عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 13 محرم 1432هـ/19-12-2010م, 08:23 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 87 إلى آخر السورة]

{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (91) إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94) وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95) حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97) إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103) يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آَذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111) قَالَ رَبِّ احْكُمْ ‎بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)}

تفسير قوله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وذا النّون} [الأنبياء: 87] يعني يونس.
وقال في آيةٍ أخرى: {كصاحب الحوت} [القلم: 48] والحوت، النّون.
{إذ ذهب مغاضبًا} [الأنبياء: 87] يعني مكابدًا لدين ربّه في تفسير الحسن.
{فظنّ أن لن نقدر عليه} [الأنبياء: 87] قال قتادة: فظنّ أن لن نعاقبه بما صنع.
قال: وبلغنا أنّ يونس دعا قومه زمانًا إلى اللّه عزّ وجلّ، فلمّا طال ذلك وأبوا
[تفسير القرآن العظيم: 1/335]
أوحى اللّه إليه أنّ العذاب يأتيهم يوم كذا وكذا.
فلمّا دنا الوقت تنحّى عنهم، فلمّا كان قبل الوقت بيومٍ جاء فجعل يطوف بالمدينة وهو يبكي ويقول: غدًا يأتيكم العذاب.
فسمعه رجلٌ منهم، فانطلق إلى الملك فأخبره أنّه سمع يونس يبكي ويقول: غدًا يأتيكم العذاب.
فلمّا سمع ذلك الملك دعا قومه، فأخبرهم بذلك وقال: إن كان هذا حقًّا فسيأتيكم العذاب غدًا، فاجتمعوا حتّى ننظر في أمرنا.
فاجتمعوا، فخرجوا من المدينة من الغد، فنظروا فإذا بظلمةٍ وريحٍ شديدةٍ قد أقبلت نحوهم.
فعلموا أنّه الحقّ، ففرّقوا بين الصّبيان وبين أمّهاتهم، وبين البهائم وبين أمّهاتها، ولبسوا الشّعر، وجعلوا الرّماد والتّراب على رءوسهم تواضعًا للّه وتضرّعوا إليه، وبكوا، وآمنوا.
فصرف اللّه عنهم العذاب.
واشترط بعضهم على بعضٍ ألا يكذب منهم أحدٌ كذبةً إلا قطعوا لسانه.
فجاء يونس من الغد، فنظر فإذا المدينة على حالها، وإذا النّاس داخلون وخارجون.
فقال: أمرني ربّي أن أخبر قومي أنّ العذاب يأتيهم فلم يأتهم، فكيف ألقاهم؟ فانطلق حتّى انتهى إلى ساحل البحر، فإذا سفينةٌ في البحر، فأشار إليهم، فأتوه، فحملوه ولا يعرفونه.
فانطلق إلى ناحيةٍ من السّفينة، فتقنّع ورقد.
فما مضى إلا قليلًا حتّى جاءتهم ريحٌ كادت تغرق السّفينة.
فاجتمع أهل السّفينة، فدعوا اللّه ثمّ قالوا: أيقظوا الرّجل يدعو اللّه معنا ففعلوا.
فدعا اللّه معهم، فرفع اللّه تبارك وتعالى عنهم تلك الرّيح.
ثمّ انطلق إلى مكانه فرقد.
فجاءت ريحٌ كادت السّفينة تغرق.
فأيقظوه ودعوا اللّه، فارتفعت الرّيح.
ثمّ انطلق إلى مكانه فرقد.
فجاءت ريحٌ كادت السّفينة تغرق، فأيقظوه ودعوا اللّه، فارتفعت.
فتفكّر العبد الصّالح يونس فقال: هذا من خطيئتي أو قال: من ذنبي أو كما قال.
فقال لأهل السّفينة: شدّوني وثاقًا وألقوني في البحر.
فقالوا: ما كنّا لنفعل وحالك حالك، ولكنّا نقترع، فمن
[تفسير القرآن العظيم: 1/336]
أصابته القرعة ألقيناه في البحر.
فاقترعوا، فأصابته القرعة، فقال: قد أخبرتكم، فقالوا: ما كنّا لنفعل ولكن اقترعوا الثّانية، فاقترعوا، فأصابته القرعة.
ثمّ اقترعوا الثّالثة فأصابته القرعة وهو قوله عزّ وجلّ: {فساهم فكان من المدحضين} [الصافات: 141] أي: من المقروعين.
ويقال: من المسهومين، يعني أنّه وقع السّهم عليه.
فانطلق إلى صدر السّفينة ليلقي نفسه في البحر، فإذا هو بحوتٍ فاتحٍ فاه، ثمّ انطلق إلى ذنب السّفينة، فإذا هو بالحوت فاتحٍ فاه، ثمّ جاء إلى جانب السّفينة، فإذا هو بالحوت فاتحٍ فاه، ثمّ جاء إلى الجانب الآخر، فإذا هو بالحوت فاتحٍ فاه، فلمّا رأى ذلك ألقى نفسه في البحر، فالتقمه الحوت.
فأوحى اللّه تبارك وتعالى إلى الحوت: إنّي لم أجعله لك رزقًا ولكن جعلت بطنك له سجنًا.
فمكث في بطن الحوت أربعين ليلةً.
{فنادى في الظّلمات} [الأنبياء: 87] كما قال اللّه: {أن لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين} [الأنبياء: 87] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/337]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فنادى في الظّلمات} [الأنبياء: 87] يعني ظلمة البحر، وظلمة اللّيل، وظلمة بطن الحوت.
وهو تفسير السّدّيّ.
{أن لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين} [الأنبياء: 87] يعني بخطيئته). [تفسير القرآن العظيم: 1/338]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فظنّ أن لّن نّقدر عليه...}

يريد أن لن نقدر عليه من العقوبة ما قدرنا.
وقوله: {فنادى في الظّلمات أن لاّ اله إلاّ أنت} يقال: ظلمة البحر، وبطن الحوت ومِعاها (مقصور) الذي كان فيه يونس فتلك الظلمات). [معاني القرآن: 2/209]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وذا النّون إذ ذّهب مغاضباً فظنّ أن لّن نّقدر عليه فنادى في الظّلمات أن لاّ إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين}
وقال: {إذ ذّهب مغاضباً فظنّ أن لّن نّقدر عليه} أي: لن نقدر عليه العقوبة، لأنه قد أذنب بتركه قومه وإنما غاضب بعض الملوك ولم يغاضب ربه كان بالله عز وجل أعلم من ذلك). [معاني القرآن: 3/8]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وذا النّون}: ذا الحوت. والنون: الحوت.
{فظنّ أن لن نقدر عليه} أي نضيق عليه. يقال: فلان مقدّر عليه، ومقتّر عليه في رزقه. وقال: {وأمّا إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه}، أي ضيّق عليه في رزقه). [تفسير غريب القرآن: 287]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (يقول الله سبحانه: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}.
{فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}، أي لن نضيّق عليه، وأنّا نخلّيه ونهمله. والعرب تقول: فلان مقدّر عليه في الرزق، ومقتّر عليه، بمعنى واحد، أي مضيّق عليه.
ومنه قوله تعالى: {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ}. وقدر- بالتخفيف والتثقيل- قال أبو عمرو بن العلاء: قتر وقتّر وقدر وقدّر، بمعنى واحد، أي ضيّق.
فعاقبه الله عن حميّته وأنفته وإباقته، وكراهيته العفو عن قومه، وقبول إنابتهم- بالحبس له، والتّضييق عليه في بطن الحوت.
وفي رواية أبي صالح: أن ملكا من ملوك بني إسرائيل كان أمره بالمسير إلى نينوى ليدعو أهلها بأمر شعياء النبي صلّى الله عليه وسلم، فأنف من أن يكون ذهابه إليهم بأمر أحد غير الله تعالى، فخرج مغاضبا للملك، فعاقبه الله بالتقام الحوت.
قال: فلما قذفه الحوت بعثه الله إلى قومه فدعاهم. وأقام بينهم حتى آمنوا). [تأويل مشكل القرآن: 409-408] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.
يستوحش كثير من الناس من أن يلحقوا بالأنبياء ذنوبا، ويحملهم التنزيه لهم، صلوات الله عليهم، على مخالفة كتاب الله جلّ ذكره، واستكراه التأويل، وعلى أن يلتمسوا لألفاظه المخارج البعيدة بالحيل الضعيفة التي لا تخيل عليهم،
أو على من علم منهم- أنّها ليست لتلك الألفاظ بشكل، ولا لتلك المعاني بلفق.
كتأوّلهم في قوله تعالى: {وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} أي: بشم من أكل الشجرة. وذهبوا إلى قول العرب: غوى الفصيل: إذا أكثر من اللبن حتى يبشم. وذلك غوى- بفتح الواو- يغوي غيّا. وهو من البشم غوي- بكسر الواو- يغوى غوى.
قال الشاعر يذكر قوسا:

