الموضوع: سورة النور
عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 13 ذو الحجة 1433هـ/28-10-2012م, 02:23 AM
الصورة الرمزية أسماء الشامسي
أسماء الشامسي أسماء الشامسي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الدولة: مكة المكرمة
المشاركات: 559
افتراضي

قال تعالى: {ليس على الأعمى حرجٌ ولا على الأعرج حرجٌ ولا على المريض حرجٌ (61)}

قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية الرّابعة

قال تعالى: {ليس على الأعمى حرجٌ ولا على الأعرج حرجٌ ولا على المريض حرجٌ} [النور: 61] الآية
للعلماء فيها ستّة أقوالٍ
منهم من قال في قوله تعالى {ولا على أنفسكم} [النور: 61] إلى آخر الآية إنّه منسوخٌ ومنهم من قال في الآية إنّها ناسخةٌ لما قال اللّه تعالى {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} [النساء: 29] فامتنع النّاس من أن يأكلوا طعامًا لأحدٍ إذا دعاهم إليه حتّى أنزل اللّه تعالى {ولا على أنفسكم أن تأكلوا} [النور: 61] الآية
واختلف الّذين قالوا هذا على أربعة أقوالٍ
فمنهم من قال: فأبيح للرّجل أن يأكل من هذه البيوت بغير إذن صاحبها
ومنهم من قال: أبيح له إذا أذن له
ومنهم من قال: كان الأعمى والأعرج والمريض لا يأكلون مع النّاس لئلّا يكره النّاس ذلك فأزيل هذا
ومنهم من قال: كان الإنسان يتوقّى أن يأكل مع الأعمى؛ لأنّه يقصر في الأكل وكذا الأعرج والمريض فأزيل ذلك

والقول السّادس: أنّ الآية محكمةٌ
فممّن قال القول الأوّل إنّها منسوخةٌ من قوله تعالى {ولا على أنفسكم} [النور: 61] إلى آخر الآية عبد الرّحمن بن زيدٍ، قال:
هذا شيءٌ قد انقطع كانوا في أوّل الإسلام ليست على أبوابهم أغلاقٌ فكانت السّتور مرخاةٌ فربّما جاء الرّجل فدخل البيت وهو جائعٌ وليس فيه أحدٌ فسوّغه اللّه أن يأكل ثمّ صارت الأغلاق على البيوت فلا يحلّ لأحدٍ أن يفتحها فذهب هذا وانقطع
قال أبو جعفرٍ: وممّا يدلّ على حظر هذا
ما حدّثناه بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: ((لا يحتلبنّ أحدكم ماشية أخيه إلّا بإذنه أيحبّ أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته فينتقل طعامه، فإنّما تحرز لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم
فلا يحتلبنّ أحدكم ماشية أخيه إلّا بإذنه))قال أبو جعفرٍ: وكان في هذا الحديث حظر رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم هذا، والقول بأنّها ناسخةٌ قول جماعةٍ
كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: " لمّا أنزل اللّه: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} [النساء: 29] " فقال المسلمون إنّ اللّه قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل وإنّ الطّعام من أفضل الأموال فلا يحلّ لأحدٍ منّا أن يأكل عند أحدٍ فكفّ النّاس عن ذلك فأنزل اللّه بعد ذلك {ليس على الأعمى حرجٌ} [النور: 61] إلى {أو ما ملكتم مفاتحه} [النور: 61] قال هو الرّجل يؤكّل الرّجل بضيعته والّذي رخّص اللّه تعالى أن يأكل الطّعام والتّمر ويشرب اللّبن "
فذهب أبو عبيدٍ إلى أنّ هذا إنّما هو بعد الإذن؛ لأنّ النّاس توقّفوا أن يأكلوا لأحدٍ شيئًا إذا لم يكن ذلك على سبيل تجارةٍ أو عوضٌ وإن أذن له صاحب الطّعام فأباح اللّه ذلك إذا أذن فيه صاحبه ، وتأوّله غيره على الإذن فيه وإن لم يطلق ذلك صاحبه إذا علم أنّه ليس ممّن يمنعه واستدلّ على صحّة هذا القول أنّه ليس في الآية ذكر الإذن وإنّما قال تعالى {أن تأكلوا من بيوتكم} [النور: 61] ؛ لأنّ منزل الرّجل قد يكون فيه ما ليس له وما يكون لأهله {أو بيوت آبائكم} [النور: 61] إلى آخر الآية ولم يذكر الابن فيها فتأوّل هذا بعض العلماء على أنّ منزل ابنه ومنزله واحدٌ فلذلك لم يذكره وعارضه بعضهم فقال هذا تحكّمٌ على كتاب اللّه تعالى بل الأولى في الظّاهر أن يكون الابن مخالفًا لهؤلاء وليس الاحتجاج بما روي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنت ومالك لأبيك»
بقويٍّ لوهاء هذا الحديث وأنّه لو صحّ لم يكن فيه حجّةٌ إذ قد يجوز أن يكون النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم علم أنّ مال ذلك المخاطب لأبيه، وقد قيل: إنّ معناه أنت لأبيك ومالك مبتدأٌ أي ومالك لك والقاطع لهذا التّوارث بين الأب والابن
