عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 9 جمادى الأولى 1434هـ/20-03-2013م, 04:50 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20)}

تفسير قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {مّثل الّذين كفروا بربّهم...}
أضاف المثل إليهم ثم قال {أعمالهم كرمادٍ اشتدّت به الرّيح} والمثل للأعمال والعرب تفعل
ذلك: قال الله عزّ وجلّ: {ويوم القيامة ترى الّذين كذبوا على الله وجوههم مسودّةٌ} والمعنى ترى وجوههم مسودّة. وذلك عربيّ لأنهم يجدون المعنى في آخر الكلمة فلا يبالون ما وقع على الاسم المبتدأ. وفيه أن تكرّ ما وقع على الاسم المبتدأ على الثاني كقوله: {لجعلنا لمن يكفر بالرّحمن لبيوتهم سقفاً} فأعيدت اللام في البيوت لأنها التي تراد بالسقف ولو خفضت ولم تظهر اللام كان صواباً كما قال الله عز وجل: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه}.
فلو خفض قارئ الأعمال فقال (أعمالهم كرمادٍ) كان جائزاً ولم أسمعه في القراءة.
وقد أنشدني بعضهم:
ما للجمال مشيها وئيداً = أجندلاً يحملن أم حديدا
أراد ما للجمال ما لمشيها وئيداً. وقال الآخر:
ذريني إن أمرك لن يطاعا = وما ألفيتني حلمي مضاعا
فالحلم منصوب بالإلقاء على التكرير ولو رفعته كان صوابا.
وقال {في يومٍ عاصفٍ} فجعل العصوف تابعاً لليوم في إعرابه، وإنما العصوف للريح. وذلك جائز على جهتين، إحداهما أن العصوف وإن كان للريح فإن اليوم يوصف به؛ لأن الريح فيه تكون، فجاز أن تقول يوم عاصف كما تقول: يوم بارد ويوم حارّ.
وقد أنشدني بعضهم:
* يومين غيمين ويوماً شمساً *
فوصف اليومين بالغيمين وإنما يكون الغيم فيهما. والوجه الآخر أن يريد في يوم عاصف الريح فتحذف الريح لأنها قد ذكرت في أوّل الكلمة كما قال الشاعر:
فيضحك عرفان الدروع جلودنا = إذا جاء يوم مظلم الشمس كاسف
يريد كاسف الشمس فهذان وجهان. وإن نويت أن تجعل (عاصف) من نعت الريح خاصّةً فلمّا جاء بعد اليوم أتبعته إعراب اليوم وذلك من كلام العرب أن يتبعوا الخفض الخفض إذا أشبهه.
قال الشاعر:
كأنّما ضربت قدّام أعينها = قطنا بمستحصد الأوتار محلوج
وقال الآخر:
تريك سنّة وجه غير مقرفةٍ = ملساء ليس بها خال ولا ندب
... قلت لأبي ثروان وقد أنشدني هذا البيت بخفضٍ: كيف تقول: تريك سنّة وجه غير مقرفة؟ قال: تريك سنّة وجه غير مقرفة. قلت له: فأنشد فخفض (غير) فأعدت القول عليه فقال: الذي تقول أنت أجود ممّا أقول أنا وكان إنشاده على الخفض. وقال آخر:
وإيّاكم وحيّة بطن وادٍ = هموز الناب ليس لكم بسي
وممّا يرويه نحويّونا الأوّلون أن العرب تقول: هذا جحر ضبّ خربٍ. والوجه أن يقول: سنّة وجه غير مقرفة، وحيّة بطن واد هموز الناب، وهذا جحرٍ ضبّ خربٌ.