معطّفة الأثناء ليس فصيلها = برازئها درّا ولا ميّت غوى
وأراد بالفصيل: السّهم. يقول: ليس يرزؤها درّا، ولا يموت بشما، ولو وجد أيضا في (عصى) مثل هذا السّنن لركبوه، وليس في (غوى) شيء إلا ما في (عصى) من معنى الذّنب؛
لأن العاصي لله التّارك لأمره غاو في حاله تلك، والغاوي عاص. والغيّ ضدّ الرّشد، كما أن المعصية ضد الطاعة.
وقد أكل آدم، صلّى الله عليه وسلم، من الشجرة التي نهي عنها باستزلال إبليس وخدائعه إيّاه بالله والقسم به إنه لمن الناصحين، حتى دلّاه بغرور. ولم يكن ذنبه عن إرصاد وعداوة وإرهاص كذنوب أعداء الله. فنحن نقول: (عصى وغوى)، كما قال الله تعالى، ولا نقول: آدم (عاص ولا غاو)، لأن ذلك لم يكن عن اعتقاد متقدّم ولا نيّة صحيحة،
كما تقول لرجل قطع ثوبا وخاطه: قد قطعه وخاطه، ولا تقل: خائط ولا خيّاط حتى يكون معاودا لذلك الفعل، معروفا به.
وكتأولهم في قوله سبحانه: ولقد همّت به وهمّ بها أنها همّت بالمعصية، وهمّ بالفرار منها! وقال (بعضهم): وهمّ بضربها! والله تعالى يقول: {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}.
أفتراه أراد الفرار منها. أو الضرب لها، فلما رأى البرهان أقام عندها وأمسك عن ضربها؟! هذا ما ليس به خفاء ولا يغلط متأوّله.
ولكنها همّت منه بالمعصية همّ نيّة واعتقاد، وهمّ نبي الله صلّى الله عليه وسلم، همّا عارضا بعد طول المراودة، وعند حدوث الشهوة التي أتي أكثر الأنبياء في هفواتهم منها.
وقد روي في الحديث: أنه ليس من نبي إلا وقد أخطأ أو همّ بخطيئة غير يحيى بن زكريا، عليهما السلام، لأنّه كان حصورا لا يأتي النساء ولا يريدهنّ.
فهذا يدلّك على أنّ أكثر زلّات الأنبياء من هذه الجهة، وإن كانوا لم يأتوا في شيء منها فاحشة، بنعم الله عليهم ومنّه، فإن الصغير منهم كبير لما آتاهم الله من المعرفة،
واصطفاهم له من الرسالة، وأقام عليهم من الحجّة. ولذلك قال يوسف، صلّى الله عليه وسلم: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}،
يريد ما أضمره وحدّث به نفسه عند حدوث الشّهوة.
وقد وضع الله تعالى الحرج عمّن همّ بخطيئة ولم يعملها.
وقالوا في قوله: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا}: إنه غاضب قومه! استيحاشا من أن يكون مع تأييد الله وعصمته وتوفيقه وتطهيره، يخرج مغاضبّا لربّه. ولم يذهب مغاضبا لربّه ولا لقومه، لأنّه بعث إليهم فدعاهم برهة من الدّهر فلم يستجيبوا، ووعدهم عن الله فلم يرغبوا، وحذّرهم بأسه فلم يرهبوا، وأعلمهم أنّ العذاب نازل عليهم لوقت ذكره لهم، ثم إن اعتزلهم ينتظر هلكتهم. فلما حضر الوقت أو قرب فكّر القوم واعتبروا، فتابوا إلى الله وأنابوا، وخرجوا بالمراضيع وأطفالها يجأرون ويتضرّعون، فكشف الله تعالى عنهم العذاب، ومتّعهم إلى حين.
فإن كان نبي الله، صلّى الله عليه وسلم، ذهب مغاضبا على قومه قبل أن يؤمنوا، فإنما راغم من استحق في الله أن يراغم، وهجر من وجب أن يهجر، واعتزل من علم أن قد حقّت عليه كلمة العذاب. فبأيّ ذنب عوقب بالتهام الحوت، والحبس في الظّلمات، والغمّ الطويل؟.
وما الأمر الذي ألام فيه فنعاه الله عليه إذ يقول: {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} والمليم: الذي أجرم جرما استوجب به الّلوم.
ولم أخرجه من أولي العزم من الرّسل، حين يقول لنبيه، صلّى الله عليه وسلم: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ}.
وإن كان الغضب عليهم بعد أن آمنوا، فهذا أغلظ مما أنكروا، وأفحش مما استقبحوا، كيف يجوز أن يغضب على قومه حين آمنوا، ولذلك انتخب وبه بعث، وإليه دعا؟!.
وما الفرق بين عدو الله ووليّه إن كان وليّه يغضب من إيمان مائة ألف أو يزيدون؟.
والقول في هذا أنّ المغاضبة: المفاعلة من الغضب، والمفاعلة تكون من اثنين، تقول: غاضبت فلانا مغاضبة وتغاضبنا: إذا غضب كلّ واحد منكما على صاحبه، كما تقول: ضاربته مضاربة، وقاتلته مقاتلة، وتضاربنا وتقاتلنا.
وقد تكون المفاعلة من واحد، فنقول: غاضبت من كذا: أي غضبت، كما تقول:سافرت وناولت، وعاطيت الرّجل، وشارفت الموضع، وجاوزت، وضاعفت، وظاهرت، وعاقبت.
ومعنى المغاضبة هاهنا: الأنفة، لأن الأنف من الشيء يغضب، فتسمّى الأنفة غضبا، والغضب أنفة، إذا كان كل واحد بسبب من الآخر، تقول: غضبت لك من كذا، وأنت تريد أنفت،
قال الشاعر:
غضبت لكم أن تساموا اللّفاء= بشجناء من رحم توصل
يروى مرة: (أنفت لكم)، ومرة: (غضبت لكم)، لأنّ المعنيين متقاربان.
وكذلك (العبد) أصله: الغضب. ثم قد تسمّى الأنفة عبدا.
وقال الشاعر:
وأعبد أن تهجى تميم بدارم
يريد: آنف.
وحكى أبو عبيد، عن أبي عمرو، أنه قال في قوله تعالى: {فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}: هو من الغضب والأنفة. ففسّر الحرف بالمعنيين لتقاربهما.
فكأنّ نبيّ الله، صلّى الله عليه وسلم، لمّا أخبرهم عن الله أنّه منزل العذاب عليهم لأجل، ثم بلغه بعد مضيّ الأجل أنّه لم يأتهم ما وعدهم- خشي أن ينسب إلى الكذب ويعيّر به، ويحقّق عليه، لاسيّما ولم تكن قرية آمنت عند حضور العذاب فنفعها إيمانها غير قومه، فدخلته الأنفة والحميّة، وكان مغيظا بطول ما عاناه من تكذيبهم وهزئهم وأذاهم واستخفافهم بأمر الله، مشتهيا لأن ينزل بأس الله بهم. هذا إلى ضيق صدره، وقلّة صبره على ما صبر على مثله أولوا العزم من الرّسل.
وقد روي في الحديث أنه كان ضيّق الصدر، فلما حمّل أعباء النّبوّة تفسّخ تحتها تفسّخ الرّبع تحت الحمل الثّقيل، فمضى على وجهه مضيّ الآبق النّادّ.
يقول الله سبحانه: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}.
{فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} أي: لن نضيّق عليه، وأنّا نخلّيه ونهمله. والعرب تقول: فلان مقدّر عليه في الرزق، ومقتّر عليه، بمعنى واحد، أي مضيّق عليه.
ومنه قوله تعالى: {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ}. وقدر- بالتخفيف والتثقيل- قال أبو عمرو بن العلاء: قتر وقتّر وقدر وقدّر، بمعنى واحد، أي ضيّق.
فعاقبه الله عن حميّته وأنفته وإباقته، وكراهيته العفو عن قومه، وقبول إنابتهم- بالحبس له، والتّضييق عليه في بطن الحوت.
وفي رواية أبي صالح: أن ملكا من ملوك بني إسرائيل كان أمره بالمسير إلى نينوى ليدعو أهلها بأمر شعياء النبي صلّى الله عليه وسلم، فأنف من أن يكون ذهابه إليهم بأمر أحد غير الله تعالى، فخرج مغاضبا للملك، فعاقبه الله بالتقام الحوت.
قال: فلما قذفه الحوت بعثه الله إلى قومه فدعاهم. وأقام بينهم حتى آمنوا). [تأويل مشكل القرآن: 409-402]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وذا النّون إذ ذهب مغاضبا فظنّ أن لن نقدر عليه فنادى في الظّلمات أن لا إله إلّا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين}
{ذا النّون} يونس، والنون السمكة، والمعنى واذكر ذا النون، ويروى أنه ذهب مغاضبا قومه، وقيل إنه ذهب مغاضبا ملكا من الملوك.
{فظنّ أن لن نقدر عليه}.
أي ظن أن لن نقدّر عليه ما قدّرناه من كونه في بطن الحوت، ويقدر بمعنى يقدّر.
وقد جاء هذا في التفسير، وقد روي عن الحسن أنه قال عبد أبق من ربّه، وتأويل قول الحسن أنه هرب من عذاب ربّه، لا أن يونس ظن أن الهرب ينجيه من اللّه - عزّ وجلّ -
ولا من قدره.
وقوله: {فنادى في الظّلمات أن لا إله إلّا أنت}.
{في الظلمات} وجهان، أحدهما يعنى به ظلمة الليل وظلمة البحر.
وظلمة بطن الحوت، ويجوز أن يكون {نادى في الظلمات} أن يكون أكثر دعائه وندائه كان في ظلمات الليل.
والأجود التفسير الأول لأنه في بطن الحوت لا أحسبه كان يفصل بين ظلمة الليل وظلمة غيره ولكنه أول ما صادف ظلمة الليل ثم ظلمة البحر ثم ظلمة بطن الحوت.
وجائز أن يكون الظلمات اتفقت في وقت واحد، فتكون ظلمة بطن الحوت في الليل والبحر نهاية في الشّدّة). [معاني القرآن: 3/402]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وذا النون إذ ذهب مغاضبا} قال ثعلب: معناه:
مغاضبا الملك). [ياقوتة الصراط: 363-362]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {فظن أن لن نقدر عليه} هو من: التقدير، وليس هو من: القدرة، يقال: قدر الله لك الخير يقدره،
ويقدره تقديرا، بمعنى: قدره. قال: ومنه الخبر: ' فاقدروا له '، أي: ' قدروا له ' فهذا كله من التقدير، ونقول من القدرة: قدرت على الشيء اقدر عليه قدرة،
وفي لغة أخرى: قدرت عليه أقدر قدرة). [ياقوتة الصراط: 364-363]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وذَا النُّونِ}:أي ذا الحوت، وهو يونس صلوات الله عليه. {فظن أن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}: أي نضيق عليه).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 156]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه تبارك وتعالى: {فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين} [الأنبياء: 88] فأوحى اللّه إلى الحوت أن يلقيه إلى البرّ.
قال اللّه: {فنبذناه بالعراء وهو سقيمٌ} [الصافات: 145] وهو ضعيفٌ مثل الصّبيّ الرّضيع.
فأصابته حرارة الشّمس، فأنبت اللّه عليه تبارك وتعالى {شجرةً من
[تفسير القرآن العظيم: 1/337]
يقطينٍ} [الصافات: 146] وهي القرع، فأظلّته فنام، فاستيقظ وقد يبست، فحزن عليها، فأوحى اللّه إليه: أحزنت على هذه الشّجرة وأردت أن أهلك مائة ألفٍ من خلقي أو يزيدون؟ فعلم عند ذلك أنّه قد ابتلي.
فانطلق، فإذا هو بذودٍ من غنمٍ.
فقال للرّاعي: اسقني لبنًا.
فقال: ما هاهنا شاةٌ لها لبنٌ.
فأخذ شاةً منها فمسح بيده على ظهرها، فدرّت فشرب من لبنها.
فقال له الرّاعي: من أنت يا عبد اللّه؟ أخبرني.
فقال له: أنا يونس.
فانطلق الرّاعي إلى قومه، فبشّرهم به.
فأخذوه وجاءوا معه إلى موضع الغنم فلم يجدوا يونس.
فقالوا: إنّا قد شرطنا لربّنا ألا يكذب منّا أحدٌ إلا قطعنا لسانه.
فتكلّمت الشّاة بإذن اللّه فقالت: قد شرب من لبني.
وقالت شجرةٌ كان استظلّ تحتها: قد استظلّ بظلّي، فطلبوه فأصابوه، فرجع إليهم.
فكان فيهم حتّى قبضه اللّه.
وهي مدينةٌ يقال لها: نينوى من أرض الموصل، وهي على دجلةٍ.
- نا يحيى قال: وحدّثنا عثمان أنّ عبد اللّه بن عبّاسٍ قال: في دجلة ركب السّفينة، وفيها التقمه الحوت ثمّ أفضى به إلى البحر.
فدار في البحر ثمّ رجع في دجلة، فثمّ نبذه بالعراء، وهو البرّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/338]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (تفسير السّدّيّ.
{فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين} [الأنبياء: 88]
- نا يونس بن أبي إسحاق، عن إبراهيم بن محمّد بن سعد بن مالكٍ، عن
[تفسير القرآن العظيم: 1/338]
أبيه، عن جدّه سعدٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " دعوة ذي النّون إذ دعا وهو في بطن الحوت: {لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين} [الأنبياء: 87] ".
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «فإنّه لم يدع بها مسلمٌ ربّه في شيءٍ إلا استجاب اللّه له»). [تفسير القرآن العظيم: 1/339]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وكذلك ننجي المؤمنين...}

