عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 29 محرم 1440هـ/9-10-2018م, 05:53 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم وبخهم بأن الله يعلم المعوقين، وهم الذين يعوقون الناس عن نصرة الرسول، ويمنعونهم بالأقوال والأفعال من ذلك، ويسعون على الذين ينصرونه، وتقول: عاقني أمر كذا، وعوقني إذا بالغت وضعفت الفعل.
وأما القائلون فاختلف الناس في حالهم، فقال ابن زيد وغيره: أراد المنافقين، يقول المنافق لإخوانه في النسب وقرابته: "هلم إلينا" أي: إلى المنازل والأكل والشرب وترك القتال، وروي أن جماعة منهم فعلت ذلك. وروي أن رجلا من المؤمنين رجع إلى داره فوجد أخا له منافقا، بين يديه رغيف وشواء ونبيذ، فقال له: أتجلس هكذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في القتال؟ فقال له أخوه: هلم إلى ما أنا فيه يا فلان، ودعني من محمد فقد والله هلك، وما له قبل بأعدائه. فشتمه أخوه وقال: والله لأعرفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الآية نزلت.
وقالت فرقة: بل أراد من كان من المنافقين يداخل كفار قريش من العرب، فإنه كان منهم من يداخلهم، وقال لهم: "هلم إلينا"، أي إلى المدينة فإنكم تغلبون محمدا، والإخوان- على هذا - هم في الكفر والمذهب السوء.
و"هلم" بمعنى: أقبل، ومن العرب من يستعملها على حد واحد في المذكر والمؤنث والمفرد والجمع، وهذا على أنها اسم فعل، هذه لغة أهل الحجاز، ومنهم من يجريها مجرى الأفعال فيلحقها الضمائر المختلفة، فيقول: هلم، وهلموا. وأصل "هلم": "هالمم"، نقلت حركة الميم إلى اللام فاستغني عن الألف، وأدغمت الميم في الميم لسكونها فجاء "هلم"، وهذا مثل تعليل: "رد" من اردد.
والبأس: القتال، و"إلا قليلا" معناه: إلا إتيانا قليلا، وقلته يحتمل أن يكون لقصر مدته وقلة أزمنته، ويحتمل أن يكون لقلة عقابه، وأنه رياء وتلميع لا تحقيق).[المحرر الوجيز: 7/ 100-101]

