عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:19 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ومنهم الّذين يؤذون النّبيّ ويقولون هو أذنٌ قل أذن خيرٍ لكم يؤمن باللّه ويؤمن للمؤمنين ورحمةٌ للّذين آمنوا منكم والّذين يؤذون رسول اللّه لهم عذابٌ أليمٌ (61) يحلفون باللّه لكم ليرضوكم واللّه ورسوله أحقّ أن يرضوه إن كانوا مؤمنين (62) ألم يعلموا أنّه من يحادد اللّه ورسوله فأنّ له نار جهنّم خالداً فيها ذلك الخزي العظيم (63)
الضمير في قوله ومنهم عائد على المنافقين، ويؤذون لفظ يعم جميع ما كانوا يفعلونه ويقولونه في جهة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى، وخص بعد ذلك من قولهم هو أذنٌ، وروي أن قائل هذه اللفظة نبتل بن الحارث وكان من مردة المنافقين، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من سره أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث وكان ثائر الرأس منتفش الشعرة أحمر العينين أسفع الخدين مشوها، وروي عن الحسن البصري ومجاهد أنهما تأولا أنهم أرادوا بقولهم هو أذنٌ أي يسمع منا معاذيرنا وتنصلنا ويقبله، أي فنحن لا نبالي عن أذاه ولا الوقوع فيه إذ هو سماع لكل ما يقال من اعتذار ونحوه، فهذا تنقص بقلة الحزامة والانخداع، وروي عن ابن عباس وجماعة معه أنهم أرادوا بقولهم هو أذنٌ أي يسمع كل ما ينقل إليه عنا ويصغي إليه ويقبله، فهذا تشكّ منه ووصف بأنه يسوغ عنده الأباطيل والنمائم، ومعنى أذنٌ سماع، ويسمى الرجل السماع لكل قول أذنا إذا كثر منه استعمال الأذن، فهذه تسمية الشيء بالشيء إذا كان منه بسبب كما يقال للربيئة عين وكما يقال للمسنة من الإبل التي قد بزل نابها ناب وقيل معنى الكلام ذو أذن أي ذو سماع، وقيل إن قوله أذنٌ مشتق من قولهم أذن للشيء إذا استمع كما قال الشاعر وهو علي بن زيد: [الرمل]
أيها القلب تعلل بددن = إن همّي في سماع وأذن
وفي التنزيل وأذنت لربّها وحقّت [الإنشقاق: 2- 5] ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم «ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن» ومن هذا قول الشاعر [عدي بن زيد]: [الرمل]
في سماع يأذن الشيخ له = وحديث مثل ماذيّ مشار
ومنه قول الآخر [قعنب بن أم صاحب]: [البسيط]
صمّ إذا سمعوا خيرا ذكرت به = وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
وقرأ نافع «أذن» بسكون الذال فيهما، وقرأ الباقون «أذن» بضم الذال فيهما، وكلهم قرأ بالإضافة إلى خيرٍ إلا ما روي عن عاصم، وقرأ الحسن بن أبي الحسن ومجاهد وعيسى بخلاف «قل أذن خير» برفع خير وتنوين «أذن»، وهذا يجري مع تأويل الحسن الذي ذكرناه أي من يقبل معاذيركم خير لكم، ورويت هذه القراءة عن عاصم، ومعنى «أذن خير» على الإضافة أي سماع خير وحق، ويؤمن باللّه معناه يصدق بالله، ويؤمن للمؤمنين قيل معناه ويصدق المؤمنين واللام زائدة كما هي في قوله ردف لكم [النمل: 72] وقال المبرد هي متعلقة بمصدر مقدر من الفعل كأنه قال وإيمانه للمؤمنين أي تصديقه، ويقال آمنت لك بمعنى صدقتك ومنه قوله تعالى: وما أنت بمؤمنٍ لنا [يوسف: 17].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وعندي أن هذه التي معها اللام في ضمنها باء فالمعنى ويصدق للمؤمنين بما يخبرونه، وكذلك وما أنت بمؤمنٍ لنا [يوسف: 17] بما نقوله لك والله المستعان، وقرأ جميع السبعة إلا حمزة «ورحمة» بالرفع عطفا على أذنٌ، وقرأ حمزة وحده «ورحمة» بالخفض عطفا على خيرٍ، وهي قراءة أبي بن كعب وعبد الله والأعمش، وخصص الرحمة للّذين آمنوا إذ هم الذين نجوا بالرسول وفازوا به، ثم أوجب تعالى للذين يؤذون رسول الله العذاب الأليم وحتم عليهم به). [المحرر الوجيز: 4/ 349-352]

