عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 15 محرم 1440هـ/25-09-2018م, 02:54 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ألم تر إلى ربّك كيف مدّ الظّلّ ولو شاء لجعله ساكنًا ثمّ جعلنا الشّمس عليه دليلا (45) ثمّ قبضناه إلينا قبضًا يسيرًا (46) وهو الّذي جعل لكم اللّيل لباسًا والنّوم سباتًا وجعل النّهار نشورًا (47)}
من هاهنا شرع تعالى في بيان الأدلّة الدّالّة على وجوده، وقدرته التّامّة على خلق الأشياء المختلفة والمتضادّة، فقال: {ألم تر إلى ربّك كيف مدّ الظّلّ}؟ قال ابن عبّاسٍ، وابن عمر، وأبو العالية، وأبو مالكٍ، ومسروقٌ، ومجاهدٌ، وسعيد بن جبيرٍ، وإبراهيم النّخعي، والضّحّاك، والحسن البصريّ، وقتادة، والسّدّيّ، وغيرهم: هو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس. {ولو شاء لجعله ساكنًا} أي: دائمًا لا يزول، كما قال تعالى: {قل أرأيتم إن جعل اللّه عليكم اللّيل سرمدًا إلى يوم القيامة}، {قل أرأيتم إن جعل اللّه عليكم النّهار سرمدًا إلى يوم القيامة} [القصص: 71 -72].
وقوله: {ثمّ جعلنا الشّمس عليه دليلا} أي: لولا أنّ الشّمس تطلع عليه، لما عرف، فإنّ الضّدّ لا يعرف إلّا بضدّه.
وقال قتادة، والسّدّيّ: دليلًا يتلوه ويتبعه حتّى يأتي عليه كلّه). [تفسير ابن كثير: 6/ 113-114]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ثمّ قبضناه إلينا قبضًا يسيرًا} أي: الظّلّ، وقيل: الشّمس. {يسيرًا} أي: سهلًا. قال ابن عبّاسٍ: سريعًا. وقال مجاهدٌ: خفيًّا. وقال السّدّيّ؛ قبضًا خفياً، حتّى لا يبقى في الأرض ظلٌّ إلّا تحت سقفٍ أو تحت شجرةٍ، وقد أظلّت الشّمس ما فوقه.
وقال أيّوب بن موسى: {ثمّ قبضناه إلينا قبضًا يسيرًا} أي: قليلًا قليلًا). [تفسير ابن كثير: 6/ 114]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وهو الّذي جعل لكم اللّيل لباسًا} أي: يلبس الوجود ويغشيه، كما قال: [ {واللّيل إذا يغشى} [اللّيل: 1] وقال] {واللّيل إذا يغشاها} [الشّمس: 4].
{والنّوم سباتًا} أي: قطعا للحركة لراحة الأبدان، فإنّ الأعضاء والجوارح تكلّ من كثرة الحركة في الانتشار بالنّهار في المعايش، فإذا جاء اللّيل وسكن سكنت الحركات، فاستراحت فحصل النّوم الّذي فيه راحة البدن والرّوح معًا.
{وجعل النّهار نشورًا} أي: ينتشر الناس فيه لمعايشهم ومكاسبهم وأسبابهم، كما قال تعالى: {ومن رحمته جعل لكم اللّيل والنّهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلّكم تشكرون} [القصص: 73] ). [تفسير ابن كثير: 6/ 114]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وهو الّذي أرسل الرّياح بشرًا بين يدي رحمته وأنزلنا من السّماء ماءً طهورًا (48) لنحيي به بلدةً ميتًا ونسقيه ممّا خلقنا أنعامًا وأناسيّ كثيرًا (49) ولقد صرّفناه بينهم ليذّكّروا فأبى أكثر النّاس إلا كفورًا (50)}.
وهذا أيضًا من قدرته التّامّة وسلطانه العظيم، وهو أنّه تعالى يرسل الرّياح مبشّراتٍ، أي: بمجيء السّحاب بعدها، والرّياح أنواعٌ، في صفاتٍ كثيرةٍ من التّسخير، فمنها ما يثير السّحاب، ومنها ما يحمله، ومنها ما يسوقه، ومنها ما يكون بين يدي السّحاب مبشّرا، ومنها ما يكون قبل ذلك يقمّ الأرض، ومنها ما يلقح السّحاب ليمطر؛ ولهذا قال: {وأنزلنا من السّماء ماءً طهورًا} أي: آلةً يتطهّر بها، كالسّحور والوقود وما جرى مجراه. فهذا أصحّ ما يقال في ذلك. وأمّا من قال: إنّه فعولٌ بمعنى فاعلٍ، أو: إنّه مبنيٌّ للمبالغة أو التّعدّي، فعلى كلٍّ منهما إشكالاتٌ من حيث اللّغة والحكم، ليس هذا موضع بسطها، واللّه أعلم.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عمر بن حفص بن غياثٍ، حدّثنا أبي، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، حدّثني حميد الطّويل، عن ثابتٍ البنانيّ قال: دخلت مع أبي العالية في يومٍ مطيرٍ، وطرق البصرة قذرةٌ، فصلّى، فقلت له، فقال: {وأنزلنا من السّماء ماءً طهورًا} قال: طهّره ماء السّماء.
وقال أيضًا: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو سلمة، حدّثنا وهيب عن داود، عن سعيد بن المسيّب في هذه الآية: {وأنزلنا من السّماء ماءً طهورًا} [قال: أنزله اللّه ماءً طاهرًا] لا ينجّسه شيءٌ.
وعن أبي سعيدٍ قال: قيل: يا رسول اللّه، أنتوضّأ من بئر بضاعة؟ -وهي بئرٌ يلقى فيها النّتن، ولحوم الكلاب -فقال: "إنّ الماء طهورٌ لا ينجّسه شيءٌ" رواه الشّافعيّ، وأحمد وصحّحه، وأبو داود، والتّرمذيّ وحسّنه، والنّسائيّ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو الأشعث، حدّثنا معتمرٌ، سمعت أبي يحدّث عن سيّار، عن خالد بن يزيد، قال: كان عند عبد الملك بن مروان، فذكروا الماء، فقال خالد بن يزيد: منه من السّماء، ومنه ما يسقيه الغيم من البحر فيعذبه الرّعد والبرق. فأمّا ما كان من البحر، فلا يكون له نباتٌ، فأمّا النّبات فممّا كان من السّماء.
وروي عن عكرمة قال: ما أنزل اللّه من السّماء قطرةً إلّا أنبت بها في الأرض عشبةً أو في البحر لؤلؤةً. وقال غيره: في البرّ بر، وفي البحر درّ). [تفسير ابن كثير: 6/ 114-115]

تفسير قوله تعالى: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {لنحيي به بلدةً ميتًا} أي: أرضًا قد طال انتظارها للغيث، فهي هامدةٌ لا نبات فيها ولا شيء. فلمّا جاءها الحيا عاشت واكتست رباها أنواع الأزاهير والألوان، كما قال تعالى: {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزّت وربت وأنبتت من كلّ زوجٍ بهيجٍ} [الحجّ: 5].
{ونسقيه ممّا خلقنا أنعامًا وأناسيّ كثيرًا} أي: وليشرب منه الحيوان من أنعامٍ وأناسيّ محتاجين إليه غاية الحاجة، لشربهم وزروعهم وثمارهم، كما قال تعالى: {وهو الّذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الوليّ الحميد} [الشّورى: 28] وقال تعالى: {فانظر إلى آثار رحمة اللّه كيف يحيي الأرض بعد موتها إنّ ذلك لمحيي الموتى وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ} [الرّوم: 50]). [تفسير ابن كثير: 6/ 115]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولقد صرّفناه بينهم ليذّكّروا} أي: أمطرنا هذه الأرض دون هذه، وسقنا السّحاب فمرّ على الأرض وتعدّاها وجاوزها إلى الأرض الأخرى، [فأمطرتها وكفتها فجعلتها عذقا، والّتي وراءها] لم ينزل فيها قطرةٌ من ماءٍ، وله في ذلك الحجّة البالغة والحكمة القاطعة.
قال ابن مسعودٍ وابن عبّاسٍ: ليس عامٌ بأكثر مطرًا من عامٍ، ولكنّ اللّه يصرّفه كيف يشاء، ثمّ قرأ هذه الآية: {ولقد صرّفناه بينهم ليذّكّروا فأبى أكثر النّاس إلا كفورًا}.
أي: ليذّكّروا بإحياء اللّه الأرض الميّتة أنّه قادرٌ على إحياء الأموات. والعظام الرّفات. أو: ليذّكّر من منع القطر أنّما أصابه ذلك بذنبٍ أصابه، فيقلع عمّا هو فيه.
وقال عمر مولى غفرة: كان جبريل، عليه السّلام، في موضع الجنائز، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا جبريل، إنّي أحبّ أن أعلم أمر السّحاب؟ " قال: فقال جبريل: يا نبيّ اللّه، هذا ملك السّحاب فسله. فقال: تأتينا صكاك مختّمة: اسق بلاد كذا وكذا، كذا وكذا قطرةً. رواه ابن حاتمٍ، وهو حديثٌ مرسلٌ.
وقوله: {فأبى أكثر النّاس إلا كفورًا}: قال عكرمة: يعني: الّذين يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا.
وهذا الّذي قاله عكرمة كما صحّ في الحديث المخرج في صحيح مسلمٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال لأصحابه يوماً، على أثر سماءٍ أصابتهم من اللّيل: "أتدرون ماذا قال ربّكم" قالوا: اللّه ورسوله أعلم. قال: "قال: أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافرٌ، فأمّا من قال: مطرنا بفضل اللّه ورحمته فذاك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب. وأمّا من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذاك كافرٌ بي، مؤمنٌ بالكوكب"). [تفسير ابن كثير: 6/ 115-116]

رد مع اقتباس