عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 7 ربيع الأول 1440هـ/15-11-2018م, 02:48 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم * يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب * ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور}
العامل في "يوم" قوله تعالى: {وله أجر كريم}، و"الرؤية" في هذه الآية رؤية عين، و"النور"، قال الضحاك بن مزاحم: هي استعارة، عبارة عن الهدى والحق الذي هم عليه وهدايتهم الناس إلى الحق وصدقهم في الأفعال والأقوال، وقيل: تتبعهم الرشاد واعتقادهم به واقتصاصهم آثاره وعلاماته وأنواره، وقيل: هي استعارة، عبارة عن الهدى والرضوان الذي هم فيه، وقال الجمهور: بل هو نور حقيقة، وروي في هذا عن ابن عباس وغيره آثار مضمنها أن كل مؤمن مظهر للإيمان يعطى يوم القيامة نورا، فيطفى نور كل منافق ويبقى نور المؤمنين، حتى أن منهم من نوره يضيء كما بين مكة وصنعاء، رفعه قتادة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من نوره كالنخلة السحوق، ومنهم من نوره يضيء ما بين قرب من قدميه، قال ابن مسعود رضي الله عنه، ومنهم من يهم نوره بالانطفاء مرة ويبين مرة، على قدر المنازل في الطاعة والمعصية، وخص تعالى "بين الأيدي" لأنه موضع حاجة الإنسان إلى النور.
واختلف الناس في قوله تعالى: "وبأيمانهم"، فقال بعض المتأولين: المعنى: وعن أيمانهم، فكأنه تعالى خص جهة اليمين تشريفا، وناب ذلك مناب أن يقول: وفي جميع جهاتهم، وقال آخرون منهم: المعنى: وبأيمانهم كتبهم بالرحمة، وقال جمهور المفسرين: المعنى: يسعى نورهم بين أيديهم، يريد تعالى الضوء المنبسط من أهل النور، وبأيمانهم أصله والشيء هو متقد فيه، فمضمن هذا القول أنهم يحملون الأنوار، وكونهم غير حاملين "لها" أكرم، ألا ترى أن فضيلة عباد بن بشر، وأسيد بن حضير رضي الله عنهما إنما كانت بنور لا يحملانه؟ هذا في الدنيا فكيف في الآخرة؟ ومن هذه الآية انتزع حمل المعتق للشمعة. وقرأ الناس: "وبأيمانهم" جمع يمين، وقرأ سهل بن سعد، وأبو حيوة: "وبإيمانهم" بكسر الألف، وهو معطوف على قوله تعالى: "بين أيديهم"، كأنه تعالى قال: كافيا بين أيديهم وكائنا بسبب إيمانهم.
وقوله تعالى: "بشراكم" معناه: يقال لهم بشراكم جنات، أي: دخول جنات، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وقوله تبارك وتعالى: "خالدين فيها" إلى آخر الآية، مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم، وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه: "ذلك الفوز العظيم" بدون "هو".
قوله تعالى: {يوم يقول المنافقون والمنافقات}، قال بعض النحاة: "يوم" بدل من الأول، وقال آخرون منهم: العامل فيه مضمر تقديره: اذكر، قال ويظهر لي أن العامل فيه قوله تعالى: {ذلك هو الفوز العظيم}، ويجيء معنى الفوز أفخم، كأنه تعالى يقول: إن المؤمنين يفوزون بالرحمة يوم يعتري المنافقين كذا وكذا، لأن ظهور المرء يوم خمول عدوه ومضاده أبدع وأفخم، وقول المنافقين هذه المقالة المحكية هو عند انطفاء أنوارهم كما ذكرنا قبل، وقولهم: "انظرونا" معناه: انتظرونا، ومنه قول الحطيئة:
وقد نظرتكم إيناء عاشية للخمس طال بها حبسي وتبساسي
وقرأ حمزة وحده، وابن وثاب، وطلحة، والأعمش: "أنظرونا" بقطع الألف وكسر الظاء على وزن أكرم، ومنه قول عمرو بن كلثوم:
أبا هند فلا تعجل علينا ... وأنظرنا نخبرك اليقينا
ومعناه: أخرونا، ومنه النظرة إلى ميسرة، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أنظر معسرا" الحديث، ومعنى قولهم "أخرونا": أخروا مشيكم لنا حتى نلحق فنقتبس من نوركم، و"اقتبس الرجل واستقبس": أخذ من نور غيره قبسا.
وقوله تعالى: {قيل ارجعوا وراءكم} يحتمل أن يكون من قول المؤمنين، ويحتمل أن يكون من قول الملائكة، وقوله تعالى: "وراءكم" حكى المهدوي وغيره من المفسرين أنه لا موضع له من الإعراب، وأنه كما لو قال: ارجعوا ارجعوا، وأنه على نحو قول أبي الأسود الدؤلي للسائل "وراءك أوسع لك"، ولست أعرف مانعا يمنع أن يكون العامل فيه "ارجعوا"، والقول لهم: "فالتمسوا نورا" هو على معنى التوبيخ لهم، أي: أنكم لا تجدونه، ثم أعلم عز وجل أنه يضرب بينهم في هذه الحال بسور حاجز، فيسعى المنافقون في ظلمة، ويأخذهم العذاب من الله تعالى، وحكي عن ابن زيد أن هذا السور هو الأعراف المذكور في سورة [الأعراف]، وقد حكاه المهدوي، وقيل: هو حاجز آخر غير ذلك، وقال عبد الله بن عمرو، وكعب الأحبار، وعبادة بن الصامت، وابن عباس: هو الجدار الشرقي في مسجد بيت المقدس، وقال زياد بن أبي سوادة: قام عبادة بن الصامت على السور الشرقي من بيت المقدس فبكى وقال: من هاهنا أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى جهنم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفيه باب يسمى باب الرحمة، سماه في تفسير هذه الآية عبادة وكعب، وفي الشرق من الجدار المذكور واد يقال له: وادي جهنم: سماه في تفسير هذه الآية عبد الله بن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم، وهذا القول في السور بعيد، والله تعالى أعلم. وقال قتادة، وابن زيد: الرحمة الجنة، والعذاب جهنم، والسور في اللغة الحجاب الذي للمدن وهو مذكر، والسور أيضا جمع سورة وهي القطعة من البناء فيضاف بعضها إلى بعض حتى يتم الجدار، فهذا اسم جمع يسوغ تذكيره وتأنيثه، وهذا الجمع هو الذي أراد جرير في قوله:
لما أتى خبر الزبير تواضعت ... سور المدينة والجبال الخشع
وذلك أن المدينة لم يكن لها قط حجى، وأيضا فإن وصفه أن جميع ما في المدينة من بناء تواضع أبلغ، ومن رأى أنه قصد قصد السور الذي هو الحجى قال: إن ذلك إذا تواضع فغيره من المباني أحرى بالتواضع، فإذا كان السور في البيت يحتمل الوجهين فليس هو في قوة مر الرياح، وصدر القناة، وغير ذلك مما هو مذكر محض استفاد التأنيث مما أضيف إليه.
قوله تعالى: {باطنه فيه الرحمة}، أي: جهة المؤمنين، "وظاهره" أي: جهة المنافقين، والظاهر هنا البادي، ومنه قول الكتاب: "من ظاهر مدينة كذا").[المحرر الوجيز: 8/ 225-229]

