عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 03:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وما أرسلنا من رسولٍ إلا ليطاع بإذن اللّه ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرّسول لوجدوا اللّه توّابًا رحيمًا (64) فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليما (65)}
يقول تعالى: {وما أرسلنا من رسولٍ إلا ليطاع} أي: فرضت طاعته على من أرسله إليهم وقوله: {بإذن اللّه} قال مجاهدٌ: أي لا يطيع أحدٌ إلّا بإذني. يعني: لا يطيعهم إلّا من وفّقته لذلك، كقوله: {ولقد صدقكم اللّه وعده إذ تحسّونهم بإذنه} [آل عمران:52] أي: عن أمره وقدره ومشيئته، وتسليطه إيّاكم عليهم.
وقوله: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرّسول لوجدوا اللّه توّابًا رحيمًا} يرشد تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم فيستغفروا اللّه عنده، ويسألوه أن يستغفر لهم، فإنّهم إذا فعلوا ذلك تاب اللّه عليهم ورحمهم وغفر لهم، ولهذا قال: {لوجدوا اللّه توّابًا رحيمًا}
وقد ذكر جماعةٌ منهم: الشّيخ أبو نصر بن الصّبّاغ في كتابه "الشّامل" الحكاية المشهورة عن العتبي، قال: كنت جالسًا عند قبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فجاء أعرابيٌّ فقال: السّلام عليك يا رسول اللّه، سمعت اللّه يقول: {ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرّسول لوجدوا اللّه توّابًا رحيمًا} وقد جئتك مستغفرًا لذنبي مستشفعًا بك إلى ربّي ثمّ أنشأ يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه = فطاب من طيبهنّ القاع والأكم
نفسي الفداء لقبرٍ أنت ساكنه = فيه العفاف وفيه الجود والكرم
ثمّ انصرف الأعرابيّ فغلبتني عيني، فرأيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في النّوم فقال: يا عتبى، الحق الأعرابيّ فبشّره أنّ اللّه قد غفر له). [تفسير القرآن العظيم: 2/347-348]

تفسير قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم} يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدّسة: أنّه لا يؤمن أحدٌ حتّى يحكم الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحقّ الّذي يجب الانقياد له باطنًا وظاهرًا؛ ولهذا قال: {ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا} أي: إذا حكّموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجًا ممّا حكمت به، وينقادون له في الظّاهر والباطن فيسلّمون لذلك تسليمًا كلّيًّا من غير ممانعةٍ ولا مدافعةٍ ولا منازعةٍ، كما ورد في الحديث: "والّذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتّى يكون هواه تبعًا لما جئت به".
وقال البخاريّ: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، أخبرنا معمر، عن الزّهريّ، عن عروة قال: خاصم الزّبير رجلًا في شريج من الحرّة، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "اسق يا زبير ثمّ أرسل الماء إلى جارك" فقال الأنصاريّ: يا رسول اللّه، أن كان ابن عمّتك؟ فتلوّن وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ قال: "اسق يا زبير، ثمّ احبس الماء حتّى يرجع إلى الجدر، ثمّ أرسل الماء إلى جارك" واستوعى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم للزّبير حقّه في صريح الحكم، حين أحفظه الأنصاريّ، وكان أشار عليهما بأمرٍ لهما فيه سعةٌ. قال الزّبير: فما أحسب هذه الآية إلّا نزلت في ذلك: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم} الآية.
وهكذا رواه البخاريّ هاهنا أعني في كتاب: "التّفسير" من صحيحه من حديث معمرٍ: وفي كتاب: "الشّرب" من حديث ابن جريج ومعمرٍ أيضًا، وفي كتاب: "الصّلح" من حديث شعيب بن أبي حمزة، ثلاثتهم عن الزّهريّ عن عروة، فذكره وصورته صورة الإرسال، وهو متّصلٌ في المعنى.