القراء يقرءونها بنونين، وكتابها بنون واحدة. وذلك أن النون الأولى متحركة والثانية ساكنة، فلا تظهر السّاكنة على اللسان، فلمّا خفيت حذفت.
وقد قرأ عاصم - فيما أعلم - (نجّي) بنونٍ واحدةٍ ونصب (المؤمنين) كأنه احتمل اللحن ولا نعلم لها جهة إلاّ تلك؛ لأن ما لم يسمّ فاعله إذا خلا باسم رفعه، إلا أن يكون أضمر المصدر في نجّي فنوى به الرفع ونصب (المؤمنين)
فيكون كقولك: ضرب الضرب زيداً، ثم تكنى عن الضرب فتقول: ضرب زيداً. وكذلك نجّي النجاء المؤمنين). [معاني القرآن: 2/210]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (ومن ذلك قوله في سورة الأنبياء: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} كتبت في المصاحف بنون واحدة،
وقرأها القرّاء جميعا ننجي بنونين إلا عاصم بن أبي النّجود فإنه كان يقرؤها بنون واحدة، ويخالف القرّاء جميعا، ويرسل الياء فيها على مثال (فعل).
فأما من قرأها بنونين، وخالف الكتاب، فإنه اعتل بأن النون تخفى عند الجيم، فأسقطها كاتب المصحف لخفائها، ونيّته إثباتها.
واعتلّ بعض النحويين لعاصم فقالوا: أضمر المصدر، كأنه قال: نجّي النجاء المؤمنين، كما تقول: ضرب الضرب زيدا، ثم تضمر الضّرب، فتقول: ضرب زيدا.
وكان أبو عبيد يختار في هذا الحرف مذهب عاصم كراهية أن يخالف الكتاب، ويستشهد عليه حرفا في سورة الجاثية، كان يقرأ به أبو جعفر المدني،
وهو قوله: {لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} أي ليجزى الجزاء قوما.
وأنشدني بعض النحويين:
ولو ولدت فقيرةُ جروَ كلب = لسُبَّ بذلك الجرو الكلابا).
[تأويل مشكل القرآن: 54-55]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين}
{وكذلك ننجي المؤمنين}
الذي في المصحف بنون واحدة، كتبت، لأن النون الثانية تخفى مع الجيم، فأمّا ما روي عن عاصم بنون واحدة فلحن لا وجه له، لأن ما لا يسمّى فاعله لا يكون بغير فاعل.
وقد قال بعضهم: نجّي النجاء المؤمنين.
وهذا خطأ بإجماع النحويين كلهم، لا يجوز ضرب زيدا -، تريد ضرب الضرب زيدا لأنك إذا قلت ضرب زيد فقد علم أنه الذي ضربه ضرب، فلا فائدة في إضماره وإقامته مع الفاعل.
ورواية أبي بكر بن عياش في قوله نجّي المؤمنين يخالف قراءة أبي عمرو ننجي بنونين). [معاني القرآن: 3/403]

تفسير قوله تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وزكريّا إذ نادى ربّه ربّ لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثين} [الأنبياء: 89] فاستجاب اللّه له). [تفسير القرآن العظيم: 1/339]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه} [الأنبياء: 90] قال قتادة: كانت عاقرًا فجعلها اللّه ولودًا.
وقال سفيان عن بعض التّابعين قال: كان في لسانها طولٌ.
ووهب له منها يحيى.
قال: {إنّهم كانوا يسارعون في الخيرات} [الأنبياء: 90] يعني الأعمال الصّالحة.
{ويدعوننا رغبًا ورهبًا} [الأنبياء: 90] يعني طمعًا وخوفًا.
{وكانوا لنا خاشعين} [الأنبياء: 90] نا عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: متواضعين). [تفسير القرآن العظيم: 1/339]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وأصلحنا له زوجه...}

يقول: كانت عقيماً فجعلناها تلد فذلك صلاحها ). [معاني القرآن: 2/210]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( وقوله: {فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنّهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين}
{وأصلحنا له زوجه}
يروى أنها كانت عقيما فجعلها اللّه - عزّ وجلّ - ولودا، ويروى أنه كان في خلقها سوء فأصلح اللّه ذلك وحسن خلقها.
وقوله: {ويدعوننا رغبا ورهبا}.
وقرئت رغبا ورهبا، فالرّغب والرهب مصدران، ويجوز رغبا ورهبا، ولا أعلم أحدا قرأ بهما، أعني الرغب والرهب - في هذا الموضع.
والرّغب والرّغب مثل البخل والبخل، والرّشد والرّشد). [معاني القرآن: 3/403]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {والّتي أحصنت فرجها} [الأنبياء: 91] أحصنت جيب درعها عن الفواحش.
{فنفخنا فيها من روحنا} [الأنبياء: 91] وذلك أنّ جبريل تناول بأصبعه جيبها فنفخ فيه، فصار إلى بطنها فحملت.
قال: {وجعلناها وابنها آيةً للعالمين} [الأنبياء: 91] ولدته من غير رجلٍ، آيةً.
[تفسير القرآن العظيم: 1/339]
قال قتادة: يقول: خلق لا والد له، آيةً، ووالدته ولدته من غير رجلٍ، آيةً). [تفسير القرآن العظيم: 1/340]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أحصنت فرجها...}

ذكر المفسّرون أنه جيب درعها ومنه نفخ فيها.
وقوله:{وجعلناها وابنها آيةً} (ولم يقل آيتين) لأن شأنهما واحد. ولو قيل: آيتين لكان صواباً لأنها ولدت وهي بكر، وتكلّم عيسى في المهد؛ فتكون آيتين إذ اختلفتا).[معاني القرآن: 2/210]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والرّوح: النّفخ، سمّي روحا لأنه ريح تخرج عن الرّوح.
قالَ ذو الرُّمَّةِ وَذَكَرَ نَارًا قَدَحَهَا:

فلمَّا بَدَتْ كَفَّنْتُهَا وَهْيَ طَفْلَةٌ = بطَلْسَاءَ لَمْ تُكْمِلْ ذِرَاعًا وَلا شِبْرا
وقلتُ لهُ: ارفَعْهَا إِليكَ وَأَحْيِهَا = برُوحِكَ وَاقْتَتْهُ لَهَا قِيْتَةً قَدْرَا
وظاهِرْ لها من يابسِ الشَّخْتِ واستَعِنْ = عَليها الصَّبا واجْعَلْ يَدَيْكَ لَهَا سِتْرَا
قوله: وأحيها بروحك، أي أحيها بنفخك.
والمسيح: روح الله، لأنه نفخة جبريل في درع مريم. ونسب الرّوح إلى الله لأنه بأمره كان. يقول الله: {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا}، يعني نفخة جبريل.
وقد يجوز أن يكون سمّي روح الله لأنه بكلمته كان، قال الله تعالى: كن، فكان). [تأويل مشكل القرآن: 487-486]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( وقوله: {والّتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين}
" التي " في موضع نصب، المعنى واذكر التي أحصنت فرجها.
ويروى في بعض التفسير أنه يعني جيبها.
{وجعلناها وابنها آية للعالمين} لو قيل آيتين لصلح، ولكن لما كان شأنهما واحدا، وكانت الآية فيهما جميعا معناها آية واحدة، وهي ولادة من غير فحل، جاز أن يقول آية).
[معاني القرآن: 3/404-403]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّ هذه أمّتكم} [الأنبياء: 92] ملّتكم.
{أمّةً واحدةً} [الأنبياء: 92] يعني ملّةً واحدةً.
وقال قتادة: أي: دينكم دينٌ واحدٌ: الإسلام.
وقال السّدّيّ: {إنّ هذه أمّتكم} [الأنبياء: 92] يعني ملّتكم {أمّةً واحدةً} [الأنبياء: 92] يعني ملّةً واحدةً: الإسلام.
قال: {وأنا ربّكم فاعبدون} [الأنبياء: 92] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/340]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {إنّ هذه أمّتكم أمّةً واحدةً...}