وممّن قال إنّ الآية ناسخةٌ لما كان محظورًا عليهم من الأكل مع الأعمى ومن ذكر معه مقسمٌ
كما روى سفيان، عن قيس بن مسلمٍ، عن مقسمٍ، قال: " كانوا يتّقون أن يأكلوا، مع الأعمى والأعرج والمريض حتّى أنزل اللّه تعالى {ليس على الأعمى حرجٌ} [النور: 61] الآية "
قال أبو جعفرٍ: وهذا القول غلطٌ لأنّ الآية ليس على الأعمى حرجٌ فكيف يكون هذا ناسخًا للحظر عليهم الأكل معه ولو كان هذا كان يكون ليس للأكل مع الأعمى حرجٌ على أنّ بعض النّحويّين قد احتال لهذا القول
فقال: قد تكون على بمعنى في وفي بمعنى على ويكون التّقدير على هذا ليس في الأعمى حرجٌ وهذا القول بعيدٌ لا ينبغي أن يحمل عليه كتاب اللّه إلّا بحجّةٍ قاطعةٍ وأمّا قول من قال كان الأعمى لا يأكل مع البصير وكذا الأعرج والمريض لئلّا يلحقه منه أذًى، فيقول: يجوز ولكنّ أهل التّأويل على غيره
والقول السّادس: أنّ الآية محكمةٌ وأنّها نزلت في شيءٍ بعينه، قول جماعةٍ من أهل العلم ممّن يقتدى بقوله منهم سعيد بن المسيّب، وعبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة في جماعةٍ من أهل العلم
كما حدّثنا عليّ بن حسينٍ، قال: حدّثنا الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا شبابة، قال: حدّثنا أبو أويسٍ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، في هذه الآية لا جناح عليكم {أن تأكلوا من بيوتكم} [النور: 61] الآية: نزلت في أناسٍ كانوا إذا
خرجوا مع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وضعوا مفاتيح بيوتهم عند أهل العلّة ممّن يتخلّف عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم عند الأعمى والأعرج والمريض وعند أقاربهم فكانوا يأذنون لهم أن يأكلوا ممّا في بيوتهم إذا احتاجوا إلى ذلك وكانوا يتّقون أن يأكلوا منها ويقولون نخشى ألّا تكون أنفسهم بذلك طيبةً فأنزل اللّه في ذلك هذه الآيات فأحلّه لهم "
وقال عبيد اللّه بن عبد اللّه: " إنّ النّاس كانوا إذا خرجوا إلى الغزو دفعوا مفاتحهم إلى الزّمنى وأحلّوا لهم أن يأكلوا ممّا في بيوتهم فكانوا لا يفعلون ذلك ويتوقّون ويقولون إنّما أطلقوا لنا هذا عن غير طيب نفسٍ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ {ليس على الأعمى حرجٌ} [النور: 61] "
حدّثنا أحمد بن جعفر بن محمّدٍ السّمّان الأنباريّ، بالأنبار، قال حدّثنا زيد بن أخزم قال حدّثنا بشر بن عمر الزّهرانيّ: قال: حدّثنا إبراهيم بن سعدٍ، عن صالح بن كيسان، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة، قالت: " كان المسلمون يوعبون في النّفير مع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فكانوا يدفعون مفاتيحهم إلى ضمناهم ويقولون إن احتجتم فكلوا فيقولون إنّما أحلّوه لنا عن غير طيب نفسٍ فأنزل اللّه تعالى: ليس عليكم جناحٌ {أن تأكلوا
من بيوتكم أو بيوت آبائكم} [النور: 61] إلى آخر الآية "
قال أبو جعفرٍ: يوعبون أي يخرجون بأجمعهم في المغازي يقال: أوعب بنو فلانٍ لبني فلانٍ إذا جاءوا بأجمعهم ويقال بيتٌ وعيبٌ إذا كان واسعًا يستوعب كلّ ما جعل فيه والضّمنى هم الزّمنى واحدهم ضمنٌ مثل زمنٍ
قال أبو جعفرٍ: وهذا القول من أجل ما روي في الآية لما فيه عن الصّحابة والتّابعين من التّوقيف أنّ الآية نزلت في شيءٍ بعينه فيكون التّقدير على هذا ليس على الأعمى حرجٌ ولا على الأعرج حرجٌ ولا على المريض حرجٌ ولا عليكم أن تأكلوا فإنّ تأكلوا خبر ليس ويكون هذا بعد الإذن
وقال ابن زيدٍ المعنى ليس على الأعمى حرجٌ في الغزو وإذا كان على هذا فليست أن خبر ليس
فأمّا {من بيوتكم} [النحل: 80] فمعناه من بيوت أنفسكم كذا ظاهره وقد تأوّل ذلك بعض أهل العلم على أنّه بغير إذنٍ كما ذكرنا
وروى معمرٌ، عن قتادة، «لا بأس أن تأكل من بيت صديقك وإن لم يأذن لك»
ويتأوّل هذا على أنّه إنّما يكون مباحًا إذا علمت أنّه لا يمنعك وكان صديقًا على الحقيقة إلّا أنّ الأحاديث الّتي ذكرناها على الإذن واللّه عز وجل أعلم ). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: ). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/562-567]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {ليس على الأعمى حرجٌ}. الآية.
قال ابن زيد: من قوله: {ولا على أنفسكم} إلى آخر الآية، منسوخٌ لأنهم كانوا في أوّل أمرهم ليس على أبوابهم أغلاقٌ، فربّما أتى الرّجل وهو جائعٌ فدخل البيت ولا أحد فيه، فسوّغ الله أن يأكل مما فيه، إلى أن صارت الأغلاق على البيوت، فلا يحلّ لأحدٍ أن يفتحها ويأكل مما فيها، كأنه يريد أن ذلك منسوخٌ بقوله: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} [البقرة: 188]. والإجماع على تحريم مال المسلم إلاّ بإذنه.
وقال ابن عباس: الآية ناسخةٌ لما أحدث المؤمنون عند نزول قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}، فانتهوا عن أن يأكل أحدٌ طعام أحدٍ فأنزل الله: {ليس على الأعمى حرجٌ} [النور: 61] إلى {أشتاتًا} [النور: 61]، وقوله: {أو ما ملكتم مفاتحه} [النور: 61]: هو الرجل يتوكّل على الرّجل على حائطه أو جنانه أو غنمه، فللوكيل أن يأكل من ثمر ذلك ولبنه.
وقد قال أبو عبيد: لا يأكل إلا بمشورة ربّ المال، لأن الناس كانوا قد توقفوا عن الأكل بعد الإذن، فأباح الله لهم ذلك بعد الإذن.
وقال غيره: له الأكل بغير إذن؛ إذ ليس في الآية ذكر الإذن.
وقيل: الآية ناسخةٌ لما كانوا عليه من التّحرّج من الأكل مع الأعمى والأعرج والمريض.
وقائل هذا القول يجعل "على" بمعنى "في" أي: ليس في الأعمى حرجٌ أي: في الأكل معه.
وقال أكثر أهل التأويل: الآية محكمةٌ، وذلك أنهم كانوا إذا خرجوا مع النبي عليه السلام إلى الجهاد وضعوا مفاتحهم عند أهل العلّة والزّمانة المتخلفين عن الجهاد لعذرهم، وعند أقربائهم، وكانوا يأذنون لهم أن يأكلوا مما في بيوتهم إذا احتاجوا إلى ذلك، فكان المتخلّفون يتقون أن يأكلوا مما في بيوت الغيّب، ويقولون: نخشى ألاّ تكون أنفسهم بذلك طيّبةً، فأنزل الله تعالى ذكره هذه الآية تحلّ لهم ذلك. وهذا التفسير مرويٌ عن عائشة رضي الله عنها وقاله ابن المسيّب أيضًا.
وقال ابن زيد: قوله: {ليس على الأعمى حرجٌ}[النور: 61]، إلى قوله: {ولا على المريض حرجٌ} [النور: 61]، محكمٌ نزل في الغزو، أي ليس عليهم ضيق في تأخّرهم عن الغزو، للعذر الذي لهم. فـ {على الأعمى}: خبر ليس - على هذا القول -، وإذا جعلت ذلك في إباحة الطعام لهم - على قول من تقدم ذكره - كان خبر ليس: {أن تأكلوا}. ). [الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 369-370]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية السّابعة: قوله تعالى: {ليس على الأعمى حرجٌ ولا على الأعرج حرجٌ ولا على المريض حرجٌ ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم}.
هذه الآية كلّها محكمةٌ، والحرج المرفوع عن أهل الضّرّ مختلفٌ فيه، فمن المفسّرين من يقول: المعنى: ليس عليكم في مواكلتكم حرجٌ، لأنّ القوم تحرّجوا (وقالوا) : الأعمى لا يبصر موضع الطّعام الطّيّب، والمريض لا يستوفي الطّعام، فكيف نواكلهم وبعضهم يقول: بل كانوا يضعون مفاتحهم إذا غزوا عند أهل (الضّرّ) ويأمرونهم أن يأكلوا فيتورّع أولئك عن الأكل فنزلت هذه الآية.
وأمّا البيوت المذكورة فيباح للإنسان الأكل منها لجريان العادة ببذل أهلها
الطعام لأهلهم، وكلّ ذلك محكمٌ، وقد زعم بعضهم: أنها منسوخة بقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} وليس هذا بقول فقيه). [نواسخ القرآن:412-413]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس