عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 18 محرم 1439هـ/8-10-2017م, 02:45 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

محنة الإمام أحمد بن حنبل

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (محنة الإمام أحمد بن حنبل
ثم ورد الكتاب من الخليفة إلى أمير بغداد يأمره بامتحان الإمام أحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح العجلي، وعبيد الله القواريري، والحسن بن حماد الحضرمي الملقّب بِسَجّادة، ومعهم جماعة من أهل الحديث.

فأحضر كل واحد منهم من موضعه، وأما الإمام أحمد فأتاه رسول صاحب الرَّبْع بعد غروب الشمس؛ فخرج معه عمّه إسحاق بن حنبل يشيّعه، فلما بلغوا دار صاحب الرَّبع، قال للإمام أحمد: إذا كان غداً فاحضر دار الأمير، يقصد إسحاق بن إبراهيم.
فلمّا انصرفوا من عنده قال له عمّه: لو تواريت!
قال: (كيف أتوارى؟ إن تواريت لم آمن عليك وعلى ولدي وولدك والجيران، ويلقى الناس بسببي المكروه، ولكنّي أنظر ما يكون).
فلما اجتمعوا في دار الأمير إسحاق بن إبراهيم ببغداد قرأ عليهم كتاب المأمون يدعوهم فيه إلى القول بخلق القرآن، وكان في كتاب المأمون: (الحمد لله الذي ليس كمثله شيء وهو خالق كلّ شيء..) فقال أحمد: {وهو السميع البصير}
فقال أحد الحاضرين من المعتزلة: ما أردت بقولك: {وهو السميع البصير}؟
قال أحمد: هكذا قال الله تبارك وتعالى.
ثمّ امتحن القوم فأجابوا جميعاً مصانعة وترخّصاً بالإكراه غير هؤلاء الأربعة.
قال ابن كثير: (كان من الحاضرين من أجاب إلى القول بخلق القرآن مصانعة مكرها ؛ لأنهم كانوا يعزلون من لا يجيب عن وظائفه ، وإن كان له رزق على بيت المال قطع ، وإن كان مفتيا منع من الإفتاء ، وإن كان شيخ حديث ردع عن الإسماع والأداء ، ووقعت فتنة صماء، ومحنة شنعاء، وداهية دهياء).
فمن أجاب أطلق، ومن أبى حُبس وقُيّد؛ فلمّا كان بعد ذلك دعا بالقواريري وسجّادة فأجابا وخلّى عنهما.
فكان الإمام أحمد يعذرهما ويقول: (قد أعذرا وحُبِسَا وقُيِّدا، وقال الله عزّ وجل: {إلا من أكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان} القَيْدُ كُرْه، والحَبْسُ كُرْه).
وبقي أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح في الحبس؛ فمكثا أياماً؛ ثم ورد كتاب المأمون من طرسوس بأن يحملا إليه؛ فحملا مقيّدين زميلين؛ وشيّعهما العلماء وطلاب العلم إلى الأنبار.
وقال أبو بكر الأحول لأحمد بن حنبل: إن عرضت على السيف تجيب؟ قال: لا.
فلمّا وصلا إلى الرقّة حبسا فيها؛ حتى يقدم المأمون؛ وكان قد خرج إلى بلدة يقال لها: "البذندون".
ودخل عليه في حبسه في الرقّة أبو العبّاس الرقي - وكان من كبار أهل الحديث- في ذلك البلد، ومعه بعض أهل الحديث؛ فجعلوا يذكّرونه ما يُروى في التقية من الأحاديث؛ فقال أحمد: (وكيف تصنعون بحديث خبّاب: "إنّ من كان قبلكم كان يُنشر أحدهم بالمنشار، ثمّ لا يصدّه ذلك عن دينه ").
قال: فيئسنا منه.
فقال أحمد: (لستُ أبالي بالحبس، ما هو ومنزلي إلا واحد، ولا قتلاً بالسيف؛ إنما أخاف فتنة السوط، وأخاف أن لا أصبر).
فسمعه بعض أهل الحبس وهو يقول ذلك؛ فقال: لا عليك يا أبا عبد الله؛ فما هو إلا سوط ثمّ لا تدري أين يقع الثاني؛ فكأنّه سُرّي عنه).
ثمّ أُخِذ الإمام أحمد وصاحبه على محمل؛ وخرج عليهم الأمير رجاء الحضاري وكان من قادة الجيوش؛ فقال: هؤلاء الأشقياء!
فقال الإمام أحمد: يا عدوّ الله؛ أنت تقول: القرآن مخلوق، ونكون نحن الأشقياء.
ثم أنزلوا من المحامل وصيّروا في خيمة؛ فخرج عليهم خادم من خدم المأمون يمسح الدمع عن وجهه من البكاء وهو يقول: (عزّ عليَّ يا أبا عبد الله أن جرّد أمير المؤمنين المأمون سيفاً لم يجرّده قط، وبسط نطعاً لم يبسطه قط، ثم قال: وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا دفعت عن أحمد وصاحبه حتى يقولا: القرآن مخلوق).
فبرك الإمام أحمد على ركبتيه ولحظ السماء بعينيه، ثم قال: (سيدي غرّ هذا الفاجرَ حلمُك حتى تجرّأ على أوليائك بالضرب والقتل، اللهمّ فإن يكن القرآن كلاُمك غير مخلوق فاكفنا مؤونته).
فما مضى ثلث الليل الأول حتى سمعوا صيحة وضجّة، وإذا رجاء الحُضاري قد أقبل فقال: (صدقت يا أبا عبد الله، القرآن كلام الله غير مخلوق، مات والله أمير المؤمنين).
وفي رواية أخرى أن الأمام أحمد قال: (كنتُ أدعو الله أن لا يريني وجهه - يعني المأمون - وذلك أنه بلغني عنه أنّه يقول: "لئن وقعت عيني على أحمد لأقطعنّه إرْبا إرْبا").
قال: (فلمّا دخلنا طرسوس أقمنا أيّاما وأنا في ذلك؛ إذا رجلٌ قد دخل علينا؛ قال لي: يا أبا عبد الله، قد مات الرجل؛ فحمدتُ الله تعالى، وكنت على ذلك أتوقّع الفرَج)). [الإيمان بالقرآن:56 - 59]


رد مع اقتباس