عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 29 محرم 1440هـ/9-10-2018م, 08:25 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {لقد كان لكم في رسول اللّه أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر وذكر اللّه كثيرًا (21) ولـمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وصدق اللّه ورسوله وما زادهم إلّا إيمانًا وتسليمًا (22) }
هذه الآية الكريمة أصلٌ كبيرٌ في التّأسّي برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في أقواله وأفعاله وأحواله؛ ولهذا أمر النّاس بالتّأسّي بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الأحزاب، في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربّه، عزّ وجلّ، صلوات اللّه وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدّين؛ ولهذا قال تعالى للّذين تقلّقوا وتضجّروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب: {لقد كان لكم في رسول اللّه أسوةٌ حسنةٌ} أي: هلّا اقتديتم به وتأسّيتم بشمائله؟ ولهذا قال: {لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر وذكر اللّه كثيرًا}). [تفسير ابن كثير: 6/ 391]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال تعالى مخبرًا عن عباده المؤمنين المصدّقين بموعود اللّه لهم، وجعله العاقبة حاصلةً لهم في الدّنيا والآخرة، فقال: {ولـمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا اللّه ورسوله وصدق اللّه ورسوله}.
قال ابن عبّاسٍ وقتادة: يعنون قوله تعالى في "سورة البقرة" {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولـمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضّرّاء وزلزلوا حتّى يقول الرّسول والّذين آمنوا معه متى نصر اللّه ألا إنّ نصر اللّه قريبٌ} [البقرة: 214].
أي هذا ما وعدنا اللّه ورسوله من الابتلاء والاختبار والامتحان الّذي يعقبه النّصر القريب؛ ولهذا قال: {وصدق اللّه ورسوله}.
وقوله: {وما زادهم إلا إيمانًا وتسليمًا}: دليلٌ على زيادة الإيمان وقوّته بالنّسبة إلى النّاس وأحوالهم، كما قاله جمهور الأئمّة: إنّه يزيد وينقص. وقد قرّرنا ذلك في أوّل "شرح البخاريّ" وللّه الحمد والمنّة.
ومعنى قوله: {وما زادهم} أي: ذلك الحال والضّيق والشّدّة [ما زادهم] {إلا إيمانًا} باللّه، {وتسليمًا} أي: انقيادًا لأوامره، وطاعة لرسوله). [تفسير ابن كثير: 6/ 391-392]

