عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 14 ذو القعدة 1439هـ/26-07-2018م, 05:39 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إن هذا القرآن يهدي} الآية. "يهدي" في هذه الآية بمعنى: يرشد، ويتوجه فيها أن تكون بمعنى: يدعو، و"التي" يريد بها الحالة والطريقة، وقالت فرقة: للتي هي أقوم هي لا إله إلا الله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والأول أعم، وكلمة الإخلاص وغيرها من الأقوال والأفعال داخلة في الحال التي هي أقوم من كل حال تجعل بإزائها، والاختصار على "أقوم" ولم يذكر: "من كذا" إيجاز، والمعنى مفهوم، أي: للتي هي أقوم من كل ما غايرها، فهي النهاية في القوام، وقيد المؤمنين بعمل الصالحات إذ هو كمال الإيمان وإن لم يكن في نفسه، والمؤمن المفرد في العمل له بإيمانه حظ في عمل الصالحات، و"الأجر الكبير": الجنة، وكذلك حيث وقع في كتاب الله تعالى: "فضل كبير وأجر كبير" فهو الجنة.
[المحرر الوجيز: 5/446]
وقوله تعالى: "أن" الأولى في موضع نصب بـ "يبشر"، و"إن" الثانية عطف على الأولى، وهي داخلة في جملة بشارة المؤمنين. بشرهم القرآن بالجنة، وأن الكفار لهم عذاب أليم، وذلك أن علم المؤمنين بهذا مسرة لهم، وفي هذه البشارة وعيد للكفار بالمعنى، وهذا الذي تقتضيه ألفاظ الآية. وقرأ الجمهور: "ويبشر" بضم الياء وفتح الباء وكسر الشين، وقرأ ابن مسعود، ويحيى بن وثاب، وطلحة: "ويبشر" بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين). [المحرر الوجيز: 5/447]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"أعتدنا" معناه: أحضرنا وأعددنا، ومنه العتاد. و"الأليم": الموجع). [المحرر الوجيز: 5/447]

تفسير قوله تعالى: {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير}. سقطت الواو من "يدع" في خط المصحف لأنهم كتبوا المسموع. وقال ابن عباس، وقتادة، ومجاهد: هذه الآية نزلت ذامة لما يفعله الناس من الدعاء على أموالهم وأولادهم في وقت الغضب والضجر، فأخبر الله أنهم يدعون بالشر في ذلك الوقت كما يدعون بالخير في وقت التثبت، فلو أجاب الله دعاءهم أهلكهم، ولكن الله تعالى يصفح ولا يجيب دعاء الضجر المستعجل. ثم عذر بعض العذر في أن الإنسان له عجلة فطرية، و"الإنسان" هنا، قيل: يراد به الجنس بحسب ما في الخلق من ذلك. قاله مجاهد وغيره. وقال سلمان الفارسي، وابن عباس: إشارته إلى آدم عليه السلام في أنه لما نفخ الروح في رأسه عطس وأبصر، فلما مشى الروح في بدنه قبل ساقيه أعجبته نفسه فذهب يمشي مستعجلا لذلك فلم يقدر، فأشارت ألفاظ هذه الآية إلى ذلك. والمعنى: فأنتم ذوو عجلة موروثة من أبيكم، ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل أسيرا في قيد في بيت سودة بنت زمعة، فسمعت سودة أنينه فأشفقت، فقالت له: ما بالك؟ فقال: ألم القيد، فقامت فأرخت من ربطه فسكت، ثم نامت، فتحيل في الانحلال وفر، فطلبه النبي صلى الله عليه وسلم عند الصبح فأخبر الخبر، فقال: "قطع الله يديها"، ففزعت سودة ورفعت يديها نحو السماء وهي تخاف الإجابة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد جعل دعائي في مثل هذا رحمة على المدعو له; لأني بشر أغضب وأعجل، فلترد سودة يديها".
[المحرر الوجيز: 5/447]
وقالت فرقة: هذه الآية نزلت في شأن قريش، قالوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء الآية، وكان الأولى أن يقولوا: "فاهدنا إليه وارحمنا به"، فذمهم الله تعالى في هذه الآية.
وقالت فرقة: معنى هذه الآية معاتبة الناس على أنهم إذا نالهم شر وضر دعوا ولجوا في الدعاء الذي كان يجب أن يدعوه في حالة الخير ويلزمه الكل، من ذكر الله تعالى وحمده والرغبة إليه، لكن الإنسان يقصر حينئذ، فإذا مسه الضر ألح واستعجل الفرج، فالآية -على هذا- نحو قوله تعالى: {وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه}). [المحرر الوجيز: 5/448]

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا}
"الآية": العلامة المنصوبة للنظر والعبرة. وقوله تعالى: "فمحونا"، قالت فيه فرقة: سبب تعقيب الفاء أن الله تعالى خلق الشمس والقمر مضيئين، فمحا بعد ذلك القمر، محاه جبريل بجناحيه ثلاث مرات، فمن هنالك كلفه وكونه منيرا فقط وقالت فرقة -وهو الظاهر-: إن قوله تعالى: "فمحونا" إنما يريد: في أصل خلقته، وهذا كما تقول: "بنيت داري فبدأت بالأس ثم تابعت"، فلا تريد بالفاء التعقيب، وظاهر لفظ الآية يقتضي أربع آيات، لا سيما لمن بنى على أن القمر هو الممحو، والشمس هي المبصرة، فأما إن قدر الممحو في ظلام الليل والإبصار في ضوء النهار أمكن أن تتضمن الآية آيتين فقط، على أن يكون فيها طرف من إضافة الشيء إلى نفسه. وقوله تعالى: "مبصرة" مثل قولك: "ليل نائم وقائم"، أي: ينام فيه ويقام فيه، وكذلك: "آية مبصرة" أي: يبصر فيها ومعها.
وحكى الطبري عن بعض الكوفيين أنه قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
[المحرر الوجيز: 5/448]
سلوا عما شئتم، فقال ابن الكواء: ما السواد الذي في القمر؟ فقال له علي: قاتلك الله، هلا سألت عن أمر دينك وآخرتك؟ ذلك محو الليل.
وجعل الله تعالى النهار مبصرا ليبتغي الناس الرزق وفضل الله، وجعل القمر مخالفا لحال الشمس ليعلم به العدد من السنين والحساب للأشهر والأيام، ومعرفة ذلك في الشرع إنما هو من جهة القمر لا من جهة الشمس.
وقوله تعالى: " كل شيء " منصوب بفعل مضمر يدل عليه الظاهر، تقديره: وفصلنا كل شيء تفصيلا، وقيل: "وكل" عطف على "والحساب"، فهو معمول "لتعلموا"، و"التفصيل": البيان بأن تذكر فصول ما بين الأشياء وتزال أسبابها حتى يتميز الصواب من الشبهة العارضة فيه). [المحرر الوجيز: 5/449]

رد مع اقتباس