عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 11:43 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({لا خير في كثيرٍ من نجواهم إلا من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بين النّاس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات اللّه فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا (114) ومن يشاقق الرّسول من بعد ما تبيّن له الهدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى ونصله جهنّم وساءت مصيرًا (115)}
يقول تعالى: {لا خير في كثيرٍ من نجواهم} يعني: كلام النّاس {إلا من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بين النّاس} أي: إلّا نجوى من قال ذلك كما جاء في الحديث الّذي رواه ابن مردويه:
حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن إبراهيم، حدّثنا محمّد بن سليمان بن الحارث، حدّثنا محمّد بن يزيد بن خنيس قال: دخلنا على سفيان الثّوريّ نعوده -وأومأ إلى دار العطّارين -فدخل عليه سعيد بن حسّان المخزوميّ فقال له سفيان الثّوريّ: الحديث الّذي كنت حدّثتني به عن أمّ صالحٍ اردده عليّ. فقال: حدّثتني أمّ صالحٍ، عن صفية بنت شيبة، عن أمّ حبيبة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كلام ابن آدم كلّه عليه لا له ما خلا أمرًا بمعروفٍ أو نهيًا عن منكرٍ [أو ذكر اللّه عزّ وجلّ"، قال سفيان: فناشدته] فقال محمّد بن يزيد: ما أشدّ هذا الحديث؟ فقال سفيان: وما شدّة هذا الحديث؟ إنّما جاءت به امرأةٌ عن امرأةٍ، هذا في كتاب اللّه الّذي أرسل به نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم أو ما سمعت اللّه يقول في كتابه: {لا خير في كثيرٍ من نجواهم إلا من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بين النّاس} فهو هذا بعينه، أو ما سمعت اللّه يقول: {يوم يقوم الرّوح والملائكة صفًّا لا يتكلّمون إلا من أذن له الرّحمن وقال صوابًا} [النّبأ: 38] فهو هذا بعينه، أو ما سمعت اللّه يقول في كتابه: {والعصر. إنّ الإنسان لفي خسرٍ. [إلا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصّبر]} [سورة العصر]، فهو هذا بعينه.
وقد روى هذا الحديث التّرمذيّ وابن ماجه من حديث محمّد بن يزيد بن خنيس عن سعيد بن حسّان، به. ولم يذكرا أقوال الثّوريّ إلى آخرها، ثمّ قال التّرمذيّ: غريبٌ لا نعرفه إلّا من حديث ابن خنيس.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يعقوب، حدّثنا أبي، حدّثنا صالح بن كيسان، حدّثنا محمّد بن مسلم بن عبيد اللّه بن شهابٍ: أنّ حميد بن عبد الرّحمن بن عوفٍ أخبره، أن أمه أم كلثوم بنت عقبة أخبرته: أنّها سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "ليس الكذّاب الّذي يصلح بين النّاس فينمي خيرًا -أو يقول خيرًا" وقالت: لم أسمعه يرخّص في شيءٍ ممّا يقوله النّاس إلّا في ثلاثٍ: في الحرب، والإصلاح بين النّاس، وحديث الرّجل امرأته، وحديث المرأة زوجها. قال: وكانت أمّ كلثومٍ بنت عقبة من المهاجرات اللّاتي بايعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقد رواه الجماعة، سوى ابن ماجه، من طرقٍ، عن الزّهريّ، به نحوه.
قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد، عن أمّ الدّرداء، عن أبي الدّرداء قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصّلاة، والصّيام والصّدقة؟ " قالوا: بلى. قال: "إصلاح ذات البين" قال: "وفساد ذات البين هي الحالقة".
ورواه أبو داود والتّرمذيّ، من حديث أبي معاوية، وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ.
وقال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا محمّد بن عبد الرّحيم، حدّثنا سريج بن يونس، حدّثنا عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن عمر، حدّثنا أبي، عن حميدٍ، عن أنسٍ؛ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال لأبي أيّوب: "ألا أدلّك على تجارةٍ؟ " قال: بلى: قال: "تسعى في صلحٍ بين النّاس إذا تفاسدوا، وتقارب بينهم إذا تباعدوا" ثمّ قال البزّار: وعبد الرّحمن بن عبد اللّه العمري ليّن، وقد حدّث بأحاديث لم يتابع عليها.
ولهذا قال: {ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله} أي: مخلصًا في ذلك محتسبًا ثواب ذلك عند اللّه عزّ وجلّ {فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا} أي: ثوابًا كثيرًا واسعًا). [تفسير القرآن العظيم: 2/411-412]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ومن يشاقق الرّسول من بعد ما تبيّن له الهدى} أي: ومن سلك غير طريق الشّريعة الّتي جاء بها الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم، فصار في شقٍّ والشّرع في شقٍّ، وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحقّ وتبيّن له واتّضح له. وقوله: {ويتّبع غير سبيل المؤمنين} هذا ملازمٌ للصّفة الأولى، ولكن قد تكون المخالفة لنصّ الشّارع، وقد تكون لما أجمعت عليه الأمّة المحمّديّة، فيما علم اتّفاقهم عليه تحقيقًا، فإنّه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ، تشريفًا لهم وتعظيما لنبيهم [صلّى اللّه عليه وسلّم]. وقد وردت في ذلك أحاديث صحيحةٌ كثيرةٌ، قد ذكرنا منها طرفًا صالحًا في كتاب "أحاديث الأصول"، ومن العلماء من ادّعى تواتر معناها، والّذي عوّل عليه الشّافعيّ، رحمه اللّه، في الاحتجاج على كون الإجماع حجّةً تحرم مخالفته هذه الآية الكريمة، بعد التّروّي والفكر الطّويل. وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها، وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك واستبعد الدّلالة منها على ذلك.
ولهذا توعّد تعالى على ذلك بقوله: {نولّه ما تولّى ونصله جهنّم وساءت مصيرًا} أي: إذا سلك هذه الطّريق جازيناه على ذلك، بأن نحسّنها في صدره ونزيّنها له -استدراجًا له -كما قال تعالى: {فذرني ومن يكذّب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} [القلم: 44]. وقال تعالى: {فلمّا زاغوا أزاغ اللّه قلوبهم} [الصّفّ:5]. وقوله {ونذرهم في طغيانهم يعمهون} [الأنعام: 110].
وجعل النّار مصيره في الآخرة، لأنّ من خرج عن الهدى لم يكن له طريقٌ إلّا إلى النّار يوم القيامة، كما قال تعالى: {احشروا الّذين ظلموا وأزواجهم [وما كانوا يعبدون. من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم]} [الصّافّات: 22، 23]. وقال: {ورأى المجرمون النّار فظنّوا أنّهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفًا} [الكهف:53] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/412-413]

رد مع اقتباس