عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:11 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ومن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا أولئك يعرضون على ربّهم ويقول الأشهاد هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة اللّه على الظّالمين (18) الّذين يصدّون عن سبيل اللّه ويبغونها عوجًا وهم بالآخرة هم كافرون (19) أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون اللّه من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السّمع وما كانوا يبصرون (20) أولئك الّذين خسروا أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون (21) لا جرم أنّهم في الآخرة هم الأخسرون (22)}
{أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون اللّه من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السّمع وما كانوا يبصرون أولئك الّذين خسروا أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون لا جرم أنّهم في الآخرة هم الأخسرون}
يبيّن تعالى حال المفترين عليه وفضيحتهم في الدّار الآخرة على رءوس الخلائق؛ من الملائكة، والرّسل، والأنبياء، وسائر البشر والجانّ، كما قال الإمام أحمد: حدّثنا بهز وعفّان قالا أخبرنا همّام، حدّثنا قتادة، عن صفوان بن محرز قال: كنت آخذًا بيد ابن عمر، إذ عرض له رجلٌ قال: كيف سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول في النّجوى يوم القيامة؟ قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يقول: "إنّ اللّه عزّ وجلّ يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه، ويستره من النّاس، ويقرّره بذنوبه، ويقول له: أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ حتّى إذا قرّره بذنوبه، ورأى في نفسه أنّه قد هلك قال: فإنّي قد سترتها عليك في الدّنيا، وإنّي أغفرها لك اليوم. ثمّ يعطى كتاب حسناته، وأمّا الكفّار والمنافقون فيقول: {الأشهاد هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة اللّه على الظّالمين}
أخرجه البخاريّ ومسلمٌ في الصّحيحين، من حديث قتادة به). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 313-314]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {الّذين يصدّون عن سبيل اللّه ويبغونها عوجًا} أي يردّون الناس عن اتّباع الحقّ وسلوك طريق الهدى الموصّلة إلى اللّه عزّ وجلّ ويجنّبونهم الجنّة، {ويبغونها عوجًا} أي: ويريدون أن يكون طريقهم عوجًا غير معتدلةٍ، {وهم بالآخرة هم كافرون} أي: جاحدون بها مكذّبون بوقوعها وكونها). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 314]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون اللّه من أولياء} أي: بل كانوا تحت قهره وغلبته، وفي قبضته وسلطانه، وهو قادرٌ على الانتقام منهم في الدّار الدّنيا قبل الآخرة، ولكن {يؤخّرهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار} [إبراهيم: 42]، وفي الصّحيحين: "إنّ اللّه ليملي للظّالم، حتّى إذا أخذه لم يفلته"؛ ولهذا قال تعالى: {يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السّمع وما كانوا يبصرون} أي: يضاعف عليهم العذاب، وذلك لأنّ اللّه تعالى جعل لهم سمعًا وأبصارًا وأفئدةً، فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم [من شيءٍ]، بل كانوا صمّا عن سماع الحقّ، عميا عن اتّباعه، كما أخبر تعالى عنهم حين دخولهم النّار: {وقالوا لو كنّا نسمع أو نعقل ما كنّا في أصحاب السّعير} [الملك: 10]، وقال تعالى: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه زدناهم عذابًا فوق العذاب بما كانوا يفسدون} [النّحل: 88]؛ ولهذا يعذّبون على كلّ أمرٍ تركوه، وعلى كلّ نهيٍ ارتكبوه؛ ولهذا كان أصحّ الأقوال أنّهم مكلّفون بفروع الشّرائع أمرها ونهيها بالنّسبة إلى الدّار الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 314]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {أولئك الّذين خسروا أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون} أي: خسروا أنفسهم لأنّهم دخلوا نارًا حاميةً، فهم معذّبون فيها لا يفتّر عنهم من عذابها طرفة عينٍ، كما قال تعالى: {كلّما خبت زدناهم سعيرًا} [الإسراء: 97].