تفسير قوله تعالى: {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "ينادونهم" معناه: ينادي المنافقون المؤمنين: ألم نكن معكم في الدنيا؟ فيرد المؤمنون عليهم: بلى كنتم معنا ولكنكم عرضتم أنفسكم للفتنة وحب العاجل والقتال عليه، قال مجاهد: فتنتم أنفسكم بالنفاق، و"تربصتم" معناه هنا: بإيمانكم، فأبطأتم به حتى متم، وقال قتادة: معناه: تربصتم بنا وبمحمد صلى الله عليه وسلم الدوائر، وشككتم في أمر الله تعالى و"الارتياب": التشكك، و"الأماني التي غرتهم" هي قولهم: سيهلك محمد هذا العام، ستهزمه قريش، ستأخذه الأحزاب، إلى غير ذلك من أمانيهم، وطول الأمل غرار لكل أحد، و"أمر الله الذي جاء" هو الفتح وظهور الإسلام، وقيل: هو موت المنافقين وموافاتهم على هذه الحال الموجبة للعذاب. و"الغرور" الشيطان بإجماع من المتأولين، وقرأ سماك بن حرب بضم الغين، وأبو حيوة، وينبغي لكل مؤمن أن يعتبر هذه الآية في نفسه وتسويفه في توبته).[المحرر الوجيز: 8/ 229]

تفسير قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير * ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون * اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون}
قوله تعالى: {فاليوم لا يؤخذ منكم فدية} استمرار في مخاطبة المنافقين، قاله قتادة وغيره، وروي في معنى قوله تعالى: {ولا من الذين كفروا} حديث. وهو: أن الله تعالى يقرر الكافر فيقول له: "أرأيتك لو كان لك أضعاف الدنيا أكنت تفتدي بجميع ذلك من عذاب النار؟ فيقول: نعم يا رب، فيقول الله تعالى: قد سألتك ما هو أيسر من ذلك وأنت في صلب أبيك آدم، لا تشرك بي، فأبيت إلا الشرك، وقرأ جمهور القراء والناس: "يؤخذ" بالياء من تحت، وقرأ أبو جعفر القارئ: "تؤخذ" بالتاء من فوق، وهي قراءة ابن عامر في رواية هشام عنه. وهي قراءة الحسن، وابن أبي إسحاق، والأعرج.
قوله تعالى: "هي مولاكم"، قال المفسرون: معناه: هي أولى بكم، وهذا تفسير بالمعنى، وإنما هي استعارة لأنها من حيث تضمهم وتباشرهم هي تواليهم وتكون لهم مكان المولى، وهذا نحو قول الشاعر:
... ... ... ..... تحية بينهم ضرب وجيع
). [المحرر الوجيز: 8/ 230]

رد مع اقتباس