وقد ذكر عن يحيى بن وثّاب أنه قرأ {إنّ الله هو الرّزّاق ذو القوّة المتين} فخفض المتين وبه أخذ الأعمش. والوجه أن يرفع (المتين) أنشدني أبو الجرّاح العقيليّ:
يا صاح بلّغ ذوي الزوجات كلّهم = أن ليس وصلٌ إذا انحلّت عرا الذنب
فأتبع (كلّ) خفض (الزوجات) وهو منصوب لأنه نعت لذوي). [معاني القرآن: 2/75-72]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مثل الّذين كفروا بربّهم أعمالهم كرمادٍ} مجازه: مثل أعمال الذين كفروا بربهم كمثل رمادٍ، وتصديق ذلك من آية أخرى:
{أحسن كلّ شئٍ خلقه} مجازه: أحسن كل شئ، وقال حميد بن ثور الهلالّي:
وطعني إليك الليل حضنيه إنّني= لتلك إذا هاب الهدان فعول
أراد: وطعني حضني الليل إليك أول الليل وآخره، وإذا ثنّوه كان أكثر في كلامهم وأبين، قال:
كأن هنداً ثناياها وبهجتها= يوم التقينا على أدحال دبّاب
أراد: كأن ثنايا هند وبهجتها يوم التقينا على أدحال دبّاب.
{اشتدّت به الرّيح في يومٍ عاصفٍ} يقال: قد عصف يومنا وذاك إذا اشتدت الريح فيه، والعرب تفعل ذلك إذا كان في ظرف صفة لغيره، وجعلوا الصفة له أيضاً، كقوله:
لقد لمتنا يا أم غيلان في السّرى=ونمت وما ليل المطيّ بنائم
ويقال: يوم ماطر، وليلة ماطرة، وإنما المطر فيه وفيها). [مجاز القرآن: 1/338-339]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {مّثل الّذين كفروا بربّهم أعمالهم كرمادٍ اشتدّت به الرّيح في يومٍ عاصفٍ لاّ يقدرون ممّا كسبوا على شيءٍ ذلك هو الضّلال البعيد}
وقال: {مّثل الّذين كفروا} كأنه قال: "وممّا نقصّ عليكم مثل الذين كفروا" ثم أقبل يفسر كما قال: {مّثل الجنّة الّتي وعد المتّقون} وهذا كثير). [معاني القرآن: 2/59]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأهل المدينة {اشتدت به الرياح} على جمع.
وأصحاب عبد الله وأبو عمرو {الريح} يجعله واحدًا). [معاني القرآن لقطرب: 774]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أعمالهم كرمادٍ اشتدّت به الرّيح في يومٍ عاصفٍ} أي شديد الريح. شبه أعمالهم بذلك: لأنه يبطلها ويمحقها).
[تفسير غريب القرآن: 232]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال الله عز وجل: {كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} أراد: في يوم عاصف الرّيح، فحذف،
لأنّ ذكر الرّيح قد تقدّم، فكان فيه دليل). [تأويل مشكل القرآن: 217]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {مثل الّذين كفروا بربّهم أعمالهم كرماد اشتدّت به الرّيح في يوم عاصف لا يقدرون ممّا كسبوا على شيء ذلك هو الضّلال البعيد }
{مثل الّذين كفروا بربّهم}
فهو مرفوع على معنى وفيما يتلى عليكم مثل الذين كفروا بربّهم، أو مثل الذين كفروا بربهم - فيما يتلى عليكم، وجائز أن يكون - واللّه أعلم - مثل الذين كفروا بربهم صفة الذين كفروا بربهم أعمالهم، كأنك قلت: " الذين كفروا بربهم أعمالهم"، كما تقول صفة زيد أسمر، المعنى زيد أسمر وتأويله أن كل ما يتقرب به الذين كفروا إلى اللّه فمحبط.
قال الله عزّ وجلّ: {حبطت أعمالهم في الدّنيا والآخرة}.
ومثله: (الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم). [معاني القرآن: 3/157]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف}
أي لم يقبل منهم
وعاصف على النسق أي الريح فيه شديدة
ويجوز أن يكون التقدير عاصف الريح). [معاني القرآن: 3/524-523]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ألم تر أنّ الله خلق} ألم تعلم، ليس رؤية عين). [مجاز القرآن: 1/339]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأبو عمرو وأهل المدينة {ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض} و{خلق كل دابة} في النور). [معاني القرآن لقطرب: 774]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأصحاب عبد الله {ألم تر أن الله خالق السماوات والأرض} جر بالإضافة، و{خالق كل دابة} ). [معاني القرآن لقطرب: 774]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {إنا لفي خلق جديد} الفعل: قد جددت يا ثوب، وجددت تجد، وأجددت تجد إجدادًا، وكذلك القشيب: قشبت قشابة، وما كنت قشيبًا). [معاني القرآن لقطرب: 780]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20)}


رد مع اقتباس