تفسير قوله تعالى: {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا}
"أشحة" جمع شحيح، ونصبه على الحال من "القائلين": أو من فعل مضمر دل عليه قوله: "المعوقين"، أو من الضمير في "يأتون"، أو على الذم، وقد منع بعض النحاة أن يعمل في هذه الحال "المعوقين" أو"القائلين" لمكان التفريق بين الصلة والموصول بقوله: {ولا يأتون البأس} وهو غير داخل في الصلة. وهذا الشح قيل: هو بأنفسهم على المؤمنين، وقيل: هو بإخوانهم، وقيل: بأموالهم في النفقات في سبيل الله، وقيل: بالغنيمة عند القسم، والصواب تعميم الشح، وأن يكون بكل ما فيه للمؤمنين منفعة.
وقوله: {فإذا جاء الخوف}، قيل: معناه: فإذا قوي الخوف من العدو، وتوقع أن يستأصل جميع أهل المدينة، لاذ هؤلاء المنافقون بك، ينظرون نظر الهلع المختلط، كنظر الذي يغشى عليه من الموت، "فإذا ذهب" ذلك الخوف العظيم "سلقوكم" أي: خاطبوكم مخاطبة بليغة، يقال: خطيب سلاق ومسلاق ومسلق، ولسان أيضا كذلك إذا كان فصيحا مقتدرا، وقرأ ابن أبي عبلة: "صلقوكم" بالصاد. ووصف الألسنة بالحدة لقطعها المعاني، ونفوذها في الأقوال.
وقالت فرقة: معنى قوله: {فإذا جاء الخوف} أي: إذا كان المؤمنون في قوة وظهور، وخشي هؤلاء المنافقون سطوتك يا محمد بهم رأيتهم يصانعون وينظرون إليك نظر فازع منك خائف هلع، فإذا ذهب خوفك عنهم باشتغالك بعدو ونحوه - كما كان مع الأحزاب - سلقوكم حينئذ. واختلف الناس في المعنى الذي فيه يسلقون، فقال يزيد بن رومان وغيره: ذلك في أذى المؤمنين وسبهم وتنقيص الشرع ونحو هذا، وقال قتادة: ذلك في طلب العطاء من الغنيمة والإلحاف في المسألة. وهذان القولان يترتبان مع كل واحد من التأويلين المتقدمين في الخوف، وقالت فرقة: السلق هو في مخادعة المؤمنين بما يرضيهم من القول على جهة المصانعة والمخاتلة.
وقوله: "أشحة" حال من الضمير في "سلقوكم"، وقوله: "على الخير" يدل على عموم الشح في قوله أولا: {أشحة عليكم}، وقيل في هذا: معناه: أشحة على مال الغنائم، وهذا مذهب من قال: إن "الخير" في كتاب الله حيث وقع فهو بمعنى المال. وقرأ ابن أبي عبلة: "أشحة" بالرفع، ثم أخبر تبارك وتعالى عنهم أنهم لم يؤمنوا، ولا كمل تصديقهم، وجمهور المفسرين على أن هذه الإشارة إلى منافقين لم يكن لهم قط إيمان، ويكون قوله: {فأحبط الله أعمالهم} أي أنها لم تقبل قط، أنها كالمحبطة، وحكى الطبري عن ابن زيد عن أبيه أنه قال: نزلت في رجل بدري نافق بعد ذلك ووقع في هذه المعاني فأحبط الله عمله في بدر وغيرها، وهذا فيه ضعف.
والإشارة بـ"ذلك" في قوله تعالى: {وكان ذلك على الله يسيرا} يحتمل أن تكون إلى إحباط عمل هؤلاء المنافقين، ويحتمل أن تكون إلى جملة حالهم وما وصف من شحهم ونظرهم وغير ذلك من أعمالهم، أي أن أمرهم يسير لا يبالي به، ولا له أثر في دفع خير ولا جلب شر). [المحرر الوجيز: 7/ 101-103]

تفسير قوله تعالى: {يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا * لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا}
الضمير في "يحسبون" للمنافقين، والمعنى أنهم من الجزع والفزع بحيث رحل الأحزاب وهزمهم الله تعالى وهؤلاء يظنون أنهم لم يذهبوا، بل يريدون الكرة إلى المدينة، ثم أخبر تعالى عن معتقد هؤلاء المنافقين أن ودهم إذا أتى الأحزاب وحاصروا المدينة أن يكونوا هم قد خرجوا إلى البادية ومع الأعراب وهم أهل العمود والرحيل من قطر إلى قطر، ومن كان منهم مقيما بأرض مستوطنا فلا يسمون أعرابا، وغرضهم من البداوة أن يكونوا سالمين من القتال. وقرأ ابن عباس، وطلحة بن مصرف: "لو أنهم بدى في الأعراب" شديدة الدال منونة، وهو جمع باد كغاز وغزى. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: "بدا" فعلا ماضيا.
وقرأ أهل مكة، ونافع، وابن كثير، والحسن: "يسألون"، أي عن أنبائكم، وقرأ أبو عمرو، وعاصم، والأعمش، والحسن: "يسألون" بغير همز، نحو قوله تعالى: {سل بني إسرائيل}، وقرأ الجحدري، وقتادة، والحسن - بخلاف عنه -: "يساءلون"، أي: يسأل بعضهم بعضا، قال الجحدري في الإمام: "يتساءلون".
ثم سلى الله تعالى نبيه عنهم، وحقر شأنهم بأن أخبر أنهم لو حضروا لما أغنوا ولما قاتلوا إلا قتالا قليلا لا نفع له، قال التغلبي: هو قليل من حيث هو رياء من غير حسبة ولو كان لله لكان كثيرا). [المحرر الوجيز: 7/ 103-104]

رد مع اقتباس