تفسير قوله تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: يحلفون باللّه لكم الآية، ظاهر هذه الآية أن المراد بها جميع المنافقين الذين يحلفون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بأنهم منهم في الدين وأنهم معهم في كل أمر وكل حزب، وهم في ذلك يبطنون النفاق ويتربصون الدوائر وهذا قول جماعة من أهل التأويل، وقد روت فرقة أنها نزلت بسبب رجل من المنافقين قال إن كان ما يقول محمد صلى الله عليه وسلم حقا فأنا شر من الخمر، فبلغ قوله رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه ووقف على قوله ووبخه فحلف مجتهدا أنه ما فعل، فنزلت الآية في ذلك، وقوله واللّه مذهب سيبويه أنهما جملتان حذفت الأولى لدلالة الثانية عليها، والتقدير عنده والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه وهذا كقول الشاعر: [المنسرح]
نحن بما عندنا وأنت بما عنـ = ـدك راض والرأي مختلف
ومذهب المبرد أن في الكلام تقديما وتأخيرا، وتقديره والله أحق أن يرضوه ورسوله قال وكانوا يكرهون أن يجمع الرسول مع الله في ضمير، حكاه النقاش عنه، وليس هذا بشيء، وفي مصنف أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصها» فجمع في ضمير، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر «بئس الخطيب أنت»، إنما ذلك وقف في يعصهما فأدخل العاصي في الرشد، وقيل الضمير في يرضوه عائد على المذكور كما قال رؤبة: [الرجز].
فيها خطوط من سواد وبلق = كأنّه في الجلد توليع البهق
وقوله إن كانوا مؤمنين أي على قولهم ودعواهم). [المحرر الوجيز: 4/ 352-353]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله ألم يعلموا الآية، قوله ألم تقرير ووعيد، وفي مصحف أبي بن كعب «ألم تعلم» على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو وعيد لهم، وقرأ الأعرج والحسن «ألم تعلموا» بالتاء، ويحادد معناه يخالف ويشاق، وهو أن يعطي هذا حده وهذا حده لهذا، وقال الزجاج: هو أن يكون هذا في حد وهذا في حد، وقوله فأنّ مذهب سيبويه أنها بدل من الأولى وهذا معترض بأن الشيء لا يبدل منه حتى يستوفى، والأولى في هذا الموضع لم يأت خبرها بعد إذ لم يتم جواب الشرط، وتلك الجملة هي الخبر، وأيضا فإن الفاء تمانع البدل، وأيضا فهي في معنى آخر غير الأول فيقلق البدل، وإذا تلطف للبدل فهو بدل الاشتمال
وقال غير سيبويه: هي مجردة لتأكيد الأولى
وقالت فرقة من النحاة: هي في موضع خبر ابتداء تقديره فواجب أن له، وقيل المعنى فله أن له،
وقالت فرقة: هي ابتداء والخبر مضمر تقديره فإن له نار جهنم واجب، وهذا مردود لأن الابتداء ب «أن» لا يجوز مع إضمار الخبر، قاله المبرد: وحكي عن أبي علي الفارسي قول يقرب معناه من معنى القول الثالث من هذه التي ذكرنا لا أقف الآن على لفظه، وجميع القراء على فتح «أن» الثانية، وحكى الطبري عن بعض نحويي البصرة أنه اختار في قراءتها كسر الألف، وذكر أبو عمرو الداني أنها قراءة ابن أبي عبلة، ووجهه في العربية قوي لأن الفاء تقتضي القطع والاستئناف ولأنه يصلح في موضعها الاسم ويصلح الفعل وإذا كانت كذلك وجب كسرها). [المحرر الوجيز: 4/ 353-354]


رد مع اقتباس