تنصب (أمّة واحدة) على القطع. وقد رفع الحسن {أمتكم أمةٌ واحدةٌ} على أن يجعل الأمة خبراً ثم يكرّ على الأمة الواحدة بالرفع على نيّة الخبر أيضاً؛
كقوله: {كلاّ إنّها لظى نزّاعةٌ للشّوى}.
وفي قراءة أبيّ فيما أعلم: (إنّها لإحدى الكبر نذيرٌ للبشر} الرفع على التكرير ومثله: (ذو العرش المجيد فعّالٌ لما يريد) ). [معاني القرآن: 2/211-210]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّ هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا ربّكم فاعبدون}
{أمّتكم} رفع خبر هذه، المعنى أن هذه أمتكم في حال اجتماعها على الحق، فإذا افترقت فليس من خالف الحق داخلا فيها، ويقرأ (أمة واحدة)، على أنه خبر بعد خبر،
ومعناه إن هذه أمة واحدة ليست أمما، ويجوز نصب (أمّتكم) على معنى التوكيد، قيل إن أمتكم كلها أمة واحدة). [معاني القرآن: 3/404]

تفسير قوله تعالى: {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وتقطّعوا أمرهم بينهم} [الأنبياء: 93] يعني أهل الكتاب.
قال السّدّيّ: تفرّقوا دينهم الإسلام الّذي أمروا به فدخلوا في غيره.
- نا حمّاد بن سلمة، عن أبي غالبٍ، عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «افترقت بنو إسرائيل على سبعين فرقةً، واحدةٌ في الجنّة وسائرهم في النّار، ولتزيدنّ هذه الأمّة عليهم واحـ...
تفترق على واحدةٍ وسبعين فرقةً، واحدةٌ في الجنّة وسائرهم في النّار».
قال يحيى: وسمعت سفيان الثّوريّ يحدّث بهذا الحديث.
قال: {كلٌّ إلينا راجعون} [الأنبياء: 93] يعني البعث). [تفسير القرآن العظيم: 1/340]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {وتقطّعوا أمرهم بينهم} مجازه واختلفوا وتفرقوا).
[مجاز القرآن: 2/42]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وتقطعوا أمرهم بينهم}: إذا اختلفوا). [غريب القرآن وتفسيره: 256]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وتقطّعوا أمرهم بينهم} أي تفرقوا فيه واختلفوا). [تفسير غريب القرآن: 288]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأنا ربّكم فاعبدون * وتقطّعوا أمرهم بينهم}
المعنى أن الله أعلمهم أن أمر الحجة واحد، وأنهم تفرقوا، لأن تقطيعهم أمرهم بينهم تفرقة). [معاني القرآن: 3/404]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وتَقَطَّعُوا أَمْرَهم}: اختلفوا). [العمدة في غريب القرآن: 208]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فمن يعمل من الصّالحات وهو مؤمنٌ فلا كفران لسعيه} [الأنبياء: 94] لعمله.
{وإنّا له كاتبون} [الأنبياء: 94] تكتب له حسناته حتّى يجزى بها الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/340]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {فلا كفران لسعيه} أي فلا كفر لعمله، وقال:

من الناس ناس لا تنام جدودهم= وجدّى ولا كفران الله نائم).
[مجاز القرآن: 2/42]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فلا كفران لسعيه} أي لا نجحد ما عمل). [تفسير غريب القرآن: 288]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فمن يعمل من الصّالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنّا له كاتبون}
كفران: مصدر مثل الغفران والشكران، والعرب تقول: غفرانك لا كفرانك). [معاني القرآن: 3/404]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ}: أي لا يجحد عمله). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 156]

تفسير قوله تعالى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وحرامٌ على قريةٍ أهلكناها أنّهم لا يرجعون} [الأنبياء: 95]
- نا سفيان والمعلّى بن هلالٍ، عن داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ والمعلّى، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقرأها: وحرمٌ على قريةٍ أهلكناها وفسّرها في حديث سفيان والمعلّى قال: أي وجب على قريةٍ أهلكناها أنّهم لم يكونوا ليؤمنوا.
وقال سفيان: وجب عليهم أنّهم لا يؤمنون.
نا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن: {أنّهم لا يرجعون} [الأنبياء: 95] يعني: لا يتوبون.
وقال ابن عبّاسٍ: {وحرامٌ على قريةٍ أهلكناها} [الأنبياء: 95] أي وجب عليه أنّها إذا هلكت لا يرجعون إلى دنياهم.
قال يحيى: والعامّة يقرءونها: {وحرامٌ} [الأنبياء: 95] وتفسيرها عندهم: حرامٌ عليهم أنّهم لا يرجعون.
وهي على الوجهين في التّفسير: إلى التّوبة وإلى الدّنيا). [تفسير القرآن العظيم: 1/341]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وحرامٌ على قريةٍ أهلكناها...}

قرأها ابن عباس. حدثني بذلك غير واحد. منهم هشيم عن داود عن عكرمة عن ابن عباس، وسفيان عن عمير وعن ابن عباس. وحدثني عمرو بن أبي المقدام عن أبيه عن سعيد بن جبير (وحرمٌ) وحدثني بعضهم عن يحيى بن وثاب وإبراهيم النخعيّ (وحرمٌ علي) وأهل المدينة والحسن (وحرامٌ) بألف. وحرام أفشى في القراءة.
وهو بمنزلة قولك: حلّ وحلال، وحرم وحرام). [معاني القرآن: 2/211]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وحرامٌ على قريةٍ أهلكناها أنّهم لا يرجعون} أي حرام عليهم أن يرجعوا. ويقال: حرام: واجب.
وقال الشاعر:
فإن حراما لا أرى الدهر باكيا= على شجوه إلا بكيت على عمرو أي واجبا.
ومن قرأ: «حرم» فهو بمنزلة حرام. يقال: حرم وحرام، كما يقال: حل وحلال). [تفسير غريب القرآن: 288]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله سبحانه: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ}.
يريد أنهم يرجعون، فزاد (لا): لأنهم لا يرجعون). [تأويل مشكل القرآن: 245]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عز وجل: {وحرام على قرية أهلكناها أنّهم لا يرجعون}
قرئت: حرم وحرام، هاتان أكثر القراءة، وقد قرئت حرم على قرية، وحرم على قرية.
وجاء في التفسير حرم في معنى حتم.
وجاء أيضا عن ابن عباس أنه قال: حتم عليهم ألا يرجعوا إلى دنياهم، وجاء عنه وعن قتادة أنهم لا يرجعون إلى توبة، وعند أهل اللغة حرم وحرام في معنى واحد، مثل: حل وحلال.
وظاهر "حرام عليهم أنهم لا يرجعون"، يحتاج إلى أن يبيّن، ولا أعلم أحدا من أهل اللغة، ولا من أهل التفسير بيّنه.
وهو - واللّه أعلم - أنه لما قال: {فمن يعمل من الصّالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنّا له كاتبون}
أعلمنا أن اللّه عزّ وجلّ قد حرّم قبول أعمال الكافرين وبين ذلك بقوله: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم}
فالمعنى حرام على قرية أهلكناها أن نتقبل منهم عملا لأنهم لا يرجعون، أي لا يتوبون، وحرم وحرم في معنى حرام.
إلا أنّ حراما اسم، وحرم وحرم فعل). [معاني القرآن: 3/405-404]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ}: أي واجب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 156]

تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {حتّى إذا فتحت يأجوج ومأجوج} [الأنبياء: 96] يعني: فلمّا فتحت يأجوج ومأجوج.
تفسير السّدّيّ: يموجون في الأرض فيفسدون فيها.
- نا يونس بن أبي إسحاق، عن سعيد بن عمرو بن جعدة، عن الزّهريّ قال: قالت أمّ سلمة: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نائمًا في بيته فاستيقظ محمرّةً عيناه، فقال: «لا إله إلا اللّه ثلاثًا، ويلٌ للعرب من أمرٍ قد اقترب، قد فتح اليوم من يأجوج ومأجوج مثل هذا»، وعقد يونس بيده تسعين مفرجةً شيئًا.
حدّثني أبو أميّة، عن حميد بن هلالٍ، عن أبي الضّيف، عن كعبٍ
[تفسير القرآن العظيم: 1/341]
الأحبار قال: إنّ يأجوج ومأجوج ينقرون كلّ يومٍ بمناقرهم في السّدّ فيسرعون فيه، فإذا أمسوا قالوا: نرجع غدًا فنفرغ منه.
فيصبحون وقد عاد كما كان.
فإذا أراد اللّه تبارك وتعالى خروجهم، قذف على ألسن بعضهم الاستثناء فقالوا: نرجع غدًا إن شاء اللّه فنفرغ منه، فيصبحون وهو كما تركوه، فينقرونه، فيخرجون على النّاس، فلا يأتون على شيءٍ إلا أفسدوه.
فيمرّ أوّلهم على البحيرة فيشربون ماءها، ويمرّ أوسطهم فيلحسون طينها ويمرّ آخرهم فيقول: قد كان هاهنا ماءٌ مرّةً فيقهرون النّاس، ويفرّ النّاس منهم في البرّيّة والجبال.
فيقولون: قد قهرنا أهل الأرض فهلمّوا إلى أهل السّماء.
فيرمون نبالهم إلى السّماء فترجع تقطر دمًا.
فيقولون: قد فرغنا من أهل الأرض وأهل السّماء.
فيبعث اللّه عليهم أضعف خلقه: النّغف وهي دودٌ تأخذهم في رقابهم فتقتلهم، حتّى تنتن الأرض من جيفهم.
ويرسل اللّه الطّير فتنقل جيفهم إلى البحر، ثمّ يرسل اللّه تبارك وتعالى السّماء فتطهّر الأرض.
وفي حديث عبد الرّحمن بن يزيد، عن عطاء بن يزيد: ويستوقد المسلمون من قسيّهم، وجعابهم، ونشابهم، وأترستهم سبع سنين.
قال كعبٌ: وتخرج الأرض زهرتها وبركتها، ويتراجع النّاس، حتّى إنّ الرّمّانة لتشبع السّكن.
قيل: وما السّكن؟ قال: أهل البيت.
قال: وتكون سلوةً من عيشٍ.
فبينما النّاس كذلك إذ جاءهم خبرٌ أنّ ذا السّويقتين صاحب الجيش قد غزا البيت.
فيبعث المسلمون جيشًا، فلا يصلون إليهم ولا يرجعون إلى أصحابهم حتّى يبعث اللّه تبارك وتعالى ريحًا طيّبةً يمانيّةً من تحت العرش، فتكفت روح كلّ مؤمنٍ.
ثمّ لا أجد مثل السّاعة إلا كرجلٍ أنتج مهرًا فهو ينتظر متى يركبه، فمن تكلّف من أمر السّاعة ما وراء هذا فهو متكلّفٌ.
[تفسير القرآن العظيم: 1/342]
- نا سعيدٌ، عن قتادة، عن أبي رافعٍ، عن أبي هريرة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " إنّ يأجوج ومأجوج يخرقونه كلّ يومٍ حتّى إذا كادوا يرون شعاع الشّمس قال الّذين عليهم: ارجعوا، فستخرقونه غدًا، فيعيده اللّه كأشدّ ما كان، حتّى إذا بلغت مدّتهم وأراد اللّه أن يبعثهم على النّاس حفروا، حتّى إذا كادوا يرون شعاع الشّمس قال الّذين عليهم: ارجعوا
فستخرقونه إن شاء اللّه غدًا، فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيخرقونه فيخرجون على النّاس، فينشفون المياه ويتحصّن النّاس منهم في حصونهم، فيرمون نشابهم إلى السّماء فيرجع فيها كهيئة الدّم فيقولون: قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السّماء، فيبعث اللّه عليهم نغفًا في أقفائهم فيقتلهم بها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: والّذي نفسي بيده إنّ دوابّ
الأرض لتسمن وتشكر من لحومهم شكرًا ".
- نا سعيدٌ، عن قتادة أنّ أبا سعيدٍ الخدريّ قال: إنّ النّاس يحجّون، ويعتمرون ويغرسون بعد خروج يأجوج ومأجوج.
قوله: {وهم من كلّ حدبٍ ينسلون} [الأنبياء: 96] نا سعيدٌ، عن قتادة قال: من كلّ أكمةٍ ومن كلّ نجوٍ ينسلون يخرجون.
نا عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: جمع النّاس من كلّ مكانٍ جاءوا منه
[تفسير القرآن العظيم: 1/343]
يوم القيامة فهو حدبٌ.
- نا سعيدٌ، عن قتادة، عن نوفٍ البكاليّ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: إنّ اللّه تبارك وتعالى خلق الملائكة، والجنّ، والإنس فجزّأهم عشرة أجزاءٍ، تسعة أجزاءٍ منها الملائكة، وجزءٌ واحدٌ الجنّ والإنس.
وجزّأ الملائكة عشرة أجزاءٍ، تسعة أجزاءٍ منهم الكروبيّون الّذين يسبّحون اللّيل والنّهار لا يفترون، وجزءٌ منهم واحدٌ لرسالته، ولخزائنه، وما يشاء من أمره.
وجزّأ الجنّ والإنس عشرة أجزاءٍ، تسعة أجزاءٍ منهم الجنّ والإنس جزءٌ واحدٌ، فلا يولد من الإنس مولودٌ إلا ولد من الجنّ تسعةٌ.
وجزّأ الإنس عشرة أجزاءٍ، تسعة أجزاءٍ منهم يأجوج ومأجوج، وسائرهم بنو آدم.
قال يحيى: يعني ما سوى يأجوج ومأجوج من ولد آدم.
وكان الحسن يقول: الإنس كلّهم من عند آخرهم ولد آدم، والجنّ كلّهم من عند آخرهم ولد إبليس.
- نا الحسن بن دينارٍ، عن عبد اللّه بن محمّد بن عروة، عن رجلٍ من آل مسعودٍ الثّقفيّ قال: حدّثني أخي أو ابن أخي أو ابن عمّي قال: قلت لعبد اللّه بن عمرٍو: يأجوج ومأجوج الأذرع هم أم الأشبار؟ فقال: يابن أخي ما أجد من ولد آدم بأعظم منهم ولا أطول، ولا يموت الميّت منهم حتّى يولد له ألفٌ فصاعدًا.
فقلت: ما طعامهم؟ قال: هم في ماءٍ ما شربوا، وفي شجرٍ ما هضموا، وفي نساءٍ ما نكحوا.
حدّثني يونس بن أبي إسحاق عن أبيه قال: بلغني أنّ هؤلاء التّرك ممّا سقط من دون الرّدم من ولد يأجوج ومأجوج). [تفسير القرآن العظيم: 1/344]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وهم مّن كلّ حدبٍ ينسلون...}

الحدب كل أكمة (ومكانٍ مرتفعٍ) ). [معاني القرآن: 2/211]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ينسلون} يعجلون في مشيهم كما ينسل الذئب ويعسل قال الجعدي:
عسلان الذئب أمسى قارباً=برد الليل عليه فنسل).
[مجاز القرآن: 2/42]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {من كل حدب}: الحدب بلغة أهل الحجاز القبر وهو الجدث أيضاَ.
{ينسلون}: يخرجون والنسلان والنسول مشي سريع في استخفاء مثل نسلان الذئب). [غريب القرآن وتفسيره: 256]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وهم من كلّ حدبٍ} أي من كل نشز من الأرض وأكمة.
{ينسلون} من النّسلان. وهو: مقاربة الخطو مع الإسراع، كمشي الذئب إذا بادر. والعسلان مثله). [تفسير غريب القرآن: 288]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و(واو النّسق) قد تزاد حتى يكون الكلام كأنه لا جواب له، كقوله:
{حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا}. والمعنى: قال لهم خزنتها.
وقوله: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ}.
وقوله سبحانه: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ}.
وكقوله: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ}.
وقوله: {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} أي: لنحمل خطاياكم عنكم.
قال امرؤ القيس:
فلما أجزنا ساحة الحيِّ وانتحَى = بنا بطن خَبْتٍ ذي قِفَافٍ عَقَنْقَلِ
أراد انتحى.
وقال آخر:

حتَّى إذا قَمِلَتْ بطونُكم = ورأيتمُ أبناءَكمْ شَبُّوا
وَقَلَبْتمُ ظَهْرَ المجَنِّ لَنَا = إِنَّ اللَّئيمَ العَاجِزَ الخَبُّ
أراد: قلبتم). [تأويل مشكل القرآن: 252-254] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {حتّى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كلّ حدب ينسلون }
بهمز وغير همز، وهما قبيلتان من خلق اللّه.
ويروى أن الناس عشرة أجزاء تسعة منهم يأجوج ومأجوج، وهما اسمان أعجميان، واشتقاق مثلهما من كلام العرب يخرج من أججت النار، ومن النار الأجاج وهو أشد وهو الشديد الملوحة، المحرق من ملوحته.
وقوله: {وهم من كلّ حدب ينسلون}
ورويت أيضا من كل جدث ينسلون، - بالجيم والثاء - والأجود في هذا الحرف، (حدب ينسلون) بالحاء، والحدب كل أكمة، و {ينسلون} يسرعون). [معاني القرآن: 3/405]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وهم من كل حدب ينسلون} قال: الحدب: التلال، والآكام، واحدها: حدبة، وينسلون، أي يسرعون).
[ياقوتة الصراط: 365]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مِّن كُلِّ حَدَبٍ}: أي من كل نشز من الأرض وأكمة، {يَنسِلُونَ}: النسلان. مقاربة الخطى مع الإسراع، ومثله العسلان). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 157]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الحَدَبُ): القبر.
{يَنْسِلُونَ}: يخرجون). [العمدة في غريب القرآن: 208]

تفسير قوله تعالى: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {واقترب الوعد الحقّ} [الأنبياء: 97] يعني النّفخة الآخرة.
{فإذا هي شاخصةٌ أبصار الّذين كفروا} [الأنبياء: 97] إلى إجابة الدّاعي إلى بيت المقدس.
{يا ويلنا} [الأنبياء: 97] يقولون: {قد كنّا في غفلةٍ من هذا} [الأنبياء: 97] يعنون تكذيبهم بالسّاعة.
{بل كنّا ظالمين} [الأنبياء: 97] لأنفسنا). [تفسير القرآن العظيم: 1/345]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {واقترب الوعد الحقّ...}

