرونه ويجرونه على القياس.
فأما: {الم} فلا يكسر لأنهم لم يجعلوه في ألف الوصل بمنزلة غيره ولكنهم جعلوه كبعض ما يتحرك لالتقاء الساكنين ونحو ذلك لم يلده واعلمن ذلك لأن للهجاء حالاً قد تبين). [الكتاب: 4/152-154] (م)

تفسير قوله تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) }

تفسير قوله تعالى: {مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) }

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) }

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6) }
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (

دعت المصور دعوة مسموعة = ومع الدعاء تضرع وحذار
قوله دعت المصور يريد الله عز وجل يريد قوله تعالى: {هو الذي يصوركم في الأرحام} ). [نقائض جرير والفرزدق: 853]

تفسير قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب ما يكون عليه الكلم بمعانيه
فأقل ما تكون عليه الكلمة حرف واحد. ولا يجوز لحرف أن ينفصل بنفسه. لأنه مستحيل. وذلك أنه لا يمكنك أن تبتدئ إلا بمتحرك، ولا تقف إلا على ساكن. فلو قال لك قائل: الفِظ بحرف، لقد كان سألك أن تحيل؛ لأنك إذا ابتدأت به ابتدأْت متحركاً، وإذا وقفت عليه وقفت ساكناً، فقد قال لك: اجعل الحرف ساكناً متحركاً في حال .
ولكن سنذكر اللفظ بالحروف ساكنها ومتحركها في موضعه، ليوصل إلى المتكلم به إن شاء الله فما كان على حرف فلا سبيل إلى التكلم به وحده.
فمما جاء على حرف مما هو اسم التاء في قمت إذا عنى المتكلم نفسه، أو غيره من ذكر أو أنثى، إلا أنها تقع له مضمومةً ذكراً كان أو أنثى، ولغيره إذا كان ذكراً مفتوحة، وإن كانت أنثى مكسورة .
والكاف من نحو: ضربتك، ومررت بك، تنفتح للمذكر، وتنكسر للمؤنث .
والهاء في ضربته، ومررت به، ولها أحكام نبينها إن شاء الله .
وذلك أن أصل هذه الهاء أن تلحقها واو زائدة؛ لأن الهاء خفية. فتوصل بها الواو إذا وصلت، فإن وقفت لم تلحق الواو لئلا يكون الزائد كالأصلي. وذلك قولك: رأيتُهو يا فتى، ورأيتَهو يا فتى، فتلحق بعد المضموم والمفتوح .
فإن كان قبلها كسرة جاز أن تتبعها واوا، أو ياء أيهما شئت .
أما الواو فعلى الأصل الذي ذكرت لك، وأما الياء فلقرب الجوار، لأن الضمة مستثقلة بعد الكسرة، والناس عامةً للكسرة، والياء بعدها أكثر استعمالاً .
فأما أهل الحجاز خاصةً فعلى الأمر الأول فيها يقرأون (فخسفنا بِهُو وبدارهو الأرضَ) لزموا الأصل. وهما في القياس على ما وصفت لك.
فإن كانت هذه الهاء بعد واو، أو ياء ساكنتين، أو ألف فالذي يختار حذف حرف اللين بعدها: تقول: عليه مال يا فتى بكسر الهاء من أجل الياء التي قبلها كما فعلت ذلك للكسرة.
ومن لزم اللغة الحجازية قال: عليه مالٌ .
وتقول: هذا أبوه فاعلم {فألقى موسى عصاه} .
وإنما حذفت الياء، والواو، لأن الهاء خفية، والحرف الذي يلحقها ساكن، وقبلها حرف لين ساكن فكره الجمع بين حرفي لين ساكنين لا يفصلهما إلا حرف خفي .
وإن شئت ألحقت الياء. والواو على الأصل، لأن الهاء حرف متحرك في الحقيقة. وذلك قولك على قول العامة: عليهى مال، وعلى قول أهل الحجاز: عليهو مال (فألقى عصاهو فإذا هي). وهذا أبوهو فاعلم .
فإن كان قبل الهاء حرف ساكن من غير حروف المد واللين فأنت مخير: إن شئت أثبت، وإن شئت حذفت .
أما الإثبات فعلى ما وصفت لك، وأما الحذف، فلأن الذي قبل الهاء ساكن وبعدها ساكن وهي خفية. فكرهوا أن يجمعوا بينهما؛ كما كرهوا الجمع بين الساكنين. وذلك قولك: {منه آياتٌ محكماتٌ} وإن شئت قلت (منهو آيات)، وعنهو أخذت. فهذا جملة هذا .
واعلم أن الشاعر إذا احتاج إلى الوزن وقبل الهاء جرف متحرك، حذف الياء والواو اللتين. بعد الهاء؛ إذ لم يكونا من أصل الكلمة. فمن ذلك قوله:
فإنْ يكُ غَثّاً، أو سَمينا فإنَّنِي = سَأَجعَلُ عيْنَيْهي لنفسهِ مقْنَعَا
وقال آخر:

أو معبر الظهر ينبي عن وليتـه = ما حج ربه في الدنيا ولا اعتمرا
وقال آخر:

وما له من مجد تلـيد، ومـا لـهـو = من الريح فضلٌ لا الجنوب ولا الصبا
وأشد من هذا في الضرورة أن يحذف الحركة كما قال:

فظلت لدى البيت العتيق أريغه = ومطواي مشتاقان له أرقـان
فأما ما كان من هذه الحروف التي جاءت لمعان، فهي منفصلة بأنفسها مما بعدها وقبلها، إلا أن الكلام بها منفردة محالٌ، كما وصفت لك. فإن منها: كاف التشبيه التي في قولك: أنت كزيد، ومعناه: مثل زيد، واللام التي تسمى لام الملك؛ نحو هذا لعبد الله ولك. تكون مكسورة مع الظاهر، ومفتوحة مع المضمر: لعلة قد ذكرت في موضعها .
وهي التي في قولك: جئت لأكرمك؛ لأن الفعل انتصب بإضمار أن، وأن والفعل مصدر. فقد صار المعنى جئت لإكرامك .
ومنها الباء التي تكون للإلصاق، والاستعانة .
فأما الإلصاق فقولك مررت بزيد، وألممت بك، وأما الاستعانة فقولك: كتبت بالقلم، وعمل النجار بالقدوم.
ومنها واو القسم التي تكون بدلاً من الباء؛ لأنك إذا قلت: بالله لأفعلن فمعناه: أحلف بالله. فإذا قلت: والله لأفعلن فذلك معناه؛ لأن مخرج الباء، والواو من الشفة .
ومن ذلك الكاف التي تلحق آخر الكلام لا موضع لها، نحو كاف ذاك، ورويدك و{أرأيتك هذا الذي كرمت علي} .
وقولهم: أبصرك زيدا .
وهذه الحروف كثيرة إلا أنا نذكر منها شيئاً يدل على سائرها). [المقتضب: 1/174-178] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب ما يختار فيه حذف الواو والياء من هذه الهاءات
اعلم أنه إذا كان قبل هاء المذكر ياءٌ ساكنة، أو واو ساكنة، أو ألف كان الذي يختار حذف الواو والياء بعدها.
وذلك؛ لأن قبلها حرف لين، وهي خفية، وبعدها حرف لين، فكرهوا اجتماع حرفين ساكنين كلاهما حرف لين ليس بينهما إلا حرف خفي، مخرجه مخرج الألف وهي إحدى هذه الثلاث.
وذلك قوله {فألقى موسى عصاه} و{عليه ما حمل} وفيه بصائر ورأيت قفاه يا فتى.
وإن أتممت فعربي حسن، وهو الأصل، وهو الاختيار، لما ذكرت لك. فإن كان قبل الهاء حرف ساكن ليس من هذه الحروف، فإن سيبويه والخليل يختاران الإتمام.
والحذف عندي أحسن. وذلك قوله {منه آياتٌ محكماتٌ}، ومن لدنه يا فتى، في إلا ....
وسيبويه، والخليل يختازان إتمام الواو، لما ذكرت لك، فالإتمام عندهما أجود، لأنها قد خرجت من حروف اللين تقول رأيت ... يا فتى). [المقتضب: 1/401] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإن قال قائل: فما بالكم إذا قلتكم: رأيتكم حذفتم الواو، ولم تثبتوا الحركة؟ قيل: لأن الضمة في الاستثقال مع هذا كالواو، وإنما بقيت الحركة في الواحد في قوله: {منه آياتٌ محكماتٌ} و{عليه ما حمل}، لأن ما قبل الهاء ساكن فلم يجوز إسكانها، فيلتقي ساكنان). [المقتضب: 1/403]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ولو قلت: أتتني جاريتك وامرأة أخرى كان غير جائز. فإن قلت: أتاني أخوك، وإنسان آخر جاز وإن عنيت بالإنسان امرأة؛ لأن الباب الذي ذكرتها به يجمعها. وكذلك: جاءتني جاريتك وإنسان آخر، وأنت تعني بالإنسان رجلاً فهو جيد بالغ. فأما قوله:

صلى على عزة الرحمن وابنتها = ليلى وصلى على جاراتها الأخر
فإنه جعل ابنتها جارة لها، ولولا ذلك لم يجز. ألا ترى إلى قول الله عز وجل: {فعدةٌ من أيامٍ أخر} لما قدم من ذكر الأيام. وكذلك: {منه آياتٌ محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهاتٌ}. فهذا باب هذا. وكان حد آخر أن يكون معه من كذا، وكذا إلا أن أفعل يقع على وجهين: أحدهما: أن يكون نعتاً قائماً في المنعوت، نحو: أحمر، وأصفر، وأعور. والوجه الآخر: أن يكون للتفضيل، نحو: هذا أفضل من زيد، وأكبر من عبد الله فإن أردت هذا الوجه لم يكن إلا أن تقول: من كذا، كذا، أو بالألف واللام؛ نحو: هذا الأصغر، والأكبر. فأما قوله في الآذان: الله أكبر، فتأويله: كبير؛ كما قال عز وجل: {وهو أهون عليه}. فإنما تأويله: وهو عليه هين؛ لأنه لا يقال: شيءٌ أهون عليه من شيءٍ. ونظير ذلك قوله:
لعمرك ما أدري وإني لأوجلعلى أينا تعدو المنية أول
أي: إني لوجل. فأما إذا أردت من كذا وكذا فلا بد من منه أو الألف واللام؛ كقولك: جاءني زيد ورجل آخر، إنما معناه: آخر منه. ولكن علم أن الآخر لا يكون إلا بعد مذكور أو بعد أول، فلم يحتج إلى منه. والدليل على أن الأصل هذا قولهم في مؤنثه: أخرى؛ كما تقول: هذا أول منك، وهذه الأولى، والأوسط، والوسطى، والأكبر والكبرى. فلولا أن آخر قد استغنى فيه عن ذكر من كذا لكان لازماً؛ كما يلزم قولك: هذه أول من ذاك؛ ولذلك قلت: في أخر بغير الصرف؛ لأنها محدودة عن وجهها؛ لأن الباب لا يستعمل إلا بالألف واللام أو من كذا. فلما سقط، من كذا سقط ما يعاقبه، فلم يصرف. قال الله عز ذكره: {وأخر متشابهاتٌ} فلم يصرف. وقال: {فعدةٌ من أيامٍ أخر}، فلم يصرف. فهذان دليلان بينان مع المعنى الذي يجمعه). [المقتضب: 3/244-247] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ولو قلت: أتتني جاريتك وامرأة أخرى كان غير جائز. فإن قلت: أتاني أخوك، وإنسان آخر جاز وإن عنيت بالإنسان امرأة؛ لأن الباب الذي ذكرتها به يجمعها. وكذلك: جاءتني جاريتك وإنسان آخر، وأنت تعني بالإنسان رجلاً فهو جيد بالغ. فأما قوله:
صلى على عزة الرحمن وابنتها = ليلى وصلى على جاراتها الأخر
فإنه جعل ابنتها جارة لها، ولولا ذلك لم يجز. ألا ترى إلى قول الله عز وجل: {فعدةٌ من أيامٍ أخر} لما قدم من ذكر الأيام. وكذلك: {منه آياتٌ محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهاتٌ}. فهذا باب هذا. وكان حد آخر أن يكون معه من كذا، وكذا إلا أن أفعل يقع على وجهين: أحدهما: أن يكون نعتاً قائماً في المنعوت، نحو: أحمر، وأصفر، وأعور. والوجه الآخر: أن يكون للتفضيل، نحو: هذا أفضل من زيد، وأكبر من عبد الله فإن أردت هذا الوجه لم يكن إلا أن تقول: من كذا، كذا، أو بالألف واللام؛ نحو: هذا الأصغر، والأكبر. فأما قوله في الآذان: الله أكبر، فتأويله: كبير؛ كما قال عز وجل: {وهو أهون عليه}. فإنما تأويله: وهو عليه هين؛ لأنه لا يقال: شيءٌ أهون عليه من شيءٍ. ونظير ذلك قوله:
