عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 6 ربيع الثاني 1438هـ/4-01-2017م, 01:57 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

(16) درجات الحسد
الحسد مرض كامن في كثير من النفوس؛ لكن من الناس من ينكره من نفسه حتى يبرأ منه، ومنهم من يسترسل معه حتى يغلب عليه، وقد قيل:(ما خلا جسد من حسد، لكن اللئيم يبديه، والكريم يخفيه) وهذه المقولة المشهورة ليست بحديث كما ظنّه بعضهم، وقد روي في معناها حديث ضعيف جداً، رواه أبو موسى المديني في تذكرة الحفاظ بإسناده عن أنس بن مالك مرفوعاً: ( كل بني آدم حسود، وبعض الناس أفضل في الحسد من بعض، ولا يضرّ حاسداً حسدُه ما لم يتكلم بلسان أو يعمل).
ولا يصح هذا الحديث، بل هو ضعيف منكر، فليس كل بني آدم بحسود، بل منهم من لا يحسد الناس شيئاً ، وقد وردت النصوص في بيان فضل من لا يحسد، وهذه مرتبة قد نالها بعض الناس، وإن كانوا قليلاً.
ومما ينبغي أن يُعلم أن الحسد على درجات وأنواع، والناس يتفاوتون فيه:
1: فمنهم من يكون حسده مجرّد خواطر وواردات ضعيفة على النفس والفكر من كيد الشيطان ووسوسته أو من عمل النفس الأمّارة بالسوء؛ فمن أنكرها وجاهدها فقد برئ من الحسد وسلم من مغبّته، ومن بقيت في نفسه بقيّة من ذلك؛ ففيه حسد كامن قابل للزيادة والتأثير.
وروي عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: (غُمّوا هذا الحسد بينكم، فإنّه من الشيطان، وإنه ما من أحد إلا وهو يعرض له منه شيء، وإنه ليس بضائر عبداً لم يعد بلسان أو يد)، وقد رواه وَكيعٌ في الزُّهدِ عن بعضِ أصحابِه عن الحسنِ البصريِّ مرسلاً، والأقرب أنه من قول الحسن.
فالذي تعرض له خواطر الحسد فينكرها ولا يتبع النفس هواها ؛ مجاهد مأجور على جهاده لنفسه.
2: ومن الناس من يضمر الحسد في نفسه، لكنّه لا يتكلّم به، ولا يعمل بموجبه؛ فلا يؤذي المحسود بقول ولا عمل ولا كيد، لكنّه في حقيقة الأمر يسره زوال النعمة عنه، أو بقاء البلاء عليه، وهذا نوع من الحسد قد يتساهل فيه بعض الناس.
3: ومن الناس من يزداد درجة فيتمنّى زوال النعمة؛ وهذا التمنّي عمل قلبي يتفاوت فيه الناس؛ فمنهم من يكون تمنّيه لذلك قويّا شديداً، ومنهم من يكون تمنّيه دون ذلك؛ وكلما ازدادت قوة التمنّي عظم الحسد في نفس صاحبه.
4: ومن الناس من يكون كثير الحسد؛ يحسد كثيراً من الناس، ويحسد على نعم متعددة، ومنهم من يكون حسده مخصوصاً بشخص أو جماعة معيّنة، أو نعمة معيّنة.
5: ومن الناس من يكون مع حسده نفس خبيثة تصيب من تحسده بالعين إما بالرؤية وإما بالوصف.
6: ومن الناس من يعمل بما يمليه عليه حسَدُه؛ فيتكلم في المحسود، أو يكيده ويسعى في مضرته، والكلام والكيد يتفاوت فيه الناس؛ فمنهم من يكون شديداً في ذلك حتى ربما وصل الأمر به إلى السعي في سحر المحسود، والعياذ بالله.
وبهذا تعلم أن الحاسدين على درجات، وأن من أهل الحسد من يكون حسده كثيراً شديداً، ومنهم من يكون حسده قليلاً ضعيفا، ومنهم من يحسد أحياناً، ومنهم صاحب العين الحاسدة، ويتركب من كل ذلك أنواع ودرجات يتفاوت فيها أهل الحسد؛ فأخبثهم: شديد الحسد، كثير الحسد، قويّ العين في حسده.
سلمنا الله من الحسد كله.


التوقيع :

رد مع اقتباس