تفسير قوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلًا (23) ليجزي اللّه الصّادقين بصدقهم ويعذّب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إنّ اللّه كان غفورًا رحيمًا (24) }
لـمّا ذكر عن المنافقين أنّهم نقضوا العهد الّذي كانوا عاهدوا اللّه عليه لا يولّون الأدبار، وصف المؤمنين بأنّهم استمرّوا على العهد والميثاق و {صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه فمنهم من قضى نحبه}، قال بعضهم: أجله.
وقال البخاريّ: عهده. وهو يرجع إلى الأوّل.
{ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا} أي: وما غيّروا عهد اللّه، ولا نقضوه ولا بدّلوه.
قال البخاريّ: حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيبٌ، عن الزّهريّ قال: أخبرني خارجة بن زيد بن ثابتٍ، عن أبيه قال: لمّا نسخنا الصّحف، فقدت آيةً من "سورة الأحزاب" كنت أسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرؤها، لم أجدها مع أحدٍ إلّا مع خزيمة بن ثابتٍ الأنصاريّ -الّذي جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شهادته بشهادة رجلين -: {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه}
انفرد به البخاريّ دون مسلمٍ. وأخرجه أحمد في مسنده، والتّرمذيّ والنّسائيّ -في التّفسير من سننيهما -من حديث الزّهريّ، به. وقال التّرمذيّ: "حسنٌ صحيحٌ".
وقال البخاريّ أيضًا: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا محمّد بن عبد اللّه الأنصاريّ، حدّثني أبي، عن ثمامة، عن أنس بن مالكٍ قال: نرى هذه الآية نزلت في أنس بن النّضر: {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه}.
انفرد به البخاريّ من هذا الوجه، ولكن له شواهد من طرقٍ آخر. قال الإمام أحمد:
حدّثنا هاشم بن القاسم، حدّثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابتٍ قال: قال أنسٌ: عمي أنس بن النّضر سميت به، لم يشهد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدرٍ، فشقّ عليه وقال: أوّل مشهدٍ شهده رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غيّبت عنه، لئن أراني اللّه مشهدًا فيما بعد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليرين اللّه ما أصنع. قال: فهاب أن يقول غيرها، فشهد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم [يوم] أحدٍ، فاستقبل سعد بن معاذٍ فقال له أنسٌ يا أبا عمرٍو، أبن. واهًا لريح الجنّة أجده دون أحدٍ، قال: فقاتلهم حتّى قتل قال: فوجد في جسده بضعٌ وثمانون من ضربةٍ وطعنةٍ ورميةٍ، فقالت أخته -عمّتي الرّبيّع ابنة النّضر -: فما عرفت أخي إلّا ببنانه. قال: فنزلت هذه الآية: {رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا}. قال: فكانوا يرون أنّها نزلت فيه، وفي أصحابه.
ورواه مسلمٌ والتّرمذيّ والنّسائيّ، من حديث سليمان بن المغيرة، به. ورواه النّسائيّ أيضًا وابن جريرٍ، من حديث حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، به نحوه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن سنانٍ، حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا حميدٌ، عن أنسٍ أنّ عمّه -يعني: أنس بن النّضر -غاب عن قتال بدر، فقال: غيّبت عن أوّل قتالٍ قاتله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المشركين، لئن اللّه أشهدني قتالًا للمشركين، ليرينّ اللّه ما أصنع. قال: فلمّا كان يوم أحدٍ انكشف المسلمون، فقال: اللّهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء -يعني: أصحابه -وأبرأ إليك ممّا جاء هؤلاء -يعني: المشركين -ثمّ تقدّم فلقيه سعدٌ -يعني: ابن معاذٍ -دون أحدٍ، فقال: أنا معك. قال سعدٌ: فلم أستطع أن أصنع ما صنع. قال: فوجد فيه بضعٌ وثمانون ضربة سيفٍ، وطعنة رمحٍ، ورمية سهمٍ. وكانوا يقولون: فيه وفي أصحابه [نزلت]: {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر}
وأخرجه التّرمذيّ في التّفسير عن عبد بن حميدٍ، والنّسائيّ فيه أيضًا، عن إسحاق بن إبراهيم، كلاهما، عن يزيد بن هارون، به، وقال التّرمذيّ: حسنٌ. وقد رواه البخاريّ في المغازي، عن حسّان بن حسّان، عن محمّد بن طلحة بن مصرّف، عن حميدٍ، عن أنسٍ، به، ولم يذكر نزول الآية. ورواه بن جريرٍ، من حديث المعتمر بن سليمان، عن حميد، عن أنس، به.سب
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن الفضل العسقلانيّ، حدّثنا سليمان بن أيّوب بن سليمان بن عيسى بن موسى بن طلحة بن عبيد اللّه، حدّثني أبي، عن جدّي، عن موسى بن طلحة، عن أبيه طلحة قال: لمّا أن رجع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من أحدٍ، صعد المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه، وعزّى المسلمين بما أصابهم، وأخبرهم بما لهم فيه من الأجر والذّخر، ثمّ قرأ هذه الآية: {رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه}. فقام إليه رجلٌ من المسلمين فقال: يا رسول اللّه، من هؤلاء؟ فأقبلت وعليّ ثوبان أخضران حضرميّان فقال: "أيّها السّائل، هذا منهم".
وكذا رواه ابن جريرٍ من حديث سليمان بن أيّوب الطّلحي، به. وأخرجه التّرمذيّ في التّفسير والمناقب أيضًا، وابن جريرٍ، من حديث يونس بن بكير، عن طلحة بن يحيى، عن موسى وعيسى ابني طلحة، عن أبيهما، به. وقال: حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه إلّا من حديث يونس.
وقال أيضًا: حدّثنا أحمد بن عصامٍ الأنصاريّ، حدّثنا أبو عامرٍ -يعني: العقديّ -حدّثني إسحاق -يعني: ابن طلحة بن عبيد اللّه -عن موسى بن طلحة قال: [دخلت على معاوية، رضي اللّه عنه، فلمّا خرجت، دعاني فقال: ألا أضع عندك يا بن أخي حديثًا سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ أشهد لسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "طلحة ممّن قضى نحبه".
ورواه ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا عبد الحميد الحمّاني، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة الطّلحي، عن موسى بن طلحة قال]: قام معاوية بن أبي سفيان فقال: إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "طلحة ممّن قضى نحبه".
ولهذا قال مجاهدٌ في قوله: {فمنهم من قضى نحبه} قال: عهده، {ومنهم من ينتظر} قال: يوما.
وقال الحسن: {فمنهم من قضى نحبه} يعني: موته على الصّدق والوفاء. {ومنهم من ينتظر} الموت على مثل ذلك، ومنهم من لم يبدّل تبديلًا. وكذا قال قتادة، وابن زيدٍ.
وقال بعضهم: {نحبه} نذره.
وقوله: {وما بدّلوا تبديلا} أي: وما غيّروا عهدهم، وبدّلوا الوفاء بالغدر، بل استمرّوا على ما عاهدوا اللّه عليه، وما نقضوه كفعل المنافقين الّذين قالوا: {إنّ بيوتنا عورةٌ وما هي بعورةٍ إن يريدون إلا فرارًا}، {ولقد كانوا عاهدوا اللّه من قبل لا يولّون الأدبار}). [تفسير ابن كثير: 6/ 392-395]

تفسير قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {ليجزي اللّه الصّادقين بصدقهم ويعذّب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم} أي: إنّما يختبر عباده بالخوف والزّلزال ليميز الخبيث من الطّيّب، فيظهر أمر هذا بالفعل، وأمر هذا بالفعل، مع أنّه تعالى يعلم الشّيء قبل كونه، ولكن لا يعذّب الخلق بعلمه فيهم، حتّى يعملوا بما يعلمه فيهم، كما قال تعالى: {ولنبلونّكم حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين ونبلو أخباركم} [محمّدٍ: 31]، فهذا علمٌ بالشّيء بعد كونه، وإن كان العلم السّابق حاصلًا به قبل وجوده. وكذا قال تعالى: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب} [آل عمران: 179]. ولهذا قال هاهنا: {ليجزي اللّه الصّادقين بصدقهم} أي: بصبرهم على ما عاهدوا اللّه عليه، وقيامهم به، ومحافظتهم عليه. {ويعذّب المنافقين}: وهم النّاقضون لعهد اللّه، المخالفون لأوامره، فاستحقّوا بذلك عقابه وعذابه، ولكن هم تحت مشيئته في الدّنيا، إن شاء استمرّ بهم على ما فعلوا حتّى يلقوه به فيعذّبهم عليه، وإن شاء تاب عليهم بأن أرشدهم إلى النّزوع عن النّفاق إلى الإيمان، وعمل الصّالح بعد الفسوق والعصيان. ولـمّا كانت رحمته ورأفته بخلقه هي الغالبة لغضبه قال: {إنّ اللّه كان غفورًا رحيمًا}). [تفسير ابن كثير: 6/ 395]

رد مع اقتباس