لعمرك ما أدري وإني لأوجلعلى أينا تعدو المنية أول
أي: إني لوجل. فأما إذا أردت من كذا وكذا فلا بد من منه أو الألف واللام؛ كقولك: جاءني زيد ورجل آخر، إنما معناه: آخر منه. ولكن علم أن الآخر لا يكون إلا بعد مذكور أو بعد أول، فلم يحتج إلى منه. والدليل على أن الأصل هذا قولهم في مؤنثه: أخرى؛ كما تقول: هذا أول منك، وهذه الأولى، والأوسط، والوسطى، والأكبر والكبرى. فلولا أن آخر قد استغنى فيه عن ذكر من كذا لكان لازماً؛ كما يلزم قولك: هذه أول من ذاك؛ ولذلك قلت: في أخر بغير الصرف؛ لأنها محدودة عن وجهها؛ لأن الباب لا يستعمل إلا بالألف واللام أو من كذا. فلما سقط، من كذا سقط ما يعاقبه، فلم يصرف. قال الله عز ذكره: {وأخر متشابهاتٌ} فلم يصرف. وقال: {فعدةٌ من أيامٍ أخر}، فلم يصرف. فهذان دليلان بينان مع المعنى الذي يجمعه). [المقتضب: 3/244-247] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فتأنيث الأفعل الفعلى من هذا الباب، فكان حدٌّ آخر أن يكون معه من نحو قولك: جاءني زيدٌ ورجل آخر انما كان اصله آخر منه؛ كما تقول: أكبر منه، وأصغر منه. فلما كان لفظ آخر يغني عن من لما فيه من البيان أنه رجلٌ معه. وكذلك: ضربت رجلاً آخر، قد بينت أنه ليس بالأول استغناءً عن من بمعناه. فكان معدولاً عن الألف واللام خارجاً عن بابه، فكان مؤنثه كذلك فقلت: جاءتني امرأة أخرى، ولا يجوز جاءتني امرأة صغرى ولا كبرى، إلا أن يقول: الصغرى أو الكبرى، أو تقول: أصغر منك أو أكبر، فلما جمعناها فقلنا: أخر كانت معدولة عن الألف واللام؛ فذلك الذي منعها الصرف. قال الله عز وجل: {وأخر متشابهاتٌ} وقال: {فعدةٌ من أيامٍ أخر}). [المقتضب: 3/377]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} قال: تفسيره). [مجالس ثعلب: 584]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (ومثله أيضا: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به}. يقول قوم: الراسخون في العلم المعطوفون على الله جل وعز، ويقولون في موضع نصب على الحال، وإن كان مرفوعا في اللفظ، والتقدير: وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم قائلين آمنا به، واحتجوا بقول الشاعر:

الريح تبكي شجوه = والبرق يلمع في الغمامه
أراد الريح تبكي شجوه، والبرق يبكي أيضا لامعا في الغمامة، واحتجوا بما أخبرناه عبد الله بن محمد، قال: حدثنا يحيى بن خلف الجوباري، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الراسخون في العلم يعلمون تأويله، ويقولون: آمنا بالله. وبما أخبرناه أيضا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، أنه قال: أنا ممن يعلم تأويله.
وقال أكثر أهل العلم: (الراسخون) مستأنفون مرفوعون بما عاد من (يقولون)، لا يدخلون مع الله تبارك وتعالى في العلم، لأن في كتاب الله جل وعز حروفا طوى الله تأويلاتها عن الناس اختبارا للعباد، ليؤمن المؤمن بها على غموض تأويلها فيسعد، ويكفر بها الكافر فيشقى؛ من ذلك قوله جل وعز: {إن الساعة آتية} تحت الإتيان تأويل زمان محدود لا يعلمه غير الله عز وجل، يدل على ذلك أنهم طالبوا به، وأرادوا علمه فمنعوا، ولم يجابوا إلى كشفه، فكان من قولهم: {متى هذا الوعد}، و{أيان مرساها}، وكان من جواب الله عز وجل: {يعلمها إلا هو} ). [كتاب الأضداد: 424-425]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( ومن الحروف أيضا: {والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله} تحت {الذين} تأويل من غير تحصيل العدد، لا يعلمه غير الله جل وعز. ويدل على صحة هذا القول أيضا قراءة ابن مسعود، (إن تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به) وقراءة أبي: (ويقول الراسخون في العلم)، فتقديم القول على (الراسخين) يدل على أنهم غير داخلين في العلم.
ويدل على أنهم غير داخلين في العلم ما أخبرناه عبد الله بن محمد، قال: حدثنا الحسن بن يحيى: قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس أنه قرأ: (ويقول الراسخون في العلم).
والحديثان اللذان احتج بهما أصحاب القول الأول لا يصححان؛ لأن ابن أبي نجيح هو الراوي لهما عن مجاهد. وقد قال ابن عيينة: لم يسمع ابن أبي نجيح التفسير عن مجاهد، والآثار كلها تبطلها.
وإلى هذا المذهب كان يذهب الكسائي، والفراء، وأبو عبيدة، وأبو العباس؛ وهو اختيارنا. ولا حجة علينا في أن الراسخين إذا استؤنفوا وجعل القول خبرهم، لم يكن لهم على غير الراسخين فضل، لأن فضلهم على هذا التأويل لا يخفى؛ إذا كانوا يؤمنون بما تعقله قلوبهم، وتنطوي عليه ضمائرهم، وغير الراسخين يقلدون الراسخين، ويقتدون بهم، ويجرون على مثل سبيلهم، والمقتدي وإن كان له أجر وفضل يتقدمه المقتدى به، ويسبقه إلى الفضل والأجر والخير.
ولا ينكر أن يكتفى بالراسخين من غيرهم إذ كانوا أرفع شأنا منهم، فقد فعل الله جل وعز مثل هذا في قوله: {ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}.
ففي ذلك آيات لكل صبار، ولكل غير صبار؛ إلا أنه أفرد الصبار، وخصه بالذكر تشريفا وتعظيما، والآخر غير خارج من معناه.
وفي هذه المسألة تفاسير واحتجاجات، يطول شرحها في هذا الموضع، إذ لم يكن قصدنا فيه التفسير؛ وهي كاملة موجودة مجموعة في كتاب (الرد على أهل الإلحاد في القرآن) ). [كتاب الأضداد: 426-428] (م)


رد مع اقتباس