عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 9 محرم 1440هـ/19-09-2018م, 06:45 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :({ومن أعرض عن ذكري} أي: خالف أمري، وما أنزلته على رسولي، أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه {فإنّ له معيشةً ضنكًا} أي: في الدّنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره [ضيّقٌ] حرج لضلاله، وإن تنعّم ظاهره، ولبس ما شاء وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإنّ قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى، فهو في قلقٍ وحيرةٍ وشكٍّ، فلا يزال في ريبةٍ يتردّد. فهذا من ضنك المعيشة.
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {فإنّ له معيشةً ضنكًا} قال: الشّقاء.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {فإنّ له معيشةً ضنكًا} قال: كلّ مالٍ أعطيته عبدًا من عبادي، قلّ أو كثر، لا يتّقيني فيه، فلا خير فيه، وهو الضّنك في المعيشة. ويقال: إن قومًا ضلالا أعرضوا عن الحقّ، وكانوا في سعةٍ من الدّنيا متكبّرين، فكانت معيشتهم ضنكًا؛ [و] ذلك أنّهم كانوا يرون أنّ اللّه ليس مخلّفًا لهم معايشهم، من سوء ظنّهم باللّه والتّكذيب، فإذا كان العبد يكذّب باللّه، ويسيء الظّنّ به والثّقة به اشتدّت عليه معيشته، فذلك الضّنك.
وقال الضّحّاك: هو العمل السّيّئ، والرّزق الخبيث، وكذا قال عكرمة، ومالك بن دينارٍ.
وقال سفيان بن عيينة، عن أبي حازمٍ، عن أبي سلمة، عن أبي سعيدٍ في قوله: {معيشةً ضنكًا} قال: يضيّق عليه قبره، حتّى تختلف أضلاعه فيه. قال أبو حاتمٍ الرّازيّ: النّعمان بن أبي عيّاشٍ يكنّى أبا سلمة.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا صفوان، حدّثنا الوليد، حدّثنا عبد اللّه بن لهيعة، عن درّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قول اللّه عزّ وجلّ: {فإنّ له معيشةً ضنكًا} قال: "ضمّة القبر" الموقوف أصحّ.
وقال ابن أبي حاتمٍ أيضًا: حدّثنا الرّبيع بن سليمان، حدّثنا أسد بن موسى، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثنا درّاجٌ أبو السّمح، عن ابن حجيرة -اسمه عبد الرّحمن -عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: المؤمن في قبره في روضةٍ خضراء، ويرحّب له في قبره سبعون ذراعًا، وينوّر له قبره كالقمر ليلة البدر، أتدرون فيم أنزلت هذه الآية: {فإنّ له معيشةً ضنكًا}؟ أتدرون ما المعيشة الضّنك؟ " قالوا: اللّه ورسوله أعلم. قال: عذاب الكافر في قبره، والّذي نفسي بيده، إنّه ليسلّط عليه تسعةٌ وتسعون تنّينًا، أتدرون ما التّنّين؟ تسعةٌ وتسعون حيّةً، لكلّ حيّةٍ سبعة رؤوسٍ، ينفخون في جسمه، ويلسعونه ويخدشونه إلى يوم يبعثون"..
رفعه منكرٌ جدًّا.
وقال البزّار: حدّثنا محمّد بن يحيى الأزديّ، حدّثنا محمّد بن عمرٍو حدّثنا هشام بن سعدٍ، عن سعيد بن أبي هلالٍ، [عن أبي حجيرة] عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قول اللّه عزّ وجلّ: {فإنّ له معيشةً ضنكًا} قال: "المعيشة الضّنك الّذي قال اللّه تعالى: أنّه يسلّط عليه تسعة وتسعون حيّةً، ينهشون لحمه حتّى تقوم السّاعة".
وقال أيضًا: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا أبو الوليد، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن محمّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {فإنّ له معيشةً ضنكًا} قال: "عذاب القبر". إسنادٌ جيّدٌ.
وقوله: {ونحشره يوم القيامة أعمى} قال مجاهدٌ، وأبو صالحٍ، والسّدّيّ: لا حجّة له.
وقال عكرمة: عمّي عليه كلّ شيءٍ إلّا جهنّم.
ويحتمل أن يكون المراد: أنّه يحشر أو يبعث إلى النّار أعمى البصر والبصيرة أيضًا، كما قال تعالى: {ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميًا وبكمًا وصمًّا مأواهم جهنّم كلّما خبت زدناهم سعيرًا} [الإسراء: 97].
ولهذا يقول: {ربّ لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرًا} أي: في الدّنيا). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 322-324]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} أي: لـمّا أعرضت عن آيات اللّه، وعاملتها معاملة من لم يذكرها، بعد بلاغها إليك تناسيتها وأعرضت عنها وأغفلتها، كذلك نعاملك [اليوم] معاملة من ينساك {فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا} [الأعراف: 51] فإنّ الجزاء من جنس العمل، فأمّا نسيان لفظ القرآن مع فهم معناه والقيام بمقتضاه، فليس داخلًا في هذا الوعيد الخاصّ، وإن كان متوعدًا عليه من جهةٍ أخرى، فإنّه قد وردت السّنّة بالنّهي الأكيد، والوعيد الشّديد في ذلك، قال الإمام أحمد:
حدّثنا خلف بن الوليد، حدّثنا خالدٌ، عن يزيد بن أبي زيادٍ، عن عيسى بن فائدٍ، عن رجلٍ، عن سعد بن عبادة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما من رجلٍ قرأ القرآن فنسيه، إلّا لقي اللّه يوم يلقاه وهو أجذم".
ثمّ رواه الإمام أحمد من حديث يزيد بن أبي زيادٍ، عن عيسى بن فائدٍ، عن عبادة بن الصّامت عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكر مثله سواءً). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 324]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربّه ولعذاب الآخرة أشدّ وأبقى (127)}
يقول تعالى: وهكذا نجازي المسرفين المكذّبين بآيات اللّه في الدّنيا والآخرة، {لهم عذابٌ في الحياة الدّنيا ولعذاب الآخرة أشقّ وما لهم من اللّه من واقٍ} [الرّعد: 34] ولهذا قال: {ولعذاب الآخرة أشدّ وأبقى} أي: أشدّ ألمًا من عذاب الدّنيا، وأدوم عليهم، فهم مخلّدون فيه؛ ولهذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للمتلاعنين: "إنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة"). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 324]

رد مع اقتباس