عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 29 محرم 1440هـ/9-10-2018م, 05:29 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله}، إلى قوله تبارك وتعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك} نزلت في شأن غزوة الخندق وما اتصل بها من أمر بني قريظة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلى بني النضير من موضعهم عند المدينة إلى خيبر، فاجتمعت جماعة منهم ومن غيرهم من اليهود وخرجوا إلى مكة مستنهضين قريشا إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجسروهم على ذلك، وأزمعت قريش السير إلى المدينة، ونهض اليهود إلى غطفان وبني أسد ومن أملهم من أهل نجد وتهامة، فاستنفروهم إلى ذلك، فتحزب الناس وساروا إلى المدينة، واتصل الخبر برسول الله صلى الله عليه وسلم فحفر الخندق حول ديار بالمدينة وحصنه، وكان أمرا لم تعهده العرب، وإنما كان من أعمال فارس والروم، وأشار به سلمان الفارسي رضي الله عنه، فورد الأحزاب، قريش وكنانة والأحابيش في نحو عشرة آلاف عليهم أبو سفيان بن حرب، ووردت غطفان وأهل نجد عليهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، ووردت بنو عامر وغيرهم عليهم عامر بن الطفيل إلى غير هؤلاء، فحصروا المدينة، وذلك في شوال سنة خمس من الهجرة، على ما قال ابن إسحاق، وقال مالك: كانت سنة أربع، وكانت بنو قريظة قد عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الهدنة، وعاقدوه على أن لا يلحقه منهم ضرر، فلما تمكن هذا الحصار واثقهم بنو النضير، فغدروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقضوا العهد، وصاروا له حزبا مع الأحزاب، فضاق الحال على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وكثرت الظنون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر ويعد بالنصر.
ثم ألقى الله تعالى الرعب في قلوب المشركين، ويئسوا من الظفر بمنعة الخندق، وبما رأوا من جلد المؤمنين، وجاء رجل من قريش اسمه نوفل بن الحارث - وقيل غير هذا - فاقتحم الخندق بفرسه فقتل فيه، فكان ذلك حاجزا بينهم، ثم إن الله تعالى بعث الصبا لنصرة نبيه صلى الله عليه وسلم على الكفار، فطردتهم، وهددت بيوتهم، وأطفأت نيرانهم، وقطعت حبالهم، وأطفأت قدورهم، ولم يمكنهم معها قرار، وبعث الله مع الصبا ملائكة تشدد الريح، وتفعل نحو فعلها، وتلقي الرعب في قلوب الكفرة حتى أزمعوا الرحلة بعد بضع وعشرين ليلة للحصر، فانصرفوا خائبين، فهذه الجنود التي لم تر. وقرأ الحسن: "وجنودا" بفتح الجيم، وقرأ الجمهور: تعملون بالتاء، فكأن في الآية مقابلة لهم، أي: أنتم لم تروا جنوده وهو بصير بأعمالكم، فيتبين في هذا القدرة والسلطان، وقرأ أبو عمرو وحده: "يعملون" بالياء على معنى الوعيد للكفرة، وقرأ أبو عمرو أيضا بالتاء، وهما حسنتان، وروي عن أبي عمرة: "لم يروها" من تحت، قال أبو حاتم: قراءة العامة: "لم تروها" بالتاء من فوق، وروي عن الحسن، ونافع، والأعرج: "يعلمون" بالتاء). [المحرر الوجيز: 7/ 95-96]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا * وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا}
"إذ" هذه بدل من الأولى في قوله سبحانه: {إذ جاءتكم}، وقوله: {من فوقكم} يريد أهل نجد مع عيينة بن حصن، ومن أسفل منكم يريد مكة وسائر تهامة، قاله مجاهد، وقيل: {من فوقكم} أي: من أعلى الوادي من قبل مشرف غطفان، ومن أسفل منكم من أسفل الوادي منه قبل المغرب وقيل: إنما أراد ما يختص ببقعة المدينة، أي: نزلت طائفة في أعلى المدينة، وطائفة في أسفلها، وهذه عبارة عن الحصر.
و زاغت الأبصار معناه: مالت عن مواضعها، وذلك فعل الواله الفزع، وأدغم الأعمش "إذ زاغت"، وبين الذال الجمهور، وكل حسن.
وبلغت القلوب الحناجر عبارة عما يجده الهلع من ثوران نفسه وتفرقها شعاعا، ويجد كأن حشوته وقلبه يصعد علوا لينفصل، فليس بلوغ القلوب الحناجر حقيقة بالنقلة، بل يشير إلى ذلك، فيستعار لها بلوغ الحناجر، وروى أبو سعيد أن المؤمنين قالوا يوم الخندق: يا رسول الله، بلغت القلوب الحناجر، فهل من شيء نقوله؟ قال: نعم، قولوا: "اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا"، فقالوها فضرب الله تعالى وجوه الكفار بالريح فهزمهم.
وقوله تعالى: {وتظنون بالله الظنونا}، أي: تكادون تضطربون وتقولون: ما هذا الخلف للموعد؟ وهذه عبارة عن خواطر للمؤمنين لا يمكن للبشر دفعها، وأما المنافقون فجلحوا ونطقوا.
وقرأ نافع، وأبو عمرو، وعاصم، وأبو جعفر، وشيبة، والأعمش، وطلحة: "الظنونا" بألف في الوصل والوقف، وذلك اتباع لخط المصحف، وعلته تعديل رؤوس الآي، وطرد هذه العلة أن يلازم الوقف. وقد روي عن أبي عمرو أنه كان لا يصل، فكان لا يوافق خط المصحف وقياس الفواصل، وقرأ أبو عمرو أيضا، وحمزة في الوصل والوقف: "الظنون" بغير ألف، وهذا هو الأصل، وقرأ ابن كثير، والكسائي، وعاصم، وأبو عمرو بالألف في الوقف، وبحذفها في الوصل، وعللوا الوقف بتساوي رؤوس الآي، وبما يفعل العرب في القوافي من الزيادة والنقص). [المحرر الوجيز: 7/ 96-97]

تفسير قوله تعالى: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "هنالك" ظرف زمان، والعامل فيه "ابتلي"، ومن قال: إن العامل فيه "وتظنون" فليس قوله بالقوي; لأن البداءة ليست بمتمكنة. و"ابتلي" معناه: اختبر وامتحن الصابر منهم من الجازع، "وزلزلوا" معناه: حركوا بعنف، وقرأ الجمهور: "زلزالا" بكسر الزاي، وقرأها "زلزالا" بالفتح: الجحدري، وكذلك "زلزالها" في إذا زلزلت). [المحرر الوجيز: 7/ 97]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم ذكر تعالى قول المنافقين والمرضى القلوب، ونبه عليهم على جهة الذم لهم، وروي عن يزيد بن رومان أن معتب بن قشير قال: يعدنا محمد أن نفتح كنوز كسرى وقيصر ومكة ونحن الآن لا يقدر أحدنا أن يذهب إلى الغائط، ما يعدنا إلا غرورا، أي أمرا يغرنا ويوقعنا فيما لا طاقة لنا به، وقال غيره من المنافقين نحو هذا فنزلت الآية فيهم، وقولهم: {ما وعدنا الله ورسوله} إنما هو على جهة الهزء، كأنهم يقولون: على زعم هذا الذي يدعي، أنه رسول، يدل على هذا أن من المحال أن يكون اعتقادهم أن ذلك الوعد هو من الله ومن رسوله ثم يصفونه بالغرور، بل معناه: على زعم هذا).[المحرر الوجيز: 7/ 97-98]

رد مع اقتباس