عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:41 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إلهٍ غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثمّ توبوا إليه إنّ ربّي قريبٌ مجيبٌ (61) قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوًّا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإنّنا لفي شكٍّ ممّا تدعونا إليه مريبٍ (62)
التقدير: وأرسلنا إلى ثمود وقد تقدم القول في مثل هذا وفي معنى الأخوة في قصة هود.
وقرأ الجمهور: «وإلى ثمود» بغير صرف، وقرأ ابن وثاب والأعمش «وإلى ثمود» بالصرف حيث وقع، فالأولى على إرادة القبيلة، والثانية على إرادة الحي، وفي هذه الألفاظ الدالة على الجموع ما يكثر فيه إرادة الحي كقريش وثقيف وما لا يقال فيه بنو فلان وفيها ما يكثر فيه إرادة القبيلة كتميم وتغلب، ألا ترى أنهم يقولون تغلب ابنة وائل، وقال الطرماح: [الطويل] «إذا نهلت منه تميم وعلّت» وقال الآخر: [المتقارب] «تميم ابن مر وأشياعها» وفيها ما يكثر فيه الوجهان كثمود وسبأ، فالقراءتان هنا فصيحتان مستعملتان. وقرأت فرقة «غيره» برفع الراء، وقد تقدم آنفا.
وأنشأكم من الأرض، أي اخترعكم وأوجدكم، وذلك باختراع آدم عليه السّلام: فكأن إنشاء آدم إنشاء لبنيه. واستعمركم، أي اتخذكم عمارا، كما تقول: استكتب واستعمل. وذهب قوم إلى أنها من العمر أي عمركم، وقد تقدم مثل قوله: فاستغفروه ثمّ توبوا إليه.
إنّ ربّي قريبٌ مجيبٌ، أي إجابته وغفرانه قريب ممن آمن وأناب، ومجيبٌ معناه بشرط المشيئة). [المحرر الوجيز: 4/ 598-600]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والظاهر الذي حكاه جمهور المفسرين أن قوله: مرجوًّا معناه: مسودا نؤمل فيك أن تكون سيدا سادّا مسدّ الأكابر، ثم قرروه على جهة التوبيخ في زعمهم بقولهم: أتنهانا وحكى النقاش عن بعضهم أنه قال: معناه حقيرا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فأما أن يكون لفظ مرجوًّا بمعنى حقير فليس ذلك في كلام العرب، وإنما يتجه ذلك على جهة التفسير للمعنى، وذلك أن القصد بقولهم: مرجوًّا يكون: لقد كنت فينا سهلا مرامك قريبا رد أمرك، ممن لا يظن أن يستفحل من أمره مثل هذا فمعنى «مرجو» أي مرجو اطراحه وغلبته ونحو هذا، فيكون ذلك على جهة الاحتقار، فلذلك فسر بحقير، ويشبه هذا المعنى قول أبي سفيان بن حرب: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة = الحديث ثم يجيء قولهم: أتنهانا على جهة التوعد والاستشناع لهذه المقالة منه.
وما يعبد آباؤنا يريدون به الأوثان والأصنام، ثم أوجبوا أنهم في شك من أمره وأقاويله، وأن ذلك الشك يرتابون به زائدا إلى مرتبته من الشك قال القاضي: ولا فرق بين هذه الحال وبين حالة التصميم على الكفر، ومريبٍ معناه ملبس متهم، ومنه قول الشاعر: [الرجز]
يا قوم ما بال أبي ذؤيب = كنت إذا أتيته من غيب
يشم عطفي ويمس ثوبي = كأنني أربته بريب
). [المحرر الوجيز: 4/ 600]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بيّنةٍ من ربّي وآتاني منه رحمةً فمن ينصرني من اللّه إن عصيته فما تزيدونني غير تخسيرٍ (63) ويا قوم هذه ناقة اللّه لكم آيةً فذروها تأكل في أرض اللّه ولا تمسّوها بسوءٍ فيأخذكم عذابٌ قريبٌ (64) فعقروها فقال تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّامٍ ذلك وعدٌ غير مكذوبٍ (65)
قوله: أرأيتم هو من رؤية القلب، أي أتدبرتم؟ والشرط الذي بعده وجوابه يسد مسد مفعولي أرأيتم و «البينة»: البرهان واليقين، والهاء في «بيّنة» للمبالغة، ويحتمل أن تكون هاء تأنيث، و «الرحمة» في هذه الآية: النبوة وما انضاف إليها، وفي الكلام محذوف تقديره أيضرني شككم أو أيمكنني طاعتكم ونحو هذا مما يليق بمعنى الآية.
وقوله فما تزيدونني غير تخسيرٍ معناه: فما تعطونني فيما أقتضيه منكم من الإيمان وأطلبكم به من الإنابة غير تخسير لأنفسكم، وهو من الخسارة، وليس التخسير في هذه الآية إلا لهم وفي حيزهم، وأضاف الزيادة إليه من حيث هو مقتض لأقوالهم موكل بإيمانهم، كما تقول لمن توصيه: أنا أريد بك خيرا وأنت تريد بي شرا.
فكأن الوجه البيّن وأنت تزيد شرا ولكن من حيث كنت مريد خير به ومقتضي ذلك- حسن أن تضيف الزيادة إلى نفسك). [المحرر الوجيز: 4/ 601]


رد مع اقتباس