معناه - والله أعلم -: حتى إذا فتحت اقترب. ودخول الواو في الجواب في (حتّى إذا) بمنزلة قوله: {حتّى إذا جاءوها وفتحت أبوابها}.
وفي قراءة عبد الله {فلمّا جهّزهم بجهازهم جعل السّقاية} وفي قراءتنا بغير واو. ومثله في الصافات {فلمّا أسلما وتلّه للجبين وناديناه} معناه ناديناه،
وقال امرؤ القيس:
فلمّا أجزنا ساحة الحيّ وانتحى=بنا بطن خبتٍ ذي قفاف عقنقل
يريد انتحى.
وقوله: {فإذا هي شاخصةٌ أبصار الّذين كفروا} تكون (هي) عماداً يصلح في موضعها (هو) فتكون كقوله: {إنّه أنا الله العزيز الحكيم}
ومثله قوله: {فإنّها لا تعمى الأبصار} فجاء التأنيث لأن الأبصار مؤنّثة والتذكير للعماد. وسمعت بعض العرب يقول: كان مرّةً وهو ينفع الناس أحسابهم فجعل (هو) عماداً.
وأنشدني بعضهم:
بثوب ودينارٍ وشاة ودرهمٍ=فهل هو مرفوع بما هاهنا راس
وإن شئت جعلت (هي) للأبصار كنيت عنها ثم أظهرت الأبصار لتفسرها؛
كما قال الشاعر:
لعمر أبيها لا تقول ظعينتي=ألا فرّعني مالك بن أبي كعب
فذكر الظعينة وقد كنى عنهما في (لعمر) ). [معاني القرآن: 2/212-211]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {واقترب الوعد الحقّ} يعني يوم القيامة). [تفسير غريب القرآن: 288]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واقترب الوعد الحقّ فإذا هي شاخصة أبصار الّذين كفروا يا ويلنا قد كنّا في غفلة من هذا بل كنّا ظالمين}
قال بعضهم: [لا يجوز طرح الواو].
والجواب عند البصريّين قوله: {يا ويلنا قد كنّا في غفلة من هذا}
وههنا قول محذوف، المعنى حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج واقترب الوعد الحق قالوا: {يا ويلنا قد كنّا في غفلة من هذا بل كنّا ظالمين}.
وجاء في التفسير أن خروج يأجوج ومأجوج من أعلام الساعة). [معاني القرآن: 3/405]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنّم} [الأنبياء: 98]
نا سفيان، عن عبد الملك بن أبحر، عن عكرمة وهو تفسير قتادة: {حصب جهنّم} [الأنبياء: 98] حطب جهنّم يحصب بهم فيها.
{أنتم لها واردون} [الأنبياء: 98] داخلون.
وتفسير الحسن: يعني الشّياطين الّذين دعوهم إلى عبادة الأوثان، لأنّهم بعبادتهم الأوثان عابدون للشّياطين وهو قوله عزّ وجلّ: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشّيطان} [يس: 60] وفي تفسير الكلبيّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قام مقابل باب الكعبة ثمّ قرأ هذه الآية، فوجد أهل مكّة منها وجدًا شديدًا.
فقال ابن الزّبعرى: يا محمّد، أرأيت الآية الّتي قرأت آنفًا، أفينا وفي آلهتنا خاصّةً، أم في الأمم وآلهتهم معنا؟ فقال: لا، بل فيكم، وفي آلهتكم، وفي الأمم، وفي آلهتهم.
قال: خصمتك وربّ الكعبة.
قد علمت أنّ النّصارى يعبدون عيسى وأمّه، وأنّ طائفةً من النّاس يعبدون الملائكة، أفليس هؤلاء مع آلهتنا في النّار؟ فسكت رسول اللّه عليه السّلام، وضحكت قريشٌ وضجّوا.
[تفسير القرآن العظيم: 1/345]
فذلك قوله: {ولمّا ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدّون} [الزخرف: 57] يعني: يضجّون.
{وقالوا} [الزخرف: 58] يعني قريشًا {أآلهتنا خيرٌ أم هو} [الزخرف: 58] قال اللّه تبارك وتعالى: {ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قومٌ خصمون} [الزخرف: 58] وقال هاهنا في هذه الآية في جواب قولهم: {إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون} [الأنبياء: 101] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/346]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {حصب جهنّم...}

ذكر أن الحصب في لغة أهل اليمن الحطب. ... حدثني قيس بن الربيع عن محمد بن الحكم الكاهليّ عن رجل سمع عليّاً يقرأ (حطب) بالطاء. حدّثنا ... حدثني ابن أبي يحيى المدنيّ عن أبي الحويرث رفعه إلى عائشة أنها قرأت (حطب) كذلك.
وبإسنادٍ لابن أبي يحيى عن ابن عباس أنه قرأ (حضب) بالضاد. وكلّ ما هيّجت به النار أو أوقدتها به فهو حضب. وأمّا الحصب فهو في معنى لغة نجد: ما رميت به في النار،
كقولك: حصبت الرجل أي رميته). [معاني القرآن: 2/212]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {حصب جهنّم} كل شيء ألقيته في نار فقد حصبتها، ويقال: حصب في الأرض أي ذهب فيها). [مجاز القرآن: 2/42]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {حصب جهنم}: كلما ألقيته في نار فقد حصبتها به، من حطب أو غيره وقرأ ابن عباس {حصب جهنم} بالضاد
والمعنى الواحد). [غريب القرآن وتفسيره: 257-256]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {حصب جهنّم}: ما ألقي فيها وأصله من الحصباء، وهي: الحصى. يقال: حصبت فلانا: إذا رميته حصبا -
بتسكين الصاد - وما رميت به: حصب، بفتح الصاد. كما تقول: نفضت الشجرة نفضا. وما وقع من ثمرها: نفض، واسم حصى الحجارة: حصب). [تفسير غريب القرآن: 288]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {إنّكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنّم أنتم لها واردون}
قرئت على ثلاثة أوجه، حصب " جهنم، وحطب جهنّم، وحضب جهنم - بالضاد معجمة -. فمن قرأ حصب فمعناها كل ما يرمى به في جهنم ومن قال حطب فمعناه ما توقد به جهنم - كما قال عزّ وجلّ:
{وقودها النّاس والحجارة}، ومن قال. حضب - بالضاد معجمة - فمعناه ما تهيج به النار وتذكى به، والحضب الحيّة). [معاني القرآن: 3/406]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( و{حصب جهنم} أخبرنا أبو عمر - قال: أنا ثعلب، عن ابن الأعرابي، قال: العرب تقول: هذا حصب النار وحضبها وحطبها، كله بمعنى واحد، وهو ما تأكله النار). [ياقوتة الصراط: 365]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حَصَبُ جَهَنَّمَ}: ما ألقي فيها، وهو من الحصى، واسم حصى الجمار حصب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 157]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حَصَبُ}: حطب). [العمدة في غريب القرآن: 208]

تفسير قوله تعالى: {لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {لو كان هؤلاء آلهةً ما وردوها} [الأنبياء: 99] وفي كتاب اللّه أنّ الشّمس والقمر يسجدان للّه.
قال اللّه عزّ وجلّ: {ألم تر أنّ اللّه يسجد له من في السّموات ومن في الأرض والشّمس والقمر} [الحج: 18]
[تفسير القرآن العظيم: 1/346]
- حدّثني المعلّى، عن أبي إسحاق الهمدانيّ، عن وهب بن جابرٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: إنّ الشّمس تطلع من حيث يطلع الفجر، وتغيب من حيث يغيب الفجر، فإذا أرادت أن تطلع تقاعست حتّى تضرب بالعمد وتقول: يا ربّ، إنّي إذا طلعت عبدت دونك.
فتطلع على ولد آدم كلّهم، فتجري إلى المغرب فتغرب، فتسلّم، فيردّ عليها، وتسجد، فينظر إليها، ثمّ تستأذن، فيؤذن لها حتّى تأتي المشرق، والقمر كذلك.
حتّى يأتي عليها يومٌ تغرب فيه فتسلّم فلا يردّ عليها، وتسجد فلا ينظر إليها، ثمّ تستأذن فلا يؤذن لها.
فتقول: يا ربّ إنّ المشرق بعيدٌ ولا أبلغه إلا بجهدٍ، فتحبس حتّى يجيء القمر، فيسلّم فلا يردّ عليه، فيسجد فلا ينظر إليه، ويستأذن فلا يؤذن له، ثمّ يقال لهما: ارجعا من حيث جئتما.
فيطلعان من المغرب كالبعيرين المقترنين، وهو قوله: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربّك أو يأتي بعض آيات ربّك يوم يأتي بعض آيات ربّك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا} [الأنعام: 158] وهو طلوع الشّمس من المغرب.
قال: {لو كان هؤلاء آلهةً ما وردوها} [الأنبياء: 99] يعني جهنّم ما دخلوها، لامتنعوا بآلهتهم.
قال: {وكلٌّ فيها خالدون} [الأنبياء: 99] العابدون والمعبودون). [تفسير القرآن العظيم: 1/347]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {لو كان هؤلاء آلهةً ما وردوها} فهو من الموات الذي خرج مخرج الآدميين).
[مجاز القرآن: 2/42]


تفسير قوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لهم فيها زفيرٌ} [الأنبياء: 100] قال الحسن: الزّفير اللّهب، ترفعهم بلهبها، حتّى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بمقامع الحديد فهووا إلى أسفلها سبعين خريفًا.
وقال قتادة: إنّ أهل النّار يدعون مالكًا فيذرهم مقدار أربعين عامًا لا يجيبهم ثمّ يقول: {إنّكم ماكثون} [الزخرف: 77] ثمّ يدعون ربّهم فيذرهم قدر عمر الدّنيا مرّتين، ثمّ يجيبهم: {اخسئوا فيها ولا تكلّمون} [المؤمنون: 108] قال: فما نبسوا بعدها بكلمةٍ، ولا كان إلا الزّفير والشّهيق في نار جهنّم.
فشبّه أصواتهم بأصوات الحمير، أوّله زفيرٌ وآخره شهيقٌ قوله: {وهم فيها لا يسمعون} [الأنبياء: 100]
[تفسير القرآن العظيم: 1/347]
- قال يحيى: وبلغني عن ابن مسعودٍ قال: إذا خرج من خرج من النّار وبقي في النّار من يخلد فيها جعلوا في توابيت من نارٍ فيها مسامير من نارٍ، ثمّ جعلت التّوابيت في توابيت أخر، تلك التّوابيت في توابيت أخر، فلا يرون أنّ أحدًا يعذّب في النّار غيرهم ثمّ قرأ ابن مسعودٍ: {لهم فيها زفيرٌ وهم فيها لا يسمعون} [الأنبياء: 100]
قال الحسن: ذهب الزّفير بسمعهم فلا يسمعون معه شيئًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/348]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون} [الأنبياء: 101] وهم عيسى وعزيرٌ، والملائكة. وقال مجاهدٌ: {أولئك عنها مبعدون} [الأنبياء: 101] عيسى، وعزيرٌ، والملائكة.
وقال قتادة: إنّ اليهود قالت: ألستم تزعمون أنّ عزيرًا في الجنّة، وأنّ عيسى في الجنّة، وقد عبدا من دون اللّه؟ فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون} [الأنبياء: 101] فعيسى وعزيرٌ ممّن سبقت لهم الحسنى وهي الجنّة.
وما عبدوا من الحجارة، والخشب، ومن الجنّ، وعبادة بعضهم بعضًا، فهم وما عبدوا حصب جهنّم.
- قال يحيى: حدّثني أبي وبحر بن كنيزٍ السّقّاء وخالد ودرست، عن يزيد الرّقاشيّ، عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الشّمس والقمر ثوران عقيران في النّار».
قال درست ثمّ قال يزيد الرّقاشيّ: ألستم تقرءون: {إنّكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنّم} [الأنبياء: 98] قال يحيى: أظنّهما يمثّلان لمن عبدهما في النّار، يوبّخون بذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/346]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى} [الأنبياء: 101] يعني الجنّة.
{أولئك عنها مبعدون} [الأنبياء: 101] قد فسّرناه قبل هذا الموضع في أمر عيسى وعزيرٍ والملائكة). [تفسير القرآن العظيم: 1/348]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لا يسمعون حسيسها} [الأنبياء: 102] يعني صوتها في تفسير الحسن.
وقال ابن عبّاسٍ: حسيسها: مسّها.
قال: ولا صوتًا، وإنّها تلتظي على أهلها.
قوله: {وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون} [الأنبياء: 102] قال يحيى: يعني إنّ أهل الجنّة يكون الطّعام في في أحدهم فيخطر على قلبه طعامٌ آخر، فيتحوّل في فيه ذلك الطّعام الّذي اشتهى.
وهو قوله عزّ وجلّ: {وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين وأنتم فيها خالدون} [الزخرف: 71] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/348]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {لا يسمعون حسيسها} أي صوتها والحسيس والحس والواحد،

قال عبيد بن الأبرص:
فاشتال وارتاع من حسيسها=وفعله يفعل المذؤوب
فاشتال يعني الثعلب رفع ذتبه). [مجاز القرآن: 2/42]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {حسيسها}: الحس والحسيس وهو الصوت الخفي). [غريب القرآن وتفسيره: 257]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الحَسِيسُ): الصوت الخفي). [العمدة في غريب القرآن: 208]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {لا يحزنهم الفزع الأكبر} [الأنبياء: 103] قال الحسن: النّفخة الآخرة.
قال سفيان الثّوريّ: بلغني أنّه إذا أخرج من النّار من أخرج فلم يبق فيها إلا أهل الخلود، فعند ذلك يقول أهل النّار: {ربّنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنّا ظالمون} [المؤمنون: 107] فيقول اللّه تبارك وتعالى: {اخسئوا فيها ولا تكلّمون} [المؤمنون: 108] فإذا قال ذلك أطبقت
[تفسير القرآن العظيم: 1/348]
عليهم فلم يخرج منها أحدٌ.
فذلك الفزع الأكبر.
قوله: {وتتلقّاهم الملائكة} [الأنبياء: 103] قال الحسن: تلقاهم بالبشارة حين يخرجون من قبورهم وتقول: {هذا يومكم الّذي كنتم توعدون} [الأنبياء: 103] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/349]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):
( {وتتلقّاهم الملائكة هذا يومكم} مجازه مجاز المختصر المضمر فيه " ويقولون: هذا يومكم ").
[مجاز القرآن: 2/43]


تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {يوم نطوي السّماء كطيّ السّجلّ للكتب} [الأنبياء: 104] سعيدٌ، عن قتادة قال: كطيّ الصّحيفة فيها الكتاب.
معمر بن عيسى أنّ الحسن قال: إنّ السّماء إنّما تطوى من أعلاها كما يطوي الكتاب الصّحيفة من أعلاها إذا كتب.
قوله: {كما بدأنا أوّل خلقٍ نعيده} [الأنبياء: 104] عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: حفاةً، عراةً، غرلا، غلفًا.
وفي تفسير الكلبيّ: إذا أراد اللّه تبارك وتعالى أن يبعث الموتى عاد النّاس كلّهم نطفًا، ثمّ علقًا، ثمّ مضغًا، ثمّ عظامًا، ثمّ لحمًا، ثمّ ينفخ فيه الرّوح.
فكذلك كان بدؤهم.
- قال يحيى: وبلغني عن ابن مسعودٍ قال: ينزّل اللّه تبارك وتعالى مطرًا منيًّا كمنيّ الرّجال فتنبت به جسمانهم ولحمانهم من ذلك الماء، كما تنبت الأرض من الثّرى.
قال: ثمّ قرأ عبد اللّه بن مسعودٍ: {واللّه الّذي أرسل الرّياح فتثير سحابًا فسقناه إلى بلدٍ ميّتٍ فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النّشور} [فاطر: 9] يعني البعث.
قوله: {وعدًا علينا} [الأنبياء: 104] يعني: كائنًا، البعث.
{إنّا كنّا فاعلين} [الأنبياء: 104] أي نحن فاعلون). [تفسير القرآن العظيم: 1/349]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يوم نطوي السّماء...}

بالنون والتاء (تطوى) ولو قيل (يطوي) كما قيل (نطوي) بالنون جاز.
واجتمعت القراء على (السّجلّ) بالتثقيل.
وأكثرهم يقول (للكتاب) وأصحاب عبد الله (للكتب) والسّجلّ: الصّحيفة. فانقطع الكلام عند الكتب، ثم استأنف فقال {كما بدأنا أوّل خلقٍ نّعيده} فالكاف للخلق ،
كأنك قلت: نعيد الخلق كما بدأنهم (أوّل مرّة).
وقوله: {وعداً علينا} كقولك حقّاً علينا). [معاني القرآن: 2/213]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( السّجلّ: الصحيفة). [تفسير غريب القرآن: 288]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):(وأما قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}، فإن للعرب في معنى (الأبد) ألفاظا يستعملونها في كلامهم، يقولون: لا أفعل ذلك ما اختلف الليل والنهار، وما طمى البحر، أي ارتفع، وما أقام الجبل، وما دامت السموات والأرض، في أشباه لهذا كثيرة،
يريدون لا أفعله أبدا، لأن هذه المعاني عندهم لا تتغير عن أحوالها أبدا، فخاطبهم الله بما يستعملونه فقال: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} أي مقدار دوامهما،
وذلك مدة العالم. وللسماء وللأرض وقت يتغيّران فيه عن هيئتهما، يقول الله تعالى:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ}،
ويقول:{يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}.
أراد أنهم خالدون فيها مدة العالم، سوى ما شاء الله أن يزيدهم من الخلود على مدة العالم. ثم قال: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أي غير مقطوع.
و(إلّا) في هذا الموضع بمعنى (سوى) ومثله من الكلام: لأسكننّ في هذه الدار حولا إلا ما شئت. تريد سوى ما شئت أن أزيد على الحول. هذا وجه.
وفيه قول آخر، وهو: أن يجعل دوام السماء والأرض بمعنى الأبد، على ما تعرف العرب وتستعمل، وإن كانتا قد تتغيّران، وتستثنى المشيئة من دوامهما؛
لأن أهل الجنة وأهل النار قد كانوا في وقت من أوقات دوام السماء والأرض في الدنيا لا في الجنة، فكأنه قال: خالدين في الجنة وخالدين في النار دوام السماء والأرض،
إلا ما شاء ربك من تعميرهم في الدنيا قبل ذلك.
وفيه وجه ثالث: وهو أن يكون الاستثناء من الخلود مكث أهل الذنوب من المسلمين في النار حتى تلحقهم رحمة الله، وشفاعة رسوله، فيخرجوا منها إلى الجنة.
فكأنه قال سبحانه: خالدين في النار ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك من إخراج المذنبين من المسلمين إلى الجنة،
وخالدين في الجنة ما دامت السموات والأرض، إلا ما شاء ربك من إدخال المذنبين النار مدة من المدد، ثم يصيرون إلى الجنة). [تأويل مشكل القرآن: 76-77] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يوم نطوي السّماء كطيّ السّجلّ للكتب كما بدأنا أوّل خلق نعيده وعدا علينا إنّا كنّا فاعلين}
وللكتاب، ويقرأ السّجل بتخفيف اللام، فمن خفف أسكن الجيم.
وجاء في التفسير أن السّجل الصحيفة التي فيها الكتاب.
وقيل إن السّجل ملك وقيل إن السّجل بلغة الجيش الرجل.
وعن أبي الجوزاء أن السّجل كاتب كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتمام الكلام (للكتب).
وقوله: {كما بدأنا أوّل خلق نعيده}.
مستأنف، المعنى نبعث الخلق كما بدأناهم، أي قدرتنا على الإعادة كقدرتنا على الابتداء، ويجوز {يوم تطوى السّماء كطي السجل}
ويجوز يوم يطوي السماء كطيّ السّجل، ولم يقرأ (يطوي).
وقرئت نطوي وتطوى بالنون والتاء.
وقوله: {وعدا علينا}.
(وعدا) منصوب على المصدر، لأن قوله (نعيده) بمعنى وعدنا هذا وعدا
وقوله: {إنّا كنّا فاعلين} أي قادرين على فعل ما تشاء). [معاني القرآن: 3/407-406]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذّكر} [الأنبياء: 105] تفسير مجاهدٍ: يعني بالزّبور الكتب، التّوراة، والإنجيل، والقرآن، {من بعد الذّكر} [الأنبياء: 105] الكتاب عند اللّه
[تفسير القرآن العظيم: 1/349]
الّذي في السّماء، وهو أمّ الكتاب.
{أنّ الأرض} [الأنبياء: 105] يعني أرض الجنّة.
{يرثها عبادي الصّالحون} [الأنبياء: 105] وفي تفسير ابن عبّاسٍ: {ولقد كتبنا في الزّبور} [الأنبياء: 105] يعني زبور داود {من بعد الذّكر} [الأنبياء: 105] من بعد التّوراة {أنّ الأرض يرثها عبادي الصّالحون} [الأنبياء: 105] يعني أمّة محمّدٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/350]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وفي تفسير قتادة: {ولقد كتبنا في الزّبور} [الأنبياء: 105] يعني: زبور داود، {من بعد الذّكر} [الأنبياء: 105] يعني: التّوراة، {أنّ الأرض} [الأنبياء: 105] يعني: أرض الجنّة، {يرثها عبادي الصّالحون} [الأنبياء: 105] وكتب اللّه تبارك وتعالى ذلك في هذا القرآن فقال: {إنّ في هذا لبلاغًا لقومٍ عابدين} [الأنبياء: 106] أي عاملين). [تفسير القرآن العظيم: 1/350]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أنّ الأرض يرثها عبادي الصّالحون...}

يقال: أرض الجنّة. ويقال: إنها الأرض التي وعدها بنو إسرائيل، مثل قوله: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها} ). [معاني القرآن: 2/213]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أنّ الأرض يرثها عبادي الصّالحون} قال: أرض الجنة، ويقال: الأرض المقدّسة،
ترثها أمة محمد صلى اللّه عليه وعلى آله). [تفسير غريب القرآن: 289]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذّكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصّالحون}
الزّبور: جميع الكتب، التوراة، والإنجيل، والفرقان، زبور، لأن الزّبور والكتاب بمعنى واحد. ويقال زبرت وكتبت بمعنى واحد، والمعنى: ولقد كتبنا في الكتب من بعد ذكرنا في السماء {الأرض يرثها عبادي الصالحون}.
قيل في التفسير إنها أرض الجنة، ودليل هذا القول قوله: {أولئك هم الوارثون * الّذين يرثون الفردوس}.
وقيل إن الأرض ههنا يعنى بها أرض الدنيا، وهذا القول أشبه - كما قال اللّه عزّ وجلّ: {يسبّح للّه ما في السّماوات وما في الأرض} والأرض إذا ذكرت فهي دليلة على الأرض التي نعرفها، ودليل هذا القول أيضا:
قوله: {وأورثنا القوم الّذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها الّتي باركنا فيها}.
وهذه الآية من أجل شواهد الفقهاء أن الأرض ليس مجراها مجرى سائر ما يعمر). [معاني القرآن: 3/407]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّ في هذا} [الأنبياء: 106] القرآن.
{لبلاغًا} [الأنبياء: 106] إلى الجنّة.
{لقومٍ عابدين} [الأنبياء: 106] الّذي يصلّون الصّلوات الخمس). [تفسير القرآن العظيم: 1/350]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وفي تفسير قتادة: {ولقد كتبنا في الزّبور} [الأنبياء: 105] يعني: زبور داود، {من بعد الذّكر} [الأنبياء: 105] يعني: التّوراة، {أنّ الأرض} [الأنبياء: 105] يعني: أرض الجنّة، {يرثها عبادي الصّالحون} [الأنبياء: 105] وكتب اللّه تبارك وتعالى ذلك في هذا القرآن فقال: {إنّ في هذا لبلاغًا لقومٍ عابدين} [الأنبياء: 106] أي عاملين). [تفسير القرآن العظيم: 1/350] (م)
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {إنّ في هذا لبلاغاً...}
أي في القرآن). [معاني القرآن: 2/213]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين} [الأنبياء: 107] يعني لمن آمن من الإنس والجنّ.
وهو تفسير السّدّيّ وغيره.
يحيى، عن صاحبٍ له، عن المسعوديّ، عن سعيد بن جبيرٍ قال: من آمن باللّه ورسوله تمّت عليه الرّحمة في الدّنيا والآخرة، ومن كفر باللّه ورسوله عوفي ممّا عذّبت به الأمم، وله في الآخرة النار.
قال يحيى: لأنّ تفسير النّاس أنّ اللّه تبارك وتعالى أخّر عذاب كفّار هذه الأمّة
[تفسير القرآن العظيم: 1/350]
بالاستئصال إلى النّفخة الأولى بها يكون هلاكهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/351]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قل إنّما} [الأنبياء: 108] أنا بشرٌ مثلكم.
{يوحى إليّ أنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ فهل أنتم مسلمون} [الأنبياء: 108] وكذلك جاءت الرّسل.
قال: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25]، لا تعبدوا غيري). [تفسير القرآن العظيم: 1/351]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {يوحى إليّ أنّما إلهكم...}

وجه الكلام (فتح أنّ) لأن (يوحى) يقع عليها و(إنّما) بالكسر يجوز. وذلك أنها أداة كما وصفت لك من قول الشاعر:
* ... أن إنّما بين بيشةٍ *
فتلقى (أن) كأنه قيل: إنما يوحى إلي أن إنّما إلهكم إله واحد). [معاني القرآن: 2/213]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل إنّما يوحى إليّ أنّما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون}
الأجود (أنّما إلهكم) بفتح أنّ، وهي القراءة، ولو قرئت إنما لجاز، لأن معنى (يوحى إليّ) يقال لي " ولكن القراءة الفتح لا غير). [معاني القرآن: 3/408-407]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آَذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فإن تولّوا} [الأنبياء: 109] يعني كفروا.
{فقل آذنتكم على سواءٍ} [الأنبياء: 109] يعني على أمرٍ بيّنٍ.
وهو تفسير السّدّيّ.
وقال قتادة: على مهلٍ.
وقال الحسن: من كذّب بي فهو عندي سواءٌ، أي جهادهم كلّهم سواءٌ عندي وهو كقوله: {وإمّا تخافنّ من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم على سواءٍ} [الأنفال: 58] أي ليكون حكمك فيهم سواءً: الجهاد والقتل لهم أو يؤمنوا.
وهؤلاء مشركو العرب.
ويقاتل أهل الكتاب حتّى يسلموا أو يقرّوا بالجزية.
وجميع المشركين ما خلا العرب بتلك المنزلة.
وأمّا نصارى العرب فقد فسّرنا أمرهم في غير هذه السّورة.
{وإن أدري أقريبٌ أم بعيدٌ ما توعدون} [الأنبياء: 109] يعني به السّاعة). [تفسير القرآن العظيم: 1/351]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ):
(وقوله: {إن أدري...}
رفع على معنى ما أدري). [معاني القرآن: 2/214]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وآذنتكم على سواء} إذا انذرت عدوك واعلمته ذلك ونبذت إليه الحرب حتى تكون أنت وهو على سواء وحذر فقد آذنته على سواء). [مجاز القرآن: 2/43]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {آذنتكم على سواء}: إذا أنذرته وأعلمته فأنت وهو سواء). [غريب القرآن وتفسيره: 257]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {آذنتكم على سواءٍ} أي أعلمتكم وصرت أنا وأنتم على سواء، وإنما يريد نابذتكم وعاديتكم وأعلمتكم ذلك،
فاستوينا في العلم.وهذا من المختصر). [تفسير غريب القرآن: 289]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فإن تولّوا فقل آذنتكم على سواء وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون}
{آذنتكم} أعلمتكم بما يوحى إليّ لتستووا في الإيمان به). [معاني القرآن: 3/408]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاء}: أي أعلمتكم فصرتم أنتم وأنا سواء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 157]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {آذَنْتُكم}: أعلمتكم.
{على سَواءٍ}: استويتم، يعني في العلم). [العمدة في غريب القرآن: 209]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون} [الأنبياء: 110] يعني ما تسرّون.
وفي تفسير السّدّيّ: إنّه يعلم ما كان قبل الخلق وما يكون بعده). [تفسير القرآن العظيم: 1/351]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإن أدري لعلّه فتنةٌ لكم} [الأنبياء: 111] تفسير الحسن: لعلّ ما أنتم فيه من الدّنيا من السّعة والرّخاء، وهو منقطعٌ زائلٌ.
{فتنةٌ لكم} [الأنبياء: 111] يعني بليّةً لكم.
{ومتاعٌ} [الأنبياء: 111] تستمتعون به، يعني بذلك المشركين.
وقوله: {إلى حينٍ} [الأنبياء: 111]
[تفسير القرآن العظيم: 1/351]
إلى يوم القيامة.
تفسير الحسن.
وقال قتادة: إلى الموت). [تفسير القرآن العظيم: 1/352]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
(المتاع: المدّة، قال الله تعالى: {ولكم في الأرض مستقرٌّ ومتاعٌ إلى حينٍ}

وقال تعالى: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}.
ومنه يقال: متع النهار. ويقال: أمتع الله بك). [تأويل مشكل القرآن: 512] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وإن أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين}
أي وما أدري ما آذنتكم به فتنة لكم أي اختبار لكم). [معاني القرآن: 3/408]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ ‎بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قال ربّ احكم بالحقّ} [الأنبياء: 112] سعيدٌ، عن قتادة قال: كانت الأنبياء تقول: {ربّنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ} [الأعراف: 89] فأمر اللّه تبارك وتعالى نبيّه أن يقول: {قال ربّ احكم بالحقّ} [الأنبياء: 112] أي: اقض بالحقّ.
وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم علم أنّه على الحقّ، وإنّ عدوّه على الباطل، فكان إذا لقي العدوّ يقول: {قال ربّ احكم بالحقّ} [الأنبياء: 112] وكان النّبيّ إذا سأل اللّه أن يحكم بينه وبين قومه بالحقّ هلكوا.
وقال الحسن: أمره اللّه أن يدعو أن ينصر أولياءه على أعدائه، فنصره اللّه عليهم.
قوله: {وربّنا الرّحمن المستعان على ما تصفون} [الأنبياء: 112] قال قتادة: على ما تكذبون، يعني به المشركين). [تفسير القرآن العظيم: 1/352]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {قال ربّ احكم بالحقّ...}

جزم: مسألة سألها ربّه. وقد قيل: (قل ربّي أحكم بالحق) ترفع (أحكم) وتهمز ألفها. ومن قال قل ربي أحكم بالحق كان موضع ربي رفعاً،
ومن قال: ربّ احكم موصولة كانت في موضع نصب بالنداء). [معاني القرآن: 2/214]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {قال ربّ احكم بالحقّ وربّنا الرّحمن المستعان على ما تصفون}
{قال ربّ احكم بالحقّ}.
ويقرأ: (قل ربّ احكم بالحقّ).
ويجوز وقد قرئ به: قال ربّي أحكم بالحقّ، وكان من مضى من الرّسل يقولون: ({بّنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ}.
ومعناه احكم، فأمر اللّه - عزّ وجلّ - نبيه أن يقول: {ربّ احكم بالحقّ}.
وقوله: {وربّنا الرّحمن المستعان على ما تصفون}.أي على ما تكذبون). [معاني القرآن: 3/408]


رد مع اقتباس