و {ضلّ عنهم} أي: ذهب عنهم {ما كانوا يفترون} من دون اللّه من الأنداد والأصنام، فلم تجد عنهم شيئًا، بل ضرّتهم كلّ الضّرر، كما قال تعالى: {وإذا حشر النّاس كانوا لهم أعداءً وكانوا بعبادتهم كافرين} [الأحقاف: 6]، وقال تعالى: {واتّخذوا من دون اللّه آلهةً ليكونوا لهم عزًّا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدًّا} [مريم: 81، 82]، وقال الخليل لقومه: {إنّما اتّخذتم من دون اللّه أوثانًا مودّة بينكم في الحياة الدّنيا ثمّ يوم القيامة يكفر بعضكم ببعضٍ ويلعن بعضكم بعضًا ومأواكم النّار وما لكم من ناصرين} [العنكبوت: 25]، وقال تعالى: {إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب} [البقرة: 166]؛ إلى غير ذلك من الآيات الدّالّة على خسرهم ودمارهم؛ ولهذا قال: {لا جرم أنّهم في الآخرة هم الأخسرون} يخبر تعالى عن حالهم أنّهم أخسر النّاس صفقةً في الدّار الآخرة؛ لأنّهم استبدلوا بالدّركات عن الدّرجات، واعتاضوا عن نعيم الجنان بحميمٍ آنٍ، وعن شرب الرّحيق المختوم، بسموم وحميمٍ، وظلٍّ من يحمومٍ، وعن الحور العين بطعامٍ من غسلين، وعن القصور العالية بالهاوية، وعن قرب الرّحمن، ورؤيته بغضب الدّيّان وعقوبته، فلا جرم أنّهم في الآخرة هم الأخسرون). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 314-315]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وأخبتوا إلى ربّهم أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون (23) مثل الفريقين كالأعمى والأصمّ والبصير والسّميع هل يستويان مثلًا أفلا تذكّرون (24)}
لمّا ذكر تعالى حال الأشقياء ثنّى بذكر السّعداء، وهم الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات، فآمنت قلوبهم وعملت جوارحهم الأعمال الصّالحة قولًا وفعلًا من الإتيان بالطّاعات وترك المنكرات، وبهذا ورثوا الجنّات، المشتملة على الغرف العاليات، والسّرر المصفوفات، والقطوف الدّانيات، والفرش المرتفعات، والحسان الخيّرات، والفواكه المتنوّعات، والمآكل المشتهيات والمشارب المستلذّات، والنّظر إلى خالق الأرض والسّموات، وهم في ذلك خالدون، لا يموتون ولا يهرمون ولا يمرضون، وينامون ولا يتغطّون، ولا يبصقون ولا يتمخّطون، إن هو إلّا رشح مسك يعرقون). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 315]

تفسير قوله تعالى: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ ضرب [اللّه] تعالى مثل الكافرين والمؤمنين، فقال: {مثل الفريقين} أي: الّذين وصفهم أوّلًا بالشّقاء والمؤمنين السّعداء، فأولئك كالأعمى والأصمّ، وهؤلاء كالبصير والسّميع. فالكافر أعمى عن وجه الحقّ في الدّنيا، وفي الآخرة لا يهتدي إلى خيرٍ ولا يعرفه، أصمّ عن سماع الحجج، فلا يسمع ما ينتفع به، {ولو علم اللّه فيهم خيرًا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولّوا وهم معرضون} [الأنفال: 23]، وأمّا المؤمن ففطن ذكيٌّ لبيبٌ، بصيرٌ بالحقّ، يميّز بينه وبين الباطل، فيتبع الخير ويترك الشّرّ، سميعٌ للحجّة، يفرّق بينها وبين الشّبهة، فلا يروج عليه باطلٌ، فهل يستوي هذا وهذا.
{أفلا تذكّرون} أفلا تعتبرون وتفرّقون بين هؤلاء وهؤلاء، كما قال في الآية الأخرى: {لا يستوي أصحاب النّار وأصحاب الجنّة أصحاب الجنّة هم الفائزون} [الحشر: 20] وقال {وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظّلمات ولا النّور ولا الظّلّ ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات إنّ اللّه يسمع من يشاء وما أنت بمسمعٍ من في القبور إن أنت إلا نذيرٌ إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرًا ونذيرًا وإن من أمّةٍ إلا خلا فيها نذيرٌ} [فاطر:19 -24]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 315]


رد مع اقتباس