وقد رواه الإمام أحمد من هذا الوجه فصرّح بالإرسال فقال: حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيبٌ، عن الزّهريّ، أخبرني عروة بن الزّبير: أنّ الزّبير كان يحدّث: أنّه كان يخاصم رجلًا من الأنصار قد شهد بدرًا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في شراج الحرّة، كانا يسقيان بها كلاهما، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم للزّبير: "اسق ثمّ أرسل إلى جارك" فغضب الأنصاريّ وقال: يا رسول اللّه، أن كان ابن عمّتك؟ فتلوّن وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ قال: "اسق يا زبير ثمّ احبس الماء حتّى يرجع إلى الجدر" فاستوعى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم للزّبير حقّه وكان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قبل ذلك أشار على الزّبير برأيٍ أراد فيه سعةً له وللأنصاريّ، فلمّا أحفظ الأنصاريّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم استوعى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم للزّبير حقّه في صريح الحكم، قال عروة: فقال الزّبير: واللّه ما أحسب هذه الآية نزلت إلّا في ذلك: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا}
هكذا رواه الإمام أحمد وهو منقطعٌ بين عروة وبين أبيه الزّبير؛ فإنّه لم يسمع منه، والّذي يقطع به أنّه سمعه من أخيه عبد اللّه، فإنّ أبا محمّدٍ عبد الرّحمن بن أبي حاتمٍ رواه كذلك في تفسيره فقال:
حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهبٍ، حدّثنا اللّيث ويونس، عن ابن شهابٍ، أنّ عروة بن الزّبير حدّثه أنّ عبد اللّه بن الزّبير حدّثه عن الزّبير بن العوّام: أنّه خاصم رجلًا من الأنصار قد شهد بدرًا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراجٍ في الحرة، كانا يسقيان به كلاهما النّخل، فقال الأنصاريّ: سرّح الماء يمر. فأبى عليه الزّبير، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اسق يا زبير ثمّ أرسل إلى جارك" فغضب الأنصاريّ وقال: يا رسول اللّه، أن كان ابن عمّتك؟ فتلوّن وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ قال: "اسق يا زبير ثمّ احبس الماء حتّى يرجع إلى الجدر" واستوعى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للزّبير حقّه وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبل ذلك أشار على الزّبير برأيٍ أراد فيه السّعة له وللأنصاريّ، فلمّا أحفظ الأنصاريّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم استوعى للزّبير حقّه في صريح الحكم فقال الزّبير: ما أحسب هذه الآية إلّا في ذلك: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا}
وهكذا رواه النّسائيّ من حديث ابن وهبٍ، به ورواه أحمد والجماعة كلّهم من حديث اللّيث، به وجعله أصحاب الأطراف في مسند عبد اللّه بن الزّبير، وكذا ساقه الإمام أحمد في مسند عبد اللّه بن الزّبير، واللّه أعلم. والعجب كلّ العجب من الحاكم أبي عبد اللّه النّيسابوريّ، فإنّه روى هذا الحديث من طريق ابن أخي ابن شهابٍ، عن عمّه، عن عروة، عن عبد اللّه بن الزّبير، عن الزّبير فذكره، ثمّ قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. فإنّي لا أعلم أحدًا قام بهذا الإسناد عن الزّهريّ يذكر عبد اللّه بن الزّبير، غير ابن أخيه، وهو عنه ضعيفٌ.
وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدّثنا محمّد بن عليٍّ أبو دحيم، حدّثنا أحمد بن حازمٍ، حدّثنا الفضل بن دكين، حدّثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن سلمة -رجلٍ من آل أبي سلمة-قال: خاصم الزّبير رجلًا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقضى للزّبير، فقال الرّجل: إنّما قضى له لأنّه ابن عمّته. فنزلت: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت} الآية.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عمرو بن عثمان، حدّثنا أبو حيوة، حدّثنا سعيد بن عبد العزيز، عن الزّهري، عن سعيد بن المسيّب في قوله: {فلا وربّك لا يؤمنون [حتّى يحكّموك]} [الآية] قال: نزلت في الزّبير بن العوّام، وحاطب بن أبي بلتعة. اختصما في ماءٍ، فقضى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يسقي الأعلى ثمّ الأسفل. هذا مرسلٌ ولكن فيه فائدة تسمية الأنصاريّ.
ذكر سببٍ آخر غريبٍ جدًّا:
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني عبد اللّه بن لهيعة، عن أبي الأسود قال: اختصم رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى بينهما، فقال الّذي قضي عليه: ردّنا إلى عمر بن الخطّاب فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "انطلقا إليه" فلمّا أتيا إليه قال الرّجل: يا ابن الخطّاب، قضى لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على هذا، فقال: ردّنا إلى عمر. فردّنا إليك. فقال: أكذاك؟ فقال: نعم فقال عمر: مكانكما حتّى أخرج إليكما فأقضي بينكما. فخرج إليهما مشتملًا على سيفه، فضرب الّذي قال ردّنا إلى عمر فقتله، وأدبر الآخر فارًّا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه قتل عمر واللّه صاحبي، ولولا أنّي أعجزته لقتلني، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما كنت أظنّ أن يجترئ عمر على قتل مؤمنٍ" فأنزل اللّه: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك} الآية، فهدر دم ذلك الرّجل، وبرئ عمر من قتله، فكره اللّه أن يسنّ ذلك بعد، فقال: {ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليلٌ منهم ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرًا لهم وأشدّ تثبيتًا} [النّساء: 66].
وكذا رواه ابن مردويه من طريق ابن لهيعة، عن أبي الأسود به.
وهو أثرٌ غريبٌ، وهو مرسلٌ، وابن لهيعة ضعيفٌ واللّه أعلم.
طريقٌ أخرى: قال الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرّحمن بن إبراهيم بن دحيم في تفسيره: حدّثنا شعيب بن شعيبٍ حدّثنا أبو المغيرة، حدّثنا عتبة بن ضمرة، حدّثني أبي: أنّ رجلين اختصما إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقضى للمحقّ على المبطل، فقال المقضيّ عليه: لا أرضى. فقال صاحبه: فما تريد؟ قال: أن نذهب إلى أبي بكرٍ الصّدّيق، فذهبا إليه، فقال الّذي قضي له: قد اختصمنا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقضى لي فقال أبو بكرٍ: فأنتما على ما قضى به النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأبى صاحبه أن يرضى، قال: نأتي عمر بن الخطّاب، فأتياه، فقال المقضيّ له: قد اختصمنا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقضى لي عليه، فأبى أن يرضى، [ثمّ أتينا أبا بكرٍ، فقال: أنتما على ما قضى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأبى أن يرضى] فسأله عمر، فقال: كذلك، فدخل عمر منزله وخرج والسّيف في يده قد سلّه، فضرب به رأس الّذي أبى أن يرضى، فقتله، فأنزل اللّه: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم} [إلى آخر] الآية). [تفسير القرآن العظيم: 2/349-352]

